من روائع سيد: قصة مريم وعيسى عليه السلام في القرآن
من روائع سيد: قصة مريم وعيسى عليه السلام في القرآن - من روائع سيد: قصة مريم وعيسى عليه السلام في القرآن - من روائع سيد: قصة مريم وعيسى عليه السلام في القرآن - من روائع سيد: قصة مريم وعيسى عليه السلام في القرآن - من روائع سيد: قصة مريم وعيسى عليه السلام في القرآن
من روائع سيد: قصة مريم وعيسى عليه السلام في القرآن
فها هي ذي في خلوتها , مطمئنة إلى انفرادها , يسيطر على وجدانها ما يسيطر على الفتاة في حمامها ! ولكن ها هي ذي تفاجأ مفاجأة عنيفة تنقل تصوراتها نقلة بعيدة , ولكنها بسبب مما هي فيه أيضا :
ولئن كنا نحن نعلم أنه " الروح الأمين " فإنها هي لا تعلم إلا أنه رجل . وهنا يتمثل الخيال تلك الفتاة الطيبة البريئة , ذات التقاليد العائلية الصالحة , وقد تربت تربية دينية وكفلها "زكريا " بعد أن نذرت لله جنينا .. هذه هي الهزة الأولى .
** " قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً " . ثم ليتمثل الخيال مرة أخرى مقدار الفزع والخجل , وهذا الرجل الغريب – الذي لم تثق بعد بأنه رسول ربها , فقد تكون حيلة فاتك يستغل طيبتها – يصارحها بما يخدش سمع الفتاة الخجول , وهو أنه يريد أن يهب لها غلاما , وهما في خلوة وحدهما . وهذه هي الهزة الثانية .
ثم تدركها شجاعة الأنثى تدافع عن عرضها :
**" قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً " . هكذا . صراحة , وبالألفاظ المكشوفة. فهي والرجل في خلوة والغرض من مباغتته لها قد صار مكشوفا – فما تعرف هي بعد كيف يهب لها غلاما , وما يخفف من روع الموقف أن يقول لها : " إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " فقد تكون هذه خدعة فاتك كما قلنا – فالحياء إذن ليس يجدي , والصراحة هنا أولى .
" قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً “. ثم ماذا ؟ ..
ثم تمضي القصة في طريقها, لنرى هذه العذراء المسكينة في موقف آخر أشد هولا: " َحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً . فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً " . وهذه هي الهزة الثالثة .
فلئن كانت في الموقف الأول تواجه الحصانة والتربية والأخلاق بينها وبين نفسها , فهي هنا وشيكة أن تواجه المجتمع بالفضيحة ؛ ثم هي تواجه آلاما جسدية بجانب الآلام النفسية . تواجه الألم الجسمي الحاد الذي " أجاءها " إجاءة إلى جذع النخلة , وهي وحيدة فريدة , تعاني حيرة العذراء في أول مخاض , ولا علم لها بشيء . ولا معين لها في شيء, فإذا هي قالت: " يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً " .
فإننا لنكاد نرى ملامحها , ونحس اضطراب خواطرها , ونلمس مواقع الألم فيها :
" فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّا ً" . وهذه هي الهزة الرابعة . والمفاجأة العظمى . وإنا لنكاد نحن – لا مريم – نهب على الأقدام وثبا , روعة من هذه الهزة وعجبا : طفل ولد للحظة , يناديها من تحتها , ويمهد لها مصاعبها , ويهيئ لها طعامها , إلا إنها الهزة الكبرى !.
ونحسبها قد دهشت طويلا , وبهتت طويلا قبل أن تمد يدها إلى جذع النخلة تهزه ليساقط عليها رطبا جنيا – لتتأكد على الأقل , ويطمئن قلبها لما تواجه به أهلها... " فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ" .! لتطمئن الآن مريم , ولتنتقل الهزات النفسية إلى سواها .
" قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً . يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً " .
إن الهزة لتطلق ألسنتهم بالسخر والتهكم على " أخت هارون " ! وفي تذكيرها بهذه الأخوة ما فيه من مفارقة , فهذه حادثة في هذا البيت لا سابقة لها " مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً " .
" فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ " .
ويبدو أنها كانت مطمئنة لتكرار المعجزة هنا ؛ أما هم فما عسى أن نقول في العجب الذي يساورهم , والسخرية التي تجيش بها نفوسهم , وهم يرون عذراء تواجههم بطفل , ثم تتبجح فتشير إليه ليسألوه عن سرها : " قالوا : كيف نكلم من كان في المهد صبيا ؟ ولكن ها هي ذي المعجزة المرتقبة : " قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً . وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّا ً" .
لولا أننا قد جربنا من قبل, لوثبنا على أقدامنا فزعا, أو لسمرنا في مواضعنا دهشا, أو لفغرنا أفواهنا عجبا ؛ ولكننا جربنا ؛ فلتفض أعيننا بالدمع من التأثر , والأعين تدمع للانتصار , وفي هذه اللحظة نسمع في لهجة التقرير , وفي أنسب فرصة للإقناع والاقتناع :
" ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ . مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ . وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ" .
قال تعالى : ( وننزل من القرأن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزد الظالمين إلا خسارا )
في بداية ورديتي لهذه الليلة صارت قصة مع مراقبي وأذنابه خارج إطار العمل فنكد علي وسم بدني ، ولكن لما قرأت موضوعك أخ يحيى وما كابدته ستنا مريم من معاناة ومن ألام نفسية وبدنية ذهب الهم والنكد عني .
فعلا لقد تعرضت ستنا مريم لإبتلاء عظيم يوازي إبتلاء الأنبياء إن لم يكن أكثر ، حيث اتهمت في شرفها ورغم ذلك صبرت وثبتت على الحق .
اللهم ارزقنا الهدى والتقى والثبات ، واجعل القرأن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء همومنا
( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد )
( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين )