- 3 - من أخلص له في الخدمة، أورثه طرائف الحكمة - - 3 - من أخلص له في الخدمة، أورثه طرائف الحكمة - - 3 - من أخلص له في الخدمة، أورثه طرائف الحكمة - - 3 - من أخلص له في الخدمة، أورثه طرائف الحكمة - - 3 - من أخلص له في الخدمة، أورثه طرائف الحكمة
د. عبد الله فرج الله
مما أثر عن السادة الأولين- رحمهم الله- قولهم: من أخلص له في الخدمة، أورثه طرائف الحكمة، وأيَّده بأسباب العصمة..
وتحكي قصص الصالحين، ومواقف الزاهدين، طرفاً من هذه الحقيقة، التي تجسدها أحوالهم في مقامات المسير إلى الله- سبحانه وتعالى-.. التي تؤكد أيضاً أن العبد السائر كلما ازداد إخلاصاً في خدمة مولاه، كلما ازداد قرباً منه، ونوالاً من فضله، وتأييداً بنصره، وهيبة بنوره..
والإخلاص في الخدمة يفتح باب المعرفة، ومن فتح له باب المعرفة، فتحت له أبواب الحكمة، ومن ولج إلى الحكمة الربانية، واطلع على بعض أسرارها، كان إلى العصمة أقرب.. لا بل نال حظه من العصمة بإذن الله- تعالى-.
وقد أثر عن أبي سليمان الداراني- رحمه الله- قوله: إذا اعتقدت النفوس ترك الآثام؛ جالت في الملكوت، وعادت بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علماً.
وتحدث عبدالعزيز بن عمير- رحمه الله- عن الصالحين، فقال: ترى نور الجلال عليهم، وأثر الخدمة بين أعينهم... إن الرجل لينقطع إلى بعض ملوك أهل الدنيا، فيُرى أثره عليه، فكيف بمن ينقطع إلى الله- عز وجل- كيف لا يُرى أثره عليه؟!
فإذا كنت في خدمته ولم تظهر عليك بعض آثاره، فاعلم أن في خدمتك خللاً أو ادعاءً، فمن عاشر الأقوام مدة يسيرة من الزمن، اقتبس من أخلاقهم، وتأثر بسلوكهم، فكيف بك وقد طالت مدة خدمتك لمولاك- على ما تقول- فأين الآثار التي اكتسبتها، والأنوار التي ألبستها؟!!
لا تحاول أن تبحث عن حجج وأعذار، تعتذر فيها لنفسك، وتسوغ فيها تقصيرك، وتؤكد فيها على إخلاصك،، وخير ما تعتذر به - أخانا الكريم - أن تستأنف مسيرك، وتجد وتجتهد، وتديم السهر في الخدمة، لعل أنوار الأسرار تطرق باب قلبك.. فتجلو عنه ما ران عليه.. من طول غفلتك.. وتزيل عنه الحجب المانعة، وتصرف عنه العلائق القاطعة..
يروى أنه كانت عجوز في عبد قيس متعبدة، فكان إذا جاء الليل، تحرمت ثم قامت إلى المحراب.. وكانت تقول: المحب لا يسأم من خدمة حبيبه.. فإذا جاء النهار خرجت إلى القبور.. فعوتبت في كثرة إتيانها المقابر.. فقالت: إن القلب القاسي إذا جفا لم يلينه إلا رسوم البلى، وإني لآتي القبور فكأني أنظر وقد خرجوا من بين أطباقها، وكأني أنظر إلى تلك الوجوه المتعفرة، وإلى تلك الأجسام المتغيرة، وإلى تلك الأكفان الدسمة، فيا له من منظر كريه، لو أشربه العبادُ قلوبهم، ما أثكل مرارته للأنفس، وأشدَّ إتلافه للأبدان!!.
أيها الكرام،
نعم، لقد قست القلوب وجفت، وقعدت عن الخدمة، ورضيت بالرخصة، وأقل من الرخصة، فهل نبادر لعلاجها، ونعمل على تليينها، حتى تنشط في الخدمة، وتخلص في المسير.. إليه – سبحانه-..
أوصت عابدة أخلصت في الخدمة، فورثت من طرائف الحكمة، يقال لها عاتكة، ضرارَ الطفاوي، فقالت: يا ضرار، توسل إلى مولاك بجميع ما يمكنك من الوسائل، فإنك تجد ذلك لك موفراً عند حلول الأمور الجلائل، وانقطع إليه في حوائجك لديه، يأت لك عليها على غير تعب منك ولا نصب.. واعلم، أنه لن ينال المطيعون في الدنيا لذة أحلى في صدورهم، من الازدياد لله في طاعته بقربه، ولحلاوة ساعة من مطيع ألذُّ في قلوب المريدين من جميع ما أُخرج إلى الدنيا من زهرة ولذة،..
فجدّ - أي أخي - قبل أن لا يمكنك الجدّ، وبادر قبل فوات المبادرة، فإن الدنيا لا تطيب لعارفها، وإنما تورطَها أهل الغرة، وعما قليل سوف يعلمون..
نعم، عما قليل سوف يعلم أهل الدنيا حقيقتها..
" 4 " لو علم الملوك، وأبناء الملوك، ما نحن فيه من النعيم والسرور؛ لجالدونا عليه بالسيوف
" 4 " لو علم الملوك، وأبناء الملوك، ما نحن فيه من النعيم والسرور؛ لجالدونا عليه بالسيوف - " 4 " لو علم الملوك، وأبناء الملوك، ما نحن فيه من النعيم والسرور؛ لجالدونا عليه بالسيوف - " 4 " لو علم الملوك، وأبناء الملوك، ما نحن فيه من النعيم والسرور؛ لجالدونا عليه بالسيوف - " 4 " لو علم الملوك، وأبناء الملوك، ما نحن فيه من النعيم والسرور؛ لجالدونا عليه بالسيوف - " 4 " لو علم الملوك، وأبناء الملوك، ما نحن فيه من النعيم والسرور؛ لجالدونا عليه بالسيوف
يقول ابن بشار- رحمه الله-: خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم، وأبو يوسف الغسولي، وأبو عبد الله السنجاري، نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر يقال له نهر الأردن، فقعدنا نستريح، وكان مع أبي يوسف كسيرات يابسات، فألقاها بين أيدينا، فأكلناها، وحمدنا الله – عز وجل، فقمت أسعى أتناول ماءً لإبراهيم، فبادر إبراهيم، فدخل النهر حتى بلغ الماءُ إلى ركبتيه.. فقال( غرف) بكفيه في الماء، فملأهما، ثم قال: بسم الله، وشرب الماء، ثم قال: الحمد لله، ثم ملأ كفيه، وقال: بسم الله، وشرب الماء، ثم قال: الحمد لله.. ثم إنه خرج من النهر، فمد رجليه، ثم قال: يا أبا يوسف، لو علم الملوك، وأبناء الملوك، ما نحن فيه من النعيم والسرور؛ لجالدونا عليه بالسيوف أيامَ الحياة.. فقلت: يا أبا إسحاق، طلب القومُ الراحة والنعيم، فأخطأوا الطريق المستقيم.. فتبسم وقال: من أين لك هذا الكلام؟!
نعم، لقد أخطأنا الطريق المستقيم..
كلنا يريد في الحياة السرور والنعيم..
لكن قليلٌ منا من يصيب غايته، ويحقق هدفه..
والكثيرون منا يضلون الطريق، ويخطئون الغاية والهدف..
فيزدادون بسعيهم شقاءً، وبجدهم عناءً، وبوجهتهم ضنكاً وشدة..
ذلك أنهم أخطأوا الطريق المستقيم.. حين ظنوا ظناً خاطئاً، أن السرور والنعيم، في مُتع الدنيا الزائلة، وظلالها المائلة، وأحوالها المتغيرة.. فغاصوا في محيطاتها، وطاروا في أجوائها.. فلم يزدادوا في ذلك كله إلا شقاءً وضنكاً..
أيها السائر الكريم، انتبه، هل تشعر بشيء من السرور والنعيم في مسيرك إليه- سبحانه- رغم ما في الحياة من تعب ومشقة، وقسوة.. وزهد وتقشف.. هل تشعر بالرضا والطمأنينة؟ هل تشعر بالراحة وهدوء البال؟.. فلا شكوى أو تذمر.. ولا يأس أو قنوط..
فمن العلامات الدالة على حسن مسير العبد شعوره بالرضا والطمأنينة، وإن كانت المائدة كسيرات يابسة، وإن كان المسكن ضيقاً يباباً، وإن كان الملبس قليلاً خشناً، وإن كان الراتب ضئيلاً، وإن كانت الالتزامات مرهقة.. وإن كانت الأحمال ثقيلة..
يا هذا، إن لم تستشعر معاني الرضا والطمأنينة، وتلمس آثار السرور والنعيم في مسيرك، فعليك أن تعيد النظر في مسيرك.. فثمة خللٌ يجب عليك سدُّه، واعوجاج عليك بتقويمه، ونقص عليك بإتمامه..
يا هذا، أيها السائر الكريم،
إن شعرت أن صاحب الملك والسلطان، والمال والجاه، أعظم منك حظاً، وأقوى منك طمأنينة، وأكثر منك سعادةً، وقد أتيت قرآناً تتلوه، وصلاةً تقيمها، وزكاة تؤديها، وعبادات وطاعات تأتيها.. فقد ظلمت نفسك، وأسأت إلى من تطلبه.. فانتبه - يرحمك الله- فاللذة الحقيقية، والراحة الأبدية في طاعته، وجواره، وحسن عبادته..
ومن لم يضعه مسيره في ميدان السرور والنعيم، فلا خير في مسيره، هذا المسير الذي لا تكون ثمرته معرفة يقينية بالله- سبحانه وتعالى-، مسير يجب استئنافه، واستبداله، فإنه كشجرة لا ثمر لها ولا ظل.. فتستوجب قطعها.. أو على لغة المزارعين ( تطعيمها)..
فهلا بادرت أمرك.. وأصلحت حالك، الذي يأنس بمجلس لا ذكر فيه ولا علم، أو يستمتع بمشهد لهو وضياع، أكثر من أنسه واستمتاعه وراحته بطاعة أو عبادة..
ما أكثر السائرين.. لكن ما أقل من يقول بحاله قبل لسانه: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السرور والنعيم... أكثر السائرين يغبط بحاله ولسانه الملوك وأبناء الملوك وأصحاب المال والجاه على حياتهم، ويتمنى أن يعيشها.. يا للعجب العجاب.. فلا تكن يرحمك الله منهم..
آنسنا الله وإياكم بقربه.. - آنسنا الله وإياكم بقربه.. - آنسنا الله وإياكم بقربه.. - آنسنا الله وإياكم بقربه.. - آنسنا الله وإياكم بقربه..
د. عبدالله فرج الله
لقي ذو النون المصري - رحمه الله - عابداً في جبل لبنان، المكان الذي اشتهر بالعبّاد والزهاد، فقال له: رحمك الله توصيني بشيء، ادع الله - عز وجل - لي بدعوة؟
فقال: يا بني، آنسك الله تعالى بقربه. ثم سكت.
فاستزاده.
فقال له: يا بني، من آنسه الله بقربه، أعطاه أربع خصال: عزاً من غير عشيرة، وعلماً من غير طلب، وغنى من غير مال، وأنساً من غير جماعة.
واستزاده بعد ثلاثة أيام من لقائه به، فقال له: أحبب مولاك، ولا تُرد بحبه بدلاً، فالمحبون لله - تعالى - هم تيجان العباد، وعَلَم الزهاد، وهم أصفياء الله وأحباؤه.
آنسك الله بقربه، دعاء العارفين بالله، ذلك أنهم وقفوا على أسرار المسير إلى الله، فعلموا أن القرب مفتاح تلك الأسرار، وثمنها، فمن حظي بالقرب، فتحت له أسرار المسير، واطلع على عجائبه، وأشرقت في قلبه أنواره.. فالقرب مفتاح الأنس، وأساس المعرفة، فمن اقترب عرف، ومن حل مقام القرب عرف حقيقة ربه معرفة يقينية، والمعرفة نور السائرين، وزاد المقربين.. وما كانت المعرفة في حقيقتها إلا ثمرة من ثمار شجرة القرب..
والقرب منزلة عظيمة، من نالها؛ نال عزاً وشرفاَ لا ينبغي لأحد غيره من أهل الدنيا، وإن ظن البعض أنه ملك أدوات العز والشرف والغنى والعلم والأنس.. فكثير من الناس ملك المال، وانتمى لأعرق العشائر، وحصل نصيباً من العلم، لكنه لم يشعر بالأنس والطمأنينة.. وهذه حقيقة، فكيف يكون الأمر بحق الذين لم ينالوا حظهم من المال والعلم، أو الانتماء العشائري؟ كيف يكون شأنهم وهذا حالهم؟ حال البؤس والفقر؟!.
فالقرب باختصار - أيها الفضلاء - جنة السائرين في دنياهم، يستشعرون فيها كل معاني المتعة والأنس والسعادة والطمأنينة.. رغم ضيق اليد، وتكالب الخصوم، ومكر الليل والنهار..
والحقيقة التي وقف عليها العارفون من السائرين إلى الله؛ أن القرب هو مقام الغنى، وهو مقام العز، وهو مقام الأنس.. ففي القرب أنت في جواره، ولقد عزَّ من كان في جواره - سبحانه وتعالى -.
فإن كنت للأنس طالباً، وللسعادة ساعياً، احرص على كل ما يقرب من الله - سبحانه وتعالى -، وابتعد عن كل ما من شأنه أن يبعدك عن مولاك - سبحانه وتعالى -، ومن هنا جاءت الوصية الكريمة: احرص أن لا يفقدك حيث أمرك، واحذر أن يراك حيث نهاك..
مما قاله أبو علي ابن الكاتب - رحمه الله -: إن الله - عز وجل - يرزق العبد حلاوة ذكره، فإن فرح به وشكره آنسه بقربه، وإن قصر في الشكر أجرى الذكر على لسانه، وسلبه حلاوته..
وهذا القول، في حقيقته، يجسد حال كثير من السائرين إلى الله، ذكر بلا حلاوة، وقرب بلا أنس، وصلاة بلا خشوع، وتلاوة بلا دموع.. غابت عن كثير منا في مسيرنا الأحوال القلبية، وغدونا أسرى أعمال الجوارح والأركان.. وهذه الأعمال لا تملك القدرة على الانتقال بنا من حال إلى حال، لا بل إنها لا تحقق لنا في مسيرنا يقين العابدين، ولا شكر الصابرين، ولا بذل المخلصين، ولا ثبات الملتزمين، ولا أنس المقربين.. آنسنا الله وإياكم بقربه..
خير التابعين " أويس القرني " - خير التابعين " أويس القرني " - خير التابعين " أويس القرني " - خير التابعين " أويس القرني " - خير التابعين " أويس القرني "
خير التابعين
رقية القضاة
السبيل الاردنية
أويس القرني، اسم مرّ على ذاكرة الزمان فأغناها برا وصلاحا، وسيرة ذكرتها صفحات الكتب، فأضاءت بنورها النفوس الباحثة عن مواطن البر، والعمل الصالح، والزهد الورع، المنبثق عن مخافة الجليل، والرضا بالقليل، والعمل بالتنزيل، وصدقة بالمستطاع وفوق المستطاع، ذاك هو أويس، بر بالوالدة الضعيفة، وبر بالقلوب اليائسة، وبر بالأكباد الجائعة، ودعوة مستجابة، واستغفار للمؤمنين، وحزن مقيم في قلب طاهر، لا أنس له إلا بمن خلقه، وافاض عليه من الإيمان والرضا واليقين والرحمة، فكان القول فيه ما قاله الحبيب المحب لأمته: (أويس القرني خير التابعين بإحسان}.
وأويس المطلوب لعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، مطلوب لكي يستغفر لهما، وهما يسعيان للقائه، تنفيذا لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: (يأتي عليك أويس بن عامر مع امداد أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل).. والفاروق يبحث عن كل ما من شأنه طاعة الله ورسوله، وعن كل ما يكون سببا للمغفرة، فكيف يضيعها فرصة من يده، أن يستغفر له رجل صالح، أوصاه نبيه الحبيب صلى الله عليه وسلم، أن يحصل منه على الدعاء بالمغفرة من الله، وأخرى مؤكدة: (يا عمر، يا علي إذا انتما لقيتماه فاطلبا منه أن يستغفر لكما يغفر الله لكما).
عشر سنين وهما ينتظران ذلك اللقاء الاخوي العزيز، حتى وجداه على عرفات يصلي، ويطول شرح الموقف الأخوي، العابق بذكر الله، ووصية حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، والمحاورة المحلقة بالأرواح، في مراقي اليقين والتواضع، والتخفّف من أثقال الدنيا، وجبال أوزارها، فتبرز وضاءة الروح، وخفة حملها، وهي تحلق عاليا في مدى الحب الإلهي، والتوكل الموقن بالمن والفضل منه سبحانه، وتتألق الكلمات الناصحة للخليفة المؤتمن على الأمة، بكل أطيافها وشؤونها وهمومها، وتتجلى الرحمة الأخوية، والتعزيز والشكر للأمير الذي قام بحق الرعية، وأخيه كرم الله وجهه: (السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وانت يا علي بن أبي طالب فجزاكما الله عن هذه الامة خيرا}، ويمتلئ قلب الخليفة بالود الأخوي، ذلك الود الذي لا يدرك كنهه إلا من ذاقه، حين تتآلف الأرواح، وتتلاقى القلوب، وتتوحد المساعي، فتلتقي على الحب في الله وتفترق عليه، يعرض امير المؤمنين على اخيه أويس العطاء والكساء، من خالص ماله وعطائه، فيكون الرفض المقرون بالنصح المشفق، {يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبة كؤودا لا يجاوزها إلا ضامر مخفّ مهزول فأخفف يرحمك الله}، وتنطلق صرخة الخليفة الأمين الذي أثقله حمل الأمة: (ألا ليت عمر لم تلده أمه.. ألا من يأخذها بما فيها ولها؟) يقصد بذلك الحكم والخلافة.
ذاك أويس يسعى إليه الفاروق ليستغفر له، فما كان عملك يا أويس؟ وما أنت في الناس؟ لقد منعك برك بام عليلة ضعيفة، تحنو عليها وتحدب، من أن تحظى بلقاء الحبيب في المدينة المنورة، خشية أن تتركها في رحلتك تلك، فلا تجد راعيا ولا واصلا ولا برا ولا خادما، فأورثك ذلك برا عند الله ورسوله، وملأ قلبك حنانا وعطفا على امة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى كنت تتصدق بلقيماتك وتبيت على الطوى، وتلتقط كسيرات الخبز التي ألقاها المتنعمون، وتغسلها وتأكل منها وتتصدق بها على تلك الأكباد الجائعة المحرومة، في خطوة تصلح أن تظل تتلى وتعاد، على مسامع الأمة التي كثر فيها المترفون والجياع على حد سواء، فأين نحن من اعتذارك لربك عن ما رأيته تقصيرا منك، وانت لا تملك شيئا ولا تدخر حتى قوت ساعة، (اللهم إني ابرأ إليك من كبد جائعة)، (اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانا فلا تؤاخذني به).
فأين نحن منك؟
أين كدر أرواحنا من صفاء روحك؟
وأين حنان قلبك ورقته من قسوة قلوبنا؟
وأين تعاهدك للمحتاجين من إخوتك المسلمين من إعراضنا عن ذوي الحاجة المحرومين؟
إنها معرفة الله وتوقيره وخشيته، والفهم الكامل لشرعه، واليقين الخالص بعظمته، والطاعة المطلقة لأمره، سكبت في قلبك، حتى افاضت ندى ورفقا، وبرا وصلاحا، زهدا وورعا، فانطلق لسان حالك بالوصايا المخلصة لإخوتك في الدين: (توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك، وإذا قمت فادع الله ان يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئا أشد عليك منهما، بينا قلبك معك ونيتك إذا هو مدبر، وبينا هو مدبر إذا هو مقبل، ولا تنظر في صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظم من عصيت).
لقد بررت فوصلت وحنوت فنجوت يا خير التابعين بإحسان (ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو اخطأنا).