كاريكاتير "قارئة الفنجان".. حين رسم رباح الصغير الحزن فأوقد شرارة المجد
كاريكاتير "قارئة الفنجان".. حين رسم رباح الصغير الحزن فأوقد شرارة المجد - كاريكاتير "قارئة الفنجان".. حين رسم رباح الصغير الحزن فأوقد شرارة المجد - كاريكاتير "قارئة الفنجان".. حين رسم رباح الصغير الحزن فأوقد شرارة المجد - كاريكاتير "قارئة الفنجان".. حين رسم رباح الصغير الحزن فأوقد شرارة المجد - كاريكاتير "قارئة الفنجان".. حين رسم رباح الصغير الحزن فأوقد شرارة المجد
بقلم: ابو اوس
في أرشيف الصحافة الأردنية، تقف بعض الرسومات الكاريكاتورية شامخةً مثل العناوين التاريخية. لكن قلة قليلة منها حملت تأثيرًا عميقًا كالذي تركه كاريكاتير الفنان الراحل رباح الصغير، عندما جسّد بخطوطه الساخرة مشهد سقوط نادي الوحدات من دوري الأضواء عام 1977، مشهدٌ حفر في ذاكرة الجماهير، لا كجرحٍ فقط، بل كنقطة تحوّل.
المباراة الفاصلة.. واللحظة القاسية
كان يوم الجمعة، 11 مارس 1977، حين تقابل ناديا الوحدات والجزيرة في مباراة فاصلة بعد تساويهما بالنقاط (5 نقاط). الوحدات دخل المباراة مثقلًا بالغيابات: بهجت شهاب وجلال قنديل للحرمان، ونصر قنديل بسبب الإصابة. سجل الجزيرة أولاً عن طريق هاني صبحا، وعادل للوحدات إسماعيل يوسف، لكن في اللحظات الأخيرة، احتسب الحكم ضربة جزاء نفذها فايز صلاح مانحًا الفوز للجزيرة، والهبوط للوحدات.
قارئة الفنجان تغني للوحدات
في اليوم التالي، نشرت صحيفة الرأي كاريكاتيرًا رسمه رباح الصغير، كان أشبه بلطمة على وجه الواقع. لاعب يرتدي قميص الوحدات يجلس مطأطئ الرأس، وأمامه "قارئة الفنجان" تحمل عودًا وتغني من رائعة عبد الحليم حافظ:
"وسترجع يومًا يا ولدي، مهزومًا مكسور الوجدان"
كان المقطع موجعًا، لم يخلُ من قسوة. لكنه لم يكن سخرية مجانية، بل نداء داخلي لإشعال الغضب النبيل في نفوس اللاعبين والجماهير.
من السخرية إلى الوقود الروحي
ما فعله الوحدات بعد تلك الصورة يُدرّس في كتب التحفيز الرياضي. لم يُغضبهم الكاريكاتير، بل رفعوه شعارًا. وزع النادي الصورة على اللاعبين، وعلّقها في المرافق، وجعلها حافزًا للعودة. تحولت نبوءة قارئة الفنجان من خيبة إلى انتفاضة، ومن وجع إلى وقود.
الرجوع إلى الضوء.. وإعادة رسم المصير
وبعد فترة وجيزة، عاد الوحدات من جديد، أقوى مما كان. وعلى سبيل رد الاعتبار، نشرت وسائل الإعلام كاريكاتيرًا جديدًا، فيه إشارة إلى رائعة نجاة الصغيرة:
"ما أحلى الرجوع إليه"
وكان ذلك إعلانًا غير مباشر أن الوحدات ليس مجرد نادٍ عابر، بل كيانٌ يصنع من السقوط منصةً للانطلاق.
رباح الصغير.. ريشة تكتب التاريخ
الراحل رباح الصغير لم يكن رسام كاريكاتير تقليديًا، بل مفكرًا بريشة. فلسطيني الجذور، أردني الهوى، حادّ النظرة، ساخر الكلمة، وناقد لا يساوم. قدّم خلال مسيرته في صحيفة "الرأي" أعمالاً خالدة تمسّ السياسة والهوية والرياضة، ورفضه الخضوع للمجاملة جعله يُمنع من دخول عدة دول عربية.
رحل رباح في فبراير 1989، لكن أعماله لا تزال حيّة. كاريكاتيره عن الوحدات يظل أحد أبرز الأمثلة على كيف يمكن لصورة ساخرة أن تغيّر مجرى مسيرة نادٍ، وتُوقظ شعبًا من لحظة يأس.
---
في الختام، لا يمكن أن تُذكر حكاية الوحدات بدون أن نمر عبر قارئة الفنجان، وبدون أن نرفع القبعة لرباح الصغير، الذي قال الحقيقة بريشة، وأعاد تشكيل المصير بابتسامة موجعة.