إقليم الشام جليل الشان . - إقليم الشام جليل الشان . - إقليم الشام جليل الشان . - إقليم الشام جليل الشان . - إقليم الشام جليل الشان .
إقليم الشام جليل الشان .
د. أحمد نوفل
1- أيه..عروس البلدان!
أزينة الدنيا تمتهن هذا الامتهان؟ أعروس البلدان تمتحن هذا الامتحان؟ أزهر الياسمين الدمشقي، رمز الرقة والجمال، تسحقه الأقدام الهمجية؟ أدرة الدنيا وجوهرتها تمرغ بالأوحال؟ هل المنازل الجميلة الوادعة الآمنة تقصف بالحمم والراجمات؟ هل الشعب السوري العربي الحر الكريم يشتت في أصقاع الأرض، ويصبح قسم منه في مخيمات اللاجئين ينتظر التموين والبطاطين؟ هل يستحق هذا البلد الذي يفوح منه عبق التاريخ، أعبق من ياسمينه، والشعب الذي أمضى قرناً في مقارعة الاستعمار وذيوله، أهذا البلد وهذا الشعب يستحق هذا السحق؟ أدوْح الدنيا وبلابل الدوح، تصوح الأشجار وتروع البلابل؟ وعلى ماذا كل هذا؟ هل الكرسي أغلى من الشعب والبلد؟ وهل منفعة شخص تقوم على ترويع الملايين وتدمير عيشهم؟ وهب أنّك كنت حاكماً مصلحاً والشعب لا يريدك فما تقول؟ أليس الناس قد خرجوا على عثمان، وهو قمة الورع والزهد والطهارة والتقى والإيمان وليس يقارن بهذه الشخوص التي ابتلي بها الوطن!؟
أليس أهل العراق قد شكوا سعد بن أبي وقاص، وسعد هو سعد بطل القادسية إلى عمر بن الخطاب وطلبوا تنحيته؟ فلم تعجبون أنتم إذا قام الشعب يطالب بتنحيتكم بعد كل هذا الإجرام، إذا كانوا هم طولب بتنحيتهم بعد الفتوح والإصلاح؟ أبطال ماذا أنتم أخبروني!
والآن عود إلى التاريخ واللغة، ربطاً بين الحاضر العاثر البائر الخاسر والماضي العبق العاطر الناضر.
2- الأقصى والشام.
قلنا ونقول على طول إنّ الأقصى درة فلسطين وفلسطين هي درة بلاد الشام. ومن هنا فإنّ أيّ كلام عن بلاد الشام هو بالضرورة كلام عن فلسطين وبيت المقدس والأقصى، وعلى هذا نفهم كلام المقدسي في «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» حيث يقول: «إقليم الشام جليل الشان، ودار النبيين ومركز الصالحين، ومطلب الفضلاء. به القبلة الأولى، وموضع الحشر والمسرى والأرض المقدسة والرباطات الفاضلة والثغور الجليلة، والجبال الشريفة، ومهاجر إبراهيم». وطفق يعدد أماكن الأنبياء ومدافنهم كإبراهيم وإسحق، وأنّها مولد عيسى ومكان مريم.. الخ. (أحسن التقاسيم ص151).
ويكفي الشام مجداً وفخراً وشرفاً تتيه به على الدنيا أنّه بمجرد ذكر اسم الشام يتبادر إلى الذهن، آلياً، فلسطين والأقصى مسرى النبي ومهاجر إبراهيم.
3- وقفة لغوية مع «التاج».
قال في «تاج العروس» تحت الجذر «دشق»: الدوشق، كجوهر، البيت ليس بكبير ولا صغير. وضبط بالسين (يعني دوسق). أو هو البيت الضخم وهو قول أبي عبيدة (لغوي) أو هو الجمل الضخم، فإذا كان سريعاً (أيّ الجمل طبعاً) فهو «دَمْشق». قاله أبو عبيدة أيضاً.
وقال التاج تحت الجذر «مشق»: «المشق: سرعة في الطعن والضرب. يقال: مشقه مشقاً: إذا طعنه (كأن التاج يصف ما يجري على يد النظام هناك فما إن تخرج مظاهرة حتى يكون الأمن والجيش والشبيحة حاضراً عتيداً حولها يضرب ويقصف ويقتل ويعتقل..السرعة مطلوبة!)
قال ذو الرمة يصف ثوراً وحشياً:
فكرّ يَمْشُق طعناً في جواشنها كأنه الأجْرُ في الإقبال يُحتسب
ومشَقَه مشْقاً: ضربه، أو هو الضرب بالسوط خاصة. يقال: مشقه عشرين سوطاً (ليتها وقفت عند حد السياط، إنّها قذائف الدبابات تمشق بمعدل عشرين شهيداً كل يوم على الأقل!). عن ابن الأعرابي: وقال رؤبة: «إذا مَضَت فيه السياط المُشَّق.» ومن سجعات الأساس (أساس البلاغة كما لا يخفى): مشقه بسوطه مشَقات، ورشقه بلسانه رشَقات.
والمشْق: سرعة في الأكل وشدة فيه، يأخذ (القطعة) فيمشقها بفيه مشقاً (جذباً وسحباً). وقال في العباب (كتاب في اللغة): يقال للأكل الضعيف. فهو من الأضداد على هذا القول! والمشق في الكتابة: مد حروفها. مشق يمشِق.
قال في تاج العروس مواصلاً معاني الجذر «مشق»: والمشق: المشط، نقله الجوهري، وقد مشقه مشقاً. (وتمشط قرى حمص وحماة وريف دمشق، ودوما بالأخص، وإدلب والجسر، تمشط مرات بحثاً عن الشباب ورؤوس الحراك!) والمشق: جذب الشيء ليمتد ويطول، والسير يمشق حتى يلين. والمشق: مزْق الثوب، وقد مشقه مشقاً.
والمشْق: قلة الحلْب. (بتسكين اللام!) والمشْق: مدّ الوتر ليلين ويجوّف. والمشْق: الطول مع الرقة وقلة اللحم (لا نتكلم عن «الزرافة»!). وقد مُشِقت الجارية: قل لحمها، ورقّت أعضاؤها.
وامتشقه من يده: اختلسه واختطفه، ولم يدعْ شيئاً (كما يختطف الجرحى من المشافي، ويختطف المصلون من المساجد، والطلاب والمعلمون من المدارس!) وامتشق الشيء: اقتطعه. وامتشق ما في الضرع: استوفاه حلباً (كما تحلب الشعوب لتكدس الأرصدة في الخارج!) ولم يدع فيه شيئاً، ورجل مِشْق، ومَشِيق وممشوق: خفيف اللحم خِلقة، أو من هزال. قال أبو ذؤيب الهذلي:
قليلٌ لحمُه إلا بقايا طفاطف لحمِ منحوضٍ مشيقِ
ومشقت الإبل الكلأ، (كما في اللسان): أكلت أطايبه. ويقال لها إذا تناولت من الرعي وهي تسير وعليها أحمالها: مشقت شيئاً قليلاً. وتقول: امشقوا إبلكم، أيّ: دعوها تُصِب من الكلأ.
والممشَّق: المصبوغ بالمِشق، وهو صبغ أحمر. ومنه حديث جابر رضي الله عنه: «كنا نلبس الممشق في الإحرام..»
4- كتب عن دمشق.
الجامع الأموي بدمشق (نصوص) لابن جبير، والعمري، والنعيمي. حققها وقدّم لها: محمد مطيع الحافظ. الناشر: دار ابن كثير/ دمشق. الطبعة الأولى سنة 1405هـ/1985م. عدد صفحات الكتاب مئتان وصفحتان.
قال المحقق في مقدّمته التعريفية بالكتاب: يعتبر الجامع الأموي من أعظم مساجد الدنيا، وأقدمها، وأفخمها بناء، وأجملها منظراً وزخرفة وإتقاناً. أراد الوليد بن عبد الملك عندما عزم على بنائه أن يجعل منه مفخرة من مفاخر دمشق، فأنفق فيه الأموال، وجلب إليه المهرة من الصناع وأهل الفن البارعين، وبقي العمل فيه تسع سنين، حتى أصبح أعجوبة من أعاجيب الدنيا. كان الجامع الأموي المدرسة الجامعة لعلماء دمشق وطلابها، فيه تلقى الدروس العلمية من كل فن، وكانت فيه الحلقات العلمية الخاصة والعامة، وإليه يتوجّه طلاب العلم من كل صوب لتلقّي العلم والاجتماع بالعلماء، منذ عهد الصحابة والتابعين حتى عصرنا (عصرنا استثناء في محاربة العلم والعلماء، خاصة في سوريا التي كانت حاضرة العلم والعلماء فصاروا في كل أرض وتحت كل سماء!). يحدّثنا التاريخ عن الحلقات الكبار كحلقات الغزالي وابن عساكر والمقادسة (المقدسي) وليست أخبار تلك الحلقات التي كانت تقام تحت قبة النسر ببعيدة، وكان من آخرها حلقة محدث الشام الشيخ محمد بدر الدين الحسني رحمه الله. (هذه الحلقات بقيت إلى عهد البعث أيّ منذ قريب من نصف قرن عامرة حافلة مترعة بالعلماء والتلاميذ، حتى جاءت هذه الريح السوداء المسماة البعث؛ فحاولت اجتثاث الظاهرة من جذورها أعني حلق العلماء!). وكل بقعة منه تروي تاريخاً شاملاً لهذه الأمة. وفي هذا المسجد ألّفت وأمليت المؤلفات الكبيرة، كتاريخ دمشق لابن عساكر وغيره. وفيه كانت الساعة المشهورة التي هي من أعظم ساعات الدنيا، وقد وصفها ابن جبير أجمل وصف وأدقه في رحلته المشهورة.
ويمكننا أن نقول إنّ الجامع الأموي مجتمع دمشق وناديها، فيه يجتمع الناس وفيه يتدارسون، كان المحكمة، فقد أقيمت فيه زوايا للقضاة، ومن فوق منبره ألقى الخلفاء خطبهم وبينوا سياستهم في الرعية، ومنه انطلقت جيوش الفتوح في القديم شرقاً وغرباً.
لقد توالت الدراسات والأبحاث عن الجامع الأموي في تاريخه ووصف بنائه وجماله وزخارفه وفنونه، منذ العصور الأولى بعد بنائه إلى أن جمع ذلك الحافظ ابن عساكر في تاريخه، وعنه تناقل الكثيرون تلك الأخبار وأضافوا إليها مشاهداتهم والتغييرات التي حدثت، وتحدّثوا عن أهم الأحداث.
ثم عرّف الكاتب بالعلماء الثلاثة: فابن جبير زار المسجد في رحلته إلى المشرق سنة 587هـ، وابن فضل الله ولد بدمشق سنة 700هـ، وقد جاء وصف الجامع في كتابه: «مسالك الأبصار». وجمع المؤرخ عبد القادر النعيمي في دراسته عن الجامع في كتابه «الدارس في تاريخ المدارس»، جمع كل ما قيل قبله. والكاتب محمد الحافظ جمع كتب هؤلاء الأعلام الثلاثة في هذا الكتاب. وهذه الكلمات مجرد تعريف موجز بالكتاب لم ندخل في صميم موضوعاته فنحيلك إليه.
(والكتاب استفاد من كتاب الأستاذ الفذ الأديب المفكر القاضي الداعية علي الطنطاوي رحمه الله، أعني تعليقات مطيع الحافظ).
وحديثنا عن الشام موصول حتى يأذن الله لهذا النظام، نظام الفلول بالأفول، وتعود الشام ودرتها فلسطين والأقصى إلى حضن الإسلام على طول. ومدة النظام للأفول مدة لن تطول، وفي نهاية الطواغيت السابقين عبرة لأصحاب العقول!