فيديو حلقة الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني في برنامج وجوه إسلامية
فيديو حلقة الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني في برنامج وجوه إسلامية - فيديو حلقة الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني في برنامج وجوه إسلامية - فيديو حلقة الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني في برنامج وجوه إسلامية - فيديو حلقة الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني في برنامج وجوه إسلامية - فيديو حلقة الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني في برنامج وجوه إسلامية
فيديو لقاء مع فضيلة الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني قبل وفاته رحمه الله
في برنامج وجوه إسلامية الذي عرض على قناة الرسالة الدينية
سمعت من الدكتور أحمد نوفل أن الشيخ إبراهيم رحمه الله بكّى مليونا شخص في المسجد الحرام وهو يخطب عن المسجد الأقصى وفلسطين في خطبة جمعة كانت قبل عقود وبكى لسماعها الملايين حول العالم
رحم الله هذا الشيخ المربي وجزاه عنّا خيراً وأسكنه فسيح الجنان
تكامل العالِم والداعية في شخصية الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني
د. أحمد إسماعيل نوفل / كلية الشريعة – الجامعة الأردنية
(من مقالات مجلة الفرقان - العدد 135)
ما كنا نتوقع يوماً تخطّ فيه الأقلام نعي شيخنا وأستاذنا وعميدنا وواجهتنا الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني، وإنا لفراقك يا شيخنا إبراهيم لمحزونون، ولكن هذه إرادة الله، وهذه سنة الحياة وناموس الوجود، ولقد فقدنا من هو أعظم، فقدنا رسول الله ، فلنتحدث إذاً فيما ينفع الناس من حياة هذا العلم العالِم الداعية المؤثر الموفق..
أما العالِم.. فإن العلم لا يأتي بين يوم وليلة وعشيّة وضُحاها، ولكنه ثمرة سهر طويل وصحبة للكتاب، وألفة مع الأوراق وثمرات الأوراق.
إن صياغة عالِم تقتضي أرضية صالحة وتربة خصبة وبلداً طيباً ينبت ويخرج نباته بإذن ربه، وأعني بالتربة الخصبة ذكاءً وافراً وعقلاً واسعاً وثقافة غزيرة غنية متنوعة عميقة متابِعة؛ فالعلم لا يتوقف، وكل يوم هناك مستجدات، فما لم تكن مُتابِعاً فاتك القطار.
ولقد أوتي الشيخ المهيب الجليل كل هذه المؤهلات من العقل والفطنة، والزكانة والحصافة، والرأي والذكاء، وسعة الأفق، مع محصول لغوي غزير عميق، مُسعف متين، غني متنوّع، ثرّ جيّاش، فما علم بلا كسوة من بيان وزينة، ولفظ مسبوك، وحُلّة لغوية قشيبة بيانية جميلة؟! إن الطعام الثمين لا يوضع في الأطباق الورقية! ولكن الوجبات السريعة هي التي تؤكل في مثل هذه الأطباق، أعني المعاني والألفاظ.
وأيُّ بيان أروع ممن سلس له الشعر متينه وجزله وحكيمه؟ لقد صاغ العالم ما حُبّب للشيخ من صحبة الكتاب، ولست أبالغ إن قلت إني ما رأيت أحرص على اقتناء كتاب من ثلاثة صَحِبْتُهم وسَعِدْتُ بصُحْبَتِهم: الشيخ فضل، والشيخ إبراهيم، والشيخ عبد الله عزام -رحمهم الله-.. هؤلاء رهبان علم عاكفون على قراءة الكتب، نهمون لا يشبعون منها ولا يرتوون، بل دأبهم أن يردّدوا {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114].
لا يصوغ العالِم إلا الجهد والجلد والتحمل والبذل والتضحية، وكل ذلك على أساس متين من صدق التوجّه والإخلاص، وقد حِيز كل ذلك للشيخ -رحمه الله-.
وأيُّ علمٍ نعني، هل نعني تخصصه الدقيق (التفسير)؟ نظلم الشيخ إن قَصَرْنا علمه على ميدان تخصّصه الذي هو فيه فارسٌ مُجَلٍّ سابقٌ لا يُشَقُّ له غبار.
ولكنه في الحديث واللغة والفقه حُجّة إمام علم؛ فهو في لجنة القانون المدني، بل هو (الدينامو) المحرِّك والمقرِّر والمجمِّع والناظم للعقد.
الشيخ إبراهيم في هذا جندي مجهول ربما من كثيرين؛ فالقانون المدني وصبغته الإسلامية في القانون الأردني، لولا فضل الله أولاً، ثم جهود الشيخ إبراهيم وحنكته وحكمته وحسن تأتّيه للأمور وحسن المداخل ما كان ليتم ذلك، لا تظنّوا الأمر كان نزهة وفسحة، لقد كان التوفيق الإلهي للجهد المخلص الذي بذله الشيخ إبراهيم وراء نجاح القانون المدني، وأرى أنه لو لم يكن للشيخ إلا هذا الإنجاز لعُدَّ -بإذن الله- في المقدَّمين السابقين.
وحديثنا عن هذا البُعد في شخصية الشيخ ذو شجون وشؤون، وأمره يطول لو أردنا الاسترسال، لكن نلجم القلم عند هذا الحدّ، لننتقل إلى البُعد الآخر في شخصية الشيخ، وقبل أن نغادر، لا بد أن نشير إلى النقلة الهائلة التي نقل الشيخ -رحمه الله- كلية الشريعة إليها، لقد نقلها نقلة واسعة باستقدام أرجح العقول وأوزنها، ولولا ثقله ووزنه ما تم له ذلك، وقمة هؤلاء: الشيخ العلامة القانوني الفقيه الحافظ الحجة في كل شأن: شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة "أبو أحمد نوفل مصطفى الزرقا"، هكذا كنيته وهكذا اسمه، ثم أستاذ الأساتذة كذلك العالِم في فن: العالِم المبارك محمد المبارك، ثم الأستاذ البارع الأصولي الأول في القرن العشرين -فيما أرى- الأستاذ فتحي الدريني، رحمة الله على الجميع.
نعود الآن إلى البُعد الدَّعوي في حياة الشيخ، ويا أيها الأعزة، ما عالِم حافظ قَبَر نفسه في قَبْو الكتب وقبر المخطوطات؟ ما هذا العالِم إن لم يُحوِّل برودة العقل العلمي إلى حرارة الداعية المؤثّر الموصل للحرارة والنور؟! زينة العلم دعوة تنقله من عقل إلى عقل، ومن قلب إلى قلب، وتحوّل العلم إلى نبض وولاء وانتماء وحرارة ووهج وإشعاع، وشعور عام وانتماء.. هذا بالضبط ما كانه الشيخ إبراهيم.
وأول ما عرفناه من الشيخ ونحن أطفال: صوته الدَّعوي في الإذاعة، وقت أن كانت الأصوات نادرة إن لم تكن منعدمة، واهنة خافتة مهزوزة، وصوت الشيخ قوي مجلجل عميق، مؤثّر صادق مقنع، وما كان من إخلاص حرّك الناس، وما كان نابعاً من قلب صُبَّ في قلب.. هكذا كان الشيخ لم يستمع له أحد ثم تشكّك فيما سمع، ولا سأل نفسه يوماً أحد: هل هذا الشيخ يعني ما يقول؟ أزعم أنه لم يكن، ولا تشكّك أحد فسأل: هل هذه الجرأة حقيقية، أم مُجيَّرة؟ ومعاذ الله أن يسأل مثل هذا السؤال ممن سمع الشيخ أحد، وكيف يسأل وعين المتكلم والسامع تجيش بالعَبَرات، ووالله إني لأكتب وتخنقني عبراتي، رحمك الله يا شيخ الدعاة وداعية الشيوخ، يا من كلماتك أقوى من الطلقات، وأنفذ من السهام، وأسرع إلى القلوب من الريّ على كبد الحرّان العطشان. ماذا نقول فيك وعنك؟ لقد حيّرت الكلمات وأعجزت العبارات، لكن لعل العَبَرات التي تغطّي على الكلمات التي أكتبها هي بعض تعبير عن ألمنا لفراقك وافتقادنا كلماتك، ووالله ما أجد ما يلخّص جسامة فقدك إلا قول القائل: "وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر".. وفي ليل المهمّات المدلهمّات يُفتقد صوت الشيخ إبراهيم صادعاً مُجلجلاً بكلمة الحق.
أسأل الله لك الجنات ورفعة الدرجات.. يا إمام الدعاة وفارس المنابر.