39 ـ قال تعالى : إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)
( المزمل )
أيها الإخوة : ما أحلى قيام الليل ، والناس نيام ، ما أحلى الصلاة والناس في غفلة وسبات وما ألذ قراءة القرآن وقت الصفاء والهدوء والسكون !! نعم إنَّ ناشئة الليل أي ساعاته وأوقاته أشد مواطأه بين القلب واللسان ، وأجمع للتلاوة ، وأقرب للخشوع ، وأعظم للتدبر والاتعاظ .
فالليل للمستيقظ فيه ، نشاط وتجدد ، وانتباه وحيوية ، وكل ذلك سبيل لفهم القرآن وجمعه والانتفاع به . بخلاف النهار فإنه وقت انتشار الناس ، ولغط الأصوات ، وأوقات المعاش .
وفى صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام : (( أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل ))
وعند الترمذي وابن خزيمة وهو حديث صحيح قال عليه الصلاة والسلام :
( عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربه الى ربكم ، ومَكفرةٌ للسيئات ومَنهاة عن الإثم )) ولقيام الليل فوائد منها : أنه طريق للصدق والإخلاص لخفائه ومنها أنه شعار الصالحين ومنها أنه ماح للخطايا والسيئات ، وصارف عن الآثام ، ومنها أنه جابرٌ لخلل الفرائض ومنها أنه أفضل تطوع بعد الفرائض . وأنه طريق للجنان فسيح ، وهو من سمات أهل التقوى وعباد الرحمن ، جعلنا الله منهم ، والله الموفق .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
40 ـ قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10)
( النساء )
لقد نزلت هذه الشريعة لتحفظ حقوق الناس ، وتضع ميزان القسط ، و تحرم الاعتداء والظلم وأكل أموال الناس بالباطل . ومن أموال الناس أموال الضعفة والمساكين كاليتامى وأشباههم الذين ليس لهم منعة ولا قوة ، وليس لهم حافظ ولا نصير غير الله تبارك وتعالى .
لقد جاء زمن على الناس حين قل العلم وضعف الدين ، أن لا يورثوا اليتامى ، ويأكلوا حقوق الضعفة من النساء وغيرهم ، فبين الله تعالى بهذه الآية أن الذين يأكلون أموال اليتامى إنما يأكلون في بطونهم ناراً ، وإن فرحوا بها فهي نارٌ تتأجج ، وإن سعدوا بها فهي جهنم وفي الآخرة يؤتىبهم وبما سرقوا وأكلوا ( وسيصلون سعيرا ) .
وفى الصحيحين عدَّ صلى الله عليه وسلم سبعاً من الموبقات وذكر منها أكل مال اليتيم . إنَّ اليتامى أحوج ما يكونون إلى الرحمة والعطف والإعانة فكيف يَعمدُ أشرار إلى اجتثاث أموالهم وبخسهم حقوقهم !! نعوذ بالله من حالهم ومآلهم قال كمافي حديث خويلد الخزاعي (( اللهم إني أُحرِّج حق الضعيفين : اليتيم والمرأة )) رواه ابن ماجة وهو حديث حسن 0 ومعنى أُخرِّج : أي أُلحق الحرج والإثم 0
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
40 ـ قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10)
( النساء )
لقد نزلت هذه الشريعة لتحفظ حقوق الناس ، وتضع ميزان القسط ، و تحرم الاعتداء والظلم وأكل أموال الناس بالباطل . ومن أموال الناس أموال الضعفة والمساكين كاليتامى وأشباههم الذين ليس لهم منعة ولا قوة ، وليس لهم حافظ ولا نصير غير الله تبارك وتعالى .
لقد جاء زمن على الناس حين قل العلم وضعف الدين ، أن لا يورثوا اليتامى ، ويأكلوا حقوق الضعفة من النساء وغيرهم ، فبين الله تعالى بهذه الآية أن الذين يأكلون أموال اليتامى إنما يأكلون في بطونهم ناراً ، وإن فرحوا بها فهي نارٌ تتأجج ، وإن سعدوا بها فهي جهنم وفي الآخرة يؤتىبهم وبما سرقوا وأكلوا ( وسيصلون سعيرا ) .
وفى الصحيحين عدَّ صلى الله عليه وسلم سبعاً من الموبقات وذكر منها أكل مال اليتيم . إنَّ اليتامى أحوج ما يكونون إلى الرحمة والعطف والإعانة فكيف يَعمدُ أشرار إلى اجتثاث أموالهم وبخسهم حقوقهم !! نعوذ بالله من حالهم ومآلهم قال كمافي حديث خويلد الخزاعي (( اللهم إني أُحرِّج حق الضعيفين : اليتيم والمرأة )) رواه ابن ماجة وهو حديث حسن 0 ومعنى أُخرِّج : أي أُلحق الحرج والإثم 0
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
إخلاص العمل لله تعالى هو معيار قبول الأعمال ، فلا دين بلا إخلاص، ولا صلاة ولا طاعات تُقبل بلا إخلاص. والإخلاص هو طلب مرضاة الله تعالى ، وإخلاص العمل له دون شريك . قال أبو عثمان المغربي رحمه الله :الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق، وقال سهل التُستَرى رحمه الله : نَظَرةَ الأكياس فى تفسير الإخلاص ، فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه فى سره وعلانيته لله تعالى ، لا يمازجه شئ لا نفس ولا هوى ، ولا دنيا .
فلم يخلص من ابتغى السمعة والرياء ، ولم يخلص من طلب المدح والثناء ، ولم يخلص من عمل ليقال فلان ، نسأل الله المعافاة من ذلك .
إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، والعمل الذى خالطه رياء وسمعة ليس بطيب وتجاوزته السلامة ، فصار مطروحاً مردوداً.
ولهذا أمر الله تعالى رسوله الكريم بالإخلاص ( فاعبد الله مخلصاً له الدين )
وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى :
(( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركَه ))
يا طلاب المدح والثناء ، أتعبتم أنفسكم ، وأظمأتم نهاركم ، و أسهرتم ليلكم ، وضيعتم أموالكم !! لقد فاتكم ( ضياء الأعمال ) وهو الإخلاص ، ابتغاء وجه الله ، ورجاء ما عنده .
(( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً ))
وفى الحديث الصحيح أول ثلاثة تُسعَّر بهم جهنم قارئ القرآن والمجاهد والمنفق ، كلهم طلبوا ثناء الناس لا وجه الله ، نعوذ بالله من حالهم ومآلهم .
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الصدق ؟ فقال : بهذا ارتفع القوم .
اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص ، وطهر أعمالنا من الرياء ،
وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
42ـ قال تعالى :وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82)
( سورة طه )
أين الذين عظمت ذنوبهم ؟ وأين الذين ثقلت أوزارهم . وأين الذين تكاثرت سيئاتهم ؟ هلموا إلى رب غفار ورب يغفر الذنوب جميعا ، رب يمحو السيئات ، بل يبدلها حسنات. إنه أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ، قابل التوب شديد العقاب ، وذي الطول ، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات سبحانه وتعالى .
روى مسلم فى صحيحه عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ))0
وقال تعالى بعد ذكر بعض الكبائر .
(( إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، وكان الله غفوراً رحيماً))
ربنا تعالى واسع المغفرة بابه مفتوح ، ونواله ممنوح ، فأين التائبون ، وأين المذنبون ؟ ( وإني لغفار) أي كثير المغفرة وأبلغها ( لمن تاب ) أى رجع وتاب إلى ربه .
( وآمن ) أى صدق بقلبه ( وعمل صالحاً ) أي باشر الطاعات ، وأقلع عن سيئاته السابقة ( ثم اهتدى ) أي سلك الاستقامة وجانب الانحراف وفي الصحيحين قال الرسول : (( لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره ، وقد أضله في أرض فلاة )) 0
اللهم تقبل توبتنا ، واغسل حوباتنا ، وثبت حججنا ، سدِّد ألسنتنا
واسلل سخائم صدورنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
43-قال تعالى " الله الصمد "
سبحان من خضعت له الرقاب ، وصمدت له الخلائق، وانقادت له الأفلاك ، لا إله إلا هو فاطر السموات والأرض ، لا رب سواه ، ولا معقب لحكمه ، وهو العزيز الحكيم .
يسمع كثيرون اسم الصمد ، ولا يدركون معناه ، والصمد هو من صمدت إليه الخلائق كلها محتاجة إليه في أحوالها ومسائلها ، وهو السيد الذي كمل في سؤدده ، والشريف الذي كمل فى شرفه والعظيم الذي كمل في عظمته وسائر صفاته كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه وهو صمد غني عن عباده ، وكلهم فقراء إليه ، وهو الإله الحق الأحد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
فمن أراد التعرف على صفة الرحمن ، فليقرأ هذه السورة العظيمة التي عدلت ثلث القرآن ، وليحبَّها فإن حبه مؤذن بدخول الجنة كما صح بذلك الحديث في الصحيحين .
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قـال :قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه (( أيعجز أحدكم أنْ يقرأ ثلث القرآن فى ليلة))؟ فشقَّ ذلك عليهم وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال (( الله الواحد الصمد ثلث القرآن ))
وعند أصحاب السنن بسند حسن عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه رضي الله عنهما ، أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلي يدعو : اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، قال :
( والذي نفسي بيده لقد سأله باسمه الأعظم الذي سُئل به أعطي ، وإذا دُعي به أجاب)
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، أن تدخلنا الجنة ، وتعيذنا من النار
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
44 ـ قال تعالى : ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
)
إن أعظم سلاح لصد كيد السحرة الأشرار هو التعوذ والدعاء ، فما غُلب من استعاذ بالله ، وفوض أمره إليه ، وجعله معاذه ووكيله و حسيبه . ولقد هُزِم وخُذِل من جابه الله ، أو آذى أولياءه وعباده الصالحين . لقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة به من كل ما خلق ، ومن النفاثات ، وهن السواحر إذا رقين ونفثن في العقد ، ومن شر حاسد إذا حسد ، قال تعالى :
( قل أعوذ برب الفلق ) أي قل يا محمد أعوذ وأعتصم برب الفلق ، أي فلق الصبح كقوله ( فالق الإصباح ) ولا يصح حديث ( الفلق جب فى جهنم مغطى ) . ( من شر ما خلق ) أي من شر جميع المخلوقات . ( ومن شر غاسق إذا وغب ) أي الليل إذا أقبل ظلامه .
إنها لتعويذة عظيمة ، وحرز متين ، يدفع الله بها شر المخلوقات ، وعدوان السحرة ، وحَنَق الحسدة فهل من محافظة عليها ، وتأمل لمعانيها . وتدبر لما فيها ؟!! إنها لتسحق الشرور ، وتخذل الغرور ، وتحفظ الصبور . ما من ضر إلا دفعته ، ولا كيد إلا حلّته ، ولا تربص إلا أفنته ، لم يُرَ مثلهن في قوتها وشدتها ، ولم ير مثلهن في نفعها وحلاوتها ، ولم ير مثلهن في هداها وأثرها ، ما أعظمها من كلمات لمن قرأها وتدبرها واعتصم بها .
ثبت في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألم تر آيات أُنزلت هذه الليلة لم يُرَ مثلهن قط ( قل أعوذ برب الفلق) ( وقل أعوذ برب الناس ))
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ، ودرك الشفاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه 0
45 ـ قال تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
45 ـ قال تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) - 45 ـ قال تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) - 45 ـ قال تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) - 45 ـ قال تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) - 45 ـ قال تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
45 ـ قال تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) ( البلد )
ـ لن تطيب حياة الإنسان في هذه الحياة إلا بالإيمان بالله ، والاعتصام بدينه ، إذ إن هذه الحياة حياة شقاء ونكد ، أوجد الله فيها الإنسان للابتلاء . لذا فهو يكابد أمورها ، ويعانى مشاقها ، ويقاسي شدائدها . إن أفرحت اليوم أحزنت غداً وإن سرت الساعة أبكت ساعة أخرى . لا تنقضي أفراحها المحزنة ، ولا أحزانها المفرحة . حُفت بالمحاسن و المساوىء وجَمعت المنن والفتن .
(( هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ))
فالإنسان في هذه الحياة في كبد شديد ، يُبتلى في دينه ، ويؤذى في دعوته ، ويحسد في طاعاته ويُضيّق عليه في رزقه ، وليس له إلا الصبر والتسليم ، والرضا بما كتب الله ، والالتجاء إلى الله تعالى كثيرا كثيرا ، فهو كاشف الكرب ، ومفرج الهم سبحانه وتعالى، وفي البرزخ ويوم القيامة يلاقي الإنسان شدائد وأهوال فلابد له من عمل صالح يريحه من تلك الشدائد . ولا يخفف من كبد الدنيا ومشاقها إلا الإيمان بالله ، والاهتداء بهديه . ولهذا كان أصفى الناس قلوبا ، وأحسنها سعادة وأقلها هموما هم المؤمنون بما حصل لهم من لذة الإيمان وحلاوة الذكر والمناجاة ، قال تعالى :
( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب )
وقد يكون المعنى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، وأتم خِلقه ، يقدر على التصرف في الأعمال الشديدة ومع ذلك فإنه لم يشكر الله على هذه النعمة ، بل بطر فيها وتجبّر على خالقه ، وظن بجهله وظلمه أن هذه الحال ستدوم له ، ولهذا قال بعدها ( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالاً لبدا ) أي أنفقت مالا كثيرا في الشهوات والرغبات في هذه الحياة ، وهذا منه على سبيل الافتخار والتعالي، فكان مهلكة له ، حيث صُرف فى أسباب الخسارة والندامة ، ولم يكن في مراض الله و محابه . ومع ذلك فإن الله عليم به محيط بأعماله وخفاياه وسيحاسبه على ذلك ( أيحسب أن لم يره أحد )
فلا يظن أن الله غافل عنه ، بعيد عما يصنع ، بل هو بكل شيء عليم تبارك وتعالى
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
أكثر المسلمين يطلبون الهداية ، وينشدون السلامة . وغير محصول ذلك إلا باتباع الهدي وموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإن تطيعوه تهتدوا ) طاعته صلى الله عليه وسلم هي ضمانة السلامة ، وعنوان الهداية والمأمن من الضلالة والانحراف . لأن في طاعته طاعة الله ، وفي اتباعه رضى الله ومحبته قال تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) .
وطاعته هي منارة الطريق ، ومطية السعادة والانشراح ، وبها تحقيق الفوز والفلاح ( وإن تطيعوه تهتدوا ) وطاعته تكون بالعمل بسننه وتنفيذ أوامره و نواهيه ، و الاستجابة لدعوته ، فإنها الصراط المستقيم والمنهاج القويم . والمخالف لسنته على شفا هلكة ، ويخشى عليه التعاب والخسار . قال تعالى : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم ) .
في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ، ويغلبنه فيتقحمن فيها قال فذلك مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزكم عن النار ، هلم عن النار فتغلبوني وتقحّمُون فيها ) .
اللهم أحينا على الإسلام والسنة ، وتوفنا وأنت راض عنا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
47 ـ قال تعالى : قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)
( الاعراف )
ـ هذه الموعظة وأشباهها المدَدُ الرباني الزاخر ، والعناية الإلهية التامة ، القاضيةُ بنصر المتقين وظهورهم ، وتمكينهم. فمهما يكن من زلازل في الطريق ، وصدمات، وبلايا فإن العاقبة والخاتمة للرسل وأتباعهم المؤمنين .
وهكذا تُبتلى الفئة المؤمنة ، ثم تربّى وتمحص ، لتتهيأ لحمل القيادة وأداء الرسالة فلا يغرن بعض الناس تقلب الكافرين ، وصمود الظالمين ، وتفاخر المجرمين ، فإن دولتهم ساعة ودوله الحق إلى قيام الساعة.
( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا . وأن الكافرين لا مولى لهم )
تسير الأمة المسلمة بكلاءة ربانية ، تحوطها وتحرسها ، وتمدها وتغيثها ، وتثبت أقدامها وتكتب لها النصر والغلبة . فلا تحزن يا أخي لضعف الأمة ، أو هوانها ، أو تفككها ، فإن لها ميعاداً تحيا فيه ، تعود فيه لربها ، وتعتصم بدينها ، وتؤكد وحدتها ، وحينئذ تستوجب نصر الله ومدده وتمكينه ، فقد عادت أمه الحق ، وأمة النصر ، وأمة البقاء .
إن الله تعالى يخبر أن ( العاقبة للمتقين ) والمتقون هم أنصار الله الموحدون المخلصون وليس من سمتهم الضعف أو التخاذل ، أو التفكك ، أو الجبن . فالتقوى وصف زائد على مسألة الإسلام ، فالمتقي هو المؤمن الخاضع لأمر الله وحكمه الراغب عن نهيه ومعصيته . ولقد كانت هذه الموعظة سلوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما لقي من التكذيب والمعاندة ما لقي من قومه ، فقال له ربه ( فاصبر إن العاقبة للمتقين ) .
وفي قصة هرقل مع أبي سفيان كما في الصحيح قال له : وكذلك الرسل تُبتل ثم تكون لها العاقبة ، والله الموفق
48 ـ قال تعالى : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)
( سورة طه )
ـ سعيدٌ ذلك البيت الذي يشع منه الإيمان ، وتبزغ منه الخيرات ، ويتواصى أهله بالحق والبر والتقوى فيقوم سيده كالمنارة المضيئة التي تتلو القرآن ، وتبث الخير ، وتشيع الصلاة ، فإن هذا النهج إيذان بإشراقة النور ، والتربية الجادة ، والفكر السليم . لذا على الآباء والأولياء القيام بوظيفة الدعوة والتربية ، ليس في الجامعات ، ولا الأماكن النائية ، وإنما في منازلهم ودورهم ، قال تعالى : ( وأمُرْ أهلك بالصلاة ) أي يا محمد حضَّ أهلك على أفضل الطاعات وأعظم الأركان بعد الشهادتين ، واستنقذهم بفعل الصلاة من النار ، فهي رشدهم وفلاحهم ، وعزهم وسعادتهم .
( واصطبر عليها ) أي لا يشق عليك فعلها ، ولا تضجر من طولها ، أو عدم الانتفاع بها فإنها مفتاح الخير والأرزاق ولذا قال ( لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى )
وفى الحديث قال عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى : ( يا ابن آدم تفرغ لعبادتي املأ صدرك غِنىً وأسُدَّ فقرك وإن لم تفعل ملأت صدرك شُغلا ، ولم أسد فقرك ) 0رواه الترمذي و ابن ماجة من حديث أبي هريرة .
وليُعلم أن أمر الأهل بالصلاة والطاعة ، تربيه على شعيرة الأمر والنهي ، وتقلد للدعوة ، وحفظ للبيت من كل أسباب الانحراف والشقاوة ،وطريق للرزق والحياة الطيبة 0
اللهم وفقنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، اللهم أصلح بيوتنا واملأها بالإيمان والتقوى ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
49ـ قال تعالى : وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
سورة ص
ـ اشتد البلاء على نبي الله أيوب عليه السلام ، وتضاعف المرض ، وأصيب في أهله وماله ، ولم يبق له رد ء ولا مساعد ، فقابل ذلك بالصبر الجميل ، بات صابرا ليله ونهاره لم يعرفه الجزع ، ولم يشمت به الضجر ، فكافأه الله بأن فرّج عنه ، فكشف عنه ضره ، ودفع عنه ما لاقاه من نصب ومشقه ، فقال تعالى مثنياً عليه ، ومظهرا لشرفه وفضله ( إنا وجدناه صابراً )
لم نجده شاكياً ، ولم نره جازعاً ولم نره ساخطا . لقد التحف الصبر ، وسلا بحلاوته، واحتمل فيها كل ألوان الشدة والحرمان والمرارة . وحين التجأ إلى الله لم يصرح بشكواه عليه السلام ، بل عرض بذلك فقال :
( أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) أي بنصب في بدني ، وعذاب في مالي وولدي وفى موضع آخر من القرآن ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) فكان مؤدبا ولطيفا في إبراز شكايته ومع ذلك فقد استجاب له أرحم الراحمين ، لصبره وحسن عبادته ( إنا وجدناه صابرا ، نعم العبد إنه أواب )
وهكذا كل من يُبتلي في نفسه وماله وولده ، ليتأسَ بأيوب عليه السلام ، وليتذكر بلاءه وليتأمل قصته ، والمدة الطويلة التي قضاها تحت هذا البلاء ، فإن فيها عبره للمعتبرين ، ومن شرف ابتلاء المؤمن الحديث الذي رواه الترمذي في سننه قال : حديث حسن صحيح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مايزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله ، حتى يلقى الله تعالى ، وماعليه خطيئة " 0
وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : " مَن يُرد الله به خيراً يصب منه " 0
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل 0
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .