عن أبو ذر رضي الله عنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليل كله يقوم بها حتى أصبح ويركع ويسجد ، فقال القوم لأبي ذر : أية آية ؟ فقال : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } (المائدة)
تأملوا في الآية المذكورة في نهاية المائدة...رددوها أكثر من مرة...اتلوها في صلاتكم في جوف الليل
تأملوا ما قبلها وما بعدها ومناسبتها
ثم أعطونا تدبراتكم كردود على هذا الموضوع
للاستماع للآية وما قبلها وما بعدها...في هذا المقطع للشيخ ياسر الدوسري:
إن هذا المخلوق الصغير .. الإنسان .. يحظى من رعاية الله - سبحانه - بالقسط الوافر ، الذي يتيح له أن يسخر الخلائق الكونية الهائلة ، وينتفع بها على شتى الوجوه .. والبحر أحد هذه الجبابرة الضخام التي سخرها الله للإنسان .. ( لتجري الفلك فيه بأمره ) .. فهو - سبحانه - الذي خلق البحر بهذه الخصائص ، وخلق مادة الفلك بهذه الخصائص .. وسائر الخصائص الكونية الأخرى مساعدة على أن تجري الفلك في البحر . وهدى الإنسان إلى هذا كله فأمكنه أن ينتفع به ، وأن ينتفع كذلك بالبحر في نواح أخرى : ( ولتبتغوا من فضله ) كالصيد للطعام وللزينة ، وكذلك التجارة والمعرفة والتجربة والرياضة والنزهة ؛ وسائر ما يبتغيه الحي من فضل الله في البحار .. سخر الله للإنسان البحر والفلك ، ليبتغي من فضل الله ؛ وليتجه إليه بالشكر على التفضل والإنعام ، وعلى التسخير والاهتداء : ( ولعلكم تشكرون).
إن ذكر الزلزال مرة ثانية وإضافته، يفيد معنى زائدا، وهو زلزالها المختص بها، المعروف منها المتوقع منها، كما تقول: غضب زيد غضبه، وقاتل قتاله، أي: غضبه الذي يعهد منه، وقتاله المختص به الذي يعرف منه.
لقوة انبهار السحرة بآية موسى العظيمة، وخرورهم الفوري، عبر بـ{ألقي}،
ثم قالوا: {آمنا برب العالمين}، لينفوا أي توهم بأن سجودهم كان لموسى، كما كانت عادتهم لفرعون،
ثم قالوا: {رب موسى وهارون}: لبيان أن السجود لله الحق،
( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) . قيل : والعامل فيها مضمر ، يدل عليه مضمون الجمل الآتية تقديره : تحشرون ، وقيل : اذكر ، وقال الزمخشري : تحدث . انتهى . وأضيف الزلزال إلى الأرض ، إذ المعنى : زلزالها الذي تستحقه ويقتضيه جرمها وعظمها ، ولو لم يضف لصدق على كل قدر من الزلزال وإن قل .
[ التفسير الكبير - البحر المحيط ]
( وألقي السحرة ساجدين ) لله تعالى . قال مقاتل : ألقاهم الله . وقيل : ألهمهم الله أن يسجدوا فسجدوا . وقال الأخفش : من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا .
( قالوا آمنا برب العالمين ) فقال فرعون : إياي تعنون فقالوا ، ( رب موسى وهارون )
( رب موسى وهارون ) قال مقاتل : قال موسى لكبير السحرة تؤمن بي إن غلبتك؟ فقال : لآتين بسحر لا يغلبه سحر ، ولئن غلبتني لأومنن بك ، وفرعون ينظر .
( قال ) لهم ( فرعون ) حين آمنوا ( آمنتم به ) قرأ حفص " آمنتم " على الخبر هاهنا وفي طه والشعراء ، وقرأ الآخرون بالاستفهام أآمنتم به ، ( قبل أن آذن لكم ) أصدقتم موسى من غير أمري إياكم ، ( إن هذا لمكر مكرتموه ) أي : صنيع صنعتموه أنتم وموسى : ( في المدينة ) في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر ، ( لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون ) ما أفعل بكم .
( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) وهو أن يقطع من كل شق طرفا . قال الكلبي : لأقطعن أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى ، ( ثم لأصلبنكم أجمعين ) على شاطئ نهر مصر .
ما قرأ العبد الآيات، حاضر القلب متفكرا متأملا،
إلا وجدت العين تدمع والقلب يخشع،
والنفس تتوهج إيمانا تريد المسير إلى الله، و
إذا بأرض القلب تنقلب خصبة طرية،
قد اقشعر جلده وقلبه من خشية الله تعالى
{كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر:23].
يقولُ اللهُ سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: 31].
إنّ جنودَ اللهِ عزَّ وجل لا يعلمُها إلا هو سبحانه، وممّا نسمعُ من حينٍ لآخرَ أنَّ أسراباً من الجرادِ تنتقلُ من بلدٍ إلى بلدٍ، وتكافحُ في هذا البلدِ، وتفلتُ من أيدي المكافحين في بلدٍ آخرَ، هذه الجرادةُ التي تبدو للناسِ ضعيفةً هي شيءٌ خطيرٌ جداً.
يقولُ بعضُ العلماءِ: «إنَّ كميةَ الطعامِ التي تأكلُها الجرادةُ يومياً تعادلُ وزنَها»، فإذا كان سربٌ من الجرادِ يزن ثمانينَ ألفَ طنٍّ، فهو يأكلُّ في اليوم الواحدِ ثمانينَ ألفَ طنٍ من الموادِ الغذائيةِ، ولعلَّ اسمَه يشيرُ إلى ذلك، فلا يدعُ شيئاً من أورق الأشجارِ، ولا من ثمارِها، ولا من لحائِها، فهي لا تُبقي ولا تذرُ.
يوجدُ في الكيلومتر الواحدِ المربعِ من أسرابِ الجرادِ ما بين مئةِ مليونٍ، ومئتي مليون جرادةٍ.
ويزيدُ طولُ بعضِ أسرابِ الجرادِ على أربعمئة كيلومترٍ- أي من دمشق إلى حلب، أو أكثر- ويضمُّ بعضُ أسرابِ الجرادِ أكثرَ من أربعينَ ألفَ مليونِ جرادةٍ.
* * *
قال الامام القرطبي في تفسير قول الله تبارك وتعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)
هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات. فقوله{خذ العفو} دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله{وأمر بالعرف} صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار. وفي قوله{وأعرض عن الجاهلين} الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة.