ساعة من ساعاته . - ساعة من ساعاته . - ساعة من ساعاته . - ساعة من ساعاته . - ساعة من ساعاته .
ساعة من ساعاته .
.د. ديمة طارق طهبوب
-
والثلج يتساقط ليلة الاثنين، ويملأ الدنيا بالبياض والصفاء الذي اشتاقت له قلوبنا التي أرهقها
انحباس المطر وسوء الأوضاع والأخلاق؛ تذكرت ما تقوله جدتي دائما "ساعة من ساعاته تقضي حاجاته" أي ساعة استجابة من الله تقضي حاجات الإنسان، وهذا ما تؤكده السنة من وجود أوقات مستجابة يستحب فيها تكثيف الدعاء والإلحاح على الله، ومنها الثلث الأخير من الليل وعند نزول المطر وبعد الصلاة ويوم الجمعة وغيرها.
وما بين يوم الجمعة المشمس إلى حد القيظ وليلة الاثنين الباردة حد التجمد، ليس أكثر من أمر الله المطاع النافذ في السموات والأرض بأن كن فيكون.
طرفة ينظر الله بها لعباده يغمرهم برحمة لا عذاب بعدها، ومثلها رمقة غضب قد يستجلبونها بطغيانهم وتجاوزهم لا تقوم لهم بعدها قائمة، والناظر في أحوال البشر والدنيا وتقلبات الأيام يوقن بأن النذر تصبحنا وتمسينا، وكلها اكتملت في عصرنا كما يقول الحديث: "إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ فَقِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ إِذَا كَانَ الْمَغْنَمُ دُوَلًا وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ وَارْتَفَعَتْ الْأصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلُبِسَ الْحَرِيرُ وَاتُّخِذَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ أَوْ خَسْفًا وَمَسْخًا"
والكيس من اتعظ بها ولم يتمن على الله الأماني مع سوء عمله، الا أن إحسان الظن بالله من شيم الإيمان، ولعل استمرار إحسان الله للعبد مع إقامته على السيئات يكون واعظا له للرجوع فتستحي نفسه أن يكون خير الله إليه نازلا وشره إلى الله صاعدا.
لقد صلينا الاستسقاء ونحن نرجو رحمة الله وغفرانه، ولكن الاستسقاء والتوبة والأوبة يجب أن يكون حالنا الدائم مع الله، وأن نداوم له على ما يحب حتى يعطينا ما نحب وزيادة، فلا نعبده عبادة التجار الذين يبذلون الشيء بالشيء، حتى إذا حصلوا بغيتهم عادوا إلى سابق عهدهم كما قال الشاعر:
كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي نسيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة وما سقطنا لأن الحافظ الله
ننساه بعد نجاح في امتحان غد وإن رسبنا وأكملنا دعوناه
وإنما نعبده عبادة الأحرار الذين يؤثرون محبته ورضاه على الدنيا بما فيها.
يحكى أن حاتم الأصم قال لأولاده ذات يوم إني أريد الحج وكان فقيراً، فبكوا وقالوا: إلى من تتركنا؟ فقالت ابنته الصغيرة لهم: اسكتوا دعوه فليس هو برزاق إنَّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين، فاقتنعوا بكلامها وأذنوا له بالسفر فلما سافر باتوا جياعاً ليس عندهم ما يأكلونه وجعلوا يوبخون البنت، فدعت بسرها قائلة: "اللهم لاتخجلني بينهم".
ومر يومان على هذه الحالة وهم يزدادون جوعاً، وبنفس الوقت يزدادون توبيخاً لهذه البنت المؤمنة الواثقة بربها، وفي الوقت الذي كانوا فيه على هذه الحالة كان أمير البلد الذي هم فيه خارجاً في رحلة للقنص والصيد، وبعد انتهائه من الرحلة وبالتحديد عند دخوله أول البلد شعر بعطش شديد وأراد أن يشرب الماء، لكن وافق أن جميع المياه التي في الموكب نفدت واشتد به العطش، فقال لأحد جنوده اذهب إلى هذا البيت واطلب منهم شربة ماء، فامتثل الجندي الأمر وطلب شربة ماء للأمير، ووافق أن أهل هذا البيت هم أهل حاتم الأصم، ولما ناولوه الماء وشربه الأمير فاستطعمه وكأنه يشرب الماء لأول مرة من شدة العطش؛ نوى الأمير أن يكافئ أهل الدار الذين سقوه الماء فسأل: بيت من هذا؟
فقال له أحد حاشيته إنه بيت حاتم الأصم يا مولاي. وأخبره إنه ذهب للحج ولم يترك لأهل بيته النفقة الكافية، وما إن سمع الأمير بهذا الخبر حتى رمى الحزام المذهب الذي كان يلبسه وقال لأصحابه: من أحبني فليفعل مثل فعلي. فرمى حاشيته كلهم أحزمتهم الغالية، فجاء أحد التجار واشتراها كلها بمال جزيل، فاستغنى أهل حاتم الأصم، وطارت زوجة حاتم وبناتها من الفرح ولم يصدقوا ما حل بهم من تحول من فقر مدقع إلى غنى فاحش إلا البنت الصغيرة فإنها جلست تبكي!!
فقالت لها أمها مستغربة: ما يبكيك وقد وسع الله علينا؟
فقالت: مخلوق نظر إلينا نظرة واحدة فاستغنينا، فكيف لو نظر الله إلينا؟
حقا.. ساعة من ساعاته تقضي حاجاته.