يحكى أن زوجين تزوجا عن طريق الأهل، وعاشا في مودة ورحمة رغم أن الزوجة كانت شديدة القبح. لم يرَ الزوج فيها إلا الحبيبة والسكن، ولم تشغله معايير الجمال، بل أحبها حبًا خالصًا لأنها زوجته التي وجد فيها الأمان والطمأنينة.
مرت الأيام، ورزقا بطفلة تشبه أمها في ملامحها القاسية، لكن قلب الأب امتلأ فرحًا بها، فهي هدية السماء، فأغدق عليها حبًا وحنانًا بلا حدود.
ثم وُلدت لهما طفلة ثانية، لكنها كانت بالغة الجمال. وهنا، أضاءت عينا الأب برؤية جديدة لم يعرفها من قبل، إذ اكتشف فجأة كم تبدو زوجته وابنته الأولى قبيحتين مقارنةً بالصغيرة الجميلة. من تلك اللحظة، بدأ في مقارنة ما لديه بما يراه أمامه، وتسللت بذرة البؤس إلى قلبه.
صار ينفر من زوجته التي أحبها يومًا بلا شروط، وبدأ يجفّ حنانه عن طفلته الأولى التي كانت قرة عينه. كل ذلك لأنه سمح للمقارنة أن تعمي قلبه عن النعم التي كانت بين يديه. كبرت "شجرة البؤس" في بيته حتى غطت بظلها كل لحظة سعادة.
والحقيقة أن السعادة ليست فيما نراه أجمل أو أكمل، بل فيما نرضى به ونقدّره من عطايا الله. لو نظر الأب بعين الرضا لأدرك أن الله منحه زوجة مخلصة وابنة محبة وطفلة جميلة، وكلها نعم لا تُقدر بثمن. لكنه فقد سعادته يوم تخلى عن الرضا وانشغل بالمقارنة.
إن الرضا كنز، والسعادة تنبت حين نتوقف عن عدّ ما ينقصنا ونبدأ في شكر ما لدينا. فالله قسم الأرزاق بين عباده، ولم يجمع كل النعم في يد واحدة، ليُعلمنا أن جمال الحياة في الاكتمال بالتكامل، لا بالمقارنة.
لا تغرسوا في حياتكم بذرة البؤس... ازرعوا بذور الرضا تحصدوا ثمار السعادة.
* ملخص رواية "شجرة البؤس" باسلوبي وهي بالمناسبة ليست من تأليف طه حسين، بل هي من تأليف زوجته السيدة سوزان طه حسين.