عائد إلى زقاق المخيم - عائد إلى زقاق المخيم - عائد إلى زقاق المخيم - عائد إلى زقاق المخيم - عائد إلى زقاق المخيم
الدكتور راجح السباتين
عائدٌ إلى زقاق المخيم
قُلتِ إنّكِ سترحلين. فما لي أراكِ اليوم تتحدثين عن الرغبة في العودة والبقاء بين أضلع قلبي الأربعة من جديدٍ؟؟ وقلت إِنّكِ عازمةٌ على المضيّ بعيداً وإنكِ ما عدتِ بحاجةٍ إليَّ، فما بالُ دموعٍ جرت من عينيك أراها تنسكب فلا تتوقف إلا بعد جفاف رمق الحياة الأخير؟؟
أكتب إليك هذه الكلمات وفجرٌ آخر على وشك الولادة في سمائي.
أكتب إليك هذه الكلمات التي تعبّرُ عن شعوري وشعور كل أولئك الفقراء والمحرومين الذين أحبّوا الأشياء وتمنّوها لكنهم لم يحصّلوا أياً منها لمجرد أنهم فقراء، فقراء لا يملكون من دنياهم سوى قلوبٍ مُحِبّةٍ ما عادت تقدر على الخفقان في زمان الكبرياء والنفوذ والتمثيل.
ما الذي جرى وطرأ بحيث ذَلَّلَ كبرياءكِ ودفعك إلى العودة إليّ من جديد؟ ستقولين إنَّ ذكرايَ لا زالت تسكن قلبك، وستقولين بأنني محفورٌ في وجدانك باقٍ فيه إلى ما لا نهاية.
سيدتي، بكل ما تبقّى في كياني من ألمٍ وانكسارٍ وتمزّقٍ أقول: لقد عُدتِ متأخرةً، عُدتِ بعد أن تناثرت أشلاءُ الأمل المقتول على يديك بسكين الكبرياء والاستعلاء ...
ستقولين: مالي أراكَ لا تنظرُ إلى عينيَّ اللتين تعشقهما، أم أنّ هنالك واحدةً أخرى؟؟ فأقول: لا، ليس هنالك مُتسعٌ في قلبي لغير أبنائي وتلاميذي الذين أحبهم مثل حقول السنابل الخضراء. وداعاً يا سيدتي، سأمضي في طريقي مع الأولاد حتى أراهم رجالاً يقوم على أكتافهم مجد الوطن. سأتفرغ لصناعة الأجيال وصقل مواهب الأولاد، سأمضي وصدري مليء بعشرات الذكريات البريئة الطاهرة، سأمضي وأنا رافضٌ تمام الرفض لنصوص "المسرحية". ولئن سألتِ عن وجهتي فإنني عائدٌ من حيثُ أتيتُ؛ سأعود إلى زقاق المخيم حيث الفقراء، الطيّبون، وحيث رائحة الخبز الساخن لا تكفّ عن الانبعاث من مخابز الطابون، سأعود إلى بيتنا المستأجَرِ وأعمل على المحافظة على ما تبقّى في خلاصتي من مشاعر صادقةٍ وذكرياتٍ فَوّاحةٍ بما يعبقُ في بيتنا من روائح الخبز المُحَمَّصِ والبطاطا المسلوقة والبرتقال اللبناني، سأعود فلا بدَّ أن فئران المطبخ افتقدتني وقلقت بسبب طول غيابي، سأعود ... نعم سأعود.