"13" الأسباب المعينة على تحقيق هذه البشريات وتحقيق التمكين للإسلام
"13" الأسباب المعينة على تحقيق هذه البشريات وتحقيق التمكين للإسلام - "13" الأسباب المعينة على تحقيق هذه البشريات وتحقيق التمكين للإسلام - "13" الأسباب المعينة على تحقيق هذه البشريات وتحقيق التمكين للإسلام - "13" الأسباب المعينة على تحقيق هذه البشريات وتحقيق التمكين للإسلام - "13" الأسباب المعينة على تحقيق هذه البشريات وتحقيق التمكين للإسلام
الفصل الرابع
الأسباب المعينة على تحقيق هذه البشريات
وتحقيق التمكين للإسلام
الأسباب المعينة على تحقيق البشريات
لقد ذكر الله سبحانه وتعالى مجموعة من الأسباب – الصفات -التي إن حققها أهل الإيمان في أنفسهم ، كانت لهم معينا على تحقيق البشريات النبوية ، وقد جاءت هذه الأسباب في آيا ت من الكتاب العزيز :
قال تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).النور :55
وقال : ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) .
وقال ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ).
وقال : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون) .
فهذه الأسباب –الصفات - لا بد أن تتوافر في المؤمنين قبل ذلك ، فمنها شرط الإيمان والعمل الصالح ، واتباع نهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الذين مكنوا من قبل ، واعتناق الدين الصحيح ، وعدم الشرك بالله ، والاستعانة بالله وحده ، والصبر على الجهاد وحرب الأعداء ، وتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن ، والصلاح العام ، وأن يكون سلوك المجاهد أن يقول ربي الله ويعمل بمقتضى هذا ويستقيم على دينه ، فهذه الصفات إذا بذل العبد جهده في تحقيقها فإنه سيصبح مؤهلاً لأن ينصره الله ويستخلفه في الأرض .
وسأورد هذه الأسباب – الصفات - مع بعض التفصيل حولها فيما يلي:
1-الإيمان الصادق :
إن أول أسباب تحقيق هذه البشريات هو الإيمان الصادق بالله تعالى ‘ فهو رأس الأعمال وأسها ، وبدونه فلا قيمة لغيره ،ولهذا قدمه الله سبحانه وتعالى وقدمه رسول الله على غيره .
فقد قال سبحانه وتعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) ( النور :55
ولقد عد الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان من أوائل الأعمال أفضلية وخيرية .
فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ أَوْ أَيُّ الْأَعْمَالِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، قِيل: َ ثُمَّ أَيُّ شَيْءٍ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ سَنَامُ الْعَمَلِ ، قِيلَ : ثُمَّ أَيُّ شَيْءٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ .
أخرجه البخاري برقم :26، ومسلم : 83، والترمذي : 1658، والنسائي :2624
الإيمان أصل الحياة :
والحق أن الإيمان هو أصل الحياة الكبير ، الذي ينبثق منه كل فرع من فروع الخير ، وتتعلق به كل ثمرة من ثماره ، وإلا فهو فرع مقطوع من شجرته ، صائر إلى ذبول وجفاف . وإلا فهي ثمرة شيطانية ، وليس لها امتداد أو دوام !
وهو المحور الذي تشد إليه جميع خيوط الحياة الرفيعة . وإلا فهي مفلتة لا تمسك بشيء ، ذاهبة بددا مع الأهواء والنزوات . .
وهو المنهج الذي يضم شتات الأعمال ، ويردها إلى نظام تتناسق معه وتتعاون ، وتنسلك في طريق واحد ، وفي حركة واحدة ، لها دافع معلوم ، ولها هدف مرسوم . .
ومن ثم يهدر القرآن قيمة كل عمل لا يرجع إلى هذا الأصل ، ولا يشد إلى هذا المحور ، ولا ينبع من هذا المنهج . والنظرية الإسلامية صريحة في هذا كل الصراحة . .
جاء في سورة إبراهيم: مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف . لا يقدرون مما كسبوا على شيء . .
وجاء في سورة النور: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا . .
وهي نصوص صريحة في إهدار قيمة العمل كله ، ما لم يستند إلى الإيمان ،ويرتبط به ، وينطلق منه )
في ظلال القرآن :6/3966
حقيقة الإيمان المطلوب :
والإيمان نور ، نور في القلب ، ونور في الجوارح ، ونور في الحواس . نور يكشف حقائق الأشياء والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطات ، ونسب وأبعاد . فالمؤمن ينظر بهذا النور ، نور الله ، فيرى تلك الحقائق ، ويتعامل معها ، ولا يخبط في طريقه ولا يلطش في خطواته !
والإيمان بصر ، يرى . رؤية حقيقية صادقة غير مهزوزة ولا مخلخلة . ويمضي بصاحبه في الطريق على نور وعلى ثقة وفي اطمئنان .
والإيمان ظل ظليل تستروحه النفس ويرتاح له القلب ، ظل من هاجرة الشك والقلق والحيرة في التيه المظلم بلا دليل !
والإيمان حياة . حياة في القلوب والمشاعر . حياة في القصد والاتجاه . كما أنه حركة بانية . مثمرة . قاصدة . لا خمود فيها ولا همود . ولا عبث فيها ولا ضياع .
في ظلال القرآن :5/2939
وعن الايمان المطلوب من المسلم يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : ( ... فإن الإيمان الذي يطلبه الله تعالى ليس إيمان التمنى ، أو التحلي ، أو الشعارات ، وإنه لمن اخطر الحالات التي تظهر في الأمة الإسلامية ، حالة بقاء الإيمان في حدود الحناجر والمظاهر عند قوم يرتدون عباءة الإيمان ، ويهتفون بشعاراته ...لا يتعدى الإيمان عندهم هذه المظاهر وهذه الهتافات والشعارات )
ركائز الإيمان :ص8 .
أساس النصر وتحقيق البشريات الإيمان :
إن وعد الله قائم لرسله وللذين آمنوا بأن ينصرهم ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم . ولذلك فلا بد أن توجد حقيقة الإيمان في القلوب التي ينطبق هذا الوعد عليها . وحقيقة الإيمان كثيراً ما يتجوز الناس فيها . وهي لا توجد إلا حين يخلو القلب من الشرك في كل صوره وأشكاله .
في ظلال القرآن :5/3086
وقال رحمه الله : (( إن حقيقة الايمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الانساني كله ، وتوجه النشاط الانساني كله ، فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وبناء وإنشاء موجه كله إلى الله ، لا يبتغي معها هوى في النفس ، ولا شهوة في القلب ، ولا ميل في الفطرة إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله من عند الله .
فهو الايمان الذي يستغرق الإنسان كله ، بخواطر نفسه ، وخلجات قلبه وأشواق روحه ، وميول فطرته ، وحركات جسمه ، ولفتات جوارحه وسلوكه مع ربه في أهله ومع الناس جميعا .. يتمثل هذا في قول الله سبحانه في الآية نفسها تعليلا للاستخلاف والتمكين والأمن ))
في ظلال القرآن :4/2528
إن الإيمان الحقيقي بالله هو الذي يبعثنا على الحركة والهمة ، والنشاط والسعي ، والجهد والمجاهدة ، والجهاد والتربية ، والاستعلاء والعزة ، والثبات واليقين .
هذه هي حقيقة الإيمان التي نسعى لإيجادها في أفراد الأمة المسلمة لنسعى خطوات نحو تحقيق البشريات النبوية الموعودة .
2-العلم النافع :
العلم أشرف ما رغب فيه الراغب ، وأفضل ما طلب وجدَّ فيه الطالب ، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لكميل : " احفظ ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، وعالم متعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال ينقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته ، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة " .
فللعلم مقام عظيم في شريعتنا الغراء ، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء ، وفضل العالم على العابد كما بين السماء والأرض .
فعن قيس بن كثير قال : قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال ما أقدمك يا أخي ؟ فقال : حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : أما جئت لحاجة ؟! قال : لا .
قال : أما قدمت لتجارة ؟! قال : لا .
قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث .
قال : فإني سمعت رسول الله يقول : " من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر "
والعلماء هم أمناء الله على خلقه ، وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحل لهم في الدين خطير ؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، والرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم ، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل .
قال تعالى : " فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [النحل/ 43]
فضل العلم وبيان أهميته
إنَّ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تفيض بالحث على طلب العلم وبيان أهميته وخطورته فمن ذلك :
1) قال الله تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " [ آل عمران / 18]
فأهل العلم هم الثقات العدول الذين استشهد الله بهم على أعظم مشهود ، وهو توحيده جل وعلا ، وهذا هو العلم الحقيقي ، العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته ، وموجب ذلك ومقتضاه من الإيمان برسله وكتبه والإيمان بالغيب حتى كأنه مشاهد محسوس .
فهذه المزية الكبرى للعلم وأهله ، أنَّه يدل على صراط الله المستقيم ، أنَّه الوسيلة العظمى للقرب من الله تعالى ، وموجب لإحاطة محبته بالقلب ، فمتى عرفت الله اجتمع قلبك على محبته وحده جل وعلا ؛ لأنَّ له وحده الأسماء الحسنى والصفات العلا .
وقد بوَّب الإمام البخارى بابًا فقال: " باب العلم قبل القول والعمل" ؛ لقوله تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد/19 ]
سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد/19 ] فأمر بالعمل بعد العلم .
2) والعلم نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر القلوب ، " فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " [الحج/46] .
ولذلك جعل الله الناس على قسمين : إمَّا عالم أو أعمى فقال الله تعالى :
" أ فمن يعلم أنَّما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى " [ الرعد/19] .
ولذلك عبَّر الله تعالى بفعل " رأى " دلالة على العلم في قوله تعالى : " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق " [سبأ /6] فلم يقل : " ويعلم " وهذا ـ والله أعلم ـ إشارة إلى العلم وأثره في القلوب ، التي صارت به تبصر وترى الحق ، ولا يلتبس عليها بالباطل .
وهذا واضح في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودا عُودا ، فَأَيّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْل الصّفَا ، فَلاَ تَضُرّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالاَخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادا كَالْكُوزِ مُجَخّيا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرا، إِلاّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ " .
3) والعلم يورث الخشية :
قال الله تعالى : " إنَّما يخشى الله من عباده العلماء " [ فاطر/28]
وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا " [ الإسراء /107-109 ]
4) وقد أمرنا الله تعالى بالاستزادة من العلم وكفى بها من منقبة عظيمة للعلم .
قال الله تعالى : " وقل رب زدني علمًا " [ طه/ 114]
قال القرطبي : فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.
5) وجعل العلماء هم ورثة الأنبياء ، وهم أهل الذكر ، الذين أمر الناس بسؤالهم عن عدم العلم قال الله تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " [ النحل/43]
6) وأخبر الله عن رفعة درجة أهل العلم والإيمان خاصة .
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " [ المجادلة /11 ]
7) وجعل العلم أفضل الجهاد ، إذ من الجهاد جهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء ، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان ، لشدة مؤنته ، وكثرة العدو فيه .
قال تعالى : " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا " [ الفرقان / 51-52 ]
يقول ابن القيم : " فهذا جهاد لهم بالقرآن ، وهو أكبر الجهادين ، وهو جهاد المنافقين أيضًا ، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين ، بل كانوا معهم في الظاهر ، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ، ومع هذا فقد قال تعالى : " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " ومعلوم أنَّ جهاد المنافقين بالحجة والقرآن .
والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ، ودعوة الخلق به إلى الله "
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره " .
8) والعلم مقدم على العبادة ، فإنَّ فضلا في علم خير من فضل في عبادة ، ومن سار في درب العلم سهل عليه طريق الجنة .
أخرج البيهقي في سننه عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله أوحى إليَّ : أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة و فضل في علم خير من فضل في عبادة و ملاك الدين الورع "
ماذا نعني بالعلم ؟ وكيف يطلب ؟
ومما سبق يتبين لنا أنه ما من دين حث على طلب العلم وتحصيله ، وتكريم أهله ورفعة درجاتهم كدين الإسلام ، فجعلهم يسعون إلى طلبه ركضا ، وأن يتزاحموا عليه بالمناكب ، ويقبلوا عليه إقبال العاشق .
إن العلم الذي يحض الإسلام أبناءه عليه هو علم الدنيا والآخرة ، العلم الذي يزكي النفس ، ويسمو بالروح ، ويعرف المسلم حق الله عليه ، ثم العلم الذي يجعل الدنيا مكانا طيبا للحياة عن طريق المعرفة والحضارة.
فمن العلم الذي يجب على أبناء الإسلام تعلمه أنْ يعرفوا الله تعالى ، وأن يعرفوا رسوله : فيعرفوه معرفة حقيقية ؛ ليتبعوه ، وليحبوه ، وليوالوه ، وليقتدوا ويتأسوا به ، ولا يتركوا شيئاً من سنته وعمله إلا عملوه . وأن يعرفوا ما تلزم معرفته من أمر الدنيا والدين إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وللوسائل حكم المقاصد .
ولهذا لم يفرق القرآن الكريم بين علم الدنيا وعلم الدين ، بل حث عليهما معا ، ولذلك فإن دائرة العلم في الإسلام أوسع من أن تحد ، وأشمل من أن تحصر بنوع أو باتجاه ، فالمسلم يتعلم كل ما ينفعه ، وكل ما يحتاجه ، وكل ما يطمح له أو يستعد .
لكن المسلم يعلم أن العلم لا خير فيه ، ولا أثر له إن لم يهد إلى الحقيقة الأولى ، وهي : معرفة الله سبحانه ، وإلا ما الفائدة أن يعلم الإنسان من خصائص الكون ، وطبائع الأشياء ما يعلم ، ثم يغفل عن الخلق الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، إن العلم إن لم يقم بدوره ، ولم يهد الإنسان إلى غاية وجوده ، وحقيقة مهمته في هذه الحياة .
ولذا فقد قرر فقهاء الأمة : أن كل علم يحتاج إليه المسلمون في دينهم أو دنياهم فإن تعلمه وإتقانه فرض كفاية تأثم الأمة كلها إذا فرطت فيه ، ويأثم بالأخص أولوا الأمر .
لقاءات ومحاورات حول قضايا الإسلام والعصر يوسف القرضاوي :ص50
الزعامة العلمية تحقق الريادة والقيادة للأمة الإسلامية :
قال الأستاذ أبو الحسن الندوي رحمه الله : إن العالم الإسلامي إذا أراد أن يرجع إلى ماضيه العريق ، ومجده التليد ، وإذا أراد أن يستأنف الحياة ، وإذا كان يطمح إلى القيادة والريادة ، وإذا كان يريد أن يتحقق وعد الله تعالى له بالتمكين ، فلا بد إذا من الزعامة العلمية ، وما هي بالأمر الهين .
إنها تحتاج إلى تفكير عميق ، وحركة تدوين وتأليف واسعة ، وقفزة هائلة في كافة المجلات العلمية ، وإنها لمهمة تنوء بالعصبة أولى القوة ، فلا بد أن يتعاون الجميع على النهوض بها ، ولابد أن يتصدر هذه المهمة المخلصون من هذه الأمة في كافة المجالات والتخصصات ، فيضعون منهاجا تعليميا يجمع بين محكمات الكتاب والسنة ، وحقائق الدين التي لا تتبدل ، وبين العلوم العصرية النافعة ،ويدونون العلوم العصري للشباب المسلم على أساس الإسلام ، وبروح الإسلام ، وفيها كل ما يحتاج إليه النشء الجديد مما ينظمون به حياتهم ، ويحافظون به على كيانهم ويستغنون به عن غيرهم ، ويستخرجون به كنوز أرضهم ، وينتفعون بخيرات بلادهم .
وبذلك ينهض العالم الإسلامي ، ويؤدي رسالته ، وينقذ العالم من الانهيار الذي يهدده ، فليست القيادة بالهزل ، إنما هي جد الجد فتحتاج إلى جد واجتهاد ، وكفاح وجهاد واستعداد أي استعداد .
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين :ص240 .
3-العمل الصالح والعبادة:
العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان ، والحركة الذاتية التي تبدأ في ذات اللحظة التي تستقر فيها حقيقة الإيمان في القلب . فالإيمان حقيقة إيجابية متحركة . ما أن تستقر في الضمير حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها في الخارج في صورة عمل صالح . .
هذا هو الإيمان . . لا يمكن أن يظل خامدا لا يتحرك ، كامنا لا يتبدى في صورة حية خارج ذات المؤمن . . فإن لم يتحرك هذه الحركة الطبيعية فهو مزيف أو ميت . شأنه شأن الزهرة لا تمسك أريجها . فهو ينبعث منها انبعاثا طبيعيا . وإلا فهو غير موجود !
ومن هنا قيمة الإيمان . . إنه حركة وعمل وبناء وتعمير . . يتجه إلى الله . . إنه ليس انكماشا وسلبية وانزواء في مكنونات الضمير . وليس مجرد النوايا الطيبة التي لا تتمثل في حركة وهذه طبيعة الإسلام البارزة التي تجعل منه قوة بناء كبرى في صميم الحياة .
في ظلال القرآن :6/3967
الإيمان والعمل الصالح أساس الحياة الطيبة :
إن البشرى بقبول عمل الصالحين والصالحات وحياتهم الطيبة وبمناسبة العمل والجزاء ، يعقب بالقاعدة العامة فيهما:
( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ، فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) (النحل :97) . .
فيقرر بذلك القواعد التالية:
1- أن الجنسين:الذكر والأنثى . متساويان في قاعدة العمل والجزاء ، وفي صلتهما بالله ، وفي جزائهما عند الله . ومع أن لفظ من حين يطلق يشمل الذكر والأنثى إلا أن النص يفصل: من ذكر أو أنثى لزيادة تقرير هذه الحقيقة . وذلك في السورة التي عرض فيها سوء رأي الجاهلية في الأنثى ، وضيق المجتمع بها ، واستياء من يبشر بمولدها ، وتواريه من القوم حزنا وغما وخجلا وعارا !
2- وأن العمل الصالح لا بد له من قاعدة أصيلة يرتكز عليها . قاعدة الإيمان بالله وهو مؤمن فبغير هذه القاعدة لا يقوم بناء ، وبغير هذه الرابطة لا يتجمع شتاته ، إنما هو هباء كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف . والعقيدة هي المحور الذي تشد إليه الخيوط جميعا ، وإلا فهي أنكاث . فالعقيدة هي التي تجعل للعمل الصالح باعثا وغاية . فتجعل الخير أصيلا ثابتا يستند إلى أصل كبير . لا عارضا مزعزعا يميل مع الشهوات والأهواء حيث تميل .
3- وأن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض . لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال . فقد تكون به ، وقد لا يكون معها . وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية:فيها الاتصال بالله والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه . وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة ، وسكن البيوت ومودات القلوب . وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة . . وليس المال إلا عنصرا واحدا يكفي منه القليل ، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله .
4- وأن الحياة الطيبة في الدنيا لا تنقص من الأجر الحسن في الآخرة .
5- وأن هذا الأجر يكون على أحسن ما عمل المؤمنون العاملون في الدنيا ، ويتضمن هذا تجاوز الله لهم عن السيئات . فما أكرمه من جزاء ! ).
في ظلال القرآن :4/2193
اتساع دائرة العمل الصالح لتشمل الحياة بأكملها :
العمل الصالح واسع الدائرة إلى حد يشمل كل شيء في الحياة تباشره باسم الله .
لقد عد الإسلام أعمالا كثيرة صالحة لم تكن تخطر ببال الناس أن يجعلها الدين عملا صالحا وقربة إلى الله تعالى ، فجعل كل عمل يمسح به الإنسان دمعة محزون ، أو يخفف به كربة مكروب ، أو يشد به أزر مظلوم ، أو يقيل به عثرة مغلوب ، أو يقضي به دين غارم مثقل ، أو يهدي به حائرا ، أو يعلم جاهلا ، أو يدفع شرا عن مخلوق ، أو أذى عن طريق ، أو يسوق نفعا إلى كل ذي كبد رطبة ...جعل كل ذلك عملا صالحا ما دامت النية فيه خالصة لوجه الله الكريم .
العبادة في الإسلام للقرضاوي :ص57
وقال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : إن اقتصار التدين على بعض أنواع الطاعات المأثورة إزراء بحقيقة الدين وطمس لرسالته ، وآثاره ، وإعطاء الشيطان مساحات رحبة يجري فيها كيف يشاء ).
الطريق من هنا :ص18
إلى أن يقول : ( وأول ما أصاب النفس الإنسانية من عطب ، توهمها أن الصالحات لا تعدو رسوم العبادات المروية ،فإذا أحرز المرء نصيبا منها ، وأراد المزيد كرر الصلاة ، وكرر الأوراد، لأنه لا يعرف صالحات غير ذلك ، وما درى أن ميدان الصالحات يستوعب كل حركاته وسكناته ، ويحولها إلى قوى تدعم الخير ، لأن الصلاح تغيير نفسي شامل يفرض على صاحبه حب الكمال ، والرغبة في الإحسان ، فهو يتقلب في الدنيا مسلما وجهه إلى الله رب العالمين ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ) لقمان :22 )
الطريق من هنا :ص20
شمول مفهوم العبادة لمجالات النشاط الإنساني كافة :
وأما عن العبادة فلها شأن كبير عند العاملين لإعلاء كلمة الله ، وتحقيق البشريات النبوية في علو شأن هذا الدين ، فالعبادة في تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ).
العبودية :ص4
وكما أن دائرة العمل الصالح تتسع لكافة مجالات الحياة ، فإنه ليس في التصور الإسلامي نشاط إنساني لا ينطبق عليه معنى "العبادة " أو لا يطلب فيه تحقيق هذا الوصف . والمنهج الإسلامي كله غايته تحقيق معنى العبادة ، أولا وأخيرا .
"وليس هناك من هدف في المنهج الإسلامي لنظام الحكم ، ونظام الاقتصاد ، والتشريعات الجنائية ، والتشريعات المدنية ، وتشريعات الأسرة . وسائر التشريعات التي يتضمنها هذا المنهج . .
"ليس هناك من هدف إلا تحقيق معنى "العبادة " في حياة الإنسان . . والنشاط الإنساني لا يكون متصفا بهذا الوصف ، محققا لهذه الغاية - التي يحدد القرآن أنها هي غاية الوجود الإنساني - إلا حين يتم هذا النشاط وفق المنهج الرباني ؛ فيتم بذلك إفراد الله - سبحانه - بالألوهية ؛ والاعتراف له وحده بالعبودية . . وإلا فهو خروج عن العبادة لأنه خروج عن العبودية . أي خروج عن غاية الوجود الإنساني كما أرادها الله . أي خروج عن دين الله !
في ظلال القرآن :4/1937
ولذلك فإن المتأمل لمهمة العبادة في حياة المسلم يلحظ أنها تقوم بالأمور الهامة التالية :
أ – تثبيت الجانب الاعتقادي : من خلال إشراب القلب حب لله تعالى ، وهيبته ، وخشيته والشعور الغمر بأن الله رب الكون ومليكه ، والتوجه إليه دائما بما شرع من نسك وشعائر ، باعتباره مظهرا عمليا دائبا لصدق الإنسان في دعوى الإيمان .
ب: تثبيت القيم الأخلاقية : جاء المنهج الرباني في العبادة ليتمم مكارم الأخلاق ، ودعوة الناس إلى المثل العليا ، وللعبادات بأنواعها مهمة عظيمة في تثبيت هذه الأخلاق وتدعيمها ، وغرسها في نفس المؤمن ووجدانه .
ج- إصلاح الجانب الاجتماعي :ويظهر ذلك مثلا في الصلاة ودورها في إيجاد العلاقات الاجتماعية ، وذلك واضح في الحكمة من صلاة الجماعة ، لأن اجتماع المسلمين راغبين في الله راجين ، راهبين مسلمين وجوههم إليه له خاصية عجيبة في تنزل البركات ، وتدلى الرحمة ، فيحدث التعاون ، والتعارف ، والوحدة والاجتماع على الخير .
الإيمان والعمل الصالح والعبادة تحقق الوراثة في الأرض :
وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أمة فهي الوارثة للأرض في أية فترة من فترات التاريخ . ولكن حين يفترق هذان العنصران فالميزان يتأرجح . وقد تقع الغلبة للآخذين بالوسائل المادية حين يهمل الأخذ بها من يتظاهرون بالإيمان ، وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح ، وإلى عمارة الأرض ، والقيام بتكاليف الخلافة التي وكلها الله إلى هذا الإنسان .
وما على أصحاب الإيمان إلا أن يحققوا مدلول إيمانهم ، وهو العمل الصالح ، والنهوض بتبعات الخلافة ليتحقق وعد الله ، وتجري سنته: ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ). . فالمؤمنون العاملون هم العباد الصالحون . .)
في ظلال القرآن :4/2400
4) القيادة الربانية :
إن من أهم عوامل الوصول لتحقيق البشريات النبوية التي وعد الله بها هذه الأمة على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، تولي القيادة الربانية أمور الدعوة وقيادة المسلمين في شتى مجالات الحياة ، القيادة الربانية التي جرى الإيمان في قلبها وعروقها ، وانعكست ثماره على جوارحها وتفجرت صفات التقوى في أعمالها وسكناتها وأحوالها .
فالقيادة الربانية هي عصب حياة الأمة ، ومنزلتها من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا صلحت القيادة صلحت الأمة ، وإذا فسدت القيادة صار الفساد إلى هذه الأمة .
والقيادة الربانية هي التي تفجر طاقات الأمة ، وتحتضن الإسلام وتنهجه قلبا وقالبا ، جوهرا ومنظرا ، عقيدة وشريعة ، وهي التي تمسي وتصبح وهمها عقيدتها وأنتها .
وهي التي تعين الهدف ، وتضع الخطة ، وتحد المراحل بوعي وصدق ، بحيث تنتقل من مرحلة إلى مرحلة بتخطيط وتنظيم وإرادة قوية معتمدة على الله تعالى حتى تصل بأمتها إلى مرحلة العزة والرفعة وتحقيق البشريات بنصر الإسلام .
ولقد فطن أعداء الإسلام لأهمية القيادة الربانية في حياة الأمة الإسلامية ، ولذلك حرصوا على كل الحرص على ألا يمكنوا القيادات الربانية من امتلاك نواصي الأمور ، وأزمّة الحكم في الأمة الإسلامية :
• ففي خطة لويس التاسع أوصى : بعدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية من أن يقوم بها حاكم صالح ) كما أوصى ( بالعمل على إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء حتى تنفصل القاعدة عن القمة ) .قادة الغرب يقولون :ص63 .
• أما المستشرق ( مونتجو مري وات ) فقد صرح لجريدة التايمز اللندنية قائلا: ( إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام فإن من الممكن لهذه الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى ) المصدر السابق :ص25
• أما المستشرق الصهيوني ( برنارد لويس ) فقد كتب تحت عنوان : عودة الإسلام ، في دراسة نشرها عام 1976 : ( .. إن غياب القيادة العصرية المثقفة : القيادة التي تخدم الإسلام بما يقتضيه العصر من علم وتنظيم ، إن غياب هذه القيادة قد قيدت حركة الإسلام كقوة منتصرة ، ومنع غياب هذه القيادات الحركات الإسلامية من أن تكون منافسا خطيرا على السلطة في العالم الإسلامي لكن هذه الحركات يمكن أن تتحول إلى قوى سياسية هائلة إذا تهيأ لها هذا النوع من القيادة ) .
التمكين للأمة الإسلامية ص185
صفات القيادة الربانية :
ذكر العلماء صفات القيادة الربانية التي تلعب دورا هاما في تحقيق البشريات النبوية ، وأبرز هذه الصفات : سلامة العقيدة ، والعلم الشرعي ، والثقة بالله ، والقدوة ، والصدق ، والكفاءة ، والشجاعة ، والمروءة ، والزهد ، وحب التضحية ، وحسن اختيار المعاونين ، والتواضع ، وقبول التضحية ، والحلم ، والصبر ، وعلو الهمة ، والتميز بخفة الروح والدعابة ، والحزم والارادة القوية ، والعدل والاحترام المتبادل ، والقدرة على حل المشكلات ،وغيرها .
مكان العلماء في القيادة الربانية :
إن القيادة الربانية تستطيع أن تنتقل بفضل الله وتوفيقه نحو الأهداف المرسومة ، التي بشر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية بالوصول إليها من خلال خطوات ثابتة ، ولا بد من أن يكون العلماء الربانيين هم في قلب هذه القيادة وعقلها المفكر حتى تسير الأمة على بصيرة وهدى وعلم .
والعلماء المقصودون هم: العالمون بشرع الله، والمتفقهون في الدين، والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسلف الأمة، الداعون إلى الله بالحكمة التي وهبهم الله إياها: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(البقرة: من الآية269)..
وذلك:
أولا: لأنهم ورثة الأنبياء . والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، إنما ورثوا هذا العلم والدعوة إنما تكون بالعلم، فأهل العلم هم الدعاة.
ثانيا: العلماء هم حجة الله في أرضه على الخلق، والحجة لا تقوم إلا على لسان داعية بفقهه وبعلمه وبقدوته، فعلى هذا، فالعلماء هم أجدر الناس بالدعوة.
ثالثا: العلماء هم أهل الحل والعقد في الأمة، وهم أولو الأمر الذين تجب طاعتهم، كما قال غير واحد هن السلف في تفسير قوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء: 59. .
رابعا: العلماء هم المؤتمنون على مصالح الأمة العظمى،على دينها، وعلى دنياها وأمنها ومن باب أولى أن يكونوا هم المؤتمنون على الدعوة وشؤونها.
خامسا: العلماء هم أهل الشورى الذين ترجع إليهم الأمة في جميع شئونها ومصالحها. وإذا كانوا يستشارون في جميع مصالح الأمة- في دينها ودنياها- فمن باب أولى أن يكونوا هم أهل الشورى في الدعوة وقيادتها.
سادسا: العلماء هم أئمة الدين، والإمامة في الدين فضل عظيم، وشرف ومنزلة رفيعة، كما قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )السجدة: 24،. والإمامة في الدين تقتضي بالضرورة الإمامة في الدعوة. وما الدين إلا بالدعوة، وما الدعوة إلا بالدين..
سابعا: العلماء هم أزكى الناس، وأخشاهم لله، كما قال تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء )فاطر 28،. وإذا كانوا هم كذلك، فهم الأجدر أن يكونوا هم الدعاة على هذه الصفات، وهم الأجدر أن يكونوا هم القادة والرواد في الدعوة.