صرخات بلا صدى - صرخات بلا صدى - صرخات بلا صدى - صرخات بلا صدى - صرخات بلا صدى
كتبت بتاريخ 2- 1- 1994 -
صرخات بلا صدى .....
عادت به الأفكار سنينا أربعة إلى الوراء حيث الحلم الموؤد قبل ولادته قد تحقق على الورق ...نال الشهادة التي أفنى سنتين من عمره يحفر الورق وينقش الأسطر ويطعم دم الأوردة لحبر الأقلام ..يومها لم تسعه الفرحة وظن - لأول مرة - أن الحظ فتح أبوابه على مصراعيه وشرع للأمل ستائره كي تستقبل طموحاته الجاثمة في صدره والمتوثبة للانطلاق .....
تهاوت دمعة من عينيه الثكلى وأحسّ ببخار الآلة الجامدة تلسعه فطرد أفكاره وراح يناجي هذه الخرساء ....لم يكن ليتصور يوما أن الزمن على قسوته سيرميه في هذا المكان ...
" لماذا نفني العمر علما واجتهادا إن كان مصيرنا سيؤول إلى هذه المقبرة ؟؟ "
سؤال كان يذبحه ويلح في صدره على إجابات كانت تخنقه ولا يستطيع البوح بها ......
غريبة هذه الدنيا ..لماذا ينقلب الحال وتدفن الآمال في خزائن النسيان ؟؟؟ غزيرة هي الأفكار التي كانت تهطل عليه كالمطر فلا هو قادر على تحطيم واقعه ولا هذه الحياة خلقت لأجله ...لم يكن يوما يتصور أن الزمن عاق لهذه الدرجة .. ماذا فعلت لأستحق جحودا "؟؟؟؟؟؟؟؟ لماذا يكافئنا الوطن وفاء بنكران ؟؟ لماذا يزداد الفقير فقرا وتنتفخ أمعاء الغني أموالا وطمعا وفسادا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كانت هذه الأسئلة تزيده يأسا وبؤسا ...لقد أدمن الكسل وراحت دودة التخاذل تنهش أوصاله وتتسلل الى ما تبقى من ذاكرته التي أصبحت مرتعا للبولسترين ومأوى لبخار الآلات الصماء .......
" سأترك هذه المهنة الكئيبة " " ما خلقت لأفني العمر بين جدران التخلف " " انني أملك طاقات هائلة لا ينبغي أن تندثر بين ركام النفايات " .........
كان دائم التفكير والشرود يمضي ساعات الليل البهيم تفكيرا وتقليب صفحات من ماضيه العتيد ...
انه يشطح بأحلامه التي يعرف أنها سراب سيطويه الليل عندما يرحل ويجل النهار ......
رغم متاعب الحياة ورغم هموم العمل التي لا تنتهي الا أنه يصر على الكتابة ...لم ينقطع لحظة وما فتئ يطعم الأوراق نزف شريانه ..لكن ما يبكيه أن لا أحد يفهم بكاء أوصاله ولا تمزق أحرفه ...انهم يحسبونه مجنونا ....
" أتترك الدنيا وأنت المتعلم وتأتي لتدفن نفسك وآمالك في هذا السرطان " ؟؟؟؟؟؟
" انه يهدر الطاقات ويتلف العقل ويحجر العواطف "... لشدة أحزانه وعندما كانت سماؤه تتلبد غيوما وأحزان كان يقذف أفكاره ويرمي أوجاعه لتستقر بين أحشاء الآلة الخرساء .......
لقد أصبحت بينهما صداقة وطيدة ..كيف لا وبينهما سهر وحكايات ..... غالبا ما كان يناجيها طالما أن البشر لا يفهمون أشجانه لماذا لا يحرك عواطف هذه الآلة البلهاء ؟؟؟؟؟؟؟؟ربما تكون أكثر عطفا عليه من الناس !!!!!
ربما يعجبه الحال فيرحل مع الآلة حيث لا هم ولا وجع قلب !!!!!!!
" أجيبيني يا أنيستي في هذا الليل المفترس ... لماذا يغتال الناس إنسانيتهم وقد أعطاهم الله قلوبا فملئوها حقدا ووهبهم عقولا فصيّروها شيطان مال و جاه ؟؟؟؟؟
عندما اشتدت معاناته صرخ وزاد صراخه وناجى الآلة أن تعطيه جوابا !!!!!
بكى بحرقة حتى الآلة التي يطعمها نزف أضلعه تجافيه وتتخلى عنه ...أطلق لقلمه العنان ...يدرك جيدا أنه الوحيد الذي يفهمه .......راح يكتب ويتوه مع أوراقه في عالم سحري فريد ...عندما نال منه التعب نبهه زميله أن الفجر لاح وأن موعد المغادرة قد أزف ........ترك الآلة واحتضن أوراقه وغادر المصنع ليعود إليه في المساء ليكرر حكاية كل يوم .........................
لله درك ما أبلغ حروفك وما أروعها...
برغم مافي قصتك هذه من ألم الا أنك وصلت بي الى حد المتعة فعلاً بالقراءة
قصص كثيرة تشبه قصته ...وعالم مجنون يعصف بالكثيرين من أمثاله ...يبنون أحلاماً وآمالاً كبيرة...لكنها تصطدم بصخرة الواقع في النهاية وتقتل كل شيء بعد ذلك....
ومع كل هذا فلا بد لكل من يعيش هذا الألم أن يعلم بأن هنالك رب حكيم حليم رؤوف بعباده ..لا ينسى أحداً منهم ولا يغفل عن أي شيء
فقليل من الأمل وكثير من الثقة به ....
أبدعت وأبدعت وأبدعت...وأمتعتنا وبالغت في ابداعك
لماذا يكافئنا الوطن وفاء بنكران .....ما خلقت لأفني العمر بين جدران التخلف ..........
لماذا يغتال الناس إنسانيتهم وقد أعطاهم الله قلوبا فملئوها حقدا ووهبهم عقولا فصيّروها شيطان مال و جاه
دمك اخضر وفوق كل هذا اخذتنا الى تعابير غاية في الاتقان والتعابير والواقع المرير ...نحتاج لقراءه قصتك العديد من المرات حتى نفعم المغزى البعيد مما كتبت....فعلا انت تملك طاقة هائلة في الكتابة والتعابير والرموز ولا يجب ان تندثر هذه الكتابات فاتحفنا دائما بما تجود عليه نفسك من قصص وحكم وامثال واطلق لقلمك العنان لنغوص في عالم سحرك الغاية في الاتقان .