الحرب على الاعتدال - الحرب على الاعتدال - الحرب على الاعتدال - الحرب على الاعتدال - الحرب على الاعتدال
الحرب على الاعتدال .
.د. ديمة طارق طهبوب -
السبيل
أصبح من المعتاد أن تطالعنا وسائل الإعلام بشكل منتظم بأخبار
اعتقال الناشطين والمصلحين والدعاة والحزبيين على امتداد الوطن العربي داخل أوطانهم وخارجها، وكان آخرها اعتقال المهندس خالد حسنين القيادي الأردني الإسلامي أثناء زيارته لبلد عربي بفيزا سارية المفعول للعمل على إنشاء جامعة جديدة!
المهندس والمفكر والكاتب خالد حسنين الذي شرفت بالتتلمذ على يديه في دورة للقيادة والإدارة عقدها مركز الأمة للدراسات، يصح أن يسمى بستيفن كوفي العرب، عقلية إدارية من الدرجة الأولى تستلهم من نبراس القرآن والسنة ما يقولب المعرفة في إطار الدين الذي جاء لإسعاد الناس في الدنيا والآخرة. في الأستاذ المهندس الذي يحضر لنيل درجة الدكتوراه تقرأ ملامح العلماء في غزارة العلم وقوة الحجة التي يزينها الهدوء والوداعة التي لا يخرجها عن طورها كلام الحمقى ولا خرق الجاهلين. خالد حسنين الذي قابلت يركز على العلم والمهارة والتفوق والمنافسة كأسس لاستعادة مجد الحضارة الإسلامية في خطاب علمي تصالحي مع النفس والمجتمع والأمة
وإنا لنستغرب الزج بهذه النماذج الإصلاحية والمعتدلة في السجون والتضييق عليهم، بدل فتح المجال لهم للعمل والدعوة في صفوف الشباب والمجتمع للحيلولة دون تفشي أمراض التطرف والتعصب المقيت والعنف!
إنا لنستغرب كيف يتم التضييق على المصلحين في الوقت الذي يرتع فيه المفسدون لأخلاق الناس والسارقون لمقدراتهم وأموالهم والخائنون لأماناتهم في الأرض دون حسيب ولا رقيب!
ونتساءل: هل أصبح التدين تهمة تضمن لصاحبه عاجلا أو آجلا زيارة إلى الأجهزة الأمنية أو استضافة في السجن في بلده أو خارجها أو سجلا حافلا بتقارير ملفقة يكتبها متكسبون من الوظيفة؟
هل أصبح العمل للوطن وحبه والدفاع عنه مثلبة وسوأة يجب على المرء أن يحذر منها، وشرا عليه أن يبتعد عنه ويلتصق بالحائط ويطلب الستر عن عيون المتربصين؟ هل أصبح كل من يدعو إلى الإسلام كنظام للحياة، ويتحرك ويرفض الظلم والعبودية والعلو الكبير لـ"إسرائيل" ومن صنعوها مجرما يستحق التعذيب والهوان والقذف بتهمة الإرهاب؟
متى أصبح التعبير عن الرأي وقول الحق وانتقاد الظلم والفساد جريمة ونحن في بلاد تدعي الديمقراطية؟ ألا يجعل هذا من أوطاننا سجونا كبيرة لا فرق فيها بين من يعيش داخل الزنزانة ومن يعيش خارجها؟
نستغرب في الوقت الذي أصبح ممكنا بالتقدم العلمي والتنسيق الاستخباراتي أن نعرف دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، كيف يختفي البشر والمواطنون والمفكرون والناشطون دون أن نستطيع أن نحدد مكانهم أو نعرف ما آل إليه حالهم!
لا نستغرب محاربة من يوصفون بالإرهابيين والمتطرفين الذين يلبسون الدين عباءة ويسيئون للإسلام أكثر مما يحسنون، ولكننا نستغرب أن يضيق على المصلحين المعتدلين الذين يعملون في العلن وتحت ضوء الشمس، وينصاعون لقوانين البلاد وأنظمتها!
المصلحون لا في أوطانهم آمنين ولا في غيرها سالمين، يخرجون من الحفرة ليقعوا في المستنقع وكأني بحالهم يصفه أحمد مطر قائلا:
لا تهاجر
أين تمضي..؟
رقم الناقة معروفٌ..
وأوصافكَ في كلِ المخافر
وكلابُ الريحِ تجري
ولدى الرملِ أوامر
أن يماشيك..!!
لكي يرفع بصمات الحوافر
خفف الوطء قليلاً..!!
فأديم الأرض من هذي العساكر،
أخف إيمانك،
فالإيمان -أستغفرهم- إحدى الكبائر
امض إن شئتَ وحيداَ
لا تسل أين الرجال
كل أصحابك رهن الاعتقال
فالذي نام بمأواك أجير متآمر
ورفيق الدرب جاسوسٌ عميل للدوائر
وابن من نامت على جمر الرمال
في سبيل الله كافر
لا تحاول
ونعود لنتساءل: ما طبيعة الإسلام والتدين الذي ترضى عنه السلطة ولا يعرض صاحبه للمشاكل والمهالك؟
الجواب في الدراسة التي أجراها معهد راند rand البحثي التابع للقوات الجوية الأمريكية والتي تبنت قرارات أهمها ترسيخ الاسلام الليبرالي، وهو حسب المفهوم الأمريكي إسلام يدعو إلى عدم تطبيق الشريعة، ويؤمن بحرية المرأة المطلقة، ويشجع على انتصار التيار الصوفي الذي يحصر الدين بالمحبة ونقاء القلب وبعض الشعائر، ويؤمن بحق الانسان في تغيير جنسه ودينه، ويدعو إلى الاجتهاد والفهم الشخصي لنصوص وأمور الدين، ويحارب أي توجه إسلامي آخر يريد تطبيق الشريعة بوصفه إسلاما أصوليا!
وبناء على هذه الدراسة إما أن يستقيم الدعاة والمصلحون على هذه الطريقة والمنهج، أو فليستعدوا لحرب أمريكا وحلفاءها عليهم!
أما رسالتنا غير المشفرة والتي لا يفهمها إلا من سار على نهج الدعاة فهي على لسان الشيخ محمد الغزالي رحمه الله إذ قال:
"رجال الدعوات يذيبون قواهم وشبابهم في أداء رسالتهم، ويسكبون دماءهم ويحرقون أعصابهم لتتألق بهم الرسالات التي يعملون لها فتتحول بهم إلى سيل جارف ويتحولون بعدها إلى رفات هامد، هذا سبيل الفدائية المحفور في تاريخ البشرية منذ الأزل".
لقد امتُحن كل الصادقين من قبل وسيمتحنون من بعد، فمحنة السجون سنة تجري على كل من حمل هم الرسالة، ودعا إلى الله وقال إنني من المسلمين
وما بعد ظلام السجن إلا فجر صبح يتسامى.