في صغرنا عشنا و عاش جميع اهلي في بيوت تسمى " البراكيات" المصنوعة من الواح "الزينكو".. ترعرعنا , كبرنا , درسنا , عشنا اجمل السنين فيها .. و كنا في كل شتاء على موعد مع اجمل المقطوعات الموسيقية و اجمل الالحان العذبه التي تعزفها حبات المطر المنهمر فوق " البراكية" , و رغم الاجواء الرائعه الى انه كان هناك ما يزعجنا بعض الشيء عند خلودنا للنوم هيا حالات " الدلف " ( تسرب المياه الى داخل المنزل ) وكانت هذه الظاهرة رغم حرصنا الشديد من تمكين سطح البراكيه ب " الشوادر " و الاغطية البلاستيكية الملونة الى انه في معضم الاحيان لا يمنع التسرب . وهنا كنا نشفق على امهاتنا التي كانت تجمع كل اواني و " الطناجر " الخاصة بالطهي لتكافح و تضعها بحرفيه بالغة امام الثقوب التي تتسرب منها مياه الامطار , لكي لا نتظرر و نصاب بالزكام و لكي لا تمتلئ تلك "البسط الصوفيه" التي تزين ارضية " البراكية" المصقولة بالأسمنت الناعم و تغطي ما فيها من ثقوب و حفر بالمياه . " البراكيات" يا اخوان قد أسموها أجدادنا بهذا الأسم تيمن "البروك " فيها ، فأنا أعتبرها أيضا بأنها قريبة من البركة . البركة التي فقدناها في زماننا هذا ، وما نعانيه اليوم من إنحباس للمطر ما هو إلا حصيلة سواد الدنيا التي أخذت ذلك النقاء والصفاء من قلوبنا ،وقبل الحديث عن التغيرات المناخية التي نعيشها بفعل ما لوثته أيادينا في البيئة التي نعيش وأدى إلى إنحباس المطر علينا أن نتذكر ما خالط نفوسنا أيضا من تلوث أحدثناه وأكسبناه لقلوبنا التي كانت دافئة بحب الخير واكتست بحب الدنيا وما فيها وأنستنا معنى القناعة في رزقنا وعيشنا فنزعت البركة التي كانت فيما مضى عنوان للمحبة التي عشناها وسكنت معنا في " براكياتنا " ، فلم يعد لحياتنا ذلك الدفء الجميل حتى ولو عشنا كما نعيش الآن في البيوت الجميله و الرصينة التي تقينا برد الشتاء وحر الصيف أو تلك البيوت الراقية والمجهزة بكافة وسائل التدفئة. ولاننا أيضا وهو السبب الأهم قد تقاعسنا عن عبادة ربنا حق عبادته فغابت عنا الألفة والسكينة التي تروض النفس وتزكيها وبات حالنا غلاء وجوع وشعور بالخوف ، إن ما نعانيه اليوم من إنحباس للمطر يحتم علينا أن نحاسب أنفسنا كي تعود لدفئها ونقاءها حتى تعود البركة في حياتنا وتتبرك فيها سماءنا وغيومها وتكون كفيلة بإعادة صوت المطر المنهمر تماما كالذي كان يسقط على أسقف بيوتنا و"براكياتنا " ، راجيا من الله القدير ان يرحمنا ويسقينا الغيث ولا يجعلنا من المحرومين إنه بنا رؤوف حليم .
البراكية و كم اتمنى في هذه الايام لقضاء يوم فيها في ضل اجواء شتوية تفرح القلب و تعطيني الهدوء و التأمل
و للأسف الشديد لم اترعرع في هذه "البراكيات" انا و معضم من هم في سني و لم نعش تلك الحالات الرائعه . و لكن هذه القصص و الاحداث قالها لي والدي العزيز منذ زمن و عشتها في مخيلتي لكي استمد منها هذا الموضوع
أهلاً و سهلاً بك اخي غسان الصقر في منتديات الوحدات نت ..واهلاً بك في المنتدى الفلسطيني ...
شرفتنا واسعدتنا بقلمك الحر هذا الذي اتمنى أن لا تبخل علينا بشيء من فيضه ..آملاً أن ارى قلمك ينثر فكرك هنا ...
الزينكو وصوت المطر بطقطك عليه والزواريب في زقاق المخيم مشاهد رغم قساوتها الا أنها ذاكرة جميلة تابي النسيان ...