كلُّ شيءِ في وطني جميلْ ، أرضُها وسماؤها ، بحرها وترابها ، أهلها وطيورها، كل شيء فيها من الجنّة ، مسكٌ عبقها ، عنبرٌ ناظرها ، زاهيةٌ بالاحمرار شوارعها ، حتى الحدائق تبكي ندىً طلاً ، لا يندثر مع الريح ...
كل شيءِ في وطني مختلفْ ، فيها الصيامُ عن الذُّل ، والسحور على القنابل ، فيها القذائف تنهمر ، والمآذنُ تنفجرْ ، لا ندري بأيّ ألغامْ !ّ هل تنفجر من نارِ العدى ، أمْ من قهرها طولَ المدى !
كل شيءِ في بلادي يزدهي ، فحمائمها أرواحُ أطفالٍ قتلتها آلةُ الغدر ، وطفولتها تُستباح في وضح النهار ، ألعابهم شظايا الصواريخ ، وملاعبهم بين المقابرِ تنتشر ، حتى البكاءُ هناكَ حرام ، فصغيرهمْ بألف رجل !
كل شيءٍ في بلادي مختلف ! حتّى الصلاة هناكَ ستّ ، فجر عشاءٌ ثمّ جنازة ، كل زاويةٍ فيها شهيد من عارِ دنيانا أخذَ الإجازة ، كل شاطئٍ فيها عنيد ، عصيٌّ الدمعِ رفض احترازه ...
كل شيءٍ في بلادي أجمل ، الصلاة ، والحياة ، البكاءُ والشهادة ، الرمل والبحر الدمْ والبيّارات ، البرتقال والكرزُ المروي بدمائنا ، الكنائس والمعابِد ، المنازل والمساجِد ...
كل شيءٍ في وطني سليب ، الحبُّ والعيشُ فيها ، حتى نظراتُنا إليها جريحة ، حتى اللقاء بها فضيحة ، كل شيءِ فيها مختنقْ ، حتّى الطفولة تختنق ، مكممةٌ أفواهها ، ومعصبةٌ عيناها ، مكبّلة يداها ، مدفونةٌ فيها الأفراح ...
حتّى الطفولة في بلادي محرّمة ، واللعبُ فيها جريمة ، والمرح فيها إرهاب ، أطفال بلادي كلهم قتلة ، لا يستحقون الحياةْ ، ابتسامتهم مكسورة ، أحلامهم مبتورة ، آهاتهم مقهورة ، في كلّ مكانِ إلا الجنّة ...
أطفالُ بلادي رفضوا الحياةَ هنا ، والتقوا بمنْ يحبهم ويحبونه ، بمن يرحمهم ويعطف عليهم ، أطفال بلادي يطيرون أعلى من الأباتشي ، ويحلّقون أكثر من الـ F16 ، أطفالُ بلادي طيورٌ أجناحها لا تذبُل ، ومحياهمْ لا يحزنْ ، وطفولتهم لن يسرقها أحدْ ، فهي منحةٌ من الله ، لهم وفقط ! لا لغيرهم ...
أطفال بلادي يسابقون المدافع ، ويمرحون مع الألغام ، ويعشقون شظايا الصواريخ ، لعلهم يخترعون بها لعبةً تسلّيهم ، أو يتخيلون بها سلاحاً يحميهم ، أطفال بلادي يعيشون الحرمان من كلّ شيءٍ سوى الجوع ، محرومون من كلّ شيء سوى الرجولة ، ينقصهم كلّ شيء سوى العزة ...
ألمْ أقلْ لكم ! كل شيءِ في بلادي مختلف ، حتى بلادي ليست من الأرض ، ليس ترابها من وحشية البشر ، وليس نسبها من عارِ العرب ، وأيُّ عرب ؟ وأيُّ نسب ، فلسطين اليوم تتنكر لكم ، تنساكم كما تناسيتموها ، فلسطين اليوم تقتلكم وتحاصركم كما حاصرتموها ، فلسطين اليوم تنتصر ، وتتحرر من الخيانة والذل المتجذر فيكم ، فلسطين طاهرة وأنتم أنجاس ، فلسطين طيبة وأنتم أوباش ، فلسطين ، وأي كلامٍ سيدركُ حضرتها ، حتى الكلام عنها مختلف ، حتى البكاء عليها وأنا أكتب هذه الكلمات الآن مختلف ...
كل شيء في بلادي مختلف ،،،
" حتّى الظلامُ هناك أجملْ ... فهو يحتضنُ فِلَسطين "
كتائب الشهيد عز الدين القسام أذاعت بيانا قبل قليل باللغتين العربية والعبرية ينص على أن المقاومة ستقصف تل أبيب تمام الساعة 9 مساءً بصاروخ غزيّ الصنع من نوع J80 . كما دعت الكتائب كل الصحافة والكاميرات للتصوير وتحدت اسرائيل وقبتها الحديدية بإسقاط ولو صاروخ واحد .