والله.. ليتمن هذا الأمر! - والله.. ليتمن هذا الأمر! - والله.. ليتمن هذا الأمر! - والله.. ليتمن هذا الأمر! - والله.. ليتمن هذا الأمر!
والله.. ليتمن هذا الأمر!
د. راغب السرجاني
08/12/2012
تربص المتربصون بالمؤمنين.. هالهم أن توجد دعوة أخلاقية إيمانية راقية فى مجتمعهم المليء بالموبقات والكوارث الإنحلالية.. فزعوا من كلمة لا إله إلا الله.. هربوا من الإسلام وحامليه.. وانطلقوا ينهشون فى أجساد الصالحين.. معلنين بكل وقاحة أن جريمة المؤمنين أنهم يقولوا ربنا الله!
شعر بعض المخلصين أن هذه قد تكون النهاية، وأن المشروع الإسلامي فى طريقه للفشل، وأن اجتماع أهل الفسق والفجور سيقضي على أحلام الأتقياء، شعر البعض بهذه المشاعر الحزينة، فذهبوا مسرعين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كَحَلٍّ أخير، يطلبون فيه أن يرفع يديه إلى السماء ويدعو الله بالنصرة، فهو مستجاب الدعوة، قريب من الله..
كان المتكلم عنهم هو خباب بن الأرت رضي الله عنه.. وكان عذابه على أيدى الكفار رهيبًا، فقد كُوىَّ بالنار، حتى امتلأ ظهره بالحفر!!
ماذا كان رد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
رد فعله هو رسالتنا للراغبين فى تطبيق شرع الله، والطامحين في أن ينالوا درجة العاملين المجاهدين الصابرين..
إن هذا الموقف الجليل ليعطينا رسائل واضحة تبين لنا طبيعة الطريق وصفته:
الرسالة الأولى: سيظل أهل الباطل متربصين بالمؤمنين حتى مع وضوح الرسالة وجمال الأخلاق، فليس هناك أعظم من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وليس هناك أروع من جيل الصحابة بأخلاقهم الدمثة وسلوكياتهم الراقية، ومع ذلك لم يمنع هذا التمايز الأخلاقي الواضح جنودَ الفساد من التعدي الصارخ وغير المبرر على المؤمنين، وإن كانوا يعلنون حججًا تافهة يتذرعون بها أمام المراقبين أنهم ما قاموا إلا نصرة للحق، وحفاظًا على الوطن، وهذا الدين - كما يدَّعون – يُفرِّق المكيِّين، ويصنفهم إلى ملتزم بالعقيدة الإسلامية وغير ملتزم بها، ومن ثم فحفاظًا على وحدة الوطن لابد من سحق هذه الطائفة المؤمنة..
عندما نرى هذه الصورة الفجَّة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا نستغرب ما يحدث الآن مع أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه إذًا سنة كونية.
الرسالة الثانية: في رواية من روايات هذا الحديث – وهى في البخاري- وصف خباب بن الارت رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عندما بدأ في الرد أنه "قَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ"، وهذه علامة غضب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل البعض يتعجب من غضبه صلى الله عليه وسلم من طلب خباب، فهو لم يطلب إلا الدعاء والنصرة، ولكن الذي دفع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك هو إحساسه أن خبابًا رضي الله عنه قال هذه الكلمات وهو في حالة من حالات الإحباط، والإحباط ليس من شيم المؤمنين، ولا يجوز لهم أصلاً.. قال تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}.
فهذه رسالة إلى جموع المؤمنين على مدار التاريخ: أن شعوركم باليأس في مرحلة من مراحل الدعوة - أيًا كانت هذه المرحلة - هو شعور يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فهو يغضب الله عز وجل، ولا ينبغي لمسلم أن يسمح للإحباط أن يتسلل إلى نفسه.
الرسالة الثالثة: ذَكَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبابًا بالتاريخ، فأشار إلى أقوام عُذِبوا وأُوذوا أكثر من العذاب والأذى الذي تعرض له خباب، فبالقياس إلى ما سبق يعتبر أن ما تعرض له خباب والصحابة أهون بكثير مما مضى.
وفي هذه الرسالة ندعو القراء إلى مراجعة التاريخ البعيد والقريب ليدركوا حقيقة هذا المعنى.. أما التاريخ البعيد فأحداثه كثيرة، ولا يتسع المجال في هذه المقالة للتفصيل، ولكن التاريخ القريب كلنا عاصره! وقد كانت أزمتنا أشد وأنكى من موقفنا الآن ألف مرة.. لقد كانت أزمتنا في أيام النظام الفاسد لمبارك وجنده أقسى من كل ما نشاهده.. وتذكروا أن البلطجية كانوا يمنعوننا من مجرد التصويت في الصناديق، وتذكروا التزوير الفاضح، وتذكروا المحاكم الصورية والعسكرية، وتذكروا أمن الدولة بسجونه وتعذيبه وامتهانه للكرامة وظلمه وتكبره.. وكانت أزمتنا أشد كذلك في أثناء الثمانية عشر يومًا، في الأيام الأولى للثورة، وقبل تنحي مبارك، ونحن لا ندري ما سيفعل بنا لو لم تنجح ثورتنا..
وكانت أزمتنا أشد كذلك في الانفلاتات الأمنية الرهيبة، والتي دفع كثير من المصريين أرواحهم فيها، وما أحداث استاد بور سعيد منا ببعيد، وكانت أزمتنا أيضًا أشد في الهجمة الإعلامية الشرسة على الحركة الإسلامية ككل عندما قرروا النزول في انتخابات الرئاسة.. تذكروا الاستبيانات المزورة، وتذكروا الإشاعات الفاسقة، وتذكروا الوجوه الكئيبة التي كانت تسخر من الإسلام والمسلمين.. وتفاقمت الأزمة بصورة أكبر في جولة الإعادة بين الدكتور مرسي مرشح الثورة والفريق شفيق مرشح الفلول، حتى تخوَّف الكثيرون، وبلغت القلوب الحناجر.. رأينا كل ذلك وعاصرناه.. فماذا حدث؟! لقد أرانا الله أنه على كل شئ قدير، وأنه بما يعملون محيط، وأخرجنا من كل هذه الأزمات أقوى مما كنا، وأفضل مما حلمنا، وأكثر نجاحًا مما توقعه أشد متفائلينا.. وثبت لنا بالدليل القاطع أن حساباتنا البشرية شئ، وتدبير رب العالمين المهيمن سبحانه شئ آخر.
التاريخ القريب – وكذلك البعيد عندما نحسن قراءته – يثبت أن الله يخرج المكروبين من كربهم، وينصر القليلين على ضعفهم، بطرق لا يفهمها ولا يتوقعها أحد من الخلق، فنصر المؤمنين أحد آياته ومعجزاته، وأحد أدلة ألوهيته، فلابد أن يتم ويكتمل..
الرسالة الرابعة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جَزَمَ بشكل قاطع أن الله سيتم هذا الأمر: الإسلام.. وليس هذا إتمام دعوة فقط، ولكن إتمام تمكين كذلك، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله، والذئب على غنمه، وأقسم على ذلك، وأكَّده بمؤكدات لغوية متعددة..
فوالله أيها المصريون.. يا من أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكم.. ليُتِمَنَّ الله هذا الأمر، ولينتشرنَّ الأمن في ربوع بلادنا، وليعلونَّ شأن الإسلام حتى يطبقه الناس في أدقِّ تفصيلات حياتهم.. ولتُرفعَنَّ رايات التوحيد في أيدي هذا الشعب المصري المؤمن الأصيل، وليعرفنَّ العالم أجمع الإسلامَ من أفواه علمائنا وأقلامهم، ومن سلوكيات شعبنا وأخلاقه.. ووالله ثم والله.. ليحدثنَّ هذا وأكثر، مهما أرجف المرجفون، أو حقد الحاقدون، أو مكر الماكرون والمجرمون والمفسدون، فهو قدر هذه الأمة، ومستقبلها الذي وعدنا به القدير سبحانه..
الرسالة الخامسة: على عِظَم هذه الأمنية.. أمنية تمام الإسلام وتمكينه.. إلا أن الأمر النبوي المباشر هو ألا نستعجل.. فلله حكمة في التأخير، وهو قادر – سبحانه – على نصرة المؤمنين، وكشف أوراق الفاسدين بكُنْ فيكون، ولكنه يؤجِّله لأجل معلوم.. فوجود العجلة من المسلمين قد يكون علامة ضعف يقين، أو قلة صبر، أو بوادر إحباط، وهذا كله خطير ومرفوض، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".. بل يجب أن يعمل المسلمون في جد واجتهاد، وفي حمية ونشاط، حتى وإن كانت الأحداث التي يشاهدونها غير مشجعة، أو توحي في اعتبارات الكثيرين بغلبة أهل الباطل على أهل الحق.. والله سينزل النصر حتمًا في الوقت الذي يريد، وبالطريقة التي يريد..
إن هذا الموقف المتفائل ليس موقفًا فريدًا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شبيه أو مثيل.. كلا.. إنه موقف متكرر رأيناه كثيرًا.. رأيناه في كل سنوات مكة في تعدي أهلها عليه.. ورأيناه عند عودته من الطائف، ورأيناه عند هجرته إلى المدينة وترك الديار والأهل والأموال، ورأيناه عند اضطراب دولته في أول عهدها، ورأيناه في مصيبة أحد، وكذلك عند حصار الأحزاب، وعند الاصطدام مع الرومان، وعند إرجاف المنافقين، وغير ذلك كثير..
إنها السُنَّة الماضية.. مهما بلغ الألم فستكون له نهاية، ومهما اشتدَّ الظلم فسيأتي زمن العدل، ولا يأتي الفجر إلا بعد أحلك ساعات الليل..
إنها ليست أحلام فيلسوف، أو أمنيات مُصلِح، إنما موعود رب العالمين..
حتى يميز الخبيث من الطيب - حتى يميز الخبيث من الطيب - حتى يميز الخبيث من الطيب - حتى يميز الخبيث من الطيب - حتى يميز الخبيث من الطيب
حتى يميز الخبيث من الطيب
السبيل الاردنية
د. أحمد نوفل
1- مدخل: ثمن الاستقلال
فاجأت ثورات «الربيع العربي» العالم والقوى الكبرى، وامتصت تلك القوى الكبرى الصدمة، ثم في هجمة مرتدة –بتعبيرات الكرة- قامت تنقض على رجال التغيير وحركة التاريخ، تريد إعادة العجلة إلى الوراء ووقف المد التغييري، وإعادة التبعية إلى سالف عهدها. فدولنا لم تستقل بعد، وكانت مفاجأة ضخمة أن تحصل مصر على استقلالها بمجرد ألف شهيد، هذا ما كان ليكون، ففي انقضاض حركة العملاء والتابعين مع أسيادهم بدأنا ندرك أن الثمن لتحصيل الاستقلال، وتحصين الاستقلال لن يكون الألف شهيد فقط، وإنما الأمة والأمور مرشحة لدفع المزيد من الشهداء والدماء لتحصيل هذا الاستقلال الذي كان وهماً وأماني وحلماً، وسراباً خادعاً ألمَّا، فالآن لما استيقظنا على الحقائق علمنا أن الأمور لا تسير بهذه البساطة، وأن تنظيف مصر من الزبالة المادية يحتاج إلى سنوات، فكم يحتاج تنظيف البلد من رجالات مبارك ورجال الأعمال المرتبطين به وبأمريكا وبـ»إسرائيل»؟ لقد صنع عهد مبارك ونظام مبارك ولا أقول مبارك، لأنه كان أقل قدرة وذكاء وخبرة من أن يصنع الخراب الذي صنعه في مصر، أو صنع في عهده برضاه وهواه، أقول صنع عهده طبقة جُدد من رجال المال والأعمال أنشأهم إنشاء بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً، ومن ألمعهم أحمد عز وهشام طلعت مصطفى ونجيب ساويرس وأحمد بهجت وأضرابهم. وهؤلاء ربطوا مصيرهم بمبارك وبأمركيا و»إسرائيل»، فأحمد عز هو الذي زودت مصانعه حديد السور الفولاذي الذي أقامه مبارك بين مصر وغزة.
وقد صنع عهد مبارك آلافاً من رجال الأعمال الفاسدين، وقد تكلمت الجرائد المصرية نفسها عمن صنعوا المليارات (نعم المليارات) من الجنيهات مثل إبراهيم سعدة وإبراهيم نافع وممتاز القط وغيرهم.
هؤلاء الجيش أو الفرقة الانكشارية من مرتزقة الإعلام والسحّيجة –بتعبير جورج حداد- والهتيفة وحارقي البخور والمزورين وقادة حملات التضليل، والمشوهين للحقائق.، أقول هذا الجيش ربما يكون أخطر الجميع، بدلالة أن كل واحد من رجال الإعلام حرص على أن يكون عنده محطة أو قناة تلفزيونية على الأقل، وبعضهم سلسلة قنوات، أو «مجارير»، وهؤلاء هم الذين يتولون الآن كِبْر حديث الإفك وإشاعة «الفاحشة في الذين آمنوا» وتزيين الرذيلة والدعارة، وتقبيح الخير والهدى والرشاد والجمال.
وجيش ثالث هو جيش الفنانين، وكلهم أو جلهم مرتبط بمراكز القوى.
وأقرأ في يوم كتابة هذا المقال في دورية عربية عن احتفاء نادي «ليونز القاهرة» (ذراع للماسون أي الصهيونية العالمية!) وتكريمهم بجوائز تقديرية لمجموعة من الفنانين والفنانات، والعجيب أنهم كلهم ممن ناصبوا مرسي والحركة التي أنجبته العداء والتهجمات، فحظي جلهم بالجوائز. (وإن أردت معرفتهم راجع الإعلام والدوريات في أعداد 6-12/012)
ولن أتكلم عن الجيش الانكشاري الرابع الذي أسسه عهد مبارك، وهو جيش البلطجية أو فرقة «الحشاشين» الجدد، تشبيهاً وتشبهاً بالحشاشين القدماء الذين ناصبوا صلاح الدين والجهاد والإسلام والعلم ورجاله العداء، وقتلوا من كل هؤلاء نخبتهم، وما نجا صلاح الدين من الموت على أيديهم إلا بأعجوبة، فقد نالته طعنة غادرة على أيديهم.
ولقد بلغ عديد هؤلاء البلطجية كما كررنا مراراً ثلاثمئة ألف بلطجي فقط! واحد منهم كفيل بترويع قرية بكاملها، وإحداث انفلات أمني فيها، بل في المحافظة التي هي منها بالسرقة وأخذ «الخاوات» والقتل والاغتصاب.
وجيش خامس وسادس من رجال الأمن ورجال القضاء، وسابع من رجال العلم والفكر والثقافة.. إلخ.
كل هذه الأجهزة كانت في خدمة مبارك وشرّه وفجوره وعهده وعهره! من هنا أكرر قول سيد: لا بد لكل ميلاد من مخاض، ولا بد لكل مخاض من آلام». والأمة الآن في مخاض ولادة وانبعاث إلى عصر جديد فلا بد من الآلام. إننا الآن ندفع ثمن الاستقلال الذي ما تسلمناه، ندفع ثمنه مرة أخرى لننتزعه هذه المرة حقاً وبالفعل لا صورة ولا وهماً ولا سراباً!
2- حتى يميز الخبيث من الطيب
سقْت ما مر -على الإطالة بل الاختصار- لنعي وعورة الطريق وصعوبة المرحلة والمضيق الذي نعبره وعنق الزجاجة الذي علينا اجتيازه! وثمن الاستقلال وكم هو باهظ، وقوى الشد العكسي أو قوى الثورة المضادة، وكم تملك من أدوات وقدرات وكم تملك من تأثير وقدرة على التخريب والتحزيب والتأثير والتدمير وتشويش المجتمع، وكم تملك من غطاء دولي مؤثر فينا وفعال، وكم تحتاج جماهيرنا من جهد للصياغة أو إعادة الصياغة، وكم يستطيع التشويش أن يصنع!
بعد كل هذا أقول استوقفتني آية في كتاب الله في سورة آل عمران، وهي السورة التي أسميها أو أصفها بأنها سورة الاصطفاء الخاص والاصطفاء العام، وذلك في ختام تعقيب السورة على غزوة أحد ومما جاء في الآية: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب..)، والملاحظ أولاً: أن الآية جاءت في ختام الحديث عن أحد، وما أصاب المسلمين فيها من آلام نفسية وجسمية، وفقد شهداء وانتعاش أعداء، فكأن الآية بموقعها تمثل صفوة القول وزبدته، وتلخص حكمة الله في الابتلاء الذي حصل في الغزوة. ونحن اليوم نواجه ظرفاً صعباً واختراقاً من الأعداء لصفوفنا يحزن القلب ويمض النفس، ولكن ليعلم الجميع أن لله حكمة بالغة وراء ذلك.
والملاحظ ثانياً: استخدام أشد صيغ النفي: (ما كان الله..) وتكرارها مرتين في نصف نص الآية؛ مما يدلل على سننية هذا الأمر، وأنه ناموس إلهي، وقانون مطرد، بل ضرورة لا بد منها.
وندخل بعد هذه الملاحظة إلى حمى الآية ومعناها ومقصدها، فالله تعالى يقول: إنه ما كان ليدع المؤمنين مختلطاً حابلهم بنابلهم، وغثهم بسمينهم، ومخلصهم بدعيّهم، ومؤمنهم بمنافقهم، والوطني بالعميل، وأشباه الرجال بالرجال، والمفتدون أوطانهم والمتاجرون بأوطانهم، والمعظمون الدماء والمستحلون الدماء.. إذاً لن تتركوا على حالكم بلا تمييز. فلا بد من غربلة الصف؛ ليسقط «الزوان» «والكسر» ولا يبقى في الغربال إلا الحب الصحيح الكامل! هذا الفرز والفصل بين النوعين: الخبيث والطيب ضرورة! تماماً كالحجر الصحي وقت الأوبئة. ولن نعرف المصاب إلا بالفحص، ولن نعرف «المعطوب» و»المضروب» و»المشطوب» إلا بالامتحان! والامتحان زلزال كما عبر الله في السورة التي قبلها أي سورة البقرة «وزلزلوا» وفي سورة الأحزاب: (وزلزلوا زلزالاً شديداً).
هذه الهزة القدرية والزلزلة بالتعبير القرآني لغربال المجتمع ليسقط الخبيث، كما قال في سورة الأنفال وهي شبيهة سورة آل عمران: (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم..).
هذا «الفرقان» ضروري لمستقبل الأمة. وتصور، بالله، لو فاز شفيق في الانتخابات أو عمرو السكران المرتبط بليفني و»إسرائيل»، أو حمدين المتقلب، أو بكري المتلون، أو البرادعي المغطى بقوى دولية، ماذا كان يكون مستقبل مصر؟ إن فضح هؤلاء وكشف خبيئهم مسألة حياة أو موت، كما يتم الكشف المبكر عن السرطان قبل أن يستفحل، وهؤلاء كالسرطان!
هذه هي (ما) النافية الأولى في الآية، أما الثانية فهي قوله تعالى: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) وهذه أيضاً مهمة جداً.
ألا ما أعظم كلام الله وما أملأه بالحكم! إنه ليس من منهج الله ولا من سنته في الوجود والمجتمعات والأمم أن ينزل كشفاً بأسماء المنافقين والعملاء والجواسيس والخونة والمأجورين والزنادقة والمدسوسين والمندسين! ما كان أبداً، ولن يكون.. وهذا لم يكن متاحاً لأعظم الخلق فلن يكون متاحاً لمن سواه بالأولى. لا قوائم سوداء تنزل من السماء! يجب أن تدفعوا ثمن الكشف عن هؤلاء المختبئين تحت جلودنا، والملتحفين بشعارات العلمنة والدمقرطة واليسارية والليبرالية والتحديث وما شئت من أسماء متضخمة متورمة ومتقزمة! تنوعت الأسماء والتفريط واحد!
كيف سنعرف المرتزقة إذاً أو أجناد الباطل؟ بقي ما يسوقه القدر من هزات بها يتم تنقية الصف، وتطهيره، وتصفيته من الشوائب، والأوشاب.
ما يجري مؤلم ولكن وراءه حكماً عظيمة بحيث يصدق فيه قول الله تعالى: (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم..).
ومن ضمن الحكم سوى كشف العملاء المبكر قبل أن يستفحلوا، أقول من حكم ما يجري أن تزداد الأثمان المدفوعة في النصر ليكون الحرص عليه بقدر ثمنه، وصدق الله: (وينصرك الله نصراً عزيزاً) فالنصر الرخيص الثمن شيء، والنصر العزيز غالي الثمن شيء آخر مختلف.
وثالث الحكم والأمور كشف عن مقدار الحلف الشيطاني بين العلمنة والصهيونية ويتكشف كل يوم عمق هذا الرابط الخياني الإجرامي، ورعاية الغرب وقوى الصهيونية لهؤلاء المتغربين، ولولا هذا الدعم السياسي والإعلامي ما كان هؤلاء يساوون شيئاً.
ورابع الحكم أن يختار الله شهداء كما فقد الشعب السوري قرابة المئة ألف من الشهداء، ولا ندري كم سندفع بعد في التحرر من هؤلاء؟
وخامس الحكم أن نبتلى بأكابر المجرمين كما قال القرآن لنشحذ كل قوانا وقدراتنا. وسادس الحكم توحيد الجهود الإسلامية والاجتهادات والجماعات.
ويبدو أن حديث الحكم يحتاج إلى حلقة خاصة.
مقالين رائعين لعالمين فاضلين
أستبشر بالخير عندما أقرأ لهما..
والله ليتمن هذا الأمر ولينتصر الإسلام ويعز أهله..
بارك الله فيك وفي ما تنقله وتكتبه أخي يحيى..