طويل نعم ولكن ليس بالمستحيل - طويل نعم ولكن ليس بالمستحيل - طويل نعم ولكن ليس بالمستحيل - طويل نعم ولكن ليس بالمستحيل - طويل نعم ولكن ليس بالمستحيل
كانت ليلة بردها قارص ليوم ماطر تساقطت فيه الثلوج وكست الأرض ثوبا أبيضا ،أنهيت عملي الساعة الرابعة مساءا ثم عرجت على صديق فلم أجده فذهبت الى مطعم أحمت (أحمد) أفندي وتناولت وجبة سمك شهية وبعدها تجاذبت أطراف الحديث مع صاحب المطعم وكان يعرفني جيدا فقد ألف صورتي لكثرة ما ترددت على مطعمه وقامت بيننا صداقة ، نظرت الى ساعتي فاذا بالساعة تشير الى السادسة مساءا فاستاذنت منه وانصرفت وما أن خرجت من باب المطعم حتى وقفت حائرا أفكر في المكان الذي أقصده فلم تكن لدي رغبة وقتها بالذهاب الى البيت فأنا لا أحب أن أقضي وقتي في ليالي الشتاء الموحشة وحيدا ، أقفلت أزرار الجاكيت وأزرار البالطو الصوفي وتلثمت بالكوفيه جيدا ثم فتحت مظلتي وسرت باتجاه الشاطيىء وما أن وصلت حتى جلست على أحد المقاعد هناك أتأمل صفحات بحر مرمرة وقد تكسرت أمواجه على الرصيف الذي جاد عليه بنور من سراج ثلجي ناصع البياض وكأنه يخاطبه بحنان رغم عنفوانه ليقول له أهدأ ها أنا أخفف عنك هذا السكون هاك نورا هاك سراجا ما كان ليجزل في عطاءه دون فضلك فأنت من أسبغت عليه الحياة وأمده بالروح .
نظرت متأملا فلم أجد سوانا الثلاثة البحر والثلج وأنا وقد اندمج ثلاثتنا في ليلة سمر مجنون فالبحر يروي قصصه بعنفوان والثلج يقبل بأيادي حانية وأنا تائه في ذكريات لاحصر لها أشتكي لبحر هائج ويواسينا ثلج حنون ولا يشق السكون سوا صدى صوت حركة المراكب الراسية والمثبتة هناك يلعب بها الموج فينطق خشبها وكأنه يعاتب البحر أو يتسائل من ذاك المجنون الذي يجلس وحيدا على الرصيف في ليلة قارص بردها وفي هذه الساعة من الليل
مددت يدي والتقطت حفنة من ثلج أردت أن ألقي بها تجاه البحر لكنني تراجعت فلم أرغب بأن أغضب أنيس عدت بها الى فمي وارتشفت من ماءها وفي غمرة السكون سمعت حركة على الجانب الأخر نظرت مليا فاذا به لقلق يجر ذيله بصعوبه فأدركت أنه يعاني من أمر ما فقمت اليه فاذا به كسير الجناح فأخذته بين يدي وعدت الى مقعدي ، جففت جسده المرتعش بكوفيتي ثم أدخلته تحت البالطو وأبقيت رأسه خارجا وبدأت أحدثه وشعرت بأن الدفء ينتقل اليه يحمل معه الأمان ، لاتحزن يا صديقي لايمكن لنا أن نعاتب البحر أو الثلج علينا أن نعاتب أنفسنا اذا ما اختلطت لدينا الفصول وبقيت أحدثه حتى جادت السماء بفيض من ثلج وبدأ البحر يصدر انذارا تلو أخر فقلت له هيا بنا ياصديقي علينا أن نرحل الأن وقد رحل السكون وصلت بيتي متاخرا برفقة صديقي الجديد كان هادئا ومطمئنا رغم الامه كان يستغيث وكنت أفهم نداء استغاثته فقمت على التو بتنظيف جرحه ونظرت حولي علني أجد جبيرة أجبر بها كسر جناحه فلم أجد سوى قلم الرصاص الذي أستخدمه في الرسم فقلت له تعال ياصديقي لنرسم معا أجمل لوحة ونطلق عليها معا اسم لوحة عناق المهاجرين .
عاش بيلسان برفقتي ثلاثة أسابيع وقد برأ كسر جناحه وتعافى حتى قرأت في عينية لوعة الشوق فقررت أن أتخلى عن أنانية التملك فعدنا ثانية معا الى البحر وقلت له مودعا هيا ياصديقي انطلق خطى قليلا ثم توقف واستدار وكأنه يسألني وماذا عنك فقلت بصوت أجش والدمعة تفر من عيني هيا انطلق يا صديقي ولا تسأل ان مشواري طويل فطار مرفرفا بجناحية وصاح وكأنه يقول لي طويل نعم ولكن ليس بالمستحيل .