أسرى القدس - أسرى القدس - أسرى القدس - أسرى القدس - أسرى القدس
علي شلالدة .. أسير مقدسي يصارع الموت منذ 19 عاماً
"نفحة، عسقلان، جلبوع، هداريم، النقب، عوفر، ريمون، الدامون، شطة، مجدو، بئر السبع، أوهلي كيدار، وهشارون والرملة ..." تعددت الأسماء والسجون واحدة، من حيث الشكل والمضمون، وتقودها عقلية واحدة أيضاً ذات هدف واحد هو تحطيم الأسرى والقضاء عليهم نفسياً ومعنوياً، وحتى جسدياً إن أمكن، والأخطر إعدامهم عشرات المرات على طريقة إدارة سجون الاحتلال، وما أبشعها من طريقة.
وما يُسمى مستشفى سجن الرملة، هو واحد من تلك السجون، لا يختلف عنها بشيء، بل ربما هو أقسى في بعض الأحيان، فإدارة السجون تطلق عليه اسم "مستشفى "، وهو في حقيقة الأمر أبعد ما يكون عن ذلك، وتشبيهه بذلك يعتبر إهانة لقدسية مهنة الطب، فإدارة سجون الاحتلال تمارس من خلاله أشد أنواع التعذيب وتعتبره إحدى محطات الانتقام بهدف التضييق على الأسرى المرضى ومساومتهم واستغلال آلامهم وليس معالجتهم، بل تصل الأمور إلى استغلال "المشفى" للانتقام منهم وتحطيم معنوياتهم ومفاقمة معاناتهم وتركهم فريسة للأمراض الفتاكة والخطيرة.
وتلك المعاملة السيئة واستغلال أمراض الأسرى أدت إلى استشهاد العديد من الأسرى الذين رحلوا عنا وللأبد بعد رحلة عذاب شاقة داخل ذاك "المستشفى"، وهناك العشرات ممن يقبعون هناك منذ سنوات طويلة تجاوزت العشر سنوات ... بانتظار المجهول.
علي حسن عبد ربه شلالدة أسير مقدسي تجاوز الستين عاماً من العمر، وهو واحد من الأسرى القدامى، اعتقل منذ التاسع من آب / أغسطس 1990، وصدر بحقه حكماً بالسجن الفعلي لمدة ( 25 ) عاماً، واليوم يدخل عامَه العشرين ويقترب من تدوين اسمه قسراً على قائمة الشرف والبطولة قائمة " عمداء الأسرى " .
قضى شلالدة تسعة عشر عاماً في الأسر متنقلاً ما بين هذا السجن وذاك، بدأها في سجن "المسكوبية" بالقدس المحتلة، ليمر على سجون "السبع والرملة وشطة"، ومن ثم "عسقلان وهداريم ونفحة"، إلى أن أصبح وأمسى زائراً كثير الحضور في عيادات السجون الكثيرة، الفقيرة إلى الأدوية، ومع تدهور وضعه الصحي أضحى مقيماً دائماً في ما يُسمى "مستشفى سجن الرملة" منذ قرابة اثني عشرة عاماً.
" أبو حسن" أسير مقدسي مجموعة كبيرة من الأمراض منذ سنوات طويلة، دون رعاية تذكر، ودون تحسن ولو طفيف، بل على العكس أوضاعه الصحية تزداد سوءاً وتدهوراً، وأصبح جسده فريسة سهلة لمداهمة الأمراض بمختلف أسمائها ومسمياتها، فالظروف المعيشية السيئة والأوضاع الصحية الأسوأ وطول سنوات الاعتقال كفيلة بأن تجعل من الأصحاء مرضى، وتضع المرضى في مواجهة وصراع دائم مع الموت، وأسيرنا يعاني من أمراض عدة، فهو يعاني من أزمة قلبية حادة، وأكثر من ثلثي الرئتين عاطل عن العمل حسب تقرير طبيب "المستشفى"، وهو مصاب بمرض السكري، والضغط، وانتفاخ دائم في الرجلين، كما يعاني من التهابات مزمنة في اللثة والأسنان وتحديداً في الفك الأيسر .. وربما أكثر وأخطر من ذلك فيما لو أتيح له إجراء فحص طبي شامل.
الولادة والنشأة والانتماء:
ولد الأسير " علي شلالدة" في الخامس من يناير عام 1948، وتزوج مرتين وله ثمانية أبناء وأربع بنات، اعتقل في التاسع من آب / أغسطس عام 1990، بتهمة الإنتماء لحركة فتح، والمشاركة في عمليات المقاومة، وأصدرت إحدى المحاكم العسكرية بحقه حكماً بالسجن الفعلي لمدة ( 25 عاماً) قضى منها (19 عاماً)، وخلال فترة اعتقاله تزوج بعض أبنائه وبناته وأصبح جداً وله أكثر من عشرين حفيداً.
بانتظار المجهول، والبحث عن أمل مفقود:
الأسرى المقدسيون فلسطينيون في الزنازين وفي غرف السجون يعانون ما يعانيه باقي الأسرى، و"إسرائيليون" في صفقات التبادل وفي إطار الإفراجات السياسية، هكذا تتعامل معهم سلطات الاحتلال، التي اعتبرت سجنهم والأحكام الصادرة بحقهم "شأناً داخلياً"، ولا يحق لأية جهة فلسطينية كانت أم عربية المطالبة بهم ، فاستثنتهم من صفقات التبادل وقفزت عنهم في المفاوضات، وبقيت قضيتهم رهينة في قبضة الاحتلال يتحكم بها كيفما تشاء.
علي شلالدة .. أسير يصارع الموت وسلطات الاحتلال ورغم عشرات المناشدات وتدهور صحته ترفض إدارة السجون الإفراج عنه، وهو ليس الأسير الأول الذي بات دائم الزيارة أو دائم الإقامة لسنوات طويلة في ما بات يسمى بـ"مستشفى سجن الرملة" ، فمن قبله الكثيرين أمثال رفاقه في الأسر وأبناء القدس المحتلة "اسحق مراغة، وعمر القاسم ومحمد أو هدوان ومجدي موسى وغيرهم " اقتيدوا سيراً على الأقدام وعادوا على الأكتاف محمولين جميعهم فارقوا الحياة والتحقوا بقائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة دون أن ينعموا ولو بيوم واحد من الحرية.
اقتيدوا سيراً على الأقدام وعادوا لبيوتهم ، لأحبتهم ، لقدسهم الحبيبة على الأكتاف محمولين، وكان آخرهم الشهيد الأسير المقدسي مجدي موسى "أبو إسماعيل" الذي عاد للقدس شهيداً في ديسمبر من العام الماضي بعد إقامة دائمة استمرت قرابة ثلاث عشرة عاماً في مستشفى سجن الرملة.
وفي النهاية نأمل أن لا يكون مصير " أبو حسن" كمصير رفاقه المذكورين آنفاً .. ونأمل أن يعود لبيته وأسرته سيراً على الأقدام كما اقتيد قبل تسعة عشر سنة، وينعم بقضاء ما تبقى له من العمر بين أهله وأحبته متنقلاً بين أزقة وشوارع القدس، وان ينال الشهادة فوق تراب القدس لا داخل سجون الاحتلال.
اسرى القدس - اسرى القدس - اسرى القدس - اسرى القدس - اسرى القدس
الأسير المقدسيّ محمود محمد أحمد عطون
بطل وحكاية
غرفته، سريره، مكتبته، صوره، أصبحت الحقائق الملموسة التي تثير شجون والدة الأسير محمود عطون، وتحنّ دومًا إليها عندما تشتاق لولدها الذي يفارقها بجسده، ولكن ذكرياته ووجوده الدائم في المنزل يجدّد الأمل والحياة والصبر في قلب والدته أم أحمد.
ما زالت غرفة محمود تنتظر عودته وسريره وصوره وشهادة التوجيهي وطاولته ومكتبته موجودة منذ 15 عامًا ولم يتغيّرْ عليها شيء منذ أنْ تركها لحظة اعتقاله.
وُلِد الأسير محمود محمد أحمد علي عطون بتاريخ 25/9/1970، واعتُقِل بعد مطاردةٍ في شارعٍ بين بيت لحم والقدس بتاريخ 3/6/1993، وتعرّض لتعذيبٍ استمرّ شهرين، وقضى 15 عامًا من مدة محكوميته البالغة ثلاثة مؤبدات و40 عامًا.
في سابقة غريبة.. الكنيست يفتح يوم السبت للإعلان عن اعتقال خليةٍ لحماس:
اعتُقل محمود لمشاركته في خلية الوحدة الخاصة لعز الدين القسام التابعة لحركة "حماس"، والتي قامت بخطف ضابط حرس الحدود "نسيم طوليدانو" من الرملة، وأحضروه لمنطقة الخان الأحمر في طريق أريحا، وذلك بهدف الإفراج عن أسرى حماس من سجون الاحتلال، وفي مقدّمتهم الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله-، وذلك عن طريق إبلاغ مجموعة هيئة الصليب الأحمر بعملية الخطف وشروطهم، في حينها رفضت سلطات الاحتلال طلبهم، وبعد يوميْن قتلت المجموعة الجنديّ، ثمّ استمرّت المجموعة في محاولات خطف الجنود، حيث قامت بقتل شرطيّيْن في الخضيرة بوادي عارة، ثم حاولوا خطف قائد حرس الحدود في بيت ليد في الداخل الفلسطينيّ المحتلّ عام 1948، وقد فشلت المحاولة حيث أطلقوا عليه الرصاص وأصابوه بعدة طلقات نارية، واستمرّوا على هذا النهج من أجل القيام بعمليات تبادل أسرى، وبعد مدةٍ تمّ إلقاء القبض على أفراد المجموعة، حيث كانت أول عملية خطف قامت بها المجموعة في تاريخ 21/11/1992، في حين تمّ اعتقال الخلية في عام 1993، مع العلم أنّه وللمرة الأولى في تاريخ حكومة الاحتلال تفتح الكنيست أبوابها يوم السبت من أجل الإعلان عن اعتقال الخلية.
ووصف والده أبو أحمد -الذي اعتُقِل عام 1998 لمدة عام على خلفية حيازته سلاحاً- أنّ قتل الجندي "نسيم طوليدانو" بأنّها العملية الأولى النوعية في تاريخ دولة الاحتلال والجهاد الفلسطينيّ التي تمّت على أيدي المجاهدين البواسل، فمن شدّة خطورتها هزّت الكيان في الداخل والخارج، وكان لها صدى كبير على مستوى التنظيمات المجاهدة والمقاومة في فلسطين، لأنّها عملية قام بها أبطال بواسل بشكلٍ فردي، فالمجموعة لم تقتلْ يهوداً مدنيين وإنما جنوداً يلبسون الزي العسكري في القدس والداخل.
مطاردة شرسة لبطل
وفي يوم اعتقال محمود، قدم عددٌ كبير من أفراد المخابرات إلى منزله، وقاموا بمداهمته وتفتيشه بشكلٍ دقيق جدًا، وتدمير كافة محتوياته وزجاج نوافذه والأثاث وألقت نحو عائلته الغاز المسيّل للدموع واعتدوا على أفرادها بالضرب المبرح.
ولكن حينها لم يكنْ محموداً في المنزل، وقد اعتقلوه بينما كان يقود سيارته نوع "فورد سيرا" في "رامات راحيل" بتل بيوت، حيث كانت جميع الشوارع حينها مرصودة من قِبَل أفراد المخابرات والشرطة، ففوجىء بسيارتيْ مخابرات تقوم بتعطيل حركة السير، ثم قامت بمحاصرته من كافة الجهات وألقت القبض عليه.
والأسير محمود معتقل حاليًا في سجن "إيشل" في بئر السبع، ويتعرّض للنقل من سجنٍ لآخر كلّ عام أو كلّ 15 شهرًا، وذلك منذ أنْ جرت عملية الهروب من سجن عسقلان من قِبَله ومن قِبَل محمود عيسى وماجد أبو قطيش ومروان ابو ارميلة وحافظ قندس، من وقتها لم يرَوْا بعضهم البعض حيث قامت إدارة السجن بتوزيعهم على سجونٍ مختلفة، فيما تعرّض محمود لعزلٍ انفرادي بعد ستّ سنوات من اعتقاله لمدة ثلاث سنوات في بئر السبع .ويعاني حاليًا من أوجاعٍ في المفاصل، ويعاني من مشكلةٍ في الرجل اليسرى (الركبة).
ومن الجدير ذكره أنّ الأسير محمود هو شقيق الأسير النائب أحمد عطون عن دائرة القدس والمعتقل منذ تاريخ 29/6/2006، وشقيق الأسير إياد الموقوف حاليًا في مركز شرطة المسكوبية منذ تاريخ 11/12/2007.
في عتمة الليل وتساقط المطر داهمت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال منزل الأسير عبد الجواد شماسنة (مواليد 23/2/1963)، وقامت بإخراج أفراد العائلة من المنزل ثم فتشت المنزل بدقة وبعثرت محتوياته، واعتدت بالضرب المبرح عليه ثم اعتقلته وزوجته الحامل وحماته وابنتها.
تصف زوجة الأسير عبد الجواد ليلة الاعتقال التي حفَرت في الذاكرة ذكريات مؤلمة وقاسية لا يمكن أنْ تمحى، بقولها: "لو بعد مائة سنة لن أنسى تلك الوجوه التي حقّقت معي، فلن أستطيع أنْ أنسى طوال عمري تلك الأيام التي قضيتها في السجن حيث كنت حاملاً بالشهر السابع بابني يوسف وعانيت الكثير وأولادي بسبب بعدي عنهم وسجن جدّتهم حيث لم يبقَ أحدٌ ليرعاهم، وانتابتني حالة من الذعر والخوف من قدوم المتطرّفين في أيّ لحظة إلى المنزل للانتقام من الأولاد، وفي عتمة الزنزانة لم أكنْ أعرف الليل من النهار ولا أوقات الصلاة، حيث سُجِنت وحماتي وشقيقتي في زنزانة واحدة مساحتها متريْن في ثلاثة أمتار وبداخلها حمام صغير مكشوف، لقد عشت الـ12 يومًا من الاعتقال في سجن المسكوبية وكأنّها دهر، ولم أتوقّع أنْ أخرج من الزنزانة".
وقالت: "لم يكترثْ المحقّقون بأنّي حامل بل قام المحقّقون بممارسة الضغط النفسي عليّ، وقاموا بتسجيل صوتٍ مشابه لصوت زوجي يعترف بمشاركتي معه في عمليات قتل يهود، ثم هدّدوني بخطف وقتل ابني أحمد إذا لم أعترف".
أمّا زوجها عبد الجواد الذي اعتُقِل في 12/10/1993 كانت معاناة مضاعفة حيث بقِيَ لمدة 48 يومًا في أقبية التحقيق، تعرّض خلالها للتعذيب، حيث شاهدته زوجته لدى خروجه من التحقيق وجسده مليء بالجروح، وأثناء محاكمته اعتدى عليه الحراس بالضرب المبرح أمام زوجته.
ووُجِّهت للأسير عبد الجواد تهمة قتل أربعة مستوطنين داخل مدينة القدس بالتعاون مع شقيقه محمد وشقيق زوجته إبراهيم، وحُكِم أربع مؤبّدات وعشرين عامًا، قضى منها حتى الآن قرابة خمسة عشرة عامًا، والجدير ذكره أنّ المتهمين الثلاثة ينحدرون من قبرية قطنا شمال غرب القدس، ويحملون هوية الضفة الغربية ولكنّهم اعتُبِروا من أسرى القدس لأنّ عملياتهم نفذت داخل مدينة القدس، كما أنّ قطنا تعتبر من قرى القدس.
والأسير عبد الجواد متزوّج ولديه ثلاثة أولاد وأربع بنات، وكان قد تعلّم حتى الصف السادس قبل اعتقاله، ثم حصل على التوجيهي في السجن، ولكنْ لم تظهرْ نتيجته في القوائم الناجحة، وحين سألت أسرته عن ذلك أبلوغها أنّهم لا يعرفون عن ذلك شيئاً ولا يوجد ملف باسمه.
وقد أصيب الأسير منذ تسع سنوات بمرضٍ مزمن في يسمّى "البهج" حيث أصابته تقرّحات في جسده، وقد أثّر هذا المرض على شبكيّة عينيه وأُجرِيت له عملية زراعة عدسة في عينه ويعاني حاليًا من ضعف نظر.
والأسير عبد الجواد معتقل حاليًا في سجن "رامون" المجاور لسجن نفحة، ومحروم من زيارة عائلته له، حيث لم تزرْه زوجته منذ عامٍ بسبب رفض سلطات الاحتلال إعطاءها تصريحاً لزيارته بدعوى أنّها مرفوضة أمنيًا، وقد قدّم لها زوجها طلبًا ولكن لا حياة لمن تنادي، وناشدت بدورها الصليب الأحمر ونادي الأسير عدة مرات من أجل مساعدتها في الحصول على تصريحٍ ولكن طلبها يُرفَض أمنيًا، كما أنّ ولديْه أجود وأحمد محرومان من زيارته منذ ستّ سنوات، ومنال وسناء لم تزراه منذ ثلاث سنوات.
وأمام هذا الواقع السيّئ لم يبقَ للزوجة إلا التضرّع والدعاء إلى الله أنْ يفكّ أسْره وأسْر كلّ معتقل في سجون الاحتلال، ويزيح هذه الغمامة عنهم وتراهم قريبًا محرّرين، مناشدةً كافة المسؤولين وكلّ إنسانٍ لديه ضميرٌ حيّ أنْ ينظر لقضية الأسرى بعين الاعتبار وبشكل جديّ.