سيد قطب في أمريكا - سيد قطب في أمريكا - سيد قطب في أمريكا - سيد قطب في أمريكا - سيد قطب في أمريكا
بسم الله الرحمن الرجيم الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه نبدأ مع كتاب الدكتور صلاح الخالدي " أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب " مع العلم أن الطبعة الأولى من هذا الكتاب صدرت في عام 1985 م والله الموفق وهو المستعان سبحانه وتعالى
القسم الأول
الدراسة
الفصل الأول : سيد قطب في أمريكا
الفصل الثاني : تقييم سيد قطب لأمريكا
الفصل الثالث : كلام سيد قطب عن أمريكا
الفصل الاول
سيد قطب في أمريكا
١ نشاط سيد قطب في مصر قبل إيفاده إلى أمريكا:
عاشت مصر في الأربعينيات من هذا القرن حياة قلقة، وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت مظاهر القلق
والتخبط والاضطراب بارزة في حياتها الاجتماعية والأخلاقية والسياسية. ونشطت الدعوات المختلفة، وصار كل
فريق يتقرب إلى جماهير الشعب المظلومة يُمّنيها بوعوده البرّاقة، وآماله العريضة. وكان للدعوة الشيوعية انتشار
في هذه الأوساط.
وكان سيد قطب قد وصل إلى قمة عطائه الأدبي والنقدي، ونشر العديد من مقالاته النقدية في المجلات الأدبية الشهيرة مثل " الثقافة " و " الرسالة " كما ظهرت له بعض الدراسات النقدية مثل « كسب وشخصيات » و « النقد الأدبي أصوله ومناهجه » وأصبح بعد منتصف الأربعينيات متربعًا على عرش « النقد » في مصر، واعترف له الكثيرون بالريادة والأستاذية.
وكان لا بد أن يلتفت سيد قطب وهو الأديب الصادق إلى ما يعيشه قومه، فلم يكن مثل بعض الأدباء يعيش برج عاجي يداعب أحلامه وخيالاته... ... أو يحاور سكان..« مدينته الفاضلة » لقد كان لسيد حضوره الدائم مع شعبه ومعاناته الحية معهم، ومشاركته لهم حياتهم، وتحسسه لآلامهم ونكباتهم، وبصورة بالمظاهر الشائهة
التي ترتسم على مجتمعهم...
كان يغضب لتحكم رجال الإقطاع والباشوات في أفراد الشعب المحروم، ولإستغلال رجال القصر وأتباع الملك
خيرات الشعب. ولسيطرة رجال الاحتلال الإنجليزي وأعوانهم على مقاليد الأمور. ولفساد الأحزاب برجالها
ومناهجها وبرامجها.. وكان يشفق على هذا الشعب المسكين أن يقع بعض أفراده ضحايا الظلم الاجتماعي
والاستبداد السياسي، أو فرائس الحبائل التنصيرية والشيوعية!!..
ولم يكتفِ سيد قطب بالنظر إلى تلك الأمور من بعيد، وإعلان ألمه وإشفاقه وسخطه من بعيد أيضًا.. بل حمل
سلاحه الفكر والقلم والكلمة ونزل إلى الميدان..
وظهرت مقالات لسيد قطب في المجلات السيارة، أعلن فيها غضبه وسخطه على ما يحدث. وكان في مقالاته
ومعالجاته يصدر عن نظرة إسلامية، وينطلق من مبادئ الإسلام، وبخاصة في مجال العدالة الاجتماعية وكان في
هذه الأثناء يعيش أفكار كتابه « العدالة الاجتماعية في الإسلام » وكان لمقالاته أثر ملموس في أوساط القرّاء
ثم أحب أن تكون له مجلة تنطق باسمه، وتكون معرضًا لأفكاره وآرائه في الإًصلاح، ويسر الله له من يمول
مشروعه، وهو الحاج محمد حلمي المنياوي صاحب دار الكتاب العربي وعضو جماعة الإخوان المسلمين
فاتفق الرجلان على إصدار مجلة « الفكر الجديد » يكون المنياوي ممولا لها، ويكون سيد قطب مشرفًا عليها ومحررًا لها، وترك المنياوي لسيد قطب الحرية الكاملة في كتابة ما يريد...
صار سيد قطب يكتب مقالاته الانتقادية الجريئة في المجلة. ويصب جام غضبه على المظاهر الاجتماعية
والسياسية الشائهة في المجتمع، ويشير بأصابع الاتهام إلى المسؤولين عن السوء والفساد في البلد. وكان أكثر
هجومه على رجال الحاشية الملكية ورجال الإقطاع ورجال الأحزاب والباشوات وأغنياء الحرب وعملاء الإنجليز..
حارب القصر والحكومة مجلته « الفكر الجديد » .
فحدا من انتشارها وتوزيعها. ثم سحبت الحكومة رخصة المجلة وأغلقتها بعد صدور اثني عشر عدد منها.
وضاقت الحكومة ذرعًا بسيد قطب، وأزعجها بمواقفه وكلامه ومقالاته، فضيقت عليه وأقفلت في وجهه وسائل
النشر.
لم تجد الحكومة القائمة ما يبرر اعتقالها له، ولم يكن بين يديها حجة قانونية في ذلك. رغم فساد العهد الملكي في
ذلك العهد إلا انه كان للقانون احترامه. ورغم شدة مقالات سيد قطب إلا أنه كان يصوغ عباراته بحيث لا يكون
عليه فيها مأخذ قانوني.
ورغم أن القصر الملكي أوعز للحكومة باعتقال سيد قطب، إلا أن الحكومة لم تجد لها مستندًا قانونيًا يبرر لها
ذلك، بالإضافة إلى تعاطف رئيس الوزاء في ذلك العهد مع سيد قطب وهو محمود فهمي النقراشي الذي كان
. له صلة حزبية بسيد قطب عندما كان الرجلان عضوين في حزب الوفد
٢ إيفاده إلى أمريكا بقصد التخلص منه:
أرادت الحكومة التخلص من سيد قطب بطريقة تبدو مقبولة، وتظهر فيها مصلحته الشخصية وحرصها على
تحقيقها له، كما أرادت أن تحول بين إيقاع الأذى عليه من القصر، وفي نفس الوقت لم تشأ أن تقف في وجه القصر
علانية، وأن تظهر مخالفتها له.
وبما أن سيد قطب مغضوب عليه من قبل القصر وبما أن الحكومة نفسها متضايقة من مقالاته وانتقاداته، لذلك
فكرت في حل يرضي جميع الأطراف. وكان يتمثل في إيفاده أو إبعاده إلى أمريكا.
حتى وزارة المعارف التي كان يعمل بها سيد قطب، كان المسؤولون فيها غير راضين عنه، إذ إنه لم يكن
الموظف الذي يخضع ويخنع، أو يذل ويستكين، أو يتزلف ويتذبذب، أو يرضى أن يكون مجرد موظف لا يقوم
بشيء، ولا يهمه أي شيء، وقصارى أمله أن يحصل على التقاعد والإحالة على المعاش، فيجلس على مكتبه يعد ما
تبقى له من خدمة، وينتظر الإحالة بحماس وشوق.
كثيرًا ما قدم المقترحات لإصلاح العمل في وزارة المعارف. وكثيرًا ما أعد الخطط والبرامج لذلك، وكثيرًا ما
اصطدم بسبب ذلك وغيره بالمسؤولين والمنتفذين في الوزارة.
وإذا لا حظنا تغير الوزير باستمرار، فلا بد أن يغير رجال الوزارة تغييره، وإذا لا حظنا التضارب والتناقض
والتشاكس والاختلاف بين الوزيرين السابق والحالي فلا بد أن يغير رجال الوزارة آراءهم وأفكارهم، وأن
يعيدوا تشكيلها حسب الوضع الجديد أو الظروف الجديدة السائدة. ويبقون هكذا في عملية تغيير للأفكار والآراء
والمواقف والاعتبارات والخيارات، حتى الأذواق والاهتمامات ! لأن عملية تغيير الوزراء المتشاكسين لا تنتهي.
ولم يكن سيد قطب من هذا النوع الذي يغير مواقفه بتغيير رؤسائه، ولكنه كان ثابتًا عند قناعاته وأفكاره.. وتبعًا
لذلك لم يكن بالمرضي عنه عند المتشاكسين، وكان مادة نكاية وسعاية عند المتزلفين لأولئك المتشاكسين.. ولذلك
كثيرًا ما ضيقوا عليه، ووجهوا له إنذارات.. وكثيرًا ما كان يفكر بالاستقالة، بل لقد قدمها مرة في الأربعينيات، ولم
يثنه عنها سوى رئيسه في ذلك الوقت الدكتور طه حسين.
هذا بالإضافة إلى ما تجره عليه مقالاته المختلفة في المجلات من أذى وتضييق في وزارة المعارف.
لا نستغرب إذن التقاء رغبات الأطراف الثلاثة على التخلص من سيد القصر والحكومة ووزارة المعارف
٣ حقيقة مهمته في أمريكا:
التبس على الكثيرين حقيقة مهمة سيد قطب في أمريكا وراحوا يخمنون عن هذه المهمة، ويجتهدون في بيان
عمله هناك. ويخرجون بنتائج وأحكام خاطئة، لأنهم بنوها على الافتراضات والاجتهادات الظّنية. وحددوا له مهمة
لا تتفق مع مهمته الحقيقية.
ذهب البعض إلى أن سيد قطب كان مبعوثًا من قبل وزارة المعارف إلى أمريكا للحصول على شهادة الماجستير.
وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك وأغرب، حيث اعتبروه موفدًا للحصول على شهادة الدكتوراه التي يجوز أن
يحصل عليها قبل حصوله على الماجستير! كما أوحى إليهم خيالهم وأنه مكث سنتين هناك دون حصوله على
هذه أو تلك.
فما هي حقيقة مهمته إلى أمريكا؟ لماذا أوفدوه إليها؟ وما هو عمله هناك؟ لا ننسى كما قلنا قبل قليل أنهم
أرادوا التخلص منه أولا ، يعني أن المهم أن يخرج سيد قطب من مصر إلى أمريكا، ولا يهم تحديد مهمته هناك، إن
تحديد المهمة أمر ثانوي في نظر بعض هؤلاء. فالمهم أن يخرج والسلام.
وبما أن سيد قطب كان يعمل في التفتيش الفني في وزارة المعارف، ثم في المناهج الدراسية والتعليمية، فلا بد
أن تكون مهمته في الظاهر تتفق مع عمله الذي كان يقوم به.
كانت مهمته هناك بالتحديد « دراسة المناهج التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية » ولا يقوم بهذه الدراسة
كطالب يريد الحصول على الماجستير أو الدكتوراه وإنما كخبير في المناهج، ومتخصص في البرامج وباحث في الاساليب .
ولم يكن مقيدًا في بعثته أو مهمته بجامعة معينة، أو مواد خاصة نظرية للدراسة، كما لم تكن هذه البعثة
مقيدة بزمن معين. وتركت له الحرية في مجال الدراسة وميدانها وتخصصها وزمانها!.. ألم نقل إن المقصود
إخراجه من مصر، وما سوى ذلك لا يعني المسؤولين؟
بعدما تلقى سيد قطب دراسة خاصة باللغة الإنجليزية، التي لم يكن قد تلقاها أثناء دراسته في كلية دار العلوم،
صار يقوم بجولات عملية ميدانية للاطلاع على مناهج الدراسة في مختلف الجامعات والمعاهد الأمريكية، ويتعرف
على برامج وأساليب التدريس في تلك الجامعات والمعاهد.
وشملت جولته مختلف المدن هناك من نيويورك إلى جريلي ودنفر وسان فرنسيسكو...
.( مهمته هناك عملية ميدانية، ومدتها مفتوحة، وأمر إنهائها بيده هو
٤ في طريقه إلى أمريكا:
لم يغادر سيد قطب إلى أمريكا إلا بعد منتصف عام ١٩٤٨ . وقد علمنا أنه حتى نهاية شهر آغسطس (آب)عام
١٩٤٨ كان لا يزال في القاهرة. حيث أخبرنا الأستاذ عباس خضر ان سيد قطب تدخل لدى قسم شرطة حلوان
.( لإخراج عباس من القسم، بعد أن أوقفوه لشكهم فيه، وكان هذا في النصف الثاني من شهر أغسطس المذكور)
ويطيب لي في هذه المناسبة إيراد كلام عباس خضر حول الحادثة بعد مضي حوالي عشرين سنة عليها لدلالتها على نفسية سيد قطب وهمته ودوره الاجتماعي:
قال في مقاله « وهؤلاء عرفتهم: سيد قطب » في مجلة الثقافة : ولا أنسى ليلة قضيها في قسم " البوليس " بحلوان ... إذ اشتبه في رجل غبي، وكنت في منطقة " عين حلوان " أتنزه ، فلما رآني هناك ليلا أمسك بي ، ، متهمًا أياي بوضع قنبلة عند العين لنسف مبناها. وعلى هذا الافتراض فأنا عميل صهيوني... وكان ذلك عقب قيام إسرائيل.
قال لي ضابط الشرطة " النوبتجي " في القسم: أتعرف أحدًا بحلوان يضمنك؟ قلت: نعم، وأمليت عنوان سيد قطب وكان لا يزال مأمونًا موثوقًا به عند السلطات... وجاء الصديق المنجد.. جاء لابسًا معطفًا فوق " البيجامة " وبقدميه شبشب لم يلبث حتى يستبدل به حذاء..عرف الموضوع من رجل الشرطة الذي استدعاه، فلما دخل ورآني أشار إلي ضاحكًا وهو يقول للضابط: إنه صهيوني لا تدعوه يفلت! وخرجت من القسم ناجيًا من النوم على " البرش " في الساعة الثانية بعد منتصف الليل وكتبت على أثر ذلك كلمة في الرسالة بعنوان " الأدب والفن في قسم حلوان " ومما يذكر أن الضابط كتب في المحضر : « .. وبتفتيشه عثر في جيبه على شعر ومقالات .. » .
غادر سيد قطب الإسكندرية إلى أمريكا في أواخر عام ١٩٤٨ م، على ظهر باخرة عبرت به البحر المتوسط
والمحيط الأطلسي.. وهناك على ظهر الباخرة جرت له عدة حوادث أثرت في حياته فيما بعد، وعاش بعض
المشاعر والخواطر التي رسمت له مستقبله وحددت له طريقه! ولذلك ما أن غادر الباخرة في الميناء الأمريكي الذي
وصله، وما أن وطئ قدماه أرض أمريكا حتى كان قد عرف طريقه، وحدد رسالته، ورسم معالم حياته في الدنيا الجديدة!..
لما وجد نفسه على ظهر سفينة سابحة وسط المياه، أحس مظاهر رحمة الله وعنايته، وعاش ألوانًا من نعمة الله
عليه، وأدرك بكل كيانه ومشاعره آية الله في هذا، وكان في هذا كله يفسر تفسيرًا عمليًا قوله تعالى (إن في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والأرض.. لآيات لقوم يعقلون )
وقد عرض لنا بعض ما كان يحسه ويعيشه من ذلك، عندما فسر هذه الآية بعد سنوات، حيث قال : " وأشهد ما أحسست ما في هذه اللفتة من عمق، قدر ما أحسست ونقطة صغيرة في خضم المحيط، تحملنا وتجري بنا، والموج المتلاطم والزرقة المطلقة من حولنا، والفلك سابحة متناثرة هنا وهناك.. ولا شيء إلا قدرة الله، وإلا رعاية الله، وإلا قانون الكون الذي جعله الله، يحمل تلك النقطة الصغيرة على ثبج الأمواج وخضمها الرهيب "
وفي موضع آخر يخبرنا سيد قطب عن حالته الإيمانية، وانفعاله المؤثر ومشاعره الجيّاشة، وهو على ظهر
.« موسيقى الوجود » الباخرة، وتعبيره عن هذا بعبارة « موسيقى الوجود »
أحسست هذه الموسيقى العلوية الشاملة.. موسيقى الوجود. مرة وأنا في عرض المحيط، والباخرة تمر مر الريح على وجه الخضم، والنسيم رخاء. والليل ساكن والقمر مفضفض اللألاء... لست أدري كيف أحسست، ولست أدري كيف أقول. إلا أن قولا واحدًا انساب على لساني في تلك اللحظة التي أومضت في روحي كما تومض الشعلة فتكشف لي الطريق إلى بعيد ثم تغيب.. تعبير واحد أحسست فيه كل ما فاض على خاطري في تلك اللحظة من قدسية وشفافية وتسبيح.. موسيقى الوجود
وفي ظلال هذه الحالة الإيمانية راح يخاطب نفسه أأذهب إلى أمريكا وأسير فيها سير المبتعثين العاديين الذين يكتفون بالأكل والنوم، أم لا بد من التميز بِسمات معنية؟ وهل غير الإسلام والتمسك بآدابه والالتزام بمناهجه في الحياة وسط اللمعان المترف المزوّد بكل وسائل الشهوة واللذة والحرام؟ وأردت أن أكون الرجل الثاني ..
من هذه الروايات عن سيد قطب نفسه عرفنا كيف كان ركوبه الباخرة ومروره بتجربتها وسط الأمواج، عامل خير يسره الله له ليتحدد سيره في طريق الإسلام وتثبيت قدماه عليه.
ولذلك ثبت أمام المغريات والإغراءات على ظهر الباخرة والتي سأشير إليها بعد قليل ثم انتقل إلى خطوة أخرى عملية مارس فيها إسلامه وجهر بأداء شعائره على ظهر الباخرة !
فها هو يَرى مبشرًا يحاول تنصير المسلمين من ركاب الباخرة، ويعرض عليهم مبادئه بأساليبه الملتوية، فيثير هذا سيد قطب ويوقظ مشاعره الإيمانية.. ويذهب إلى قبطان الباخرة ويطلب منه السماح لكل المسلمين عليها بأداء صلاة الجمعة، ويشارك جميعهم بتلك التظاهرة الإسلامية حتى عمال السفينة ولعلها أول مرة يشاركون فيها ويقف سيد قطب خطيبًا في هؤلاء.. وتؤدى صلاة الجمعة وسط نظرات ودهشة واستغراب الآخرين..
وقد كان من هذا الحادث مؤثرًا عند سيد قطب، استقر في اعماق نفسه، وكان يستحضره ويسجل دلالاته وفي الظلال أشار إليه في عدة مواطن« ووظفه » دليلا على إعجاز القرآن في تأثيره حتى في مَن لم يعرف اللغة العربية.
ونظرًا لإرتباط كلامه عن ذلك الحادث بحديثنا عن ما جرى له في طريقه إلى أمريكا فإننا نورد كلامه عنه في
تفسيره لسورة يونس:
إن الأداء القرآني يمتاز ويتميز عن الأداء البشري.. إن له سلطانًا عجيبًا على القلوب ليس للأداء البشرى، حتى ليبلغ أحيانًا أن يؤثر بتلاوته المجردة على الذين لا يعرفون من العربية حرفًا. وهناك حوادث عجيبة لا يمكن تفسيرها بغير هذا الذي نقول وإن لم تكن هي القاعدة ولكن وقوعها يحتاج إلى تفسير وتعليل.
ولن أذكر نماذج مما وقع لغيري، ولكني أذكر حادثًا وقع لي وكان عليه معي شهود ستة، وذلك منذ حوالي خمسة عشر عامًا.. كنا ستة نفر من المنتسبين إلى الإسلام على ظهر سفينة مصرية تمخر بنا عباب المحيط
الأطلسي إلى نيويورك، من بين عشرين ومائة راكب وراكبة ليس فيهم مسلم. وخطر لنا أن نقيم صلاة الجمعة على
ظهر السفينة! والله يعلم أنه لم يكن بنا أن نقيم الصلاة ذاتها أكثر مما كان بنا حماسة دينية إزاء مبشرٍ كان يزاول
عمله على ظهر السفينة، وحاول أن يزاول تبشيره معنا!... وقد يسر لنا قائد السفينة وكان إنجليزيًا أن نقيم
صلاتنا، وسمح لبحارة السفينة وطهاتها وخدمها وكلهم نوبيون مسلمون أن يصلي منهم معنا من لا يكون في « الخدمة » وقت الصلاة! وقد فرحوا بهذا فرحًا شديدًا، إذ كانت المرة الأولى التي تقام فيها صلاة الجمعة على ظهر
السفينة... وقمت بخطبة الجمعة وإمامة الصلاة، والركاب الأجانب معظمهم متحلقون يرقبون صلاتنا! وبعد الصلاة جاءنا كثيرون منهم يهنئوننا على نجاح
« القداس » فقد كان هذا أقصى ما يفهمونه من صلاتنا! ولكن سيدة يوغسلافية مسيحية هاربة من جحيم تيتو وشيوعيته كانت شديدة التأثر والانفعال تفيض عيناها بالدمع، ولا تتمالك مشاعرها. جاءت تشد على ايدينا بحرارة، وتقول في إنجليزية ضعيفة إنها لا تملك نفسها من التأثر العميق بصلاتنا هذه وما فيها من خشوع ونظام روح...إلخ
وكانت رحلة سيد قطب إلى أمريكا بداية الطريق الجديد الذي هداه الله إليه، ووفقه لسلوكه والسير فيه..وهو في هذا يختلف عن كثير من المبتعثين.. الذين يمنعهم الحياء ومراعاة الأعراف والتقاليد من الانحراف أو المجاهرة
به في أوطانهم عندما يكونون بين أهلهم ومعارفهم وذويهم.. فإذا ما فتح أمامهم باب السفر والإغتراب والابتعاث
فإنهم يخلعون ثوب الحياء والتجميل، ويمارسون حياة بهيمية يجاهرون فيها بكل حرام، ويبدأون هذا منذ اللحظة
التي يغادرون فيها الوطن، وتغيب عن نواظرهم معالمه !!
ولكن سيد قطب لم يكن من هؤلاء، وإنما كان السفر والاغتراب تجربة جديدة « وظفها » للتعرف على غايته
ورسم طريقه، والسير فيه بخطوات واثقة ثابتة..
لقد فتح الله على سيد قطب في الباخرة ما فتح من رحمة فعاش فيوضاتها وخيراتها، ومن ذا الذي يغلق ما فتح الله له؟ كان يعيش عمليًا قوله تعالى (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده)
وما أن حطت قدمًا سيد قطب أرض نيويورك المحطة الأولى من رحلته العلمية إلى أمريكا حتى كان صاحب رسالة، وجندي دعوة، ورجل فكرة، ملتزمًا بالإسلام، داعية إليه متحركًا به « موظفًا » لكل مكتسباته الجديدة في سبيله.
٥ بين إرادة الله وإرادة الأمريكان:
يعتبر سيد قطب بالتزامه بالإسلام ودعوته إليه منذ أن غادر مصر إلى أمريكا نموذجًا عمليًا واقعيًا حيًا لتحقيق إرادة الله سبحانه الخير لعباده، عندما تنفتح قلوبهم لهذا الخير، ويتفاعلون مع أيحاءاته، ويسيرون خطوات عملية للتحقيق به والتزامه، كما يعتبر نموذجًا لفشل أصحاب الباطل وجنود الشر، وتعطل إرادتهم وهزيمتها عندما يحادون الله سبحانه، ويحاولون تعطيل إرادته وإيقاف أمره.
أقول يعتبر سيد قطب نموذجًا معاصرًا لهذا الأمر، لأن القرآن حدثنا عن نماذج كثيرة من قصص السابقين حاول فيها الكّفار والطواغيت مغالبة قدر الله ومحادة أمره، والوقوف في وجه إرداته... ويذهبون مُشيَّعين باللعنة والذل فلا يكون إلا ما يريده الله وخير مثال لهذه الإرادة ما أراده الله أن يعيش بنو إسرائيل وأن يربى بطلهم " المنقذ " نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام في قصر فرعون ليكون هلاك فرعون على يده بعد ذلك. وتعطلت إرادة فرعون وتحققت إرادة الله.
وكم يخبرنا التاريخ القديم والوسيط والحديث عن نماذج كثيرة تخلفت وتعطلت فيها إرادة أصحاب الشر والفساد ضد الإسلام ومبادئه وجنوده رغم حرصهم على نفاذها وتحققها، وأساس الخطأ عندهم أنهم يقفون أمام إرادة الله القوي القاهر، ويريدون أن يغالبوا أمره وقدره، وأن يعطلوا مشيئته، وأن يطفئوا نوره ويطمسوا دينه ويقضوا على جنوده... وما درى الأغبياء السذج أنهم بعملهم هذا (إن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) لأن قدر الله غالب وإرادته نافذة، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وسبحان من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء!!.
وبالنسبة لسيد قطب مر بنا الهدف الذي هدفت إليه مصر وأمريكا من إيفاده إليها، وتخطيط أمريكا لذلك. إن أمريكا كانت تعد نفسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية لوراثة إنجلترا في المستعمرات الأخيرة فيما وراء البحار، ولذلك كانت تجند مجموعة من قادة السياسة والاقتصاد والفكر والأدب والفن والصحافة... إلخ ليكونوا جنودًا لها يمهدون لإستعمارها الثقافي والاقتصادي والإعلامي والسياسي في البلدان المستعمرة.
وفي مصر جندت أمريكا وعملاؤها ممن يملكون دفة الحكم والسلطان والتخطيط والتوجيه في البلاد مجموعة من هؤلاء، وأعطيت لهم دورات في الخفاء في مصر او في أمريكا وتخرج الكثير منهم كما يريد لهم أساتذه الشر والفساد. وظهر في البلاد جيش من المزورين المخادعين في مختلف المجالات طليعة للإستعمار الأمريكي لمصر والعالم العربي..
واختار التعساء سيد قطب ليكون أحد هؤلاء العملاء، باعتباره في مقدمة رجال الأدب والنقد والفكر في مصر..
ورسموا له الخطط لإفساده أخلاقيًا ونفسيًا وفكريًا، ليستسلم لهم ويوظف فكره ومواهبه لخدمتهم.. وما درى أولئك المساكين أن الله سبحانه أراد لسيد قطب أمرًا آخر.. أراد أن يكون جنديًا من جنوده، وداعية إلى دينية، وحربًا على أعدائه.. وفشل الماكرون في احتواء سيد قطب و تجنيده وخاب مسعاهم...(ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين..)
وقد أطلعنا سيد قطب على بعض الوسائل الأمريكية لإغوائه وإغرائه، حيث بدأوا معه بالإغراء بهدف السيطرة
عليه.. بدأوا معه بالانحراف الأخلاقي، لان الانحراف الأخلاقي بداية السقوط الذي يعقبه الاستسلام الكامل كما أخبرتنا نماذج الساقطين المعاصرة .
استخدم الأمريكيون إحدى ساقطاتهم لإغرائه وإغوائه وهو على ظهر الباخرة.. ولكن متى؟ بعد ما قرر أن يكون جنديًا لله، وبعد ما تعامل مع رحمة الله الفياضة!!!.
وأردت أن أكون الرجل الثاني المسلم الملتزم وأراد الله أن يمتحنني: هل أنا صادق فيما اتجهت إليه أم هو مجرد خاطرة
حتى كان الباب يقرع، وفتحت، فإذا أنا بفتاة هيفاء جميلة فارعة الطور شبه عارية يبدو من مفاتن جسمها كل ما يغري. وبدأتني بالإنجليزية:هل يسمح لي سيدي بأن أكون ضيفة عليه هذه الليلة؟ فاعتذرت بأن الغرفة معدة لسرير واحد، وكذا السرير لشخص واحدً فقالت: وكثيرًا ما يتسع السرير الواحد لإثنين!!. واضطررت أَمام وقاحتها، ومحاولة الدخول عنوة لأن أدفع
الباب في وجهها لتصبح خارج الغرفة وسمعت ارتطامها بالأرض الخشبية في الممر، فقد كانت مخمورة .. "
بعد نجاحه في الابتلاء الأول قال : الحمد لله. هذا أول ابتلاء. وشعرت باعتزاز ونشوة، إذ انتصرت على نفسي! » وبدأت تسير في الطريق الذي رسمته لها..
هذه الفتاة كانت الوسيلة الأولى في الخطة الأمريكية لاحتوائه. وقد علم الله منه صدق الاختيار اختيار جانبه فوفقه لهذا الانتصار !
لم تنقطع المحاولات الأمريكية لإغرائه وإغوائه. مثل تلك الفتاة التي قامت بجهد كبير لغوايته، ولاحقته من جامعة إلى أخرى.. وتلك الفتاة التي ناقشته في معهد المعلمين في مدينة جريلي في كولورادو في مسائل جنسيةمكشوفة.
وعامل الفندق الذي عرض عليه تلبية ما يريد من نزوات جنسية طبيعية أو شاذة، وأثاره بالحديث المكشوف عن عينات منها. والشاب العربي الذي كان يغريه بإسماعه قصصًا عن مغامراته الجنسية مع الأمريكيات. والممرضة التي كانت تغريه وهو في المستشفى بإسماعه مواصفاتها التي تطلبها في الشخص ليكون عشيقًا لها. والفتاة الجامعية التي تريد أن تمحو من فكره النفور من الرذيلة الجنسية، وتزعم أنها عملية بيولوجية جسدية لا داعي لإقحامها في المعاني الأخلاقية وغير ذلك .
أما من الناحية السياسية فقد أخبرنا سيد قطب عن نماذج من التنافس بين رجال المخابرات الإنجليزية والأمريكية لتجنيده. وخرج من تلك المحاولات كلها سليمًا ملتزمًا بإسلامه.
من هذه المحاولات ما أشار إليه سيد قطب بقوله والكثير من الحاكمين في الدولة الأمريكية تخرجوا من المعاهد التبشيرية. وهي حقيقة أفضى بها إلي احد الاساتذة الإنجليز الذين التقيت بهم في أمريكا. وعدَّ لي عشرات من الأسماء البارزة في وزارة الخارجية الأمريكية وفي السلك السياسي. ولم يكن يفضي إليَّ بهذه الحقيقة بريئًا لوجه الله، وإنما هو كما عرفت فيما بعد أحد رجال قلم المخابرات البريطاني، الذين يهمهم ألا يثق الشرقيون كثيرًا في نيات أمريكا. مما دعاني إلى التشكك في بياناته لي. فتحققتها بوسائل أخرى
وهذا الرجل الذي أشار إليه هو « جون هيوورث دن » قد إدَّعى الإسلام وتسمى « جمال الدين دن » وتزوج من فتاة مصرية مسلمة اسمها فاطمة
وقد عرض على سيد قطب إغراء له أن يترجم كتابه الجديد « العدالة الاجتماعية في الاسلام »
إلى الانجليزية، مقابل عشرة آلاف دولار. ولكن سيد قطب رفض العرض. وأعطى الكتاب الى « المجلس الأمريكي للدراسات الاجتماعية » ليترجم مجانا حيث قام بترجمته المستشرق " يوحنا: جون ب. هاردي " . الاستاذ بجامعة « هاليفاكس » بكندا .
ورغم التزامه بالإسلام في أمريكا، ورغم استعلائه على مكر الأمريكيين وخططهم، وانتصاره على إغراءاتهم.
رغم ذلك إلا أن لأعداء الحق ممن يلبسون ثوب التقدم واليسار، الشيوعيين اعتبروا سيد قطب أداة بيد مخابرات أمريكا، وأن مدة إقامته هناك كانت دورة تخرج منها بوقًا لأمريكا وعدوًا للاشتراكية والتقدم!! فها هو أحد هؤلاء أحمد عباس صالح يقول عن سيد قطب :
إنه لفت انظار الاستعمار الأمريكي منذ وقت مبكر بكتاباته المناوئة للاشتراكية، بدعوى أن الإسلام والاشتراكية متناقاضان.. فدعي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأمضى أكثر من عام، وعاد بعدها لينشر كتابًا مليئًا بالمغالطات ضد العدل الاجتماعي وضد الفكرة الاشتراكية تحت ستار الدعوة الإسلامية . ( " سبحانك هذا بهتان عظيم !! )
الله يبارك فيكي أختي الكريمة
ذكرت في بداية الموضوع أن هذه المادة هي من كتاب " أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب " للدكتور صلاح الخالدي حفظه الله وفي هذه الحلقة تم عرض أول خمس فصول من الكتاب المذكور وسيتم باذن الله عرض كامل الكتاب في حلقات متتالية وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1985 م وأذكر هنا مصادر الدكتور الخالدي حفظه الله في تأليفه لهذا الكتاب التي أثبتها في نهاية كتابه الرائع الذي نال شهرة فائقة عند صدوره
ثبت المراجع أولا الكتب:
1 الإسلام ومشكلات الحضارة: لسيد قطب، بدون تاريخ أو ناشر.
٢ دراسات إسلامية: لسيد قطب، دار الشروق بدون تاريخ.
٣ رائد الفكر الإسلامي المعاصر: الشهيد سيد قطب، ليوسف العظم، دار القلم، الطبعة الأولى: ١٤٠٠ .١٩٨٠
. ٤ السلام العالمي والإسلام: لسيد قطب، دار الشروق الطبعة السادسة ١٩٧٤
. ٥ سيد قطب الأديب الناقد: لعبد الله الخباص، مكتبة المنار، الطبعة الأولى ١٩٨٣.
٦ سيد قطب الشهيد الحي: لصلاح عبد الفتاح الخالدي، مكتبة الأقصى الطبعة الأولى ١٤٠١ ١٩٨١
٧ الشهيد سيد قطب: نشر جماعة أصدقاء الشهيد سيد قطب بدون تاريخ أو ناشر..
٨ في ظلال القرآن: لسيد قطب، دار الشروق الطبعة الثالثة ١٩٧٧
٩ لحن الكفاح: لسيد قطب وهاشم الرفاعي، مجموعة شعرية بدون تأريخ أو ناشر.١١٢
١٠ معالم في الطريق: لسيد قطب، دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع بدون تاريخ.
. ١١ معركة الإسلام والرأسمالية: لسيد قطب، دار السعودية للنشر والتوزيع الطبعة الرابعة ١٩٦٩
ثانيًا: المجلات
١٢ آفاق إسلامية: نشرة غير دورية يصدرها الإخوان المسلمون في الأردن.
. ١٣ الثقافة: المجلد الثامن: السنة الرابعة عدد: ٤٧ تاريخ أغسطس ١٩٧٧
. ١٤ الرأي الأردنية: عدد: ٥٠٢٦ تاريخ ١٦ آذار ١٩٨٤.
١٥ الرسالة: السنة الرابعة عشرة، المجلد الثاني عدد: ٦٩٤ تاريخ ٢١ اكتوبر ١٩٤٦.
١٦ الرسالة السنة السادسة عشرة المجلد الثاني عدد: ٧٩٠ تاريخ ٢٣ أغسطس ١٩٤٨.
١٧ الرسالة: السنة السابعة عشرة، المجلد الأول، عدد: ٨٢ تاريخ ٩ مايو ١٩٤٩
. ١٨ الرسالة السنة السابعة عشرة، المجلد الأول، عدد: ٨٢٨ تاريخ ١٦ مايو ١٩٤٩
. ١٩ الرسالة: السنة الثامنة عشرة، المجلد الأول، عدد: ٨٧٧ تاريخ ٢٤ أبريل ١٩٥٠.
٢٠ الرسالة: السنة الثامنة عشرة، المجلد الثاني عدد: ٨٨٧ تاريخ ٣ يوليو ١٩٥٠
. ٢١ الرسالة: السنة الثامنة عشرة، المجلد الثاني، عدد: ٨٩١ تاريخ ٣١ يوليو ١٩٥٠.
٢٢ الرسالة: السنة الثامنة عشرة، المجلد الثاني، عدد: ٨٩٤ تاريخ ٢١ أغسطس ١٩٥٠.
٢٣ الرسالة: السنة التاسعة عشرة، المجلد الأول، عدد: ٩٤٣ تاريخ ٣٠ يوليو ١٩٥١.
٢٤ الرسالة: السنة التاسعة عشرة المجلد الثاني عدد: ٩٥٧ تاريخ ٥ نوفمبر ١٩٥١.
٢٥ الرسالة: السنة التاسعة عشرة المجلد الثاني. عدد ٩٥٩ تاريخ ١٩ نوفمبر ١٩٥١.
٢٦ الرسالة: السة عشرة، المجلد الثاني: عدد: ٩٦١ تاريخ ٣ ديسمبر ١٩٥١.
٢٧ الرسالة السنةالعشرون، المجلد الأول، عدد: ٩٩١ تاريخ ١٩٥٢.
٢٨ الرسالة: السنة العشرون، المجلد الأول، عدد: ٩٩٥ تاريخ ٢٨ يوليو ١٩٥٢.
٢٩ الرسالة: السنة العشرين، المجلد الثاني، عدد: ١٠٠٩ تاريخ ٣ نوفمبر ١٩٥٢.
٣٠ الشهاب: السنة السادسة، العدد التاسع، أيلول ١٩٧٢.
٣١ الغرباء: السنة الثانية عشرة، العدد الثالث، سبتمبر ١٩٧٥.
٣٢ الكاتب: السنة الرابعة، العدد: ٥٤ تاريخ سبتمبر ١٩٧٥.
٣٣ الكتاب: السنة الخامسة عشرة عدد: ١٧٣ تاريخ أعسطس ١٩٧٥.
٣٤ الكتاب: المجلد الثامن، الجزء العاشر، ديسمبر: ١٩٤٩.
٣٥ الكتاب: المجلد التاسع، الجزء الرابع، أبريل ١٩٥٠.
٣٦ الكتاب: المجلد التاسع، الجزء الخامس، مايو ١٩٥٠.
٣٧ الكتاب: المجلد التاسع، الجزء السادس، يونيو ١٩٥٠.
٣٨ الكتاب: المجلد العاشر، الجزء الرابع، أبريل ١٩٥١
نتابع تكملة القسم الأول من كتاب " أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب "
6- تنقله بين ولايات أمريكا:
لم يكن سيد قطب ملتزمًا بمنهج دراسي محدد في أمريكا، وكانت طبيعة مهمته هناك رحلة علمية عملية للإطلاع على مناهج التربية وأساليب التدريس في الجامعات والمعاهد العلمية. وهذا يعني أن يقوم برحلات عملية في عدة ولايات أمريكية، وزيارة معاهد المعلمين والجامعات في مدن تلك الولايات.
وكان الوقت يسمح له بالقيام بجولات وزيارات لمرافق المدينة التي يقيم فيها وإعداد دراسات اجتماعية عن الأمريكيين، والذهاب إلى المناظر الطبيعية الساحرة، والتمتع بجمالها وسحرها وجوها في الحدائق والقرى والوديان.
وكان سيد قطب يرسل مقالات لبعض المجلات في مصر، ويسجل المدينة او الولاية التي كتب فيها مقاله، كما كان يرسل رسائل شخصية إلى أهله وأقاربه، وإلى زملائه من الأدباء ويكتب اسم المدينة أو الولاية التي يقيم فيهافي نهاية الرسالة. وقد عرفنا بفضل هذه الطريقة البديعة بعض المدن والولايات التي أقام فيها.
معروف أن مدينة نيويورك كانت المحطة الاولى التي نزل فيها. لأنها تمثل نهاية خط سير الباخرة التي أقلته من الإسكندرية إلى نيويورك. وأقام في نيويورك ما كتب الله له أن يقيم، وتفتحت عيناه على معالم الحياة الامريكية فيها، وأطلق من هناك ومنذ أيامه الأولى بل منذ نظراته الأولى على أمريكا كلها لقب « الورشة الضخمة » والتي تمثلها مدينة نيويورك تمامًا. هذه المدينة التي لها من اسمها نصيب، فلو قلت إن اسمها بالعربية: العمل الجديد. أو الورشة الجديدة الضخمة لما كنت مخطئًا أو مبالغًا. وأكثر ما لفت انتباهه وأثار استغرابه رؤيته لسرب من الحمائم الوادعة في نيويورك، حيث لا مكان لهن وسط تلك الورشة، فكان مقاله « حمائم في نيويورك » تسجيلا لخواطره حوله .
من المدن التي ذهب إليها: واشنطن العاصمة، وعرفنا عنه في العاصمة أنه بعث رسائلا منها إلى صديقه الأديب توفيق الحكيم، ونشرت مجلة الرسالة رسالتين منها. وتجلت فيها موهبة سيد قطب في تقييم الحياة الفرنسية التي يحبها توفيق الحكيم والحياة الأمريكية كما لمسها هو من خلال مقارنتها بالحياة الإسلامية النظيفة الصادقة.
وعرفنا أنه أصيب بمرض أثناء إقامته في العاصمة، وأنه أدخل مستشفى « جورج واشنطن » فيها.
ومن هذه المدن: مدينة جريلي بولاية كولورادو، ويبدو أن إقامته في هذه المدينة طالت وقاربت العام . وطال تردده على معهد المعلمين في المدينة، ويبدو أنه في تلك المدينة قد أنهى المهمة الأولى في اللغة الإنجليزية، ونجح فيها، وأصبح بإمكانه أن يطلع مباشرة على الثقافة والعلوم من المجلات والكتب باللغة الإنجليزية.
في هذه المدينة وفي معهد المعلمين كان يعقد المناقشات ويوجه الانتقادات لعفن الحياة الأمريكية وانحرافها الأخلاقي. ويلاحظ مظاهر الفساد والانحراف والإباحية التي تسللت إلى كنائسها. وفي هذه المدينة كانت له مشاركة في مجلاتها. حيث كتب في إحداها مقالة سياسية لاذعة عن أمريكا بعنوان « العالم ولد عاق » . ومن هذه المدينة بعث مقالا بعنوان « أضواء من بعيد » نشر في مجلة الكتاب في مصر.
ومن المدن التي أقام فيها مدينة دنفر.
ومن الولايات التي استقر فيها ولاية كاليفورنيا. وتنقلَ بين عدة مدن فيها. أقام طويلا في سان فرنسيسكو، واختلط بالحياة الإجتماعية لسكان المدينة وسجل انتقاداته اللاذعة لهم. ويبدو أن جوَّها لم يناسبه، واعتّلت صحته وأقام فترة في أحد مستشفياتها. ويبدو أنه أثناء إقامته في تلك المستشفى وقعت حادثة اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا في مصر. ورأى سيد قطب هناك بأم عينه مظاهر الفرح والابتهاج لدى العاملين في المستشفى بذلك.
ومن هناك بعث مقالا نشر في مجلة الكتاب بعنوان « موسيقى الوجود » الذي كتبه بعد زيارته لمعلم طبيعي من أجمل معالم الطبيعة في العالم، المتمثل في الحديقة الطبيعية المنسقة من الصخور والمسماة بحديقة الآلهة.
ويبدو أن جو مدينة سان فرنسيسكو لم يناسبه فغادر المدينة إلى إحدى قراها الريفية الجميلة الواقعة في وادي زارعي جميل ، قرية .« بالوألتو » .
ثم تحول إلى مدينة أخرى في ولاية كاليفورنيا. وهي مدينة « سان دييجو » ومنها بعث رسالتين إلى صديقه عباس خضر ، نشرهما الأخير في مجلة « الرسالة » في زاويته الأسبوعية : « الأدب والفن في اسبوع » .
هذه هي أهم المدن التي عرفنا أن سيد قطب من خلال كلامه أقام فيها، وانتقل إليها أثناء وجوده في أمريكا. وبهذا يظهر أنه تنقل بين مختلف ولايات أمريكا. ما بين نيويورك في الشرق وكولورادو في الوسط وكاليفورنيا في الغرب.
-٧ - صور من نشاطه في أمريكا:
لم يكتف سيد قطب أثناء وجوده في أمريكا بالاطلاع على مناهج وأساليب التدريس، ولم يكن يعيش حياته هناك سلبيًا، ولم يكن منعزلا عن المجتمع والناس من حوله، وإنما رأيناه يعيش حياته بطريقة أخرى إيجابية ثقافية، تتفق مع طبيعته ونفسيته واهتماماته..
فبعد ان عرف طريقه الجديد وحدد معالمه، وبعد أن أحسن تصنيف امريكا العالم الجديد في مكانها الطبيعي في سلم الحضارة والتقدم والتأثير. أيقن أن هذه الفرصة قد لا تعود مرة أخرى، فعليه أن يستغلَّها ويغتنمها، وعليه أن يحسن استغلال أيامه فيها، وأن يبذل جهده في الخروج بدلالات سليمة، ودروس وعبر صائبة، ونتائج وأحكام صحيحة.
لقد رأينا سيد قطب في أمريكا منطلقا من دينه وإيمانِهِ والتزامه رجلا إيجابيًا مؤثرًا واجتماعيًا فعالا ، ودارسًا فاحصًا، وناظرًا متاملا ، وباحثًا موضوعيًا.. لقد استخدم مواهبه ومكاسبه ومعارفه وثقافاته في دراسة « الظاهرة » الأمريكية الفريدة، التي سحرت الكثيرين من العالم، وصارت مثالا يحتذيه « المتأثرون بحضارتها » ويسعون إلى إلحاق أقطارهم فيه
فأراد أن يقدم للناس في العالم العربي والإسلامي وفي مصر على وجه الخصوص أمريكا على حقيقتها وطبيعتها، بدون زخارف أو رتوش أو تجميل، ليعرفوا دورها ورسالتها ومكانتها بين الحضارات، وليحذروا سمومها ومكرها ومخططاتها.
كما كانت رسالته الاجتماعية الجديدة، ونشاطاته العملية المتنوعة، تحديًا منه لتخطيط أمريكا بالنسبة له، واستعلاء منه على إغرائها وإغوائها له، وتسجيلا لفشل خطتهم في تجنيده واحتوائه، وفضحًا لمخازيها، وغزوًا لها في صميم حياتها وأنظمتها ووجودها، وإثباتًا لعظمة الإسلام عندما يقبل عليه رجل بصدق وجدّية والتزام.. وإنني أعتقد أن حياة سيد قطب في أمريكا ونشاطاته هناك يجب أن تكون مثالا يقتدي به المبعوثون إليها، والدارسون في جامعاتها.
تنوع نشاط سيد قطب في أمريكا في مظاهره وأشكاله، وتعددت لقاءاته ومقابلاته مع مختلف « شرائح » الحياة والتقدم في أمريكا... وتكررت وقفاته المتأملة أمام ألوان « الحضارة » الأمريكية.
كان لسيد قطب نشاط إسلامي، يتمثل في انطلاقه من الإسلام لكشف سوءات ومفاسد الكيان الأمريكي، وبيان سمو الإسلام ومزاياه في انظمته ومبادئه من خلال تلك المقارنة. وهذا بعكس منهج بعض المحبين للإسلام في أمريكا الذين كانوا يدافعون عن دينهم « دفاعًا » عاجزًا أمام الهجوم الأمريكي الماكر. بعض هؤلاء كانوا يواجهوننا نحن القلائل المنتسبين إلى الإسلام في أمريكا في السنوات التي قضيتها هناك وكان بعضنا يتخذ موقف الدفاع والتبرير.. وكنت على العكس أتخذ موقف المهاجم للجاهلية الغربية.. سواء في معتقداتها الدينية المهلهلة، او في أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية المؤذية... إلخ.
وكانت هذه حقائق نواجهها في واقع الحياة الغربية... وهي حقائق كانت تخجل أصحابها حين تعرض في ضوء الإسلام
كان يحرص على أن يرى انطباق بعض آيات القرآن على الحياة في أمريكا. فكان يتلو الآية ويرى صدق انطباقها على الواقع هناك ويبين المدلول الواقعي لها، ويجد بذلك طعمًا ومذاقًا وحيوية تأثيرًا فريدًا لكتاب الله سبحانه.
طبق على حياة الأمريكيين قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء، حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) فرأى أمرًا عجيبًا، أخبرنا عنه في الظلال في تفسيرة لتلك الآية : ولقد كنت في أثناء وجودي في الولايات المتحدة الأمريكية أرى رأي العين مصداق قول الله سبحانه » : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) فإن المشهد الذي ترسمه هذه الآية.. مشهد تدفق كل شيء من الخيرات والأرزاق بلا حساب. لا يكاد يتمثل في الأرض كلها كما يتمثل هناك !
وكنت أرى غرور القوم بهذا الرخاء الذي هم فيه، وشعورهم بانه وقف على الرجل الأبيض وطريقة تعاملهم مع الملونين في عجرفة مرذولة، وفي وحشية بشعة، وفي صلف على أهل الأرض كلهم... كنت أرى هذا كله فأذكر هذه الآية، وأتوقع سنة الله.. وأكاد أرى خطواتها وهي تدب إلى الغافلين .
وكان لسيد قطب نشاط آخر في المجال الاجتماعي، وهو مكثف منوع « وظف » فيه مختلف مشاهداته ونشاطاته ونقاشاته وتأملاته للحقيقة التي يريدها، وهي « تصنيف » أمريكا وحضارتها في سلم الحضارات. وعرض هذا على الآخرين حتى لا ينخدعوا .
إذا ذهب الى فندق أمعن نظراته فيه وفي نزلائه وناقش هؤلاء. وإذا دخل إلى معهد أو جامعة أمعن نظراته
وناقش « شرائح » اجتماعية فيه في موضوعات أخلاقية واجتماعية وحضارية وفّنية وأدبية. وإذا مرض ودخل « مستشفى » للعلاج وظَّف ما يجده فيها وما يكتسبه من نظرات وتأملات ونقاشات لهدفه الذي يريد. وإذا جمعته جلسة مع أفراد من الأمريكيين من مختلف التخصصات والاتجاهات عرض خلفية تفكيرهم واهتماماتهم وعَرّى نفسياتهم وثقافاتهم.. عرض بدائيتهم في كل شيء: في الأفكار والمعارف والثقافات، وفي الآداب والفنون، وفي أذواقهم في الطعام والشراب واللباس والزينة والجنس والشهوات.
وإذا دخل مدينة حرص على تفحصها وإكتشافها وتسجيل حقيقة الحياة فيها، وانخرط في مظاهر حياتها
الاجتماعية.
وإذا رأى الكنائس في المدينة يسعى إلى تفسير كثرتها وجمالها الخارجي، وينخرط في نواديها، ويدلف إلى
مبانيها، ويتفحص الداخلين إليها، ويتعجب من مسارعتها وهي المبنية للعبادة إلى جذب أفراد الجنسسين، مستخدم في ذلك وسائل لا أخلاقية من الجنس والإباحية، داعية الشباب والشابات إلى الفجور والعربدة في ردهاتها، وممراتها .
وإذا انتقل إلى متحف للفن أمعن النظر فيه، وفي رواده وزائرية، وحلل أذواقهم في ذلك.
وإذا جلس معه مفكرون أو أدباء أو رأى صحفيين أو سياسيين، عرض عليهم نماذج شوهاء من مجتمعاتهم، وأتبعها بنماذج سامية ومضيئة للمسلمين.
وإذا زار دار صحيفة يسعى إلى الكتابة فيها، مقالات انتقادية سياسية، واجتماعية لاذعة لنقد الحياة الأمريكية.
وإذا رأى منظرًا ساحرًا طبيعيًا يأنس به « ويستخسره » على الأمريكيين البدائيين ! وكم تعجب ودهش واستغرب عندما رأى سرب حمائم وادعة في نيويورك، لأنه لا وجود له وسط هذه « الورشة »
فكأنه شاذ نشاز.
وإذا رأى عشرات الأمريكيين يسارعون إلى أعمالهم الوظيفية الرتيبة في الصباح والمساء، راعه أداؤهم للحياة وممارستها بطريقة ميكانيكية آلية، لا تختلف عن أداء الآلات التي يصنعونها، والمصانع التي يشيدونها.
وإذا ضجر من هذه المشاهد الآلية، وسئم من هذه النماذج البشرية الشوهاء، وتعب من هذه الدراسات الفاحصة، و « قرف » من هذه الورشة الصناعية الضخمة... غادر المصانع والآلات اليدوية والبشرية إلى جمال الطبيعة الحالم، ومشاهدها الساحرة، وانساب إليها، وقضى أوقاتًا ممتعة، ولحظات زاكية مباركة، يتذوق جمالها، ويعيش فيها باعتبارها من نعم الله الساحرة ، ويتحسس مظاهر « النعمه » ، التي لا يلتفت إليها الصناعيون.
وبعد هذا كله كم كان يحزنه ويؤلمه ويسوءه أن يرى في مصر أرض الكنانة من يدعو إلى ممارسة الحياة على الطريقة الأمريكية: سياسيًا أو اجتماعيًا أو فنيًا أو اقتصاديًا أو حضاريًا. ويشفق على وطنه ان يكون صورة شوهاء لوجود أمريكي مشوه.
8- عودته إلى مصر:
في أيام سيد قطب الأخيرة في أمريكا، سيطر عليه الشوق والحنين إلى مصر، وكم كان يتمنى أن يعود إليها، ويمتع نفسه بجمالها. وبما أن بعثته إلى أمريكا لم تكن محددة بزمن معين، ولا بخطة دراسية خاصة كما بيّنا فقد كان أمر إنهائها بيده هو، يعود متى شاء.
وبما أن إخراجه من مصر كان عملية للتخلص منه، فقد رأى أن الظروف قد تغيرت نوعًا ما ولا سيما أن
قبضة الملك فاروق على البلاد قد ضعفت، وصار في البلاد نوع من الديمقراطية أكثر من ذي قبل، وكانت البلاد تعيش عدة تيارات ودعوات متضاربة، ولا يعلم أحد ما تتمخض عنه الأحداث.
لهذا كله أدرك سيد قطب أن مكانه الطبيعي بين أهله وإخوانه، وفي خدمة أمته ووطنه، وأن من واجبه وقد أفلت من الحصار والاحتواء الأمريكي أن يبصر الناس ويحذرهم مكر الماكرين.٨
عندها قرر سيد قطب العودة إلى مصر عام ١٩٥٠ وقد نظم وهو في أمريكا وفي مدينة سان فرنسيسكو بالذات قصيدتين حمل كلماتهما شوقه وحنينه إلى أرض الكنانة، قال في الأولى التي سماها « دعاء الغريب »
يا نائيات الضفاف هنا فتاك الحبيب
عليه طأل المطاف متى يعود الغريب
متى تمس خطاه ذاك الأديم المغبر
متى تشم شذاه كالأقحوان المعطر
متى ترى عيناه تلك الربوع المواثل
أحلامه و مناه تدعوه خلف الحوائل
حنينه رفاف إلى الديار البعيدة
متى متى يا ضفاف تأوي خطاه الشريدة
إلى أن يقول فيها:
يا أرض ردي إليك هذا الوحيد الغريب
هواه وقف عليك ردي فتاك الحبيب
وقال في الثانية :« هتاف الروح »
في الجو يا مصر دفء يدني إلي خيالك
وتستجيش حنيني إلى الليالي هنالك
للأمسيات السكارى نشوى ترف خيالك
ونسمة فيك تسرى ريانة من جمالك
نجواك ملء فؤادي ترى خطرت ببالك
إلى أن يقول فيها:
في النفس يا مصر شوق لخطرة في رباك
لضمة من ثراك لنفحة من جواك
لومضة من سماك لهاتف من رؤاك
لليلة فيك أخرى مع الرفاق هناك
ظمآن تهتف روحي متى تراني أراك
وإن شوق سيد قطب إلى مصر، ولهفة نفسه إليها، وحنينه لرؤيتها، يكاد يبرز من خلال كلمات هاتين القصيدتين،
ونكاد نراه مجسمًا محسوسًا ملموسًا.. ونكاد نرى مشاعر سيد قطب وأشواقه وأحلامه وخواطره. بل إنه يبدو من خلال القصيدتين وقد تحول إلى مجموعة من المشاعر والأشواق، وليس مجرد إنسان عنده شوق وحنين ! !
1) مجلة الكتاب مجلد ٩جزء ٦السنة الخامسة: يونية ١٩٥٠ صفحة ٩٤٧ )
1) الرسالة سنة ١٨ مجلد ١ عدد: ٨٧٧ تاريخ ٢٤ ابريل: صفحة ٤٧٢ )
وقد أخبر أهله ومعارفه بموعد قدومه إلى مصر. وكان في مقدمة معارفه الذين علموا بذلك الموعد عباس خضر
وقد كان يحرر زاوية ثابتة في مجلة الرسالة هي زاوية الأدب والفن في أسبوع فسارع ينشر ذلك الخبر في
زاويته.وجاء فيها قوله: يصل بالطائرة يوم ٢٠ أغسطس الحالي ( ١٩٥٠ ) الاستاذ سيد قطب عائدًا من أمريكا، حيث كان مبعوثًا من وزارة المعارف لدراسة النظم التعليمية هناك
وما أن حل ذلك الموعد حتى حطت قدما سيد قطب أرض مصر وسط استقبال وترحاب أهله ومعارفه وأصدقائه ومحبيه.
وبذلك عاد إلى مصر بعد أن غاب عنها سنتين كاملتين في أمريكا من اغسطس ١٩٤٨ حتى اغسطس ١٩٥٠
لكنه عاد صاحب رسالة ودعوة، مزودًا بالتجارب والخبرات، حيث كانت أمريكا بداية المنعطف الجديد في
حياته، لقد وجد نفسه وإيمانه وإسلامه هناك، فسار في طريقه حتى نال الشهادة.
وبعد ما عاد من امريكا ظن البعض أنه حصل على درجة الدكتوراه، وأطلقت عليه إحدى الصحف لقب « دكتور » فسارع بالتصحيح وأنه ليس دكتورًا. يقول السيد عباس خضر حول هذا : كان سيد قطب جادًا مترفعًا، أذكر عقب عودته من أمريكا أن كتبت عنه جريدة « المصري » شيئًا قالت فيه : « الدكتور سيد قطب » فكتب في العدد التالي أنه ليس دكتورًا.. وكان يمكن أن يترك ذلك اللقب يجري على الأقلام والألسنة ويشيع مسندًا إليه.. كما يفعل بعض المواطنين ..
-٩- هجومه على أمريكا:
عاد سيد قطب إلى عمله في وزارة المعارف، في إدارة التفتيش الفني، عاد مؤهلا بخبرات وتجارب ومناهج من بعثته إلى أمريكا تؤهله ليمارس دوره في وضع المناهج والنظم التعليمية للوزارة، ومن هو الأنسب منه ليقوم بذلك العمل، وهو العائد من أمريكا؟
توقعت أمريكا وعملاؤها في مصر من سيد قطب أن ينقل المناهج والأساليب الأمريكية إلى مصر، وأن يتبناها ويقررها.. ولكن سرعان ما فجعوا بآمالهم في سيد قطب، وتبددت أحلامهم وخابت ظنونهم.
لقد عاد سيد قطب إلى مصر رجلا مؤمنًا ملتزمًا، صاحب رسالة ودعوة وغاية، استمدها من دينه، وسعى إلى أداء رسالته وحرص على مرضاة ربه.. لذلك عمل على تحقيق هذه الرسالة في الأعمال التي اسندت إليه، والمهام التي أُنيطت به.. فعمل على النظر في المناهج والنظم والأساليب التعليمية من خلال الإسلام ومبادئه وتوجيهاته،
وأراد صوغ ذلك وفق تلك المبادئ والتوجيهات.. وهو في هذا أغضب الأمريكان وعملاءهم. فحصل الصدام بينه وبينهم، ووقفوا في وجهه، وعملوا على عرقلة عمله وتعطيل خطته.. ونتج عن ذلك الحيلولة بينه وبين العمل والتنفيذ، فأصبح عمله في وزارة المعارف ..« مشلولا » ولذلك لم يجد أمامه إلا الاستقالة من الوزارة .. حيث تفرغ بعد ذلك للعمل للإسلام كتابة ودعوة وجهادًا.
ألم أحاول عشرين مرة بعد » : وقد أخبرنا عن بعض العقبات التي وضعت أمامه في وزارة المعارف بقوله : « ألم أحاول عشرين مرة بعد عودتي من امريكا أن أنشئ لوزارة المعارف أدارة فّنية صحيحة، تقيم نظم التعليم ومناهجه على أساس سليم، ففشلت في المرات فشًلا ذريعًا، لأن المراد في هذه المرة كان إصلاحًا في الصميم
وحول أساس الاختلاف بين سيد قطب وبين رجال امريكا في وزارة المعارف يقول الاستاذ يوسف العظمة
: « أول ما نادى الرجل المسلم والمفكر القرآني أن مناهج التربية الأمريكية مناهج غريبة عنا لا تنبع من أعماق جذور أمتنا ولا تربتط بأصالتها برباط. ودعا إلى اتخاذ المنهاج الإسلامي الشامل المتكامل أساسًا للتربية في ديار الإسلام، فقامت قيامة الأبواق الأمريكية في وزارة التربية والتعليم المصرية، وكان على رأسها يومئذٍ الاستاذ إسماعيل القباني يغفر الله له وبعد ما ترك وزارة المعارف صار يهاجم أمريكا باستمرار، يهاجمها في رجالها وعملائها، في حياتها السياسية والاقتصادية العسكرية، في مناهجها التعليمية والاجتماعية، ويكشف دورها في السيطرة على بلدان العالم الثالث، ويفضح أساليبها في توجيه الحياة في مصر وغيرها إلى الوجهة الامريكية، ويبين نفوذها وسيطرتها على وزارة المعارف وعلى صحف ومجلات مصرية، وعلى رجال السياسة والاقتصاد والأدب والفكر في البلاد.
ما ترك وسيلة متاحة إلا وإستخدمها في هذه المهمة، سواء كانت جلساته وأحاديثه وحواره مع الناس، أو مقالاته في الصحف والمجلات، أو محاضراته في النوادي والجمعيات، أو تحليلاته السياسية امام الزائرين، او كتبه التي يصدرها.
قال في مقالة « عدونا الأول: الرجل الأبيض » : الذين يعتقدون أن الأمريكان يمكن أن يكونوا معنا ضد الاستعمار الأوروبي هم قوم إما مغفلون أو مخادعون، يشغلون طابورًا خامسًا للاستعمار المنتظر لبلاد الشرق الأوسط !
إن مصالح الاستعمار الأمريكي قد تختلف أحيانًا مع مصالح الاستعمار الأوروبي، ولكن هذا ليس معناه أن
يكونوا في صف استقلالنا وحريتنا. إنما معناه ان يحاولوا زحزحة أقدام الأوروبيين ليضعوا هم أقدامهم فوق رقابنا.
وفي الغالب يجدون حلا لخلافاتهم مع الإستعمار الأوروبي على حسابنا.
إن الرجل الأبيض هو عدونا الأول. سواء كان في أوروبا أو كان في أمريكا.. وهذا ما يجب أن نحسب لهُ
حسابه. ونجعله حجر الزاوية في سياستنا الخارجية، وفي تربيتنا القومية كذلك.
..ولكن الذي نفعله هو عكس هذا على خط مستقيم.. عندنا في وزارة المعارف عبيد للرجل الأبيض.. عبيد
يعبدون هذا الرجل كعبادة الله.. بل إنهم ليلحدون في الله ولا يلحدون في أوروبا أو أمريكا. سرًا وعلانية..
وعندنا في معاهد التربية التي تخرج المدرسين، فتؤثر بذلك في عقلية أجيال بعد أجيال.. عندنا فتات آدمي ينظر إلى الرجل الأبيض نظرة التقديس، ويطبع مشاعر الطلبة الذين سيصبحون مدرسين بطابع الإعجاب والقداسة لأولئك المستعمرين القذرين، الذين يحتقروننا ويهينون كرامتنا، فنتلقى ذلك منهم بالشكر والثناء... وهذه جناية قومية وجناية إنسانية.
1) الرسالة سنة ٢٠ مجلد ١ عدد ٩٩٥ تاريخ ٢٨ يوليو ١٩٥٢ صفحة: ٨٣٧ )
2) رائد الفكر الإسلامية المعاصر ليوسف العظم: ٣٤ )
... هذا هو الاستعمار الذي بثته في أرواحنا المدرسة المصرية التي تنفذ أهداف الاستعمار إلى اللحظة
الحاضرة. بل يقوم على رأسها وزير كان من عُبّاد إنجلترا ثم أضحى من عباد أمريكا ومعه معاهد تربية تتعبد أمريكا من دون الله في الأرض!!.
إلى أن يقول : إن الاستعمار لا يغلبنا اليوم بالحديد والنار، ولكنه يغلبنا قبل كل شيء بالرجال الذين استعمرت أرواحهم وأفكارهم، يغلبنا بهذا السوس الذي تركه الاستعمار في وزارة المعارف، وفي الصحف، والكتب، يغلبنا بهذه الأقلام التي تغمس في مداد الذل والهوان الروحي لتكتب عن امجاد فرنسا، وأمجاد بريطانيا وأمجاد أمريكا
وأعطانا نموذجًا عمليًا لتنافس الدول المستعمرة ورجال مخابراتها على احتواء وتجنيد واكتساب المسؤولين والمتنفذين وقادة الرأي والفكر في مصر. هذا النموذج هو الدكتور طه حسين، وما فعل به الإنجليز عندما صار وزيرًا للمعارف فهم يعرفون أن ميول الرجل حسب ثقافته فرنسية فلما صارت إليه وزارة المعارف أدركوا أن هناك خطرًا على الثقافة الإنجليزية قد يصيبها مع وجود هذا الوزير. وهنا فقط تذكروا أن طه حسين أديب كبير، يستحق الدعوة إلى أنجلترا والضيافة على الحكومة البريطانية والمعهد البريطاني والتكريم بالألقاب الجامعية من جامعات بريطانيا.. فقط عندما صار وزيرًا للمعارف! إن الاستعمار يخشى على حبائله في وزارة المعارف أن. تتكشف أو تتزعزع .. !!!
وعن سيطرة رجال المخابرات الأجنبية والأمريكية على وجه الخصوص على الصحف والمجلات في
مصر، وتوجيهها لها لتخدم مخططات أولئك الأعداء يقول : إن الصحف المصرية إلا النادر القليل مؤسسات دولية، لا مصرية ولا عربية، مؤسسات تساهم فيها أقلام المخابرات البريطانية والأمريكية والمصرية والعربية أخيرًا!! مؤسسات تحرر صفحات كاملة فيها بمعرفة أقلام المخابرات هذا لتروج دعايتها في أوساط الجماهير،
مؤسسات تخدم الرأسمالية العالمية أكثر مما تخدم أوطانها وشعوبها الفقيرة، وهذا هو السر في أن الدولة لا تفرض عليها القيود التي تفرض على الكتب. لأن وراءها أقلام المخابرات ومصالح الرأسمالية العالمية، وهي كفيلة بأن تسندها وتذلل لها العقبات وتفسح لها الطريق، لنشر دعايتها المستوردة في أطراف البلاد العربية جميعًا
نكتفي هنا بهذه النماذج لهجومه على أمريكا، وكشفه لمكرها ومؤامراتها، وتفنيده لأفكارها، لأن هدفنا هو جمع كلامه المتفرق في المقالات والكتب عن أمريكا، وسيقف القارئ على تحليلاته الصائبة في القسم الثاني من هذا الكتاب بإذن الله.
فتوى الشيخ محمد حسان عن سيد قطب رحمه الله 2004-02-27
المصدر / الكاتب : الموقع
ما رأيكم في مقالات الشهيد -بإذن الله- سيد قطب لماذا أعدموني؟
الجواب :
(( هو قيد بكلمة (بإذن الله) والتقييد دقيق لأننا ذكرنا قبل ذلك بأنه لا ينبغي أن نحكم في الدنيا بالشهادة لأحد أبداً ولو مات بين أيدينا في ميدان القتال، وإنما نقول: نرجو الله -عز وجل- أن يكون من الشهداء وبإذن الله نرجوه أن يكون عنده من الشهداء، هذا كلام مهم جداً؛ لأن كلكم يعلم قصة الرجل في الصحيحين الذي مات في ميدان القتال وكان قائد الميدان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأثنى الصحابة على بلائه ثم قال -عليه الصلاة والسلام- : (هو في النار)) إلى آخر الحديث المشهور المعروف.
فنسأل الله -عز وجل- أن يجعل الشيخ سيد قطب -رحمه الله- عنده من الشهداء فهو الرجل الذي قدّم دمه وفكره وعقله لدين الله -عز وجل- نسأل الله أن يتجاوز عنه بمنه وكرمه، وأن يغفر لنا وله وأن يتقبل منا ومنه صالح الأعمال، وأنا أُشهد الله أني أحب هذا الرجل في الله مع علمي يقيناً أن له أخطاء وأنا أقول: لو عاملتم يا شباب شيوخ أهل الأرض بما تريدون أن تعاملوا به الشيخ سيد قطب فلن تجدوا لكم شيخاً على ظهر الأرض لتتلقوا العلم على يديه لأن زمن العصمة قد انتهى بموت المعصوم محمد بن عبدالله وكل كتاب بعد القرآن معرض للخلل {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا}.
لذا فأنا أحب هذا الرجل مع علمي ببعض أخطائه وأقول ومَن مِن البشر لم يخطئ؟ (فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وأذكر يوم أن كنت أدرس لطلاب كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود في القصيم ويوماً استشهدت بفقرة للشيخ سيد قطب -رحمه الله- فردّ عليّ طالب من طلابنا فقال:يا شيخ قلت: نعم، قال: أراك تكثر الاستشهاد بأقوال سيد قطب. قلت : وهل تنقم عليّ في ذلك؟ قال: نعم، قلت: ولم؟ قال: لأنه كان فاسقاً. قلت: ولم؟ قال: لقد كان حليقاً، فقلت: يا أخي إن الإسلام في حاجة إلى شعور حي لا إلى شعر بغير شعور، مع أنني ما كنت ولن أكون أبداً ممن يقللون من قدر اللحية بل أنا الذي أقول إن إعفاء اللحية واجب لأن الأمر في السنة للوجوب ما لم تأت قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب ((اعفوا اللحى)) ((وفروا)) ((ارخوا)) الأمر للوجوب إذا لم تأت قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب لكن أقول: لا ينبغي أن نزن بهذه القسمة الضيزى رجل وأسعد قلبي سعادة غامرة أخ حبيب من أخواني الدعاة الكبار ، وقال لي: بأن عنده صورة للشيخ سيد قطب وهو بلحية كثة ولكنه حلق مع هذا البلاء الذي صبّ على رأسه في السجن والمعتقل فلا ينبغي على الاطلاق أن نزن الناس والمناهج بهذا الظلم، رجل زلّ أخطأ في الظلال أو في بعض كتبه لا ننكر ذلك لكن لا ينبغي الاطلاق، أن ننسف جهد الرجل وأن نتهمه والعياذ بالله بالضلال يعني (ما نيش حسمي كتب] لن أسمي كتاباً الآن لكن هناك كتب تزيد عن المائتين صفحة تنقد سيد قطب وهذا أمر عادي جدا ما فيش فيه أي حرج لكن الكاتب لم يترحم على سيد قطب مرة واحدة ثم قال بالحرف: [سيد قطب ضال مضل] هذا ظلم ظلم ظلم بشع، وبعدين كاد قلبي يخرج من صدري وأنا أقرأ في الفهارس لهذا الكتاب عنواناً جانبياً في الفهرس يقول: (سيد قطب -يعني عنوان خطير جدا جدا- سيد قطب يدعو إلى شرك الحاكمية] قلت: دا الرجل ما ماتش إلا عشان القضية دي دا لم يعدم سيد قطب إلا من أجل قضية الحاكمية فهذا ظلم - يعني مجرد العنوان نفسه ظلم قمة في الظلم رجل زل في مبحث الأسماء والصفات آه نعم زل زل سيد قطب في مبحث الأسماء والصفات وزل غيره من أئمتنا الكبار النووي -رحمه الله- الحافظ ابن حجر -رحمه الله- الزركشي قصدي ابن الأثير زل في مبحث الأسماء والصفات نكفر ونضلل ونفسق ونبدع هذا منهج منحرف، الكلام دا كله مع من يشار إليهم بأنهم أصحاب المنهج الحق الصحيح إنما إوْعَ تسحب الكلام دا على المبتدعين أصلا. لا .رجل مبتدع آه نحذر منه ونوبخه ونبكته ونبين ضلاله ونبين فسقه ونبين بدعته دونما الحاجة إلى أن نبين محاسنه لا ما نبينش محاسن هو مبتدع أصلا وضال ، محاسن إيه اللي نبينها خلّ بالك من الكلام دا، الميزان دا في غاية الدقّة عشان ما تختلطش بين الأمرين إنما رجل الأصل فيه أنه على منهج أهل السنة فلا أن أظهر المحاسن وأن أبين أخطاءه برفق وأدب، بنية إظهار الحق وإبطال الباطل إنما رجل مبتدع رجل والعياذ بالله على بدع شركية أقوم يجي واحد يقول لي يا شيخ من الظلم أنك ما تبينش محاسنه لا دا من العدل ألا أبين محاسنه لو كانت له محاسن بل ينبغي أن أبين خطره وأن أحذر منه دونما التدليس على الناس بأن لهذا الرجل محاسن. واضح الفرق ، يا أخوانا بين دي ودي هذه مهمة جدا عشان ما تخلطش وتتلخبط تطلع برى وتقول الشيخ قال كذا وكذا كلام واضح جدا بيّن ، فرق بين هذين الصنفين والنوعين
يا أخ يحيى سيد قطب اديب .. لا نطعن بنية الرجل ولا بصدقه و،، ولا نقول لشخص انه معصوم ،، ولا نقول ان اخطاءه كفر ،، ولا نكفره ولا نطعن به كشخص .. نحن ضد بعض ما نشره من افكار وليس كلها ،، اما تزكية الرجل بهذا الشكل والثناء عليه بهذا الشكل فهذا غير معقول ،، كون الرجل لم يصل الى درجة عالم على الاقل فضلا على ان يكون افضل من ذلك
نسأل الله له المغفرة والرحمه لكن رفع الرجل بهذا الشكل ودعوة الناس الى الاقتداء به ليكون قدوة فهذا خطأ ،، لانه كما اسلفت انت بكلامك ونقلك انه كل انسان يخطئ ولكن خطأ العالم الاجتهادي يختلف عن خطأ غير العالم في امور محسومه مسبقا
والكلام في سيد قطب ما هو الا بسبب اخطائه اما عمله فبينه وبين ربه لا شك في ذلك ونرجو الله له الرحمه والجنه