شبهات حول فكر سيد قطب (9) - شبهات حول فكر سيد قطب (9) - شبهات حول فكر سيد قطب (9) - شبهات حول فكر سيد قطب (9) - شبهات حول فكر سيد قطب (9)
شبهات حول فكر سيد قطب (9)
د. محمد أبو صعيليك
11- اتهامه بمهاجمة الفقه الإسلامي:
اتهم الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى بمهاجمة الفقه الإسلامي والدعوة إلى إلغائه، وجعلت هذه الشبهة أمراً يؤخذ على فكره. وفي التعبير عن هذه الشبهة يقول الأستاذ محمد توفيق بركات: "لقد هوجم سيد قطب على موقفه من الفقه كما لم يهاجم في أي موقف من مواقفه، من قبل الكثير من المشتغلين بهذا العلم ناشئة ومدرسين، وشاركه في ذلك بعض ممن يظن به الود للكاتب المجاهد رحمه الله، فضلاً عن بعض أهل الصلاح وبعض أهل السوء، وكان أعنف هجوم عليه هو ما نشره الدكتور وهبة الزحيلي في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية، حيث اتهمه في مقالة (المعتدون على الفقه الإسلامي) بأنه يسعى الى القضاء على الفقه، وإلى إهدار الجهود الكبيرة التي بذلها الفقهاء على مدار القرون".
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي: "إن فكرته المحورية؛ أنه يرى المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعاً جاهلياً، يرفض حاكمية الله تعالى، ولا يعترف بمنهجه ضابطاً للحياة، ومقتضى هذا أنه ليس بمجتمع مسلم، ومن ثم كان التفكير في استفراغ الوسع، وبذل الجهد وعصر الذهن بحثاً عن حلول لمشكلاته القائمة والمتجددة في ضوء الأدلة الشرعية، ووفق المعايير الأصولية والفقهية عبثاً أو هزلاً، فالواجب أن يسلم هذا المجتمع أولاً، ويفهم معنى لا إله إلا الله التي ينطقها أفراده، وتدوي بها مآذنه، فإذا دخل في الإسلام أمكنه أن يجتهد لحل مشكلاته في رحابه، ولهذا يرى أن الدعوة إلى الإسلام لا يجوز أن تكون بتقديم أسس النظام الإسلامي، فضلاً عن تفصيلاته للناس، وتقديم حلوله لمشكلاتهم من خلال اجتهاد معاصر سواء كلياً أو جزئياً، فردياً أو جماعياً".
ويعود الأستاذ توفيق بركات إلى حصر التهم الموجهة إلى الأستاذ سيد قطب في مسألة الفقه كما يلي:
1- السعي إلى القضاء التام على الفقه واصفاً إياه بفقه الأوراق والدعوة إلى ما يسمى بفقه الحركة.
2- نقد التقسيم الفقهي إلى عبادات ومعاملات.
3- الدعوة إلى تجاوز الفقه والبدء بالاجتهاد من نقطة الصفر إن صح التعبير.
والحق أن المؤسف في المسألة هو كلام الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، لأنه أولى الناس بالقيام بالدفاع عن فكر الأستاذ سيد قطب، لكنه سامحه الله قد حشر نفسه في زمرة خصومه وللأسف، ولذا فإننا نرد على الاتهامات التي وجهت إلى الأستاذ سيد قطب في موضوع الفقه كما يلي:
1- يقول الأستاذ توفيق بركات: "أما بالنسبة لاتهامه بمحاولة القضاء على الفقه، فإن هذه تهمة باطلة، يكشف زيفها لمن يدرس في ظلال القرآن على وجه الخصوص، بالإضافة إلى الإسلام ومشكلات الحضارة، وخصائص التصور الإسلامي".
2- ويقول: "فهو يعتبر الفقه ثمرة طبيعية لحياة المجتمع الإسلامي في ظل الإسلام، ويعتبره استجابة طبيعية للمشكلات الواقعية في ذلك المجتمع".
3- ويقول الأستاذ سيد رحمه الله: "لقد نشأ الفقه الإسلامي في مجتمع مسلم، ونشأ من خلال حركة هذا المجتمع في مواجهة حاجات الحياة الإسلامية الواقعية"، ويقول أيضاً: "وحين يستجيب الناس أو الجماعة منهم لهذا القول، فغن المجتمع المسلم يكون قد بدا أولى خطواته في الوجود، وهذا المجتمع يكون حينئذ هو الوسط الواقعي الحي الذي ينشأ فيه الفقه الإسلامي الحي ينمو لمواجهة حاجات ذلك المجتمع المستسلم لشريعة الله فعلاً".
4- في الرد على دعوى إهمال الفقه الإسلامي؛ يقول الأستاذ سيد رحمه الله: "إن هذه ليست دعوة لإهمال الفقه الإسلامي، وإهدار الجهود الضخمة العظيمة التي بذلها الأئمة الكبار، والتي تحوي من أصول الصناعة التشريعية، ومن نتاج الأحكام الأصلية، ما يفوق من نواح كثيرة، كل ما أنتجه المشرعون في أنحاء العالم".
5- وحول علاقة الفقه بالمجتمع الإسلامي؛ يقول الأستاذ سيد: "إن تلك الثروة الضخمة من الفقه الإسلامي، قد ولدت ونشأت يوماً بعد يوم في مجتمع إسلامي، يواجه الحياة بعقيدته الإسلامية، ومنهجه الإسلامي، ويعترف ابتداء بحاكمية الإسلام له".
6- ويضيف الأستاذ سيد قطب شرطاً لشروط الاجتهاد، لم يذكره العلماء، لأنهم كانوا يعيشون في مجتمع إسلامي، وهذا الشرط هو وجود المجتمع الإسلامي الذي يجتهد فيه، ويحل الفقه الإسلامي مشاكله، وهذا الشرط يشاركه في القول به ناقده الشيخ القرضاوي الذي يقول: تحت عنوان: "شروط يجب أن تتوافر لصلاحية الشريعة للتطبيق في عصرنا الحاضر":
1- "العودة إلى الإسلام كله: في طليعة هذه الشروط العملية أن يؤخذ الإسلام كله، ونعني به أن تكون تعاليم الإسلام هي الموجهة لكل نواحي الحياة والقائدة لكل مؤسسات المجتمع".
2- ويقول أيضاً: "علينا لكي ينجح التشريع الإسلامي في حياتنا الجديدة، أن نهيئ له الفرد المسلم الذي يؤمن بعدالة التشريع، ويحتكم إليه راضياً مسلماً، والقاضي المسلم الذي يؤمن بقدسية هذا التشريع، ولا يتلاعب بنصوصه طمعاً في دنياً أو اتباعاً للهوى، والسلطة التنفيذية المسلمة التي تقوم على حراسة هذا التشريع، وتطبيقه بلا محاباة ولا مداهنة ولا وهن".
ولا أود الإكثار من القول عن كتاب القرضاوي، بل أحيل إلى فصل في كتابه شريعة الإسلام، عنوانه "التحرر من ضغط الواقع"؛ يقرر فيه ما يقرره الأستاذ سيد رحمه الله.