إلى مهند سعد.. - إلى مهند سعد.. - إلى مهند سعد.. - إلى مهند سعد.. - إلى مهند سعد..
لا يا صديقي .. لن يكبر طفلاً ولد في الشهر الخامس، بل سيبقى وليد لحظة شوهت زمن خروجه، إن هو نجا من تلابيب ذلك فقد أصاب كبد الحياة باكراً، وبقي له من معضلات الهواء ما لن يستطيع معه وسعاً سوى انتظار انتصار آخر، سينتظر أن تسعفه صدفة ما تحول وجه الأبديه فيه، تجعل منها مراحل لا يغمرها القلق، ولا يعتريها قصد الإساءة، فمحاولة نبش التوقع نبوة لم تكن له، وقفزه المتكرر عن ذلك استراحة مقاتل هش القصائد ومبتوراً من صور، لكن تأمل حتى لا يعيث به الألم أن تواري صراخه الثرى، وتستفق على ذاكرة لا يسكنها.
أما الموت؛ قرار شجاع بالتنحي، ليست الدماء فيه صورة كانت منذ دهر أو لحظة راهنة، هو أن تستشنق عبق الحياة مطولاً فتكر إلى ما دونها، ترمي عباءة على سطوتها، وتنتحي بذاتك لا حروف تصاحبك، تصفق مرتان كي تطرق باب صمت لم يعبره غيرك، تستوي على ابتسامة أخيرة كعرش لك، فأمل أن لا يصاحبك في هذا سيان قمحة نجت بنفسها بالسقوط..
وهنا وهناك، بيت لك أن تستقر فيه، أو تنتظر إجابة عاجلة لوسواسك الأزلي... أين الرحيل ؟
وهل يشغلنا السؤال أين الرحيل ؟ ام لعله لماذا الرحيل ؟
فلم يكن المكان هو ما يوقظ الألم الدفين فينا، إنما سبب صراخ الصبي هو ما يهم ! لماذا تعرّت اقدامنا وهي تخوص في طين المسافات وتضرب هواء خروجنا دون وعي !
لا يعيش طفل ولد في الخامسة ، لأنه لم يستطع ان ينجو من لعنة ضمور صدره ولم يكفه الهواء المحشور بين الضلوع ليلفظ كلمته الأولى والأخيرة ، سيشهق ملء وجعه ويخرّ ميتا لا تعنيه الحروب من بعده ، بعضهم يقول ولادته باكرا هي سبب موته والآخر يقول بل إنه هواؤنا الملوث ما أرداه .
هل يولد طفل لم يستنشق وطنا بعد ؟
وكاشتقاق ..
سيولد .. وسيحضن الرحى كي تؤلم أطرافه قصداً.. سيبحث عن قصة هروبه في الجداران.. وينطق أبجدية يخالطها الشك بأن الله محبة !! أم سطوة الإنسان كانت سدانا.. سيكبر في الأعمار وينطق عن هوى.. سيرشح كماء في قعر ظفيرة .. ويكبل الشوق في صدر السلاسل .. ستراه ويراك يغتربك وتعرفه .. يجتنبك وتلازمه .. يبكيك وتبكي على شاهده.. سيولد منذ القرار وإلى القرار أفسنسأل عن أبدية المكان !! أين الوطن هل كان قلب إمرأة عج به حدة الألم !! أم كان حرف أنبت من صحراء قافلة هروب .. أم كان صدح الإناء بري التراب لاستفاقة إنسان !!
أصبت السؤال هذه المرة ، ولعلنا أصبناه في مقتله الذي ينضح دما وعنبرا ، هل الوطن هو نبوءتنا الأولى ؟ أم لعله قوت الكادحين ؟ أم هو شرفة على شارع الشانزليزيه لدى أحدهم ؟
هل يجب ان يكون الوطن وجعا فقط ؟ أستغرب دائما من نفسي عندما أبحث عن رسم الوطن بالكلمات يستحضرني موقفان أحدهما الألم والأخر الخرافة ، هل يقع الوطن بين الألم والخرافة ؟
أعتقد انها لعنة الحرمان من توقعنا في فخ التناقض ، وتستدرجنا للخروج عن مألوف هدوئنا إلى تمرد لعناتنا
وكما اعتدنا ان نختم ما ابتدأنا به بالسؤال / هل كان للطفل أن يرى الكون من فوق تلّة قلبه ؟
كتبت يوماً بصيغة ما " بكفي " ففوجئت بك وقد كتبت " لا " وبين اللا والكفى جملتان تكرهان الاستمرار.. كذلك هو الوطن..
الوطن.. هو أن ترسم ملامح الغد باختلاف ما... أن تجد بداً من مشاركة أحلامك لرديف قد يخلق.. هو أن تثبت أن قول شاعرنا بأن الهوية بنت الولادة لم تعد ممكنة بعد الآن.. فلسفة الخاصرة وما تحمله إلينا من آلام أدمنت الوجود ستتفق ملياً مع الوطن.. هو أن تقارع نفسك المشتهاة كي تبحث عن جنة تخلد إليها لا نفس فيها ولا روح سوى ما أتى به عقلك.. الوطن واقع سيمر بك أن أردت.. هو أن لا تكف يوماً عن بناء المستحيل كي تقتنص الممكن.. الوطن أن تهتم للآخرين كي لا تكون مروراً عابساً لا ذكرى له.. هو أن تكبل حقيقة خلافك بابتسامة صفراء على عجل.. وأن تحمي ما تعتقد به كأنك طفلك الذي أنجبته أحب نساء الأرض لك.. هو أن تصرخ بوجه أبناء جلدتك " إن لم تؤمنوا ... لن تأمنوا "
أما وطفلنا ... فأستميح تلة قلبه .. فهو لن يستطيع أن يرى العالم من فوقها.. ذلك العالم الذي فيه اندمج منذ اغتصب حقه في الوجود.. برغم اغتصابه لهذا الحق فهو لا يملك أن يراه من ثقب صغير يتسع نوراً كلما أوغل في الرؤيا.. يحتاج لأكثر من ذلك ويحتاج أن لا تمر أيام البنفسج سهواً عنه حتى يرى العالم.. على قبحه وجماله .. كرهه ومحبته.. وجوده وحدوده .. وينبش كل المتقابلات رغبة في أن يستميح الطريق من العالم كي يرى بداية أفق الكون.