أبو العتاهية في ذم الدنيا - أبو العتاهية في ذم الدنيا - أبو العتاهية في ذم الدنيا - أبو العتاهية في ذم الدنيا - أبو العتاهية في ذم الدنيا
أبو العتاهية في ذم الدنيا
د . علي العتوم
ما نحنُ إلاّ كَرَكْبٍ ضَمَّهُمْ سَفَرٌ
يوماً إلى ظلِّ أَيْكٍ ثُمَّ نَفتَرِقُ
ولَنْ يُقِيمَ على الأسلافِ غابِرُهُمْ
كأنَّهم بِهِمُ مِنْ بعدُ قَدْ لَحِقُوا
أُخَيَّ إنَّا لَفِي دارٍ نَصَبُّ بِها
جَهْلاً ونحنُ لَها في الذمِّ نَتَّفِقُ
دارٌ لَها لُعَقٌ ما زالَ ذائِقُها
يَغَصُّ فيها بِها طَوْراً ويختَنِقُ
إذا نظرتَ إلى دنياكَ مُقبِلَةً
فلا يَهُمَّكَ تعظيمٌ ولا مَلَقُ
الحمدُ للهِ حمداً لا انقطاعَ له
ما يُعْظِمُ الناسُ إلاّ مَنْ لَهُ وَرِقُ
آمال الزجّاجي، تحقيق عبد السلام هارون، ط1 1382هـ ص54-55.
تعليقات:
1. التعريف:
أبو العتاهية: إسماعيل بن القاسم (130-212هـ). وقد مرَّ شيءٌ من ترجمته، شاعرٌ من شعراء العصر العبّاسي، اشتهرَ بزُهدياته مقابل أبي نواس الذي اشتهرَ بمجونه وخمرياته.
2. المعاني:
سفر: بفتح الفاء مصدر الفعل سافر، أي ارتحلَ. أيك: شجر كثير مُلتَفّ، جمعُ أيكة، قال تعالى: (وأصحابُ الأيكةِ وقومُ تُبَّعٍ، كُلٌّ كَذَّبَ الرسلَ فحَقَّ وعيدِ). الأسلاف: السابقون، الماضون، المتقدِّمون جمع سلف. غابرهم: ماضيهم. من بعدُ: من بعد ذهابهم أو هلاكهم. أُخيّ: تصغير أخي، وهو تصغير تحبُّب. نَصَبُّ بها: نتعلّق بها، نتعشَّقُها. لُعَق، لعقة: لُقَم، جمع لعقة، وهي أخذ لقيمات من الطعام. يغصُّ فيها: لا يسوغ طعامه وشرابه، ينشب شيءٌ منه بحلقه. طوراً: حيناً. مُقبلةً: مبسوطةً بنعيمها. تعظيم: مدح وإكبار. ملق: مدح وتزلُّف. لا انقطاعَ له: مستمرّ، مدد. وَرِق: فضّة ومال عامّة، قال تعالى: (فابعثوا أحدَكُمْ بورَقِكُمْ هذه إلى المدينة، فلْيَنْظُرْ أيُّها أزكى طعامٍ فلْيأتِكُمْ برزقٍ منه).
3. ما يستفاد من الأبيات:
أ. الدنيا متصرِّمة، وأيامها قليلة ذاهبة أنَّى طالت فهي إلى انتهاء شأنها شأن القوم المسافرينَ، ولا بُدَّ أنْ يفترقوا يوماً بعدَ أنْ اصطحبوا لفترة. وإنما هي كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ قالَ تحت شجرة ثُمَّ راح وتركها).
ب. العجبُ منّا نحن بني البشر أنَّنا طالما تشبَّثنا بهذه الحياة الفانية الهزيلة، مع أنّنا جميعاً متّفقونَ على ذمّها وهجائها والتألُّم منها وذكر مصائبها.
ج. الدنيا على الرغمِ من أنها حلوةٍ خَضِرة وجذّابة، وأننا نتعلق بها تعلُّقاً شديداً، إلاّ أنها لا تصفو لأحدٍ، فطالما مَنْ نالَ منها لُقَماً، غَصَّ بها واختنقَ منها. فحلاوتها مخلوطة بمرارة وسعادتُها ممزوجة بشقاوتها.
د. على الإنسان أنْ لا يغترَّ بالدنيا مهما انفتحت عليه، أو انبسطَتْ له على السواء، وأنْ لا ينخدَعَ بكثرة المادحينَ له مدحَ إكبارٍ أو مدح ملقٍ، فكُلّ ذلك عَرَضٌ زائلٌ وإقبالٌ إلى إدبارٍ.
هـ. سبحان الله، إنَّ طبيعة الناس في هذه الحياة الدنيا أنّهم لا يُكبِرونَ أو يُعظِّمونَ إلاّ مَنْ بيده مالٌ أو جاهٌ أو سلطانٌ، رجاء الانتفاع منه بشيء، وهو أنَّى عَظُمَ زهيدٌ.
ومن شعر أبي العتاهية في العِفّة والترفُّع عن السؤال قوله:
أ. أتدري أيُّ ذُلٍّ في السؤالِ
وفي بذلِ الوجوهِ إلى الرِّجال
ب. يَعِزُّ - على التَّنَزُّه - مَنْ رعاهُ
ويستغني العفيفُ بغيرِ مالِ
ج. إذا كانَ السؤالُ ببذلِ وجهي
فلا قُرِّبْتُ من ذاكَ النَّوالِ