الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود.. القلم والبندقية - الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود.. القلم والبندقية - الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود.. القلم والبندقية - الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود.. القلم والبندقية - الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود.. القلم والبندقية
الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود.. القلم والبندقية
الرأي الأردنية
محمد شاهين
«سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدى»
هذه الأبيات للشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، الذي تصادف هذه الايام الذكرى الرابعة والستين لاستشهاده.
الشاعر الشهيد المولود في ربيع عام 1913م في بلدة عنبتا، قضاء طولكرم.عُرِفَ بحبه الشديد لوالده، والتعلق به والحرص على حضور دروس العلم، وحلقات التفسير والفقه والسيرة النبوية الشريفة، ومناقشة الأحداث التي تجري في فلسطين، منذ نعومة اظفاره تعلق بالعلم، وتفتح على الأحداث الجارية في فلسطين وافضل سبل الدفاع عنها .
أنهى دراسته الابتدائية في مدارس بلدته عنبتا، والمتوسطة في مدارس طولكرم، ثم التحق بكلية النجاح في مدينة نابلس – جامعة النجاح الآن – وحصل منها على أعلى الشهادات في فلسطين أيام الانتداب البريطاني آنذاك وكان من حسن حظه أن تتلمذ على أيدي نخبة من الأساتذة الأفذاذ في ذلك العصر منهم،: قدري طوقان، ممدوح السخن، عمر فروخ، عبدالحميد السائح، أكرم زعيتر، محمد العدناني، ومحمد عزت دروزة.
نظراً لنبوغه العلمي وتفوقه في الدراسة وقع عليه الاختيار ليكون مدرساً للأدب العربي في كلية النجاح، في عام 1935، شارك في النضال ضد الإنجليز المحتلين، وضد طلائع العصابات الصهيونية، فوجد شاعرنا في ثورة القسام ضالته الكبرى، فاستقال من عمله في كلية النجاح، وانضم مع عدد من رفاقه ومريديه الى صفوفها منذ بواكيرها، فترك ذلك آثاراً إيجابية كمية ونوعية على الثورة ومجاهديها، فخاض جميع المعارك التي قادها القسام، ضد الإنجليز والصهاينة والتي انتصر فيها كلها، وهكذا قرن القول بالعمل.
وقد عُرِفَ عبدالرحيم محمود بحبه الشديد للشيخ القسام صاحب الصيحة «موتوا شهداء»، وظل ملازماً له في جميع معاركه، الى أن لقي الشيخ وجه ربه، شهيدا مع عدد من رفاقه في 19/11/1935 واحتفل بتشييع جثامينهم الطاهرة، في مدينة حيفا، شارك فيها الشاعر الشهيد عبدالرحيم محمود.
كان الشهيد لا يتخلى عن حضور أية مناسبة، يعتقد أن مشاركته فيها ستترك أثراً طيباً في نفوس الحضور من ضيوف ومقيمين، فقد منحه الله سبحانه وتعالى قدرات مميزة تمثلت في المقدرة على استشراف المستقبل وقوة البصيرة، والجرأة في قول الحق وما يؤمن به.
عندما انهى الفلسطينيون اضرابهم الكبير هدأت الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1939م، أخذ الإنجليز يشددون قبضتهم على فلسطين، كما أخذوا يتعقبون الثوار وفي مقدمتهم، قائدهم عبدالرحيم محمود، فلم يحتمل البقاء في فلسطين، حتى لا يقع لقمة سائغة في أيديهم، ولما كان يرى ببصيرته الثاقبة ان معركة فلسطين الكبرى قادمة، وأن الجهاد في سبيلها يحتاج إلى إعداد عسكري، وحشد للطاقات ارتحل إلى دمشق ثم الى بغداد، ليعد نفسه إعداداً عسكرياً فيها، بعد ان أعد نفسه إعداداً علمياً وفكرياً في مدارس فلسطين، وحصل منها على أعلى الشهادات العلمية، فالتحق بالكلية الحربية في بغداد وتخرج منها، برتبة ملازم ثانٍ، وهناك تعرف إلى القائد الشهيد عبدالقادر الحسيني، شهيد معركة القسطل في8 8/4/194 وعندما قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941م التحق شاعرنا بها، لأنه كان يرى أن المعركة ضد المستعمر واحدة، وعندما انتهت تلك الثورة عاد الى فلسطين، حيث التحق بالتدريس في كلية النجاح بنابلس عام 1941-1947.
لدى صدور قرار تقسيم فلسطين 1947 اشتعلت المعارك في طول البلاد وعرضها، وانتهز الاستعمار البريطاني الفرصة، ففتح باب الهجرة للصهاينة على مصراعيه، وخاصة ممن يمتلكون مهارات عسكرية، وخبرات في فنون الحرب من مرتزقة الحرب العالمية الثانية، وأمدهم بالأسلحة وسهل لهم استيرادها، وعمل على تدريبهم في معسكراته، وكان يتولى حراسة قوافلهم، في حين شدد الخناق على أهل فلسطين، فحرم عليهم امتلاك الأسلحة أو شراءها، وكان يرسل جنوده لمداهمة المدن والقرى بحثاً عن الأسلحة، وتطبيق أقسى العقوبات على من يجدون عنده أي نوع من انواع السلاح او الذخيرة.
ومع ذلك فقد أعلن القادرون على حمل السلاح من ابناء فلسطين، النفير العام وفي مقدمة هؤلاء الشاعر عبدالرحيم محمود واشترك في عدة معارك منها: معركة بيار عدس، ومعركة رأس العيد التي استشهد فيها قائد لواء مدينة اللد الشيخ حسن سلامة في 3/6/1948.
عندما علم عبدالرحيم محمود بنوايا الصهاينة، في مهاجمة بلدة الشجرة – القريبة من مدينة الناصرة توجه مع رفاقه مسرعاً اليها، وهناك تولى قيادة المجاهدين فيها، فأعاد تنظيم الصفوف، وأعد خططاً للدفاع عنها وكان يبث في نفوسهم روح الجهاد، ويحثهم على الثبات والصبر لأن النصر صبر ساعة، وكان يتفقد صفوفهم ويسارع الى سد الثغرات حيث وجدت، خوفاً من ان ينفذ العدو منها كعادته، وكان يتقدم الصفوف مقاتلا ببسالة، الى ان استشهد يوم الثلاثاء 13 تموز 1948 الموافق 6 رمضان 1367هـ، ودفن في مدينة الناصرة التي أحبها وأحبته.
قصيدة الشهيد المكونة من تسعة عشر بيتا ينطق كل حرف فيها بل كل كلمة وبيت بأنصع بيان وأفصح لسان بصدقه مع نفسه ومع شعبه، فنال الذكرى العطرة في الحياة الدنيا والبشرى في الحياة الآخرة، من القصيدة:
«لعمرك اني ارى مصرعي
ولكن اغذ اليه الخطى
أرى مصرعي دون حقي السليب
ودون بلادي، هو المبتغى
لعمرك هذا ممات الرجال
ومن رام موتا شريفا فذا».