الولايات العثمانية في بلاد الشام نهاية القرن التاسع عشر، كانت جنين واقعة ضمن سنجق البلقاء (نابلس) التابع لولاية بيروت.
لقد كانت جنين وزرعين إحدى إقطاعيات الظاهر بيبرس. في عام 1260 شهدت منطقة عين جالوت الواقعة بالقرب من زرعين، شمال جنين واحدة من المعارك الفاصلة في التاريخ، حيث تعد معركة عين جالوت من أهم المعارك في تاريخ العالم الإسلامي، انتصر فيها المسلمون المماليك انتصارا ساحقا على المغول وكانت هذه هي المرة الأولى التي يهزم فيها المغول في معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان. أدت المعركة لانحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم منها نهائيا وإيقاف المد المغولي المكتسح الذي أسقط الخلافة العباسية سنة 1258م. وفي عام 1280م ولّى السلطان قلاوون الأمير بدر الدين درباس ولاية جنين ومرج ابن عامر. ومن أبرز حوادث جنين في العهد المملوكي، انتشار الوباء في مصر والشام عام 748هـ، ويعود تمكن الوباء من هذه المدينة لانفتاحها على البلدان الأخرى ولكثرة الوافدين إليها حيث كانت جنين مركزاً من مراكز البريد بين غزة ودمشق. وقد حكم الأمراء الحارثيون - الذين أعلنوا الولاء للعثمانيين - هذه البلاد. وكانت مدينة جنين مركزاً لزعامتهم (من 1601م إلى 1671م) حيث خرجت الإمارة منهم بعد هذا التاريخ وتولى الإمارة أحمد باشا الترزي ثم جاء بعده شيوخ المهاميط وأشهرهم الشيخ علي من أواخر القرن السابع عشر حتى أوائل القرن الثامن عشر. وفي عام 1566م قامت فاطمة خاتون زوجة والي دمشق ببناء جامع اشتمل على حمام وتكية وسوق (وهو جامع جنين الكبير حالياً) وقد بقي آل طرباي مسيطرين على المنطقة وموالين للعثمانيين الذين ساعدوهم ضد الأمير فخر الدين المعني الثاني - حاكم لبنان - الذي فر إلى أوروبا عام 1613م، ولكنه ما لبث أن عاد ثانية إلى المنطقة، وتمكن من هزيمة الطرباي الذين حكموا المنطقة عام 1624م. وفي عام 1660م ألحقت جنين مع سنجق اللجون بولاية صيدا.[16].
في عام 1799 هاجم الفرنسيون بقيادة نابليون فلسطين وعسكر قائده كليبر في مرج ابن عامر، هنا هاجمه جنود الدولة العثمانية بمساعدة أهالي جنين ونابلس، الذين كادوا يقضون على الفرنسيين في تلك المنطقة، لولا أن هبّ نابليون لنجدة كليبر، حيث قطع نابليون خط إمدادات العثمانيين. ولما انتصر الفرنسيون أمر نابليون جنده بحرق جنين ونهبها انتقاماً منهم لمساعدتهم للعثمانيين. وبعد اندحار الفرنسيين ورجوعهم إلى مصر نمت مدينة جنين ثانية وأصبحت مركزاً لمتسلمية جنين، يحكمها متسلم ينوب عن والي صيدا وكانت في الغالب لعائلتي آل جرار وآل عبد الهادي.[17][18]
وكان جبل نابلس في هذه الفترة ينقسم إلى متسلميتين: الأولى "متسلمية اللجون" والتي انتقلت فيما بعد إلى جنين والثانية "متسلمية نابلس" واللتان تقعان ضمن سنجق البلقاء (نابلس) التابع لولاية بيروت العثمانية. وكان آل جرار أمراء متسلمية اللجون منذ أوائل القرن الثامن عشر، ففي نهاية هذا القرن قامت الدولة العثمانية بتعيين الشيخ يوسف الجرار أميراً على اللجون في بلاد حارثة، والذي قام وبمساعدة سكان المنطقة والعثمانيين بنجدة أحمد باشا الجزار حاكم عكا في التصدي للغزو الفرنسي على المدينة.[19]
ثم دخلت جنين كباقي مدن الشام تحت الحكم المصري بعد أن نجح إبراهيم باشا في طرد العثمانيين، وعين حسين عبد الهادي حاكماً لها، كما جعلها مركز لواء خاصاً به، إلا أن حكم المصريين لم يدم طويلاً حيث اضطر المصريون للخروج من بلاد الشام عام 1840م. فعادت جنين قائمقامية في متصرفية نابلس التابعة لولاية بيروت التي أنشئت بدلاً من ولاية صيدا. وفي القرن العشرين ربطت جنين بسكة حديد الحجاز التي وصلتها بالعفولة وبيسان ونابلس، وفي الحرب العالمية الأولى أقام الجيش الألماني مطاراً عسكرياً غرب جنين.
الشيخ عز الدين القسام الذي اغتالته القوات البريطانية في جنين، والذي أصبح رمزاً للمدينة فيما بعد.
التاريخ المعاصر
في عهد الانتداب البريطاني أصبحت المدينة مركزاً لقضاء جنين، ولها سجل حافل بالنضال ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني، حيث أعلنت أول قوة مسلحة ضد الاستعمار البريطاني عام 1935م بقيادة عز الدين القسام، واشترك سكان المدينة في إضراب عام 1936، وقد تعرضت جنين إبان فترة الانتداب البريطاني إلى الكثير من أعمال العنف والتنكيل والتخريب وهدم البيوت على أيدي القوات البريطانية نتيجة لبعض الحوادث مثل قتل حاكم جنين "موفيت" في عام 1938.
أما بعد انسحاب البريطانيين من فلسطين منتصف 1948، وفي خضم الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى أو النكبة، اختير القائد عبد القادر الحسيني لتولي القيادة العسكرية في جبل القدس. ولما تأخر وصول كتاب جيش الإنقاذ من الدول العربية المجاورة حتى أواخر شهر كانون الثاني سنة 1948، قرر الحسيني تعبئة القوى الشعبية في القسم العربي من التقسيم وقد كان يعتمد على متطوعي جبل نابلس لتاريخ هذا الجبل البطولي والعسكري، ولذا فقد وفد إلى مدينة جنين مطلع شهر كانون الثاني وبعد مناقشات ومحادثات مع وجهاء المنطقة، عقدت عدة اجتماعات في قرى القضاء وتطوع عدد كبير من المقاتلين واختار الجمع الشيخ فوزي الجرار قائداً لجميع فرق مقاتلي جبل نابلس. وقد أقرت الهيئة العربية العليا والقيادة العسكرية العليا لجامعة الدول العربية هذا التعيين واعتمدته وأوصت أن يتخذ جرار مراكزه في قرى صانور، صير وجبع
ولقد خاضت جنين بمدنها وقراها معركة الدفاع عن الوجود ضد المنظمات الصهيونية المسلحة، التي استولت في أواخر مايو سنة 1948 على قرى زرعين، والمزار، ونورس، وصندلة، والجلمة، والمقيبلة، وفقوعة، وعرانة، وحاولت الاستيلاء على مدينة جنين حيث تم تطويقها في 3 يونيو 1948 وكان عدد الصهاينة 4000 مقاتل؛ فاستولوا على معظم أحياء المدينة وتحصن المجاهدون في عمارة الشرطة في المدخل الغربي لجنين. حتى وصلت نجدة للمحاصرين قوامها 500 جندي عراقي بقيادة عمر علي وحوالي 800 من المجاهدين الفلسطينيين من المدينة. وبعد معارك دامية خارج البلدة وفي شوارعها وأزقتها شارك فيها العديد من سكان المنطقة وقراها المجاورة تقدم العرب لاسترداد قراهم المحيطة بالمدينة. وقد كانت معركة جنين التي وقعت في 3 حزيران سنة 1948 مفخرة للمقاتلين من أهل البلاد الذين استشهد منهم العشرات بالإضافة للعدد الكبير من الجرحى، والتي أدت في آخر المطاف إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من جنين في 4 حزيران سنة 1948 وتكبيدها خسائر جسيمة بلغت 1241 قتيل ومفقود من أصل 4000 جندي إسرائيلي كانوا يحاصرون المدينة.[25] يستذكر الفلسطينيون شهداء الجيش العراقي الذين سقطوا دفاعاً عن جنين، حيث توجد مقبرة للعشرات منهم بالقرب من مثلث الشهداء جنوب المدينة.[26]
ومع باقي الضفة الغربية دخلت المدينة في عام 1951 في اتحاد مع المملكة الأردنية الهاشمية، وأصبحت في عام 1964 مركزاً للواء جنين التابع لمحافظة نابلس. وبقيت تحت الحكم الأردني حتى احتلالها في حرب 1967 أو النكسة. رزحت جنين تحت الاحتلال الإسرائيلي وأصبحت مركزاً لمنطقة جنين التي يحكمها حاكم عسكري إسرائيلي مباشرة. استمر هذا الوضع حتى قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1995، وأصبحت المدينة منذ ذلك الحين، مركزاً لمحافظة جنين، كما وقعت معظم أراضي المحافظة ضمن تصنيف (أ) و(ب) حسب اتفاق أوسلو. في 3 نيسان من سنة 2002 قامت القوات الإسرائيلية باقتحام جنين ومخيمها في عملية استمرت 10 أيام متواصلة، ارتكبت فيها إسرائيل مجزرة راح ضحيتها 58 فلسطيني، فيما تكبدت هي خسائر جسيمة بأعداد القتلى حيث ناهزت العشرين قتيل من الجنود الإسرائيليين الذي اشتبكوا في حرب شوارع مع فصائل المقاومة داخل مخيم المدينة في ما أطلق عليها لاحقاً معركة جنين.
ورد اسم جنين بالمخطوطات المصرية القديمة، وكذلك البابلية والآشورية وفي التوراة والإنجيل، وهي مشتقة من الاسم القديم "عين جهانيم" أو "جنيم" وهي قريبة من الجنائن والبساتين. وتعتبر جنين خامس الأماكن المقدسة عند المسيحيين، لمرور يسوع المسيح من قرية برقين، حيث أشفى العشرة البرص المنعزلين في مغارة بطرف القرية.
وفي المكان نفسه وفي أوائل القرن الرابع الميلادي أقام قسطنطين الكبير كنيسة برقين المعروفة بكنيسة جرجس وقد قامت الحكومة الهولندية بإجراء الإصلاحات اللازمة لها بالتنسيق مع دائرة الآثار في السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها من الأماكن المقدسة لدى النصارى، وأصبحت هذه الكنيسة تعتبر طريق الوصل للحجاج المسيحين من الناصرة إلى بيت لحم. وفي الفترة المشار إليها أقيمت في جنين كنيسة من ضمن 31 مدينة و442 قرية في عموم أراضي فلسطين، وظلت الكنيسة قائمة إلى أن دمرها زلزال عام 560م. كما تضم المحافظة ديراً للاتين يقع في قرية الزبابدة ذات الأغلبية المسيحية، الواقعة جنوب شرق جنين.
أما إسلامياً، فيقع في المدينة واحد من أقدم وأكبر المعالم الإسلامية العثمانية في فلسطين وهو جامع جنين الكبير الذي أنشأته فاطمة خاتون ابنة محمد بك بن السلطان الملك الأشرف قانصوة الغوري في القرن السادس عشر.[29] ويُعتبر هذا المسجد من أبرز المعالم التاريخية في الحضارة الإسلامية في فلسطين، ومن أقدم التحف المعمارية العثمانية في البلاد.
تقع مدينة جنين على دائرة عرض 32,28 شمالاً وعلى خط طول 35,18 شرق غرينتش، كما تقع على الإحداثيات 208 عرض و178 طول حسب شبكة الإحداثيات الفلسطينية. ينقطع في الأجزاء الشمالية من فلسطين استمرار الإقليم الجبلي المحاذي للسهول الساحلية مكوناً سهلاً يشبه مثلثاً متساوي الأضلاع، تمتد قاعدته من سفوح جبل الكرمل في حيفا حتى شرق جنين، ويمتد الضلع الأول من جنوب شرق الناصرة وينتهي في جوار مدينة جنين، ويمتد الضلع الثاني بمحاذاة جبال الجليل. ويطلق على السهل اسم مرج ابن عامر. وبالتالي، يمثل موقع مدينة جنين رأس مثلث سهل مرج ابن عامر، عند التقاء المرتفعات الممتدة من جبل الكرمل ومن جنوب شرق الناصرة.[30]
ومما يعطي موقع مدينة جنين أهمية أنها تقع في موقع وسطي بالنسبة للمدن الفلسطينية، حيث تقع جنوب مدينة الناصرة على بعد 25 كم، وإلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا على بعد 50 كم، وإلى الشمال من مدينة نابلس على بعد 43 كم.
تقع المدينة على السفح الشمالي لجبال نابلس على الجانب المطل على مرج بن عامر. وتنتشر مساكن المدينة على هذا السفح من ارتفاع يناهز 125م إلى ارتفاع يقارب 225م. ويتراوح انحدار هذا السفح بين 10-15 %، مما يشير إلى تدرج السفح بشكل تدريجي. وعند قمة السفح تقوم هضبة فسيحة ترتفع تدريجياً نحو الشرق، وتطل باتجاه الشمال على مرج ابن عامر ومن الجنوب الغربي تطل على سهل عرابة الذي يرتفع قرابة 250م، وبالتالي يظهر السفح الذي تقوم عليه المدينة، عتبة بين سهل مرج ابن عامر وبين سهل عرابة.
في محافظة جنين مدينتان، مدينة جنين وقباطيا، ويتبع المحافظة 14 بلدية كبيرة (هي يعبد، عرابة، برقين، صانور، سيلة الحارثية، سيلة الظهر، الزبابدة، اليامون، كفر راعي، كفر دان، ميثلون، دير أبو ضعيف، جبع، عجة)، كما ينتشر عدد ليس بقليل من القرى ومخيم يقع إلى الغرب من المدينة، والذي تعرض للاجتياح الإسرائيلي في شهر نيسان عام 2002. كانت جنين تضم قبل نكبة 1948 حوالي (70) قرية كبيرة وصغيرة وبعد النكبة اقتصرت على ما يقارب 30 قرية صغيرة. ومثل باقي المدن الفلسطينية، تعرضت أراضي شاسعة من جنين وقراها للمصادرة من قبل إسرائيل، حيث أقام على أرضها ما يزيد عن 10 مستوطنات.
مناخ
يختلف مناخ منطقة جنين عن المناخ العام لفلسطين، وذلك لوضعها الطبوغرافي. فتقع المدينة على ارتفاع يتراوح بين 125 و225 متر، كما تحاط بعدد من المرتفعات، فمن الشرق تحيط بها جبال جلبون ومن الجنوب والغرب والشمال الغربي تحيط بها جبال نابلس وامتدادها في جبل الكرمل، وإن انفتاحها على مرج ابن عامر تقفله جبال الجليل على بعد لا يتجاوز 20 كم. هذا الوضع قلل من استفادة المدينة من الرياح الغربية والجنوبية الغربية الماطرة والمعدلة لدرجة الحرارة، كما عمل على إبعاد مناخ جنين عن مناخ البحر الأبيض المتوسط، وجعلته أكثر تطرفاً. مثلاً، تتلقى منطقة جنين كمية من الأمطار أقل من كمية الأمطار التي تتلقاها منطقة يعبد المجاورة بمئة وخمسين مليمترا، وحرارتها أعلى من حرارة المنطقة المجاورة.
إن نمو عدد السكان في جنين لم يكن بمعدل كبير في الفترة الممتدة بين عاميّ 1922 و1931، وذلك بسبب هجرة العديد من سكانها إلى مدن السهل الساحلي، إلا أن هذا النمو بدأ يرتفع فيما بعد ليتضاعف عام 1947م؛ بسبب عودة سكان المدينة إليها، وبفعل الركود الاقتصادي الذي أصاب المناطق الساحلية، وبحكم الحرب العالمية الثانية والأحداث الجارية في المنطقة. وفي عام 1952 سجل تعداد سكان جنين ارتفاعاً كبيراً بعد تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين عقب نكبة العام 1948، وعاد لينخفض انخفاضاً حاداً عام 1967 بسبب نزوح أعداد كبيرة من سكان المدينة إلى شرق الأردن ودول الخليج في أعقاب نكسة عام 1967. وفي سنة 1980 عاد عدد السكان للارتفاع بسبب عودة سكان المدينة إليها وما زال يواصل ارتفاعه حتى الآن.[38]
وفقاً لإحصاء عام 2007، فقد بلغ عدد سكان مدينة جنين 39,000 نسمة، من بينهم 19,238 إناث و 19,766 ذكور. كما يبلغ عدد سكان مخيم جنين الذي يقع غرب المدينة 16,000 لاجئ، حسب إحصائيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والتي أشارت إلى أن 42.3% من سكان المخيم هم دون سن الخمسة عشر عام، وهذا يعني أن النسبة الكبرى من سكان جنين ومخيمها من الشباب. أما بالنسبة للعدد الإجمالي لسكان محافظة جنين فقد بلغ في عام 2007 حوالي 256,000 نسمة، وهو ما يشكل نسبة 6,8% من تعداد الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية. يُشكل المسلمون الغالبية العظمى من السكان كباقي مناطق الأراضي الفلسطينية، وتتواجد أقلية مسيحية تنتشر في بعض قرى المحافظة وفي جنين نفسها. وهذا جدول بأعداد سكان منطقة جنين في سنوات مختلفة
أسست مخيمَ اللاجئين وكالة غوث اللاجئين وتشغيلهم (UNRWA) عام 1953 برعاية أردنية. ويقع المخيم غرب مركز المدينة، ويمتد على مساحة ضيقة لا تتجاوز الكيلومتر المربع، ويعيش فيه كما ذُكر ما يقارب 16,000 لاجئ، مما يجعله بقعة مكتظة سكانياً، وهو أمر غير صحي وخصوصًا في ظل النقص الحاد في الخدمات الأساسية.
كان مخيم جنين هدفا استراتيجيا لقوات الاحتلال الإسرائيلي حيث حاولت استهدافه مرات عدة، لكنها فشلت أمام مقاومة أبنائه، حيث وجدت قوات الاحتلال صمودا من سكانه الذين أصروا على البقاء داخل المخيم رغم الأضرار الكبيرة التي تعرضوا لها، وبلغت الاعتداءات الإسرائيلية على المخيم ذروتها فجر 3 نيسان سنة 2002 حين اقتحمت المخيم واشتبكت مع فصائل المقاومة بحرب شوارع أطلق عليها لاحقاً معركة جنين
كان لموقع جنين أكبر الأثر في حياة المدينة قديماً وحديثاً، ويظهر ذلك في تاريخها الاقتصادي والاجتماعي، وفي أهميتها كعقدة مواصلات بين جبال فلسطين الوسطى (نابلس - القدس - الخليل) ومدنها، وبين شمال فلسطين لا سيما طريق القدس - الناصرة. كما تتفرع من المدينة طرق إلى حيفا وعكا. وقد حظيت مدينة جنين باهتمام بالغ من حيث المواصلات، حيث عُبدت الطرق إليها قبل الطرق الساحلية التي كانت تعتبر أهم الطرق بالنسبة للمستعمرين أيام الانتداب البريطاني على فلسطين. ولم تتوقف أهمية المدينة على الطرق البرية، بل امتدت أهميتها إلى الخطوط الحديدية، حيث يمر بها خط يصل إلى العفولة ومن ثم بيسان فطبريا.[45]
وتعد مدينة جنين من المدن الفلسطينية التي نشأت قديما وتطورت عمرانيا وذلك نتيجة للتزايد السكاني، ولكن لم تتطور شبكة المواصلات فيها بشكل مواز، ويعود ذلك لفترات الاحتلال المتعاقبة والتي مرت بها المدينة، والظروف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة، مما أدى إلى ظهور العديد من المشاكل في نظاِم المواصلات سواءً على مستوى تخطيط وتنظيم الطرقات والشوارع، أو على مستوى البنية الإنشائية للطرق.
تأتي أهمية مدينة جنين من حيث نوع الخدمات التي تقدمها والمؤسسات الموجودةِ فيها، والتي تتضمن مكاتب حكومية ومدارس، ومستشفيات، وبنوك، وأسواق، ومحلات تجارية ومنطقة صناعية، والتي تقدم خدمات للقرى والبلدات في المحافظة. إضافة لذلك، فان أهمية المدينة تعود إلى الطرق الإقليمية والتي تم تخطيطها من قبل وزارة التخطيط والتي تمر عبر مدينة جنين، فالطريق الأولى من وادي الأردن إلى الناصرة، والأخرى تربط الخليل بحيفا وتمر عبر مدينتي نابلس ورام الله، وتأتي أهمية المدينة أيضا بسبب قربها من الخط الأخضر الوهمي الذي يفصل مناطق عام 1948 عن المناطق المحتلة عام 1967، حيث تشكل مركزا للتسوق للفلسطينيين داخل الخط الأخضر.[46]
وتزداد أهمية النقل في مدينة جنين وذلك نتيجة للتوسع المدينة ونموها المتسارع. ويستخدم سكان المدينة في تنقلهم داخل المدينة وسائل نقل مختلفة. إلا أنه تبين من المسح الميداني عام 2007، أن هناك انخفاض في استخدام السيارات الخاصة في المدينة، حيث بلغت نسبة الأسر التي تمتلك سيارة خاصة 13.8% من مجموع الأسر بالمدينة. في مقابل ذلك يلاحظ ارتفاع في استخدام سيارات الأجرة وخاصة للتنقل بين مركز المدينة ومناطقها المختلفة، حيث بلغت نسبة مستخدمي هذه الوسيلة 43.9%، وبنسبة أقل للحافلات تبلغ 25.3% من مجموع السكان.[47]
تتكون الشبكة الحالية للطرق في مدينة جنين من مجموعة من الممرات الرئيسية، التي يتراوح عرضها من أربع مسارب إلى مسربين، تربط أجزاء المدينة ببعضها، كما تربطها بمدن فلسطينية أخرى، بالإضافة لقرى محافظة جنين،
مدينة جنين إحدى المدن الرئيسية في فلسطين، بالرغم من قلة عدد سكانها تاريخياً حتى النكبة، مقارنة بالمدن الفلسطينية الأخرى، إلا أن لها ثقلاً اقتصادياً يفوق حجمها السكاني بشدة، وهذا يعود لتمتع المحافظة بخصائص طبيعية متنوعة وفرت لها موارد اقتصادية متنوعة لا سيما في مجال التعليم والخدمات والمهن والحرف، مما مكن أبناءها من إيجاد فرص عمل في الدول العربية المجاورة، وهذا بدوره خفض من أثر المدينة بالمساهمة الفعالة بالحجم السكاني في الضفة الغربية، ولكنه أتاح الفرصة لرفع معدلات حوالات المغتربين للمدينة والمحافظة بشكل كبير مما أثر على اقتصاد المدينة والبلاد بشكل إيجابي. تدير غرفة تجارة وصناعة وزراعة لواء جنين الأوضاع الاقتصادية في المدينة.
وتنتشر الأسواق في مدينة جنين: فهناك السوق الشعبي، سوق الحلال، سوق الجملة، سوق السيباط، سوق شارع الناصرة، سوق شارع أبو بكر، سوق شارع بورسعيد، سوق شارع فيصل، سوق شارع الهلال، سوق شارع فاطمة خاتون، وسوق الحسبة القديمة. وتحتوي الأسواق المذكورة على العديد من المحلات التجارية المختلفة. بالإضافة إلى سوق تجاري رئيس يقع وسط المدينة وآخر يقع شمال المدينة مخصص لاستقبال المتسوقين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر الذين يشكلون 85% من القوة الشرائية حسب تقديرات الغرفة التجارية والصناعية في جنين.
تعتبر الزراعة نشاطاً رئيسياً في مدينة جنين ومحافظتها، حيث يعتمد عليها غالبية السكان سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وقبل هجرة بعض سكانها إلى دول الخليج في ستينات القرن العشرين، كانت الزراعة هي المورد الوحيد في المنطقة. وتعد مدينة جنين زراعية لحد كبير إذ تشكل مركز التسويق والتمويل الزراعي للمحافظة، حيث تعد أراضيها الزراعية واحدة من أكثر المناطق خصوبة في الضفة الغربية، حيث تزرع سنوياً بالمحاصيل الحقلية والخضار والأشجار المثمرة كالزيتون واللوزيات والحمضيات، بالإضافة إلى استخدام البيوت البلاستيكية على نطاق واسع. كما تشتهر المحافظة منذ عقود بزراعة فاكهة البطيخ بشكل لافت. قدرت وزارة الزراعة الفلسطينية مساحة الأرض المزروعة في المحافظة عام 1998/1997، حوالي 367,415 دونم وهو ما يعادل حوالي 20% من مساحة الأرض المزروعة في الأراضي الفلسطينية.
تتمتع منطقة جنين وطوباس بثروة حرجية تميزها على باقي محافظات السلطة الفلسطينية، وتنتشر الغابات على مساحة تقارب 270,000 دونم، تشكل حوالي 85% من أحراش الضفة الغربية، إلا أنها تقع في الغالب في التصنيف (ج) حسب اتفاق أوسلو.
بدأ اقتصاد المدينة يتحول تدريجياً إلى الصناعة بعد قدوم السلطة الفلسطينية في منتصف تسعينات القرن الفائت، وبالأخص الصناعات الخفيفة والمتوسطة، حيث ستنشأ منطقة صناعية دولية من أجل تفعيل الحركة الاقتصادية وتنشيطها، وإيجاد فرص عمل لعدد كبير من أهالي المنطقة، وجعل جنين همزة وصل بين عرب الداخل وباقي مناطق السلطة الفلسطينية. ويمكن إجمال هذه الصناعات بالتالي: صناعات زراعية، وتشمل معاصر الزيتون والمطاحن؛ وصناعات خاصة بالبناء وتشمل المقالع والمحاجر والكسارات وصناعة البلاط والفسيفساء؛ وصناعة الملابس والأحذية والخشب والحديد.
في عام 2008، افتتح مهرجان للصناعات الوطنية الفلسطينية في القرية السياحية شرق جنين، برعاية السلطة الفلسطينية وبدعم أوروبي، وكان لذلك شأن كبير في تقدم المشاريع الاقتصادية وتحقيق النمو الاقتصادي في المحافظة والأراضي الفلسطينية بصورة عامة.