في وداع الشيخ رائد صلاح إلى فلسطين - في وداع الشيخ رائد صلاح إلى فلسطين - في وداع الشيخ رائد صلاح إلى فلسطين - في وداع الشيخ رائد صلاح إلى فلسطين - في وداع الشيخ رائد صلاح إلى فلسطين
د. علي العتوم
السبيل|
استضافت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن/ قسم العمل العام، ضمن فعاليات (أسبوع الرسول القدوة) الجمعة (1/2/2013) الأخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948، والقائم على شؤون المسجد الأقصى؛ للمشاركة في المهرجان المركزيّ المُقام في مدينة الزرقاء الجديدة لهذا الغرض عصرَ ذلك اليوم المذكور، ثم استضافَتْهُ شعبتا الإخوان في جرش وحِطِّين بعمّان، كما أجرت معه صحيفة السبيل مقابلةً على هامش المهرجان، كان فيها رجل الكلمة والموقف، رائداً للحق ودعاته، مبشراً بانتصار الإسلام وتحرير فلسطين، وقيام الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، مشيداً بتضحيات المسلمين الأوائل لتخليص فلسطين من براثن أعدائها من الرومان والصليبيين زمانَ الصحابة والأيوبيين والمماليك، ومتحدثاً عن وقوعها تحت وطأة الصليبية الجديدة بقيادة بريطانيا وفرنسا وأمريكا، وفي أسر الغزوة الاستيطانيّة اليهودية، بدعمٍ من أولئك الصليبيين الحاقدين بالمال والسلاح والرجال. وبعد أنْ ألقى الرجل عدة محاضراتٍ، وأجرى بعض اللقاءات على هامش ذاك المهرجان الحافل في مدينة الزرقاء، شدَّ الرحال للعودة إلى حيث أرض الجهاد في فلسطين، داعياً إلى الله في تلك الأرض العطشى للإرشاد، صادعاً بكلمة الحق في وجه أولئك المحتلين الذين ظنوا أنها تهوّدت ونسيت دينها، إلا أنّ مشيئته سبحانه، قضت بأن يَظهر فيها من أبناء العرب ما يسوءُ هؤلاء الغزاةَ وينوؤهم، ويجعلهم يَغَصُّون بالماء القراح، ولا يهنؤون بما يحلمون به من أسرلة أبناء تلك الأرجاء وسلخهم عن دينهم، وفصلهم عن محيط أمتهم الإسلامية. فكانت (أم الفحم) وهي بلدة الشيخ صلاح بسبب هذه اليقظة الإسلامية الصاعدة، وتلك النهضة الدعوية الصادعة، هي حقّاً أم النور الذي بدد ظنون القوم الكاذبة، وخيب آمالهم المأفونة. وكان قد دعانا إخواننا في المركز الى أنْ نكون من مستقبلي الأخ رائد، حيث يجتاز الشريعة في الأغوار إلى فلسطين المحتلة، ثَمّ من مودعيه إلى حيث مقرُّه ومَرادُه هناك، مرابطاً من مرابطي الإسلام في تلك البقاع المقدّسة وذلك يوم الاثنين (4/2/2013). وقد تنادينا عدداً من إخوان إربد لهذا الواجب النبيل إكراماً لأخينا قائد الدعوة في فلسطين وِجار الضبع اليهوديّ، وخادم المسجد الأقصى الشريف في هذه الظروف العصيبة، والمُدافع عنه منذ سنواتٍ طوالٍ حيال برنامج الصهاينة اللئام، القاضي بهدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه. وكان ذلك ظُهْرَ اليوم المذكور، حيث التقينا في ديوان آل الِغْزواي الأكارم بالمشارع. وقد وصلنا قُبيل الظهر، إذ استقبلنا أهل الديوان وإخوان الغور بالترحاب والتأهيل. وكان أخونا رائد وصحبه قد وصلوا الديوان قبلنا بقليلٍ، حيث راح يتحدثُ للحضور عن القضية الفلسطينية، وعن الاحتلال اليهودي الغاصب وهجمته الاستيطانية الغادرة، مؤكِّداً زوال هذا الاحتلال البغيض بأمرِ الله، ومشيداً بجهود المسلمين داخِلَ فلسطين وخارجَها الذين لن يقبلوا أبداً بظلم اليهود واغتصابهم لواحدٍ من أقدس مقدساتنا بعد مسجدي مكة والمدينة، المسجد الأقصى خاصةً، ومن بعدُ فلسطين عامةً، لأنّ هذه الأرض هي أرض الآباء والأجداد، وقد تعرضت قبل ذلك لغزواتٍ عديدةٍ شرسة ولكنها تخلصت منها بإذنه جلّ وعلا على يد جنده الأشاوس، وعلى رأسهم البطل المسلم صلاح الدين، وقبله آل زنكي الكرام. وكان في حديثه يركِّز جزاه الله خيراً على دور الأردن المرتقب في المساهمة بتحرير الأقصى وفلسطين، إذ الأردن أرض الحشد والرباط، قائلاً للحضور: أنتم أبناء الصحابة الذين حرروا هذه البلاد في الصدر الأول، والخير منكم مأمول، والشهامة فيكم أصيلة. وقد أثنى على آل الغزاوي الأفاضل، وخاصةً صاحبَ الديوان المرحوم أبا بشير محمود البشير الغزاوي الذي كان قد وضع ديوانه منذ أعوامٍ في خدمة الدعوة وأصحابها ومن إليهم من ضيوفها الأعزّاء.
وكان الإخوان في شعبة الشونة الشمالية قد أعدُّوا حفلاً خطابياً في استقبال الشيخ رائد ثَمّ توديعه إلى الأرض المحتلة. وكان المقرر أنْ يستمر الشيخ إلى نهاية الحفل، ولكنّ رسالةً وصلت إليه من وزارة الأوقاف الأردنية تطلب منه التلطف بمقابلة الوزير ليكون في وداع القاصدين للعمرة من عرب الـ(48)، فاعتذر الشيخ عن الاستمرار في الحفل، وغادر إلى عمّان بعد أنْ صافح الجميع مودِّعاً، ترافقه السلامة ويدعو له الحضور بالتوفيق والسداد. ثَمّ استأنف الإخوان احتفالهم بكلمةٍ من الأخ راكان الصقور، وثانية لي، وقصيدة للسيد خالد الدعوم، وكان عريف الحفل الأخ الشيخ خالد البشتاوي. وقد رُتِّبت هذه الكلمات مع كلمة الشيخ رائد لتُلقى في ذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام. وجاء في كلمتي إسداء الشكر العميق لآل الِغْزاوي الذين فتحوا ديوانهم على مصراعيه لأبناء الحركة الإسلامية، ليقيموا فيه احتفالهم بذكرى المولد النبوي الكريم، بعد أنْ فتحوا صدورهم رحبةً لهذه المناسبة العظيمة، ولمن رتّب لها من الإخوان المسلمين. وهذا منهم كرمٌ مألوفٌ وأريحية معهودة، بدأها المرحوم أبو بشير الغزاوي مترحِّماً عليه، وداعياً له بالقبول عنده لِقاءَ ما قدمه للحركة الإسلامية على مدى سنواتٍ من تأييدٍ معنوي ومادي. ومما قلته: إنّ ترحيبنا بالشيخ رائد هو ترحيبٌ ببطلٍ من أبطال الإسلام في العصر الحديث يقف على ثغرةٍ من ثُغر هذا الدين العظيم، وأنّ موقفه الصُّلب في هذا الشأن وهو ما عُهِد فيه منذ عقود يدل على أنّ قضية فلسطين قضية حيّة، وأنها لن تضيع وفيها أمثاله. كما قلت بأننا نعيش على هذه الأرض الطهور (الغور) التي عَبَرَت منها جيوش الفتح إلى فلسطين لتنقِّيَها من رجس الرومان، ولتعيد للمسجد الأقصى طهره وهيبته. ومما يشعرنا بالعزة في نفوسنا والزهو بتاريخنا أنْ يثوي في ثرى هذه الأرض من الفاتحين الأوائل، الصحابة الأجلاّء: معاذ وضرار وشرحبيل وأبو عبيدة رضي الله عنهم أجمعين. هذه الأرض التي قام فيها صلاح الدين رحمه الله في القرن السادس الهجري يصدُّ الغزاة الصليبيين القادمين من أوروبا ظلماً وعدواناً، بتربية جيلٍ مؤمنٍ بربه حتى طردهم وخَلَفُهُ منها فنقَّوْها من أدرانهم وأرجاسهم.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نحتفل بذكراه العطرة، فستبقى هذه الذكرى ماثلةً في أذهاننا، محفورةً في أعماقنا، ساكنةً في قلوبنا قولاً وعملاً، منشدين على الدوام قول شوقي في تمجيد بعثته عليه الصلاة والسلام:
وُلِدَ الهُدَى فالكائِناتُ ضِياءُ
وفَمُ الزّمانِ تَبَسُّمٌ وثَناءُ
الرُّوحُ والمَلأُ المَلائِكُ حَوْلَهُ
لِلدِّين والدُّنْيا بِهِ بُشَراءُ
يا خَيْرَ مَنْ جاءَ الوُجُودَ تَحِيّةً
مِنْ مُرْسَلِينَ إلى الهُدَى بِكَ جاؤُوا
بِكَ بَشَّرَ اللهُ السّماءَ فَزُيِّنَتْ
وتَضَوَّعَتْ مِسْكاً بِكَ الغَبْراءُ
بِكَ يا ابْنَ عبدِ اللهِ قامَتْ سَمْحَةٌ
لِلْحَقِّ مِنْ مِلَلِ الهُدَى غَرَّاءُ
وأما أخونا رائد صلاح - الذي نحتفل بقدومه اليوم كما نحتفل بتوديعه، ونحن وإيّاهُ تلامذة هذا الرسول العظيم الذي حرر العالم من رِبَقِ الشرك والظلم- فهو الذي يصدق عليه القول القائل: وكم رجلٍ يُعدُّ بألف رَجْلٍ، وكم ألفٍ تمرُّ بلا عدادٍ. إنه فردٌ يقوم في النِّفاحِ عن الأقصى مقام أمة بأكملها. فبارك الله به وأيده وقواه وأكثر من أمثاله.