ابنة المخيم ... أنا !...... للكاتبة هلا الزهيري - ابنة المخيم ... أنا !...... للكاتبة هلا الزهيري - ابنة المخيم ... أنا !...... للكاتبة هلا الزهيري - ابنة المخيم ... أنا !...... للكاتبة هلا الزهيري - ابنة المخيم ... أنا !...... للكاتبة هلا الزهيري
ابنة المخيم ... أنا !
هلا الزهيري
عندما تمطر،
أشعر بالبرد ينخر عظام أبي
وهو يذكر الزخات تضرب سقف "الزينكو" في بيتهم المتهالك
هناك... في احدى المخيمات...
....
ما الذي يغريني بالضبط في المخيم...؟!
أنا لم اسكنه قط...!
ولم أستعد لامتحان الثانوية العامة على ضوء الشارع،
لأن الكهرباء لم تعترف بوجود بيتنا..!
ولم أختبئ في زقاقه ذات ايلول،ولم يمت رفيقي امام عيني تماما..
ولم أر اعلاماً سوداء، على رؤوس العلب المتراصة،حداداً على جمال عبد الناصر...
لكني أرى اليتم في صوت أبي كلّما قالها: ناصر مات..
ودمعةٌ تسيل في خطوط وجهه، كأنها تنتظر هذه اللحظة ..دائما!
"تيتمنا بعد ناصر يا بنتي ...تيتمنا"
ولم أشعر بوخزة في روحي ،لأن والدي لم يجد سوى "الفجل" ليشتهيه..!
"-فجل يابا؟ اطلب واتمنى..هلأ صار معنا فلوس"-
مات جدي دون امنية، وعاش أبي مع حسرته...
لكني أذكرُ جيداً دهشتي ،التي لم أنجح يوماً في إخفائها ،كلما زرنا جدتي
كان يكفي أن اُطلَّ برأسي من الشباك، لأجد نفسي في بيت الجيران!
وأتساءل: ما سرُ ترتيب البيوت بهذا الشكل؟
أيحبون بعضهم حدَّ التراص هكذا...؟!
وعندما كبرت فهمت.. الخصوصية تكمن في العام فقط ،
يكفي أن يلتحق شاب بالجامعة، لترى القلوب، كل القلوب، خضراء !
"حلمٌ تأخرَ عن العمرِ بعمر"
أن أرجع طفلةً، تعدُّ تسع سنواتٍ من العمر،اترك بيتنا الواسع في "عمان الغربية"،
وأنتقل إلى العيش مع جدتي في المخيم
وأفهم بالضرورة هوس أبي بالتدفئة المركزية، عند انتقالنا الى أي بيت جديد
وإصراره أن يرانا نرتدي "بلوزة بنصف كم" ،داخل البيت، كلما رأى الثلوج تتساقط..
كأنه يهزم برده بدفئنا!
أن أراقبها وهي ترتب الحزن داخل "الخزانة"،وتؤجل وجعها لحياة اخرى..
وأشاركها إعداد الحب فطورا لها وللعائلة والجيران..
أيُّ امرأة هذي وأي معجزة..؟!
تتصرف وكأنها كل المجتمع، بتلقائية طفل، وعنفوان محارب..
هي وحدها تتقن كلَّ الادوار،
هكذا..دون تعليم، أو تعليمات من مؤسسات حقوق المرأة!
كنت سأتجول معها في كل زقاق مئة مرة يوميا ،وفي كل مرة أزور معها البيوت جميعا،
وأثرثر مع الجارات ،عن تلك السيدة "الأكابر" التي دخلت المخيم، وصدفة كانت أمي...!
كنت سأنعجن في تفاصيله ذرّة ذرّة،لا لشئ ولكن لأحب نفسي أكثر!
فللمخيم صوت إن أنت انصتّ يبوح:
في جبين جدّةٍ
في تبغ ثائرٍ
في زهرةِ طفلٍ يفوح
أنت اللغز والحل أنت
أنت الكرم العتيق
الغيم الثقيل أنت وأنت الحصاد
المسافة بين ضفتين أنت وأنت الطريق
الداء والدواء أنت وأنت الجروح
للمخيم صوت إن أنت انصتّ يبوح...
.......
أفكر الآن: ليست صدفة أن اسمه "مخيم المحطة"!.