الدفاع عن المغدورة ليس فتنة - الدفاع عن المغدورة ليس فتنة - الدفاع عن المغدورة ليس فتنة - الدفاع عن المغدورة ليس فتنة - الدفاع عن المغدورة ليس فتنة
الدفاع عن المغدورة ليس فتنة
(فدوى حلمي )
العبث بالمصطلحات وقلب مدلولات المعاني بات شائعاً فإنْ طالبتَ برفع سقف الحريات الفكريّة فتلك فتنة، وعندما تطالبُ بمحاسبة الفاسدين والطغاة فتلك فتنة كُبرى، وإذا سألتَ معاليه من أين لك هذا؟ فهذه فتنة اقتصادية، وإذا سألتَ كيف تُقتل فتاة مسلمة في بلاد دينها الرسميّ الإسلام بسبب إسلامها؟ فأنت جمّاع الحطب ومضرم نار الفتنة، لن أخوض في ترانيم حريّة الاعتقاد فسلب الحريات مصيدة تُنصب كأحجار الدينمو تساقُط بعضها يقود إلى تساقطها جميعاً، ولن أطرح الجدلية الهشّة التي قارنت ما حدث بحدّ الردّة في الإسلام، فذلك مضمار السادة الفقهاء الذي أشبعوه بحثاً بالجواب الشافي النافي لافتراض علاقة وهمية بين وحشية القتل واستباحة الدم وبين الإسلام، إنّما سأحدثكم عن نورما خوري بقاعين الكاتبة الأردنية التي نشرت كتاباً بعنوان (الحب المحرّم) في عام 2002 تدّعي فيه نورما أنّها كانت شاهدة على قصة حقيقية حدثت في عمّان، عندما عشقت صديقتها المسلمة "داليا" جندياً مسيحياً في الجيش الأردني، وما أنْ علم أهلها بهذه العلاقة قاموا بقتلها طعناً بالسكين 12 طعنة وقد تسترت الأجهزة الأمنية الأردنية على الجريمة كما تروي نورما.
وبصدور الكتاب عن دار النشر الاسترالية (راندوم هاوس استراليا) حقق مبيعات عالمية ضخمة وحصدت نورما ثروة هائلة بالإضافة إلى استقبالها في جمعيات حقوق المرأة العالمية وحقوق الإنسان للحديث عن جريمة تلك العائلة المسلمة، واستضافتِها في البرامج الحوارية والإذاعية، فبسرعة البرق تلاقف الإعلام الغربي حول العالم تلك القصة كطوق النجاة، فهي قصة منسجمة تماماً مع السيناريو النمطي المشوّه لصورة العائلة المسلمة في الذهن الغربي، ولم يستوقفهم قول الكاتبة في القصة أنّ نهر الأردن يمرّ بعمّان وأنّ الكويت تقع على حدود الأردن!! وكان الحضور في الملتقيات التي تتحدث فيها نورما يبكون على تلك المسلمة العاشقة القتيلة، كل هذا التعاطف العالمي والدعم الفكريّ والحشد الحقوقي كان لقصة لم يتأكد المروجون لها من مصداقيتها حتى جاءت المخرجة الاسترالية "آنّا بروانسكي" بفيلمها الوثائقي (أكاذيب محرّمة) في عام 2007 لتصدم العالم بالحقيقة.
في عام 2004 قام الصحفي "مالكوم نوكس" بنشر تحقيق صحفي في صحيفة (سيدني مورنينغ هيرالد) بمساعدة الصحافية رنا الحسيني ود. أمل الصباغ يثبت بالدلائل أنّ قصة كتاب(الحب المحرم) خيالية لم تقع أبداً، ومن هنا انطلقت المخرجة بروانسكي في تحقيق استقصائي موضوعي تفصيلي أثبتت أنّ القصة مفتراة حتى اعترفت نورما في الفيلم بأنّها كذبت وزورت الحقيقة في غالب أحداث القصة، مما اضطر المخرجة لإخضاع نورما لجهاز كشف الكذب الذي أكدّ اختلاقها للقصة كاملة، ومع تبيان الحقيقة سُحب الكتاب من الأسواق ونُبذت الكاتبة إعلامياً واجتماعياً. نخبة من المثقفين في الغرب عبّروا عن صدمتهم وخيبة أملهم في نورما، لكنّهم لو كانوا صادقين مع أنفسهم لعبّروا عن خيبتهم في مستوى حكمهم المنساق بغير هدى على المسلمين والإسلام دون تثبّت.
وفي ضوء متابعة خبر مقتل بتول حداد وردود الأفعال يلوح أمامنا تساؤل، كيف أنصف العالم المتحضر قتيلة أردنية خيالية وتبنى قضيتها مئات المحامين حول العالم وانتفض لها الحقوقيون في قصة طافحة بالكذب في حين يتردد مجتمعنا المحلي عن إنصاف قتيلة أردنية حقيقية مازال دمها ينزفُ مستعراً فوق تراب عجلون بحجّة سدّ باب الفتنة! فأيّ فقه إنسانيّ أو دينيّ أو حتى قانونيّ الدفاع عن المغدورة ليس فتنةيتبعون؟ لماذا يسعى البعض جاهداً إلى خلق تصادم مفتعل بين الفتنة والحفاظ على كرامة الإنسان؟ إنْ كان إطاركم الوطن فهذه مواطنة أردنيّة وإنْ كان إطاركم الدين فهذه فتاة مسلمة، إنّ افتقارنا لمراجعة فكريّة ناقدة عاجلة لمفهوم الفتنة أمنياً ودينياً أتاح الفرصة للدهماء بالتحكّم في المستقبل وترهيب النّاس بديباجة الفتنة، اعتماداً على منهجية تحريف الكلم عن مواضعه بالتأويلات الباطلة لمعنى الفتنة مما أفقد النّاس حقوقها على استسلام منها.
وتكمن الأزمة في تنامي الصمت المجتمعي على الظلم بتنوع صوره، حتى خرج الظلم من دهاليزه مشرئباً بعنقه يعمل ويقتل في ضوء النّهار بلا خجل ولا خوف، ولم تزد سياسة الهروب من الحلول الجذرية إلى مخدرات الألم ذلك البغيَّ إلّا تعاظماً واستهتاراً، بالسكوت على شقاء المحروم وقهر المظلوم، حتى اقتنع العامّة إذا لم تشحذ سيف الظالم سيضيع الأمان في البلد، لكن ألم يلحظ مجتمعنا بأنّ مستوى الوجع يزداد ليفجع الفؤاد، والحكومة ترد برفع كل شيء إلّا إحساسها بالمواطن الأردنيّ؟ فأصبح الكون على رحبه ضيقا لا يتسع لبيان شجب ولا لمقال. ومع ذلك سنبقى نسأل ماذا حدث بقاتل نور العوضات؟ ماذا حدث بقاتل القاضي رائد زعيتر؟ وماذا حدث بقاتل بتول حداد؟ حتى يعود لدم المظلوم قيمته الحقيقية في مجتمعنا.