مطاريد هذا الزمان - مطاريد هذا الزمان - مطاريد هذا الزمان - مطاريد هذا الزمان - مطاريد هذا الزمان
مطاريد هذا الزمان
الأحد، 07 تموز 2013 02:16
فهمي هويدي
في اتصال هاتفي سألتني الطالبة الفلسطينية التي لا أعرفها: هل صحيح أنّنا سنُطرد من مصر؟ صدمني السؤال. فقلت على الفور إنّ ذلك لا يمكن ولا أتصور وقوعه تحت أيّ ظرف في مصر. عندئذ ردّت البنية بصوت مسكون بالجزع قائلة إنّ شائعة الطرد منتشرة بين زميلاتها الفلسطينيات، ولأنهن أصبحن بعد الثورة يعاملن معاملة جافة وسيئة من زميلاتهن المصريات، فقد أصبحن على استعداد لتصديقها، ومنهن فتيات جمعن أغراضهن وجهّزنها تحسّباً لاحتمال صدور تعليمات مغادرة البلاد!
تملّكني شعور بالخزي بعدما انتهت المكالمة الهاتفية، حيث ما خطر لي على بال أن تروج في مصر شائعة بهذا المضمون، وأن يكون بعض الفلسطينيين على استعداد لتصديقها، لكن يبدو أنّ حالات الشيطنة والتعبئة المضادة سمّمت أجواء العلاقة بين المصريين والفلسطينيين إلى ذلك الحد الذي جعل ما كان مستبعدا ومستحيلا أمرا ممكنا وواردا.
بعد يومين من ذلك الاتصال قرأت ضمن شريط الأخبار الذي بثّه التليفزيون المصري أنّه تم ضبط خلية من أربعة أشخاص ينتمون إلى حركة حماس في مصر الجديدة ومعهم أسلحة معدّة للاستخدام في عمليات إرهابية. استوقفني الخبر وحرصت على متابعته في الأيام التالية، لذلك ظللت أبحث في الصحف عن إحالة إلى النيابة أو أقوال للمتهمين في التحقيقات أو صور للأسلحة التي تم ضبطها أو حتى صور لأعضاء الخلية، لكنني لم أجد أثرا لكل ذلك، من ثم قررت بذل جهد خاص لتحرّي الأمر واستجلاء حقيقته، لأن وجود خلية من حركة حماس تضم أربعة مسلحين بالقاهرة في ظروف الاحتقان الراهنة أمر خطير ينبغي التدقيق فيه. بعد البحث والتحرّي مع أطراف عدة تبيَّن ما يلي:
* إنّ الأشخاص أربعة من أبناء قطاع غزة، أحدهم طالب يدرس الهندسة بإحدى الجامعات الخاصة، كان يسكن مع قريب له يعمل بالتجارة، وقد استضافا فلسطينيين آخرين يعملان بالتجارة أيضا.
* الطالب الفلسطيني وقريبه يسكنان في حي المقطم، حيث مقر جماعة الأخوان، وهو ما لفت إليهما الأنظار، وحين استضافا الفلسطينيين الآخرين فإنّ الشكوك ثارت حولهم.
* حين تمّت مداهمة الشقة التي يقيم فيها الجميع، دون إذن من النيابة، كان في ضيافتهم زميل دراسة مصري أطلق سراحه، وحين تمّت مراجعة جوازات سفر الفلسطينيين الأربعة تبيّن أنّ إقامتهم بمصر منتهية، كما تبيّن أنّ الضيفين جاءا من غزة ودخلا عبر معبر رفح أحدهما في شهر أيار الماضي والثاني في شهر شباط من العام الحالي.
* أحيل الأربعة إلى النيابة بتهمة حمل جوازات مزورة، لكن النيابة تحققت من أوراقهم ورفض النائب العام التهمة، فتمّت إعادتهم إلى قسم شرطة المقطم في 24/6. بعد ذلك أحيلوا إلى مصلحة الجوازات والجنسية فحوّلتهم إلى جهاز الأمن الوطني في اليوم التالي مباشرة 25/6.
* بعد الاطلاع على أوراقهم قرر جهاز الأمن الوطني إبعادهم إلى غزة في 26/6 فتمّت إعادتهم إلى قسم شرطة المقطم تمهيدا لترحيلهم إلى القطاع.
* ظل الأربعة محتجزين في قسم شرطة المقطم نحو سبعة أيام بانتظار الترحيل الذي لم يتم بسبب الاضطرابات التي تسود سيناء، ولم تكن هذه هي المشكلة الوحيدة لأنهم في محبسهم تعرّضوا لمعاملة غير إنسانية جعلتهم يحاولون بأيّ طريقة السفر إلى أيّ مكان مستعد لاستقبالهم.
* استطاع أهلهم أن يدبّروا لهم تذاكر سفر إلى ماليزيا، فغادروا القاهرة يوم الجمعة 5 تموز، الأمر الذي خلّصهم من عذاب الحبس، لكنه وضعهم أمام مشكلة جديدة لأنهم لا يستطيعون العودة إلى موطنهم في غزة إلاّ من خلال القاهرة!
الخلاصة أنّ خبر الخلية الإرهابية كان مكذوبا وملفّقا من أساسه، لأنه لو كانت هناك شبهة اتهام أو إدانة، خصوصا في الأجواء الراهنة، لما سمح لهم بالسفر ولحوَّلت صحافتنا الحبّة إلى قبّة، ولكن المشكلة أنّه لم تكن هناك حبّة من الأساس.
ترى، ما هي الجهة التي تحرص على ترويع الفلسطينيين وإهانتهم وتلفيق التهم لهم في مصر؟ وما مصلحتها في ذلك؟ ولماذا لا يكون هناك موقف سياسي واضح يوقف هذه الإهانات؟ معلوماتي أنّ هناك أطرافا في جهاز الأمن الفلسطيني لا تزال تكيد لحكومة قطاع غزة ولا تكفّ عن تشويه سمعتها ومحاولة الإيقاع بها. كما أنّ هناك أطرافا في الأجهزة الأمنية المصرية، لها أذرعها في الوسط الإعلامي، تكره الفلسطينيين وتتأفأف من المقاومة ولا تطيق سماع اسم حماس بسبب علاقتها بالأخوان، وتلك الأطراف انتعشت في الآونة الأخيرة لأسباب مفهومة، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عن الجهة التي يمثّلها هؤلاء وإلى أيّ مدى يرتبطون بالدولة العميقة التي لم تكفّ عناصرها يوما عن الدسّ وإشاعة الكراهية بين المصريين والفلسطينيين، في إهدار واضح لكل المعايير الوطنية، فضلاً عن الأخلاقية.