إنه وعد الله الحقّ –ووعده على الدوام حقّ– بقرب ساعة الحسم في سورية الحبيبة، وخلاصها من الأسد وطغمته الخبيثة التي عاثت في البلاد فساداً، فأزهقت الأرواح، وهدّمت البيوت على رؤوس أصحابها، وخرّبت المزارع والحقول، وأحرقت الأخضر واليابس، ولم تفرّق في قتلها الأنفسَ البريئة بين رجل وامرأة أو شاب وعجوز، أو صغير وكبير، أو حتى بين إنسان وحيوان. إنها حرب إبادة يشنّها حاكم تسلّط على سورية هو وأبوه وحزبه في غفلة من الزمن، وبلاهة من المسلمين.
اللهُ أكبرُ، يدمّر هذا الطاغية وعصابته بلداً من أكثر بلدان العالم حضارة، يدمره أرضاً وسكّاناً، وممتلكاتٍ ومقدّراتٍ، ومصانعَ ومعاهدَ، وكأنه لم يكن يوماً بلد الفاتحين العظام كخالد وعمرو وأبي عبيدة، أودستَ حكم الأمويين أصحاب العروبة الأصيلة، والجيوش الفاتحة، أو مثوى نور الدين زنكي وصلاح الدين محرِّرَي الشام من ربقة الصليبيين، أو بلد العلماء الفطاحل كابن تيمية وابن القيم وابن عساكر قديماً، ومحمد الحامد ومصطفى السباعي وحسن حبنّكة من علماء هذا العصر الأفذاذ.
يا عجباً كلَّ العجب من حكام تسلّطوا أو سُلِّطوا في هذا الأوان على شعوب هذه الأمة العظيمة وفي مقدمتهم حكام سورية، فحكموها بقوانين الكفّار المأفونة، وساسوها بآلة الحديد والنار، وعاملوها كأنها قطعان من السائمة، وتصرفوا فيها تصرف نيرون بروما حرقاً ومحقاً لمجرد نزوة طاغوتية في رأس أحدهم، وهو يتألّه على رعيتة، ألاّ يرى لأحد منهم أن يراجعه في أمرٍ أو ينكر عليه في تصرف. وهم إلى هذا قد أباحوا الديار لأعداء الله اليهود. والعجب أنهم مع كل هذا السقوط، يدّعون أنهم أهل مقاومة وممانعة، وأن البلاد بدونهم ستؤول إلى الضياع والخراب.
لقد فعلوا في سورية اليوم -وهم يزعمون أنهم عرب ومسلمون– أشنع مما فعله التتار الوحوش في بغداد، والصليبيون الحاقدون في القدس سابقاً، والمستعمرون من فرنسيس وإنجليز وطليان وإسبان في بلاد العرب والإسلام، بل أشنع مما فعله اليهود في فلسطين والهندوس في باكستان في هذا الزمان. ولقد كانت سياستهم أكثرَ همجية وبربرية من سياسة فرعون نفسه، وهو يدّعي الألوهية؛ إذ كان إذا ذبّح الأطفال استحيا النساء، ولكنّ هؤلاء يذبِّحون النساء مع الرجال، ويربون وحشيةً أن يسارعوا إلى اغتصابهن، ويزيدون على ذلك بدفن الكثير من ضحاياهم أحياءً!
لقد جعلوا من الجيش الذي تقرر الدساتير العالمية أنه لحماية الحدود، ومن قوات الأمن التي لم توجد إلا لأمان المجتمع وسلامته، قُوىً يتنكّر كلٌّ منها لوظيفته الأساسية، لتتسلّط من ثم على الشعب وأحراره، وعلمائه وأبطاله، ليكون المواطن عندها أبغض إليها ألف مرة من اليهود أنفسهم، فهي تترك قتال اليهود المحتلين للجولان يسرحون ويمرحون، وتتسلّط هي على الشعب العربي المسلم المسالم. وكأنّ هؤلاء الحكام قد قرّروا أن يسلّحوا نفراً من أبناء الأمة وبأموالها لينثنوا من بعدُ لقتل أبناء شعبهم، بدلاً من أن يربوهم لقتال اليهود وتحرير البلاد من رجسهم.
لقد قتلوا الآلاف وشردوا آلاف الآلاف داخل سورية وخارجها من أبناء هذا الشعب الكريم، أهل الدين والعلم والمدنية، دون أن يطرف لهم جفن رحمةً، أو تتحرك منهم شعرةٌ شفقة على ضحاياهم الأبرياء، بل كان كل همهم وهم ينتهجون في البلاد سياسة الأرض المحروقة، أن يخمدوا أنفاس الأحرار، ويخرسوا أصوات الأخيار، ويعبِّدوا الناس لأصنامهم البشرية من دون الله رب العالمين.
فهذا زعيمهم يقول كذباً وطغياناً: إنه ليس أحد في الدنيا يحب إراقة الدماء، ولكن الطبيب –وهو بالمناسبة طبيب– إذا ما تقدم إليه مريض، ورأى أن معه زائدة دودية، فإنه يعمد إلى بترها، وإنه لمن الغباء حينها أن يقال له: إنك دمويّ ويردف: إنني جراح، والجراح لا يهمه نزف الدم من المريض وهو يعالجه. ويقول أحد أركانه لرجاله الذين يسلّطهم على قصف المدن: «افعلوا كل شيء، إلا أن ترحموا أحداً»!!
وهاهم حكام سورية للتدليل على إجرامهم وعمالتهم، يستعينون متبجّحين، بروسيا البلشفية التي زعمت عندما قامت بثورتها الماركسية أنها نصيرة الشعوب المطالبة بحرياتها، فأتت اليوم -وهي تقلب هذا المبدأ الذي كان في أصله وفصله خداعاً وافتراءً- لتنصر الطغاة على أصحاب الثورات الشعبية المطالبين بالانعتاق من قيود مستعبديهم. وها هي تمد حاكم سورية علناً بالسلاح الفتّاك ليمعن في قتل شعبه، إذ إن أروح المؤمنين عندها وعند عميلها الأسد رخيصة، لكفر هؤلاء وهؤلاء الذين قال الله عنهم: (لا يرقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إلاًّ ولا ذِمَّةً وأولئِكَ هُمُ المُعتَدُونَ) .
ولكننا نوقن -مع كل هذا التآمر الدولي والأجرام المحلي الذي يشترك فيه وياللأسى والأسف، بعض من يزعمون أنهم من أهل الإسلام، ومع كل هذا التقتيل الشنيع للشعب السوري، وهذا التخريب البشع لمعالم الخير والعمران في بلاده- أنّ شعب سورية العظيم أثبت أنه أكثر الشعوب العربية المسلمة تضحية وثباتاً، وجرأة وإقداماً، إذ لم يبذل أي شعب من شعوب الربيع العربي حتى الآن، ما بذله هذا الشعب البطل في سبيل نيل حريته من دماءٍ وأموال وجهود، وإنه لمنتصر قريباً بإذن الله (ولَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إنَّ اللهَ لقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
وإن ثبات الجيش الحر، وتزايد عدد المنشقين من عساكر النظام ورجاله، وانضمامهم إليه، وتقدمه في احتلال مساحات كبيرة من سورية، وسيطرته على كثير من المعابر الحدودية، وتدميره لكثير من مراكز إجرام النظام، وما يدور منذ أيام في دمشق العاصمة من معارك ضارية بين هذا الجيش الباسل وجيش النظام الخاسئ. كل هذا له دلالته العظمى على قرب مرحلة الانتصار، ورحيل هذا النظام العفن.
ولا شكّ أن قتل أولئك النفر صانعي الإجرام من جلاوزة النظام: وزير الداخلية محمد الشعّار، ووزير الدفاع داود راجحة، ونائبه آصف شوكت، ورئيس ما يسمى «إدارة الأزمة» حسن التركماني وغيرهم، فأل خير على أهل الشام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وشارة شؤم وبؤس على دول الكفر وفي مقدمتها روسيا التي طالب طاغيتها اللئيم بوتين قبل أيام بكل صفاقة ورقاعة (بالقبض على منفذي عملية الإرهاب تلك، ومعاقبتهم). ونقول له بكل إيمان: خسئت وخاب فألك.
أجل، لقد اقترب الوعد الحق للقضاء على زمرة اللؤم والإجرام في سورية العزيزة. وإنه لوعدُ حقٍّ وصدقٍ من الله، بأن يخزيهم في الدنيا عما قريب شرّ خزية. وأما خزي الآخرة فأشدّ وأنكى. وصدق الله العظيم: (واقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ فإذا هِيَ شاخِصَةٌ أبْصارُ الذين كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنّا في غفلةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنّا ظالِمِينَ). وإننا لنرتقب لهؤلاء الطغاة مصيراً نحساً كمصير أبرهة وجيشه الغادر، كما قال الشاعر:
كادَهُ الأشْرَمُ الذي جاءَ بِالفِيـ
لِ فَوَلَّى وجَيْشُهُ مَهْزُوُم
واسْتَهَلَّتْ عَلَيْهِمُ الطَّيْرُ بِالجَنْـ
دَلِ حتّى كأنَّهُ مَرْجُومُ
ذاكَ مَنْ يَغْزُهُ مِنَ النَّاسِ يَرْجِعْ
وهْوَ فَلٌّ مِنَ الْجُيُوشِ ذَمِيمُ
وسيكون الجيش الحر، وفي هذا الشهر الفضيل إن شاء الله، الطير الأبابيل على بشار الأسد وجيشه ومؤيديه على ظلمه، من الروس والصين وأحفاد المجوس.