وقد حظيت العنصرية بأكثر من تعريف لا تخرج كلها عن الاعتقاد بوجود تمايز وفروقات بين بني البشر تعزى للانتماء لعرق أو جماعية إثنية ما، ويترتب على هذا التعريف الاعتقاد بوجود جماعات عرقية أو إثنية أدنى منزلة من الناحية الإنسانية والاجتماعية من مجموعات أخرى مما يبرر لخضوعها لمعاملة مختلفة، وهو ما اتفقت الإنسانية على تسميته ب(التمييز العنصري).
وقد شهدت البشرية صنوفا مختلفة من أشكال العنصرية أبرزها وأقبحها على الإطلاق تجارة الرقيق التي كانت سائدة حتى وقت قريب وعانى ويلاتها وعذاباتها الأفارقة السود لقرون طويلة، وغني عن القول أن أشكالا عصرية من العنصرية لا تزال تمارس في مختلف أنحاء العالم على الرغم من الترسانة الضخمة من المواثيق والاتفاقيات الدولية لمكافحة العنصرية التي تواضعت عليها الإنسانية ومن أهمها الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري و إعلان وبرنامج عمل ديربان الذي صدر عن المؤتمر العالمي لمكافحة التمييز العنصري في عام 2001م وغيرها.
إننا في معهد جنيف لحقوق الإنسان إذ نحتفي بهذه المناسبة نثمن كثيرا اختيار المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة السامية لموضوع هذا العام الذي جاء عن دور الرياضة في مكافحة العنصرية، فالرياضة من الأنشطة العالمية العابرة للإثنيات والأعراق وهي تشترك مع مبادئ حقوق الإنسان العالمية في قيم التسامح والمساواة وعدم التمييز وقد عبر عن هذا التوافق الميثاق الأولمبي الذي ينص على "أن الفكر اﻷوﻟﻤﺒﻲ يهدف إﻟﻰ جعل اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ وسيلة للتطور اﻟﻤﺘﻨﺎﺳﻖ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺑﻐﻴﺔ إﻳﺠﺎد ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﺴﻮدﻩ اﻟﺴـﻼم وﻳﻌﻨﻰ ﺑﺎﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ الكراﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎنية ".
إن ساحات الرياضة وملاعبها ومنافساتها لا تخلو للأسف من مظاهر العنصرية رغم تناقض ذلك مع جوهر الروح الرياضية، وربما كان تسليط الضوء على هذه الظاهرة يعني ضمنا الإقرار بدور كبير يمكن أن تلعبه الرياضة في مكافحة العنصرية وكما قال الأمين العام في كلمته بمناسبة هذا اليوم "علينا أن نتكاتف جميعا من أجل القضاء على العنصرية، والرياضة هي أحد السبل التي يمكن أن تعين على بلوغ هذا الهدف".
إن معهد جنيف لحقوق الإنسان يضم صوته لخبراء حقوق الإنسان المعنيين بمكافحة العنصرية في دعوتهم "لركل العنصرية خارج الملاعب" ويدعو معهم جميع العاملين في المجال الرياضي لاتخاذ إجراءات صارمة ونافذة ضد كل مظاهر العنصرية في المجال الرياضي تمهيدا لمحاربتها في كافة المجالات، ونتمنى أن يعود علينا العام القادم وعالمنا خال من كل أشكال العنصرية المنتنة تسود فيه قيم المساواة والكرامة الإنسانية المشتركة فكل بني آدم قد "ولدوا أحرارا".