«لا تحسبن الله غافلاً..» - «لا تحسبن الله غافلاً..» - «لا تحسبن الله غافلاً..» - «لا تحسبن الله غافلاً..» - «لا تحسبن الله غافلاً..»
«لا تحسبن الله غافلاً..»
السبيل
.الجمعة، 16 آذار 2012 02:01..
د. صلاح الخالدي
ما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي من مآسي ومذابح ومجازر، علي أيدي الظالمين والمجرمين، من المسؤولين وزبانيتهم، يصيب المسلم البصير بمزيد من الحزن والأسى والألم، فليس قليلاً على النفس والمشاعر والأعصاب مناظر المذابح والدماء والأشلاء التي تبثها الفضائيات المختلفة عبر مراسليها ومصوريها.
وقد رأيت قبل أيام مناظر مؤلمة لمذابح وحوش سوريا الظالمين ضد الشعب المظلوم في (باب عمرو) في حمص وغيرها، وقصفهم المسجد في منطقة (إدلب) ومناظر الدماء تغطي جدران وسجاد وممرات المسجد، فازداد حزني وألمي.. وذهبت إلى الصلاة في المسجد، وألهم الله الإمام - وإمامنا يعيش مآسي الأمة، ويناصر المظلومين وهو حرب على الظالمين - أن يقرأ آيات من سورة إبراهيم، وفتحت أذني وقلبي وروحي ومشاعري، وتفاعلت مع تلك الآيات التي تلاها في الصلاة، وفي مقدمتها قوله تعالى: }ولا تحسبنّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار..{ (إبراهيم: 42)، وسرحت مع الآيات، ونزلتها على الواقع المأساوي الذي يرسمه الظالمون في كل مكان.. وأكمل إمامنا الأمر بالقنوت في الركعة الأخيرة، ودعا دعاء حياً مخلصاً، وخرجت كلمات الدعاء والتضرع من قلبه.. وكان للمظلومين في الشام وغيرها نصيب من قنوته، ووجّه (سهام) دعواته على الظالمين والمجرمين..
وعدت إلى البيت وأنا (مشبع) باستحضار مشاهد مآسي ومجازر الظالمين، و(تنزيل) إشارات هذه الآية عليها.. وكلما استعرضت في شعوري وخيالي مشهداً مؤلماً حزيناً؛ كنت أردد الآية: }ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون..{.
الأمر خطير، والظالمون يزدادون ظلماً وإجراماً واعتداء، والشعب المظلوم المسحوق يزداد حرماناً، والحقوق تُؤكل، والأرواح تُزهق، والدماء تُسفك، والمستشفيات تُفتح، والسجون تُملأ..
وينسى الظالمون - في غمرة بطشهم - قوة الله وبأسه، ويمعنون في الظلم والإجرام، ويأتيهم أمر الله من حيث لم يتوقعوا ولم يحتسبوا، ويفاجأون بأخذه لهم، وهذا ما ورد صريحاً في قوله تعالى: }وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد..{ (هود: 102).
وهذا ما أكده الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته..).
الخطاب في قوله تعالى: }ولا تحسبنّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون{ للرسول صلى الله عليه وسلم في الظاهر، لكنه في الحقيقة ليس له، لأنه لا يمكن أن يحسب ويظن رسول الله صلى الله عليه وسلم لحظة أنه يمكن أن يغفل الله عن جرائم الظالمين..
المقصود بالخطاب في (لا تحسبن) كل مسلم - ذكراً كان أو أنثى - على اختلاف الزمان والمكان، خاصة إذا كان هذا المسلم يعيش حالة ظلم صارخة حادة، انتفش فيها المسؤولون الظالمون.
تقول هذه الآية الحكيمة لكل مسلم مظلوم يتابع مآسي ومجازر سوريا: لا تحسبن - أيها المسلم الحزين المتألم - الله غافلاً عن أعمال الظالمين، ولهم يوم أليم شديد عند الله، وسيأخذهم الله وهم في قمة ظلمهم وإفسادهم وبطشهم وعدوانهم..
أخذ الله ظالم تونس الطاغية وهو في قمة سلطانه وغطرسته، وأخذ الله ظالم مصر الطاغية وهو في قمة عدوانه وإفساده، وجعله عبرة لمن يعتبر، يُجرّ جراً على سريره ما بين السجن والمحكمة.. وأخذ الله طاغية ليبيا المتألّه.. وأخذ الله طغاة كباراً أو صغاراً، ودعانا إلى الاعتبار.
وظالم الشام لن يكون في نجاة، وسيحل به ما حل بالظالمين من قبله.
يا أحبابنا من أهل القرآن من أبنائنا وبناتنا، الذين يتابعون الأحداث بحيوية، ويشاهدون جرائم الظالمين بتفاعل، ويحزنون ويتألمون لما يحدث للشعوب المظلومة في الشام وغيرها.. نتلو عليكم هذه الآية، وندعوكم إلى رؤية الأحداث الخطيرة المؤلمة من خلالها المعرفة حقائقها الصادقة الموصية:
أيها المسلم الكريم أينما كنت: (لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون).. الله موجود، وهو الفعّال لما يريد، وهو الكبير المتعال، ولا يحدث أي شيء في الكون إلا بإذنه، وكل ما يصدر عن الظالمين المجرمين من جرائم إنما هو بعلم الله.
إن الله العليم الحكيم يعطي هؤلاء الظالمين الطغاة فرصة، ليقيم عليهم الحجة، وهو يستدرجهم من حيث لا يعلمون، وهو يملي لهم إملاءً، فإذا جاء أمره أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
أما المظلومون المعتدى عليهم؛ فإن الله يأجرهم على مصائبهم، ولا يضيع لهم عملاً ولا صبراً ولا احتساباً.
نوقن يا أحبابنا أن الله عليم حكيم، وأن قدره نافذ ماض، وأن الظالمين هم الخاسرون، وأن المظلومين مأجورون، وأن الحق هو المنتصر في النهاية.