مخيم تل الزعتر . . خطى في النار , و الوجهة فلسطين - مخيم تل الزعتر . . خطى في النار , و الوجهة فلسطين - مخيم تل الزعتر . . خطى في النار , و الوجهة فلسطين - مخيم تل الزعتر . . خطى في النار , و الوجهة فلسطين - مخيم تل الزعتر . . خطى في النار , و الوجهة فلسطين
في الحادي و الخمسين من تل الزعتر . . . في الفراق من تل الزعتر . .
في تل الزعتر لا يزال الصمود مستمر حتى اللحظة . . لا تزال الجثث تقاوم حتى اللحظة . . لا تزال الارادة الفلسطينية تعلم الدنيا و متاريسها معنى الصمود ..
**من هو ابن مخيم الزعتر **
أن تكون ابن هذا المخيم يعني أن تجبرك نفسك على تحدي القهر بجميع أشكاله، وعلى الصمود في وجه أي عاصفة، وعلى الشعور بالدفء حتى وأنت ترتدي الملابس الرثة والممزقة، وأن تشعر بالشبع ومعدتك تئن من الجوع، وأن تقبل على التهام وجبة «مجدرة» ذات رائحة كريهة، أو صحن فاصولياء بيضاء مطبوخة بلحم معلبات «البوليبيف» من مطعم وكالة الغوث، وكأنك تلتهم خروفاً دسماً، وأن تلسع روحك حرارة جدران «الزينكو» صيفاً، وتوقظك قطرات المطر شتاء، وأنت تحلم بالملائكة من سقف ترى النجوم من ثقوبه.. أن تكون طفلاً رضعت من ثدي أمك الإيمان بحقك في العودة، إذن عليك أن تتحمل هذه المعاناة، وتكون أكبر من أي طفل في العالم.
هكذا فدائيو الزعتر ، وهكذا عاش احمد الزعتر . وها هم الشهداء يحملون معهم ذكريات هذا المخيم الذي يعشقون ، و يحملون معهم نزيف ذكريات مجزرة كانت من أبشع المجازر التي عرفها التاريخ، و تحمل ما جدات المخيم في ارواحها الندوب التي تركتها هذه المجزرة قبل أن تتركها على اجسادهم .
** ايام الصمود ... ايام الحصار **
عندما تعجب كل العالم من صمود الفلسطيني ,, خرج الفلسطيني ليقول : " فعل ارجالنا ماهوه عجيبة
... الفلسطيني فدا بالكتيبة " ... الفداء مستمر .. و ابطال نهج الكفاح المسلح يعلمون كلاب القمع و ليس الردع معنى القتال ... يعلمون اذيالهم الانعزاليين , من هو الفلسطيني .. يعلمون الدنيا كيف يحافظ الشعب الفلسطيني شعب ابو عمار على وجوده و قراره ...
شعبك شعبك يا بوعمار صامد صامد ما بينهار ... خاضو معركة القرار ..معركة البندقية
في تل الزعتر ...* العدس يغمس بالعدس *
كان القصف والحصار يشتدان مع كل يوم، كما كان يشتد على الأهالي العطش والجوع، فلم يتبق في البيوت ما يؤكل، وارتفع صراخ الأطفال الجياع، فخاطر المقاتلون في إحدى الليالي في تنفيذ عملية فدائية ليقتحموا مخزناً على أحد أطراف المخيم، كان عبارة عن «براد» لحفظ لحوم الخراف المثلجة، و«حرروا» الخراف كلها قبل توزيع لحومها بالتساوي على الأهالي، وانقلبت صرخات الأطفال إلى ضحكات وفرح كأن العيد قد هلّ. التهمنا اللحم بعد طبخه على مواقد الحطب، فقد كان الغاز والكاز قد نفدا في ظل الحصار. لم تدم فرحة «العيد» طويلاً، قضينا على اللحم كله، وعاد الأطفال إلى الصراخ من جديد، فما كان أمام المقاتلين إلا التخطيط لتنفيذ عملية فدائية جديدة، فاقتحموا مخزناً جديداً، لكنه كان هذه المرة لتخزين العدس. وكما وزعوا اللحوم بالتساوي على الأهالي، فعلوا الأمر ذاته مع العدس. مرت أسابيع طويلة ونحن نتناول ما لا يخطر في البال من وجبات العدس؛ الأمهات جرشته وعجنته وخبزته على شكل أقراص على «الصاجات». كنا نغمس «خبز العدس» بالعدس المطبوخ، حتى نفدت آخر قطرات الماء من البيوت، وما عاد ممكناً طبخ العدس، فاقتصر الطعام على أقراص العدس المشوية على «الصاج».
في تل الزعتر* الماء بنكهة الجثث*
أسوأ ماعاناه المخيم كان العطش، جراء استيلاء، أو سيطرة، القوات الانعزالية الفاشية على كل مصدر مياه في المخيم. كانت الأمهات يتسللن ليلاً إلى داخل المخيم من أطرافه، وكن يعرفن أماكن الحفر التي كان الأهالي قد أعدّوها سابقاً لتجهيز ملاجئ، وكانت هذه الحفر قد تحولت إلى مستنقعات مياه عادمة. ومع ذلك، كانت الأمهات يقمن بانتشال كميات من هذه المياه، ومن ثم تصفيتها بأقمشة ناعمة مرات عدة، قبل غليها باستخدام مواقد الحطب، ليسقينها بعد ذلك لأطفالهن.
كانت ثمة طريقة أخرى لجلب المياه من آبار في أطراف المخيم، لكن مياهها كانت آسنة وملوثة، واحتاجت للمرور العملية ذاتها من التصفية والغلي. وكانت أمي من النسوة اللواتي كن يجلبن الماء من الحفر والآبار، وتكتفي بتبليل شفاهنا بالماء المصفى، لكن ذلك لم يقنا الإصابة بأمراض جلدية ظهرت على أجسادنا، كما كان حال باقي من شربوا هذه المياه. غير أن ثمن جلب الماء من بئر كان أكبر من ذلك في كثير من الأحيان، إذ استشهد عدد من الآباء والأمهات قنصاً وهم ينتظرون دورهم ساعات عدة في الليل من دون التمكن من العودة بالماء إلى أطفالهم، في حين سقطت جثث بعضهم في داخل البئر جراء تعرّضهم للقنص وهم ينتشلون الماء. ولم يمنع ذلك الأهالي من مواصلة انتشال الماء المختلط بجثث الشهداء ودمائهم.
*** اليوم الاخير . . .الخروج الى الموت ** المجزرة الكبرى ***
استمر هذا الوضع حتى جاء اليوم المشؤوم، الخميس 12 آب 1976، يوم سقوط قلاع المخيم كلها بعد خدعة انطلت على الصليب الأحمر الدولي، قبل أن تنطلي على منظمة التحرير الفلسطينية. طالبت مكبرات الصوت في الليلة السابقة الأهالي بإخلاء المخيم عند العاشرة من صباح الخميس، مع التأكيد على أن شاحنات الصليب الأحمر سوف تتولى نقل جميع السكان إلى بر الأمان. لم يكن أمام الأهالي إلا التصديق وكأن الفرج قد وصل من السماء لإنقاذ من تبقوا في قيد الحياة وسط جحيم المخيم. ولم ينم أحد من الأهالي وهم يجمعون ما خفّ وزنه من حاجات بانتظار الصباح. المقاتلون حلقوا ذقونهم، واستبدلوا زيهم العسكري بملابس مدنية، وخبأوا أسلحتهم في أماكن يسهل الوصول إليها.
وقبل موعد وصول شاحنات الصليب الأحمر بساعتين، اشتعلت جميع أطراف المخيم بالنيران، وانكشفت المؤامرة الكبرى لمخطط القتلة، فسارع المقاتلون إلى بنادقهم المخبأة، واستبسلوا في صد الهجوم المباغت على المخيم، لكن كل ما تبقى لديهم من ذخيرة لم يكن كافياً للقتال لفترة أطول، فاستشهد كثير منهم في ذلك اليوم، وبدأ الأهالي مغادرة المخيم سيراً، جماعات جماعات، لكن بخطى متثاقلة منهكة، فقد تركوا وراءهم خيرة الشباب ممن صمدوا أمام الهجوم على مداخل المخيم.
و تقول احدى المقاتلات في تل الزعتر لحظات الخروج :ودعتني أمي مع شقيقتي الكبرى من دون أن تذرف دمعة واحدة، وقد تركت وراءها شقيقها الوحيد وأبناءه الستة شهداء في المخيم. جملة وحيدة قالتها في أثناء الوداع «سلمتكم لله»، وسحبت إخوتي الأربعة الأصغر سناً، ولدين وبنتين، من أيديهم، وغادرت مع بقية الأهالي، والشيء الوحيد الذي حملته أختي الصغرى ذات الأعوام الستة، كان كيساً يحتوي بعض صور العائلة. كانت أمي تدرك أن بنتيها ليستا أفضل من أبناء شقيقها وباقي الشباب ممن ظلوا يقاتلون مصرّين على الدفاع عن المخيم حتى الرصاصة الأخيرة، بخاصة أن معظم أبناء المخيم وبناته كانوا تلقوا تدريباً على استخدام السلاح.. ابن خالي عدنان، المقاتل الشرس، أعطاني وشقيقتي تعليمات حازمة عن كيفية حماية نفسينا، وأوصانا بأن نبقي طلقة واحدة في سلاح كل منا، وفي حال لم نستشهد وحاول القتلة اغتصابنا فعلى كل منا أن تطلق رصاصتها الأخيرة على رأسها. وعندما اكتشف بعد فترة من القتال أنني كنت في لحظة انفعال شديدة، ولم يتبق في سلاحي أو جعبتي حتى رصاصة أخيرة، أصرّ على مغادرتي واللحاق بأمي، في حين بقيت شقيقتي مع المقاتلين.