قول الشيخ العوده ويضيف آخرون قصة كلبٍ آخر فقيه في السنة (!!) ولكنه عقور مرّ به شاب ذاهب إلى الصلاة بالغلس فوقف الشاب، فقال له الكلب: جز يا أبا عبد الله، فإنما أمرت بمن يشتم أبا بكر وعمر! ) .
أولا: القصة المذكورة ليست هكذا.
ثانيا: القصة مذكورة بإسناد فإذا كان مقال الشيخ من أجل بث روح التثبت من الرواية قبل نشرها فلماذا لم يرجع ليعلم من روى هذه القصة ثم ينظر في الإسناد ثم يردها حتى يتعلم من يقرأ للشيخ أن الباعث له على الكلام هو تقرير المنهج العلمي في تلقي الأخبار .
ثالثا: حتى هذه القصة ذكرها علماء لم ينهش الكلب عقولهم بل ذكرت في بعض كتب الاعتقاد، وإن كان من ذكرها قد أسندها وكما قيل: من أسند فقد أحال ،
لماذا هذه القصة بالذات يذكرها الشيخ وهو يعلم المتربصين بأهل السنة من الطائفة المذكورة في هذه القصة، وكذبهم على أهل السنة لا يحتاج إلى دليل، وكتبهم مملوءة بالخرافات ولم يذكر الشيخ عنهم قصة هنا
إلا أنني أتعجب لماذا هذه القصة بالذات يذكرها الشيخ وهو يعلم المتربصين بأهل السنة من الطائفة المذكورة في هذه القصة، وكذبهم على أهل السنة لا يحتاج إلى دليل، وكتبهم مملوءة بالخرافات ولم يذكر الشيخ عنهم قصة هنا،
حتى من باب الموازنة بين المصالح والمفاسد ، وبيان أن الكلاب لا تنهش عقول أهل السنة فقط ، بل هناك كلاب أخرى عقورة تنهش بعقول الطوائف المخالفة للسنة وسيساعده النقل والعقل وكل برهان في إثبات صحة كلامه، بدلا من طيرانهم فرحا بمقاله للتنفير عن أهل السنة مع أن المقالة لا تثبت الدعوى التي كتبت من أجلها .
رابعا: إسناد القصة التي ذكرها الشيخ ولفظها هكذا من باب الفائدة ، وليس إثباتا أو نفيا لها
قال الإمام اللالكائي رحمه الله:
2371 حدثنا علي بن محمد بن يعقوب أن الحسن بن عثمان قال حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم قال حدثنا عثمان بن سعيد الحداد قال حدثني محمد بن يوسف بسمتياط قال حدثنا أبو الصقر الخلاطي عن المعافى بن عمران قال قال سفيان الثوري قال:" كنت امرءا أغدو إلى الصلاة بغلس فغدوت ذات يوم وكان لنا جار كان له كلب عقور فقعدت انظر حتى يتنحا فقال لي الكلب جز يا أبا عبد الله فإنما أمرت بمن يشتم أبابكر وعمر"[6].
وقد رواه أبو نعيم من وجه آخر عن سفيان الثوري في ترجمته[7].
وأما قول الشيخ :" كلب آخر فقيه في السنة" !
فأنا والله أتعجب من الأسلوب ومن التعجب في الوقت ذاته، فعلى فرض صحة هذه القصة فهل هي تعني أن الكلب تفقه في السنة حتى صار فقيها من أهلها ، أم أن دلالتها- إن صحت- واضحة ؟!
وقد ذكرت فيما سبق أن للحيوان إداركا وقصة الذئب تقدم ما فيها من عجب
قال الشيخ العوده - غفر الله لنا وله- وحين يحتج معلق على هذه الأساطير؛ تنهال عليه الكلمات كاللكمات اتق الله، ربما تهوي بك هذه الكلمة في جهنم سبعين خريفاً!
وكأننا أمام نص قرآني، أو حديث متواتر، وكأن هؤلاء الناس غابت عندهم الفوارق بين الغيب المحقق المقطوع به، وبين الأساطير والخرافات والأوهام والأكاذيب) اهـ
مرة أخرى لماذا يصر الشيخ على أن هذه القصة أساطير مع أنها لا أساطير فيها؛ وجدنا لها سندا أو لم نجد، فلا يوجد فيها شيء مستنكر ، ثم هي لا تؤصل حكما كما سبق ولها شواهد شرعية كثيرة ، ثم على فرض ضعفها أيضا فليست أسطورة بالمعنى المتعارف عليه إذا أطلقت كلمة أسطورة فقد سبق كلام الذئب وغيره من الحيوانات وبكاء الجمادات بل وكلام الجمادات أيضا،
ففي صحيح مسلم (2277) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ".
وما أشار إليه الإمام النووي من أحاديث كلها صحيحة ، وهي أعجب من القصص التي استنكرها الشيخ سلمان ، فماذا سيقول من يقرأ كلام الشيخ، إذا سمع الأحاديث السابقة؟! هل سيقبلها أم سيستنكرها؟!
قوله تنهال عليه الكلمات كاللكمات اتق الله، ربما تهوي بك هذه الكلمة في جهنم سبعين خريفاً
هذا أعتبره إرهابا فكريا حتى لا يفكر أحد في الرد، وإذا رد يكون لطيفا في رده ، ولا أدري عن من يتكلم الشيخ هنا ، و أي صنف من الناس هؤلأ ، لا سيما وقد عمم ولم يستثن ، أما كون هذه الكلمة تهوي بالشخص في جهنم سبعين خريفا ، فنحن لا نحكم على معين بجنة ولا نار إلا من عينه الشرع ، مع التأكيد على خطورة الكلمة ، ونسأل الله أن يجعلنا من المتقين .
ثم لماذا ينطلق الشيخ في رده من مفاهيم غير صحيحة وليست موافقة لمنهج أهل السنة والجماعة وذلك بجعل ما يجب التصديق به ما أتى به نص قرآني أو حديث متواتر، وبوضع ما يتداوله الناس ويتلقوه من الأمور بين أمرين لا ثالث لهما:
( نص قرآني، أو حديث متواتر، وكأن هؤلاء الناس غابت عندهم الفوارق بين الغيب المحقق المقطوع به)
أوبين الأساطير والخرافات والأوهام والأكاذيب)
فهل ما ليس مقطوعا به لا يكون إلا (الأساطير والخرافات والأوهام والأكاذيب) ، وأين العلم الظني، وأين منزلة الحديث الصحيح غير المتواتر؟!
وأين القصص التي فيها بعض الضعف وتروى في الترغيب والترهيب بشروطها التي ذكرها العلماء – كما هو موضح في كتب مصطلح الحديث- ؟!
هل كل هذا يوضع في خانة(الأساطير والخرافات والأوهام والأكاذيب) ؟!
لماذا هذا التشديد فيما وسع فيه أئمتنا ، وليس في مثل هذه القصص فحسب بل حتى في الأحاديث، ومن المناسب ذكر بعض ما قاله بعض العلماء فيما يتعلق بهذه المسألة: وهي رواية الضعيف من الحديث فضلا عن قصة فيها عبرة ولا خطأ فيها ، ولا تثبت حكما شرعيا بل فيها عبرة وعظة تنتفع بها النفوس ولا ضرر منها،
أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُرْوَى وَيُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا فِي الِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ اعْتِقَادُ مُوجِبِهِ وَهُوَ مَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ ). اهـ من مجموع الفتاوى 18/65 وما بعدها .
وقال أيضا رحمه الله:
(وقال النوفلي: سمعت أحمد يقول: إذا روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام والسنن والأحكام شددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائل الأعمال وما لا يرفع حكما فلا نصعب) انظر: "المستدرك على مجموع الفتاوى" 2/78.
وقال رحمه الله : (والأئمة كانوا يروون ما في الباب من الأحاديث التي لم يعلم أنها كذب من المرفوع والمسند والموقوف وآثار الصحابة والتابعين لأن ذلك يقوي بعضه بعضا كما تذكر المسألة من أصول الدين ويذكر فيها مذاهب الأئمة والسلف .
فثم أمور تذكر للإعتماد وأمور تذكر للإعتضاد وأمور تذكر لأنها لم يعلم أنها من نوع الفساد ) اهـ من الصفدية 1/287
وقال أيضا: (لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يُعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب. وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقا) اهـ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 2/176
والكلام واضح لا يحتاج إلى شرح وهذا في الأحاديث المنسوبة لصاحب الشرع فما بالك بالقصص وغيرها،
وقد نص أيضا شيخ الإسلام في كلامه على ذلك ، وعمل السلف في مؤلفاتهم ومواعظهم أكثر من أن يحصى وأشهر من أن يذكر .
ولقد كان الشيخ يعيب على الغزالي مثل هذا التهويل في الرد على من يخالفهم ، واشتراطه في النصوص المحتج بها ما ليس بشرط كقطعية النص فيما لا يطلب فيه القطع ، ولذا أرى من المناسب تذكير الشيخ وأحبابه بكلام له من كتابه "حوار هاديء مع الغزالي"
قال الشيخ سلمان في الكتاب المذكور:
ثم قال- أي الغزالي-: (وأوصي الدعاة الذين يذهبون إلى كوريا ألا يفتوا بتحريم لحم الكلاب فالقوم يأكلونها، وليس لدينا نص يفيد الحرمة، ولا نريد أن نضع عوائق أمام كلمة التوحيد! وأصول الإسلام!).
فرد الشيخ سلمان عليه قائلا:[( ألم يصرح الرسول صلى الله عليه وسلم بنجاسة ريق الكلب كما روى البخاري ومسلم ويقول: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعاً أولاهن بالتراب)، إنه نجس مغلظ النجاسة لا يطهر إلا بسبع غسلات، إحداها مع التراب. . . فهل من معقول أن أهدر النص من أجل سواد عيون الكوريين؟
ومجاملة لأذواقهم وشهواتهم. . .
إذاً، كيف سيرد الشيخ على من يقولون: إن الخنزير المحرم في عهد النبوة إنما حرم بسبب سوء تغذيته وعدم العناية به، أما اليوم فالخنازير تطعم طعاماً فاخراً، ويعتنى بها من الناحية الصحية فلا تحريم فيها!
كيف سيجيب الشيخ؟ خاصة وأنهم سيقولون له: لا نريد أن نضع عوائق أمام كلمة التوحيد!! وهكذا يكون التحاليل على النصوص والتلاعب بها!
المهم أنه أصبح واضحاً أن الشيخ حين يرجح قولاً ما، لا يرجحه لأن الدليل معه، آية أو حديثاً أو استنباطاً على وفق الأصول المقررة، كلا، وإنما يرجحه لأنه لا يريد أن يوهن دينه أمام القوانين الوضعية.. . أو أنه لا يريد يغير شيئاً درجوا عليه وألفوه.
•وهو يدرك أنه خسر الاثنتين، فلا القوم أسلموا حين أذنا لهم بأكل لحوم الكلاب، وأعطيناهم فرصة تنصيب المرأة، ولا نحن حفظنا كرامة النصوص، ووقّرنا الإجماع المستقر. . . وهل يمكن أن يصدق أحد أن المانع لهؤلاء القوم من الإسلام هي هذه الجزيئات؟
إذاً فلن يهتدوا أبداً، لأن ثمت جزيئات ثابتة بالنص القرآني، سوف تصطدم مع قناعتهم وواقعهم وقوانينهم،
مثلاً: تحريم الخنزير –وهو نص صريح-، تحريم الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، تعدد الزوجات، نظام الطلاق، نظام الميراث. . . الخ.
•هل يشترط الشيخ في النص المعارض للقوانين العالمية أن يكون (قاطعاً)؟؟ إنه يقول:
(ولست أحب أن أوهن ديني أمام القوانين العلمية بموقف لا يستند استناداً قوياً إلى النصوص القاطعة)!!
لا مانع أن يختلف اجتهاد أهل العلم في المسائل الفرعية بناء على ثبوت النص أو عدم ثبوته، أو على اختلاف الفهم، أو طريقة الجمع بين النصوص. . . الخ.
أ
ما أن ينتحل منتحل قولاً غريباً لأنه يوافق القوانين العالمية، أو يوافق أمزجة الكفار المراد دعوتهم. . . فهذا منهج غريب.
ولا أدري لماذا نحتاج الآن إلى نص قاطع مع أن المسألة من المسائل الفرعية –وليست الأصولية-؟ لماذا غير المؤلف منهجه وخالف أصوله؟ ! ) ]اهـ
هذا كله كلام الشيخ سلمان ، ولنا أن نطرح السؤال الأخير الذي طرحه الشيخ في نهاية كلامه على الشيخ الغزالي ، و من الطريف أن مثار المسألتين هو الكلب !
يتبع .............................. .............................. .
على ذكر الكلب ... مقال خطير للشيخ سلمان العوده غفر الله له بعنوان (كلب ينهش عقولنا)
اخي ابو ابي ارجو منك ان تجيبني على هذا السؤال الذي اشتقه من اسم موضوعك
سؤالي : اليس الصحيح ان تقول ان شاء الله غُفر له
انت تقول غفر الله له ؟ كيف عرفت اخي !
طبعاً مجرد سؤال اخي الكريم وبارك الله فيك
حكم قول فلان غفر الله له إن شاء الله الشيخ العثيمين رخمه الله
حكم قول فلان غفر الله له إن شاء الله الشيخ العثيمين رخمه الله
أما قول الشيخ سلمان بعد أن مهد بما سبق وما أسهل أن ينبري إذاً عدو للإسلام يضع مثل هذه الحكايات وينشرها فيتلقفها الأغبياء والجهلة والأغرار، ويحامون عنها محاماتهم عن أصول الدين، ويجعلونها فيصلاً بينهم وبين مخالفيهم، فعنوان الإيمان عندهم هو أن يكون عقلك مغيباً مخدراً معزولاً عن الفهم والتحقيق والتأمل والنظر، وأن تسلم بالغرائب والمنكرات من الأخبار!).
الشيخ يفترض بمقولته هذه أمورا ليست واقعية ولا موجودة بين صفوف من ينتمون لأهل السنة والجماعة:
فيفترض أننا إذا صدقنا بالقصة المذكورة فسينتج عن ذلك أمور:
منها: فتح الباب للأعداء لوضع الخرافات ونشرها بيننا، ومع أن كتاب "الدرر الكامنة" لابن حجر ليس لمؤلف معاصر ، فقد ذكر ابن حجر القصة من مئات السنين، ولم نسمع بما افترضه الشيخ !
وإن كان حدث فليبينه مشكورا مع بيان أن الباعث لكذب العدو هو مثل هذه القصة
.
ومنها: أن كتب دلائل النبوة وكتب الاعتقاد ودواوين السنة حافلة بنقل معجزات وكرامات ثابتة ويتداولها العلماء من مئات السنين ، ولم يفتح هذا بابا للطعن في الإسلام ، ولم يناد أحد بضرورة عدم ذكرها خشية أن يستغلها الكذبة ، وما ذكروه في هذه الأبواب من نصوص منها ما يفيد القطع، ومنها ما يغلب على الظن تصديقه فيجب اعتقاده والعمل به إن كان يترتب عليه عمل، ومنها الضعيف وما يقاربه مما ترخص فيه العلماء لاندراجه في الأصول المقررة شرعا وفق الشروط التي اشترطها العلماء لرواية الضعيف، مع التأكيد على أن هذه القصص لا تعامل معاملة الأحاديث من حيث شروط القبول ، بل هي مما يتساهل العلماء في نقله، وأما اشتراط القطع- كما يقول الشيخ- بله الصحة في كل قصة فيها عبرة أو حدث فهذا ما لا أعلم قائلا به من المتقدمين أو المتأخرين ، وقد سبق كلام الإمام أحمد وشرح شيخ الإسلام ابن تيمية له وهو عكس ما قرره الشيخ سلمان.
ومنها: أنه -سامحه الله - اتهم من نشر هذه القصة أو تلقاها وأعجب بها فضلا عن من ذكرها في كتابه من باب أولى ، اتهمهم جميعا بأنهم من الأغبياء والجهلة والأغرار) .
وهنا أذكر الشيخ بما ذكره هو بنفسه مما يخالف مسلكه هنا، قال الشيخ:
(وإذا وجدت مندوحة عن وصف الشخص -مثلاً- بالكفر أو بالفسق أو بالبدعة وهي شرعية بلا تكلف، تعين عليك سلوكها، لأن مهمتي ومهمتك ليست هي نبز الناس بالألقاب وتوزيع المعايير عليهم واتهامهم بشتى التهم، وكأني أريد أن أثبت لنفسي البراءة من خلال الطعن في الآخرين، فهذا من أخطر ما يمكن أن يكون... إذاً: ينبغي أن يكون عندي هذه البحبوحة وهذه السعة وهذه الرحمة للناس، وهذه الفرحة بكل خير يصيبونه، والحزن لكل شر يقعون فيه، والحدب على إصلاحهم والتحري لهم؛ وفرق بين أن تكون مهمتي كأنني مقاتل في ميدان، أريد ألا يدخله أحد غيري أنا ومن يقع عليهم الاختيار، وبين كوني إنساناً يهمه أن يدعو الناس بكل ما أوتي من قوة إلى هذا الباب، كما قال تعالى: { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [يونس:25].
فعلى الإنسان أن يحرص -فيما يتعلق بالحكم على الناس- ألا يتسرع بالحكم، وألا يعمم الأحكام، وألا يتكلم على الأشخاص بقدر المستطاع)اهـ من محاضرة "قواعد توحيد الكلمة" للشيخ سلمان.
ومنها: أنه -سامحه الله - اتهم من نشر هذه القصة أو تلقاها وأعجب بها فضلا عن من ذكرها في كتابه من باب أولى ، اتهمهم جميعا بأنهم ممن يوالون ويعادون على هذه الخرافات !
ومنها: أنه -سامحه الله - اتهم من نشر هذه القصة أو تلقاها وأعجب بها فضلا عن من ذكرها في كتابه من باب أولى ، اتهمهم جميعا بأنهم ممن يصنفون الناس ويعرفون المؤمن من غيره عن طريق ( أن يكون عقلك مغيباً مخدراً معزولاً عن الفهم والتحقيق والتأمل والنظر، وأن تسلم بالغرائب والمنكرات من الأخبار)
ومنها: أنه اتهم من يصدق أو يروي القصة السابقة ونحوها بأن يعتبر ممن يجعلون الأساطير والخرافات في منزلة أصول الدين فقال: (يحامون عنها محاماتهم عن أصول الدين) .
وأرجو من الشيخ أن يذكر لنا من أهل السنة من جعل هذه القصة بمنزلة أصول الدين ، واحدا فقط من المتقدمين أو المعاصرين ، وإلا فهذا الكلام عبارة عن ظنون وخيالات والظن أكذب الحديث.
وأنا إلى الآن أتساءل: هل حقا القصة المذكورة هي سبب هذا الشحن النفسي ، والتوتر العصبي ، والحدة في النقد؟!
ثم قال الشيخ سلمان ألم يتعرض -صلى الله عليه وسلم- للتكذيب ويُسأل الآيات، فيؤمر أن يقول: "سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ؟" [الإسراء: 93]
ألم يضعوا السلى على ظهره؟ ويشجوا وجهه ورأسه في المعركة، ويقتلوا أصحابه؟).
بلى حدث كل هذا ، ولم يتوقف نصره صلى الله عليه وسلم على الأمور المادية فقط وعلى الجهد البشري – وإن كان هذا هو المطلوب منا- بل مع الصبر والتقوى سخر الله لنبيه من ينتصر له من الحيوانات أيضا ، وقت استضعاف المسلمين بمكة وعدم قدرتهم على الانتصار ، ففي الحديث عن أبي نوفل بن أبي عقرب ، عن أبيه ، قال : كان ابن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم سلط عليه كلبك " فخرج في قافلة يريد الشام فنزل منزلا ، فقال : إني أخاف دعوة محمد صلى الله عليه وسلم قالوا له : كلا ، فحطوا متاعهم حوله وقعدوا يحرسونه فجاء الأسد فانتزعه فذهب به "
وفي رواية: كان ابن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عليه قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم سلط عليه كلبك "
قال : وكان أبو لهب يحمل البز إلى الشام ، ويبعث بولده مع غلمانه ، ووكلائه ، ويقول : إن ابني أخاف عليه دعوة محمد فيعاهدوه قال : وكانوا إذا نزل المنزل ألزقوه إلى الحائط ، وغطوا عليه الثياب والمتاع قال : ففعلوا ذلك به زمانا ، فجاء سبع فنشله فقتله ، فبلغ ذلك أبا لهب ، فقال : ألم أقل لكم إني أخاف عليه دعوة محمد[8] .
وأيضا أرسل من ملائكته من يدافع عنه ، ففي صحيح مسلم(2797) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟
فالإغراق في الماديات من أسباب استنكار مثل هذه الروايات، واستهجان ذكر الكرامات والمعجزات، وكأنها ستصيب الناس بالسلبية وتجعلهم يتواكلون ، وهذه أيضا تعد محنة من محن عقول مثقفي عصرنا ومن تأثر بهم من الدعاة ؟!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول :"ومن سنة الله أن من لم يمكن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله؛ فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه، كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكاتب المفتَري، وكما قال سبحانه: )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِيَن * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهزِئِين(.
والقصة في إهلاك الله واحداً واحداً من هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهل السير والتفسير، وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش: : منهم الوليد بن المغيرة، و العاص بن وائل، والأسودان بن المطلب وابن عبد يغوث، والحارث بن قيس" اهـ.
ثم قال الشيخ سلمانوربما احتج بعضهم بالمعجزات والآيات والكرامات.
والآيات حق، وكذلك الكرامات، ولكنها أمر خارق للسنة، مخالف لجاري العادة، فلا يقبل ادعاء مدعيها حتى يقع التحقق التام منها، وإلا لالتبس الحق بالباطل، واشتبه الأدعياء بالصادقين والأنبياء)اهـ
كأن الشيخ سلمان شعر باعتراض بعض من يسميهم بالبسطاء والسذج عليه بأمر الكرامات فذكر ما ذكر، ولكنني أتساءل: الكرامة في هذه القصة المروية لمن؟
هل نسبت لأحد الأدعياء الذين يريدون أن يمرروا باطلهم على الأمة بدعوى الكرامة حتى يقول الشيخ ما قاله ويكتب ما كتبه؟!
أم هي كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمة الإسلام بأكملها ؟!
وهل مثل هذه القصص التي هي من باب الترغيب والترهيب والرقائق وأخذ العبرة يطلب فيها التحقق التام كما يطلب عند نسبة قول أو فعل أو تقرير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مما يثبت عقيدة أو حكما شرعيا؟!
الجواب: لا[9]
فهذا الجدل في ثبوت المعجزة أو الكرامة ، وإيهام أن القصة المذكورة أجنبية عن هذا الباب فلها حكم آخر وهي مما يستنكر وقوعه ؛ لا محل له هنا وهو تابع للكلام الإنشائي الكثير المذكور في المقالة والذي هو بحق لتخدير القاريء حتى لا يرى مشكلة في نوعية هذا الطرح والنقد الجديد والغريب في الأسلوب وفي التوقيت وفي مخاطبة الأخ لأخيه المسلم !
ثم أسلوب الشيخ سلمان هنا في كلامه عن المعجزات والكرامات يذكرني بأسلوب الغزالي الذي انتقده الشيخ عليه في حوار هاديء، حيث قال وكذلك نجد الشيخ الغزالي في أكثر من موضع من كتبه يعلق على الكرامات وشيوعها وانتشارها ويسخر من أولئك الذين أدخلوا الكرامات والإيمان بها ضمن العقائد، وإن كان يصرح بأنه لا ينكرها جملة وتفصيلاً لكن عباراته في الهجوم على الكرامات والقائلين بها شديدة جداً) اهـ.
فلله الأمر من قبل ومن بعد .
ثم قال الشيخولذا كان السلف يقولون: هاتوا أسانيدكم، وفي التنزيل: "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ" [البقرة:111]. ولذا كان الأئمة يقولون: إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مدعياً فالدليل).اهـ
كلام لا غبار عليه، ولكن في أي شيء كان السلف يطالبون بالإسناد، هل في كل قصة تذكر للعبرة ولا تخالف كتابا ولا سنة ولا هي منسوبة للوحي كانوا يطالبون بالإسناد؟!
الجواب قطعا: لا ، بل ما زال السلف والخلف يروون القصص التي فيها عبر من انتقام الله ممن سب دينه أو استهزأ بآياته ، أو سب رسوله وعندهم الكثير من القصص في مؤلفاتهم مرسلة بلا إسناد، ولا يرون في هذا عيبا أو نقصا أو غباء أو جهلا أو تخديرا لعقول البسطاء بل يرون فيها زيادة إيمان وتمسك بالدين يتبعه عمل ونصر لله، فينتصر عندها المسلمون،
وسبق من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ما يؤيد ما ذكرته .
وأيضا قد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة فصلا ماتعا في كتابه الفذ " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" وذكر كلامًا هامًا حول الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم بما هو خارج عن العادة والمألوف وشواهد ذلك والقصص التي يرويها الناس في هذا وفائدتها فنذكره لأهميته ثم نعقب بما ييسر الله تعالى:
قال رحمه الله فصل: النوع السابع: في كفاية الله له أعداءه وعصمته له من الناس وهذا فيه آية لنبوته من وجوه:
منها: أن ذلك تصديق لقوله تعالى : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ) فهذا إخبار الله بأنه يكفيه المشركين المستهزئين ،
وأخبر أنه يكفيه أهل الكتاب بقوله قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) .
فأخبره الله أنه يكفيه هؤلاء الشاقين له من أهل الكتاب وأخبره أنه يعصمه من جميع الناس بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) فهذا خبر عام بأن الله يعصمه من جميع الناس فكل من هذه الأخبار الثلاثة العامة قد وقع كما أخبز وفي هذا عدة آيات:
منها: أنه كفاه أعداءه بأنواع عجيبة خارجة عن العادة المعروفة)
ثم ذكر رحمه الله شواهد كثيرة على ذلك فلتراجع فإنها مما يقوي الإيمان وتعصم المسلم من الخزي والهذيان، إلى أن قال رحمه الله:
(ويدخل في هذا الباب ما لم يزل الناس يرونه ويسمعونه من انتقام الله ممن يسبه ويذم دينه بأنواع من العقوبات وفي ذلك من القصص الكثيرة ما يضيق هذا الموضع عن بسطه وقد رأينا وسمعنا من ذلك ما يطول وصفه من انتقام الله ممن يؤذيه بأنواع من العقوبات العجيبة التي تبين كلاءة الله لعرضه وقيامه بنصره وتعظيمه لقدره ورفعه لذكره وما من طائفة من الناس إلا وعندهم من هذا الباب ما فيه عبرة لأولي الألباب ومن المعروف المشهور المجرب عند عساكر المسلمين بالشام
إذا حاصروا بعض حصون أهل الكتاب أنه يتعسر عليهم فتح الحصن ويطول الحصار إلى أن يسب العدو الرسول صلى الله عليه وسلم فحينئذ يستبشر المسلمون بفتح الحصن وانتقام الله من العدو فإنه يكون ذلك قريبا كما قد جربه المسلمون غير مرة تحقيقا لقوله تعالى : ( إن شانئك هو الأبتر ) ولما مزق كسرى كتابة مزق الله ملك الأكاسرة كل ممزق ولما أكرم هرقل والمقوقس كتابه بقي لهم لمكهم) اهـ باختصار من الجواب الصحيح 6/273-296 .
فهذا الكلام واضح لا مزيد عليه، وأنه لم يزل السلف والخلف يذكرون من القصص والحكايات الكثير والكثير .
ومن ذلكالقصة التي ذكرها الحافظ ابن حجر ونحوها، فلا نتعامل معها كتعاملنا مع الأحاديث، بل هي من باب الرقائق والمواعظ، ولا مخالفة فيها - لأصول الشّرع، ولا لسنن الله عزوجل في كونه، والله عزّ وجل قادر على تسخيرمخلوقاته، وفق حكمته البالغة، سبحانه وتعالى.
[SIZE="5"]قال الشيخ سلمان: ( وقد علمنا يقيناً أن الكلاب خارج دائرة التكليف، وهي لا تسمع إلا نداء، كما قال ربنا سبحانه: "وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ"[البقرة:171].، وهي لا تعقل، فالعقل ميزة شرف الله بها الآدمي، وإن كان من الآدميين من يلغي هذه الموهبة أو يجور عليها أو يقتلها بالإهمال والتجاهل، أو يئدها بالاستسلام لكل مسموع، والتشرب لكل موضوع، والركض وراء الأوهام).
هل قال أحد بأن الكلاب مكلفة أو تعقل كالإنسان؟!
وهل من ذكر هذه القصة أشار من قريب أو بعيد إلى أنها مكلفة؟!
وهل عدم تكليفها وعقلها كالبشر يمنع من أن يعاقب الله بها من شاء ممن سخر بدينه وسب نبيه؟!
وهل عدم تكليفها ينفي أن يكون لها نوع إدراك يناسبها؟!
وهل يستقيم هذا الكلام مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على ابن أبي لهب الذي آذاه بأن يسلط عليه كلبا من كلابه ، فكان ما أراد وأكله أسد في بلاد الشام شم القوم حتى اخترقهم ووصل إليه وأكله- والحديث حسن كما تقدم-.
وقد ذكرت فيما سبق قصة الذئب الذي تكلم بكلام بليغ بل وأمر بالخير وأخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن قطعا مكلفا ، ولم يدّع أحد ممن أثبت الحديث وآمن به أن له عقلا كعقلنا !!
مع الجزم بأن للحيوان نوع إدراك بما يضره وينفعه، وبأن الله سبحانه سخر بعض المخلوقات لإعانة باغي الخير والدعاء له كدعاء النملة والحوت لمعلم الناس الخير وهذا مما صح به الحديث عند الترمذي وغيره .
وكذلك: الانتقام من باغي الشر ومن استهزأ بدينه،
ونزع من بعضها في حق من أراد الله إكرامهم نزع منها ما يضر في الأحوال العادية ، كالنار مثلا وقصة خليل الرحمن مشهورة معروفة ، بل وقد حدث مثلها في أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لأبي مسلم الخولاني رحمه الله في قصة مشهورة قل من لم يذكرها من أصحاب كتب الدلائل والتراجم والتاريخ، وذكرها شيخ الإسلام في مواضع كثيرة من كتبه بمفردها ومع غيرها مما هو من الكرامات الظاهرة ،
قال رحمه الله فما زال الناس في كل عصر يقع لهم من ذلك شيء كثير ويحكى ذلك بعضهم لبعض، وهذا كثير في كثير من المسلمين ... وهذه جيوش أبي بكر وعمر ورعيتها لهم من ذلك أعظم من ذلك: مثل العلاء ابن الحضرمي وعبوره على الماء كما تقدم ذكره فإن هذا أعظم من نضوب الماء ومثل استقائه ومثل البقر الذي كلم سعد بن أبي وقاص في وقعة القادسية ومثل نداء عمر يا سارية الجبل وهو بالمدينة وسارية بنهاوند ومثل شرب خالد بن الوليد السم ، ومثل إلقاء أبي مسلم الخولاني في النار فصارت عليه النار بردا وسلاما لما ألقاه فيها الأسود العنسى المنتبىء الكذاب وكان قد استولى على اليمن فلما امتنع أبو مسلم من الإيمان به ألقاه في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما فخرج منها يمسح جبينه وغير ذلك مما يطول وصفه .
ومما ينبغي أن يعلم أن خوارق العادات تكون لأولياء الله بحسب حاجتهم فمن كان بين الكفار أو المنافقين أو الفاسقين احتاج إليها لتقوية اليقين فظهرت عليه كظهور النور في الظلمة ؛ فلهذا يوجد بعضها لكثير من المفضولين أكثر مما يوجد للفاضلين لحاجتهم إلى ذلك وهذه الخوارق لا تراد لنفسها بل لأنها وسيلة إلى طاعة الله ورسوله)[10]
وقال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية 6/156 قال البيهقي ... ثنا سليمان بن المغيرة أن أبا مسلم الخولاني جاء إلى دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها فمشى على الماء والتفت إلى أصحابه وقال هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعو الله عز وجل.
قال البيهقي: هذا إسناد صحيح .
قلت – القائل ابن كثير- وستأتي قصة أبي مسلم الخولاني واسمه عبد الله بن ثوب مع الأسود العنسي حين ألقاه في النار فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على الخليل إبراهيم عليه السلام، وقصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت وشهادته بالرسالة لمحمد وبالخلافة لأبي بكر الصديق ثم لعمر ثم لعثمان رضي الله عنهم ) ثم ذكر رواية البيهقي لقصة خارجة بن زيد وكلامه بعد الموت وذكر قول البيهقي عن القصة هذا إسناد صحيح وله شواهد ) اهـ.
ثم ذكر ابن كثير رواية البيهقي للغلام الذي كلم النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها جاءه رجل بغلام يوم ولد فقال له رسول الله من أنا قال أنت رسول الله قال صدقت بارك الله فيك ثم قال إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب، قال أبي: فكنا نسميه مبارك اليمامة)
ثم قال ابن كثير – ولنقارن بين موقف الشيخ سلمان من القصة المذكورة وبين موقف ابن كثير هنا- قلت هذا الحديث مما تكلم الناس في محمد بن يونس الكديمي بسببه وأنكروه عليه واستغربوا شيخه هذا، وليس هذا مما ينكر عقلا ولا شرعا فقد ثبت في الصحيح في قصة جريج العابد أنه استنطق ابن تلك البغى فقال له يا أبا يونس ابن من أنت قال ابن الراعي فعلم بنو إسرائيل براءة عرض جريج مما كان نسب إليه) اهـ
مع أن محمد بن يونس الكديمي هذا متهم ، بل قال الذهبي في ترجمته في المغني في الضعفاء 2/ 646محمد بن يونس الكديمي القرشي السامي، الحافظ، هالك ، قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات) اهـ
ولكن لما كان الكلام في هذا الحديث لاستغرابه عقلا ؛ أو على الأقل سيوهم ذلك؛ رد ابن كثير رحمه الله بما رد به مما ينفي توهم عدم وقوع مثل ذلك أو استنكاره، وهذا من فقهه ، وذكر أن هذا مما لا ينكر عقلا ولا شرعا وذكر شواهد ذلك .
مع أن الكلام هنا في حديث مرفوع منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس في قصة كقصتنا هذه!
وهذا ما كان ينبغي أن يفعله الشيخ سلمان حتى لو أراد تضعيف هذه القصة أو ردها من جهة الإسناد، فكان الأولى به ذكر أن القصة ليست مما يستغرب ولا يستنكر عقلا ولا شرعا ثم إن أراد بيان ضعفها فلا بأس، أما أن يهجم هذا الهجوم موهما أن القصة مستنكرة وموهما إستحالة وقوعها وأنها من الأساطير فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن تضعيف القصة واستغرابها خارج عن نطاق المسلك العلمي وإنما هو لشيء آخر ![/SIZE]
ثم ذكر الشيخ قصة الإسراء وتصديق الصديق رضي الله عنه لها واستنبط منها فائدة عجيبة ، فقال الصديق إذاً هو من يصدق بالوحي النازل من السماء، وليس من تتراكم على عقله غرائب الأخبار من كل وضاع ودجال؛ فيتجرعها كالسم حتى ينبت عليها جسده، ويمضي عليها عمره، وتصبح أساساً في ثقافته ومعرفته، وتلتبس عنده معالم دينه! ) .
عدنا إلى حشر المسلم في خيارين لا ثالث لهما عند الشيخ كما ذكر من قبل أنك بين التصديق بالقرآن أو المتواتر أو بين الدجل والخرافة أو نحوا من هذا كما سبق،
وهنا جعل الناس أحد رجلين وأثبت وصف الصديق لأحدهما ثم صب العذاب على الآخر:
فالصدّيق هو من يصدق بالوحي ، فهل من صدق بقصة رواها ثقة أو ذكرها من يغلب على ظنه أنها مقبولة عنده ، أو رواها للعبرة مع خفة سندها إن وجد ، أو ذكرها وإن لم يوجد لها إسناد، مع عدم مخالفتها كما قلنا مرارا لكتاب أو سنة أو إجماع ، هل هذا ينفى عنه صفة الصديقية، وينقلب إلى من يتجرع السم ...إلخ ؟
وما أساس حكمه على هذه القصة بأن راويها وضاع دجال؟!
وهل هذا الوضاع الدجال سيورده الحافظ ابن حجر في كتاب سماه" الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" ويذكر له حكاية موضوعة ويسكت عنها ؟!
مع قرب عهد الحافظ ابن حجر برواة القصة، فقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه الدرر الكامنة، الذي ذكر فيه هذه القصة ، واصفا إياه ، مبينا شرطه في الكتاب أما بعد فهذا تعليق مفيد جمعت فيه تراجم من كان في المائة الثامنة من الهجرة النبوية من ابتداء سنة إحدى وسبعمائة إلى آخر سنة ثمانمائة من الأعيان والعلماء والملوك والأمراء والكتاب والوزراء والأدباء والشعراء وعنيت برواة الحديث النبوي فذكرت من اطلعت على حاله وأشرت إلى بعض مروياته إذ الكثير منهم شيوخ شيوخي وبعضهم أدركته ولم ألقه وبعضهم لقيته ولم أسمع منه وبعضهم سمعت منه)[ الدرر الكامنة 1/4 ].
وسكوت ابن حجر يغلب على الظن تصحيحه للقصة وهذا معروف عنه حتى في الأحاديث النبوية، فقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه العظيم فتح الباري:
(فإذا تحررت هذه الفصول وتقررت هذه الأصول افتتحت شرح الكتاب مستعينا بالفتاح الوهاب فأسوق إن شاء الله الباب وحديثه أولا ثم أذكر وجه المناسبة بينهما أن كانت خفية ثم أستخرج ثانيا ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والاسنادية من تتمات وزيادات وكشف غامض وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك منتزعا كل ذلك من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك) [هدي الساري مقدمة فتح الباري ص/6 ، بتحقيق وتعليق الشيخ عبد القادر شيبة الحمد] .
ثم إن القصة مذكورة عن إبراهيم بن محمد بن سعيد الطيبي، جمال الدين السفار المعروف بابن السواملي ، قال الصفدي في الوافي بالوفيات 6/89 ، و تبعه ابن حجر في الدرر الكامنة 1/59-60:" وكان ينطوي على دين وكرم وبر واعتقاد في أهل الخير" . وقد توفي سنة 706 هـورواها عنه معاصره علي بن مرزوق بن أبي الحسن، زَين الدِّين، السلامي،أصله من الموصل توفي سنة 720 هـ .
وعهد الحافظ ابن حجر بالقصة قريب فليس بينه وبين الراوي مفاوز بل سبق التصريح عنه في المقدمة بأن معظم من ترجم لهم من شيوخه أو شيوخ شيوخه، فيبعد وجود وضاع فيها، مع اختيار ذكره لها في كتاب يتداوله العلماء وسكوته عليها، هذه كلها قرائن تقوي القصة أو على الأقل تسوغ ذكرها والاستشهاد بها والله أعلم ، مع تأكيدي على أن رد الشيخ لها لا يتعلق بالإسناد وإنما ذكر الإسناد من باب مساعدته على بيان مقصوده من رد القصة،
ثم أن كان ردها حقا لإسنادها فسؤالي: كيف حكم الشيخ بوضعها ؟!
لاسيما ولا يوجد في متنها ما يستغرب أو يستنكر بل لها شواهد صحيحة تؤكدها، بل ويوجد من الثابت ما هو أغرب وأعظم مما ذكر فيها !
بل ولم يطلع الشيخ على سندها كما ذكر !!