وأين الدعوة الاسلامية وأين الدول الغنية لدعم هذه الدعوة وللحفاظ على حضارتنا ؟؟؟
ملاحظة : سعيدة لعودتك للمنتدى الاسلامي بعد انقطاع,,,
جزاك الله كل خير ,,,
الاخت الفاضلة سؤالك غلط
لانه من يقرأ سؤالك يظن ان المسلمين وقت الاستعمار وقبله كانوا قمة في العلم والتقدم ومتدينيين !
بالعكس كنا قمة في الجهل والتخلف وبعيدين كل البعد عن الدين ولهذا احتلت بلادنا نظرا لتخلفنا ..
كيف تصبح امة متخلفه ؟؟
عندما ينتشر الظلم واكل حقوق الناس يلي ذلك ظهور المعاصي ثم الفواحش ونبتعد عن الدين فينعدم الامن ويفشى الجهل وتكثر الفرقة والتنازع والتصارع
اما عن الدعوة الاسلامية فكانت موجودة ولكن ماذا عساها ان تفعل وقل من يطلبها ؟؟
افترضي ان لدينا 10 جامعات وفي كل جامعة هيئة تدريسية كاملة متكاملة ،، لكن لا يوجد احد يريد التعليم الجامعي ،، فهل نلوم اعضاء الهيئة التدريسية على انه لا يوجد احد يطلب التعليم الجامعي ؟؟ ام نلوم كل من يستنكف ويصر على جهلة وتخلفه ؟؟!!
هذا هو جواب سؤالك بطريقة جدا مختصرة
أسباب ضعف المسلمين في الأندلس - أسباب ضعف المسلمين في الأندلس - أسباب ضعف المسلمين في الأندلس - أسباب ضعف المسلمين في الأندلس - أسباب ضعف المسلمين في الأندلس
أسباب ضعف المسلمين في الأندلس
د. علي الصلابي
أولاً: ضعف العقيدة الإسلامية، والانحراف عن المنهج الربَّاني، وهذا السبب
هو الأساس.
ثانيًا: موالاة النصارى، والثقة بهم, والتحالف معهم؛ حيث نجد أن تاريخ الأندلس مليء بالتحالف مع النصارى إلى أن بلغ ذروة رهيبة واضطرب بسبب ذلك مفهوم الولاء والبراء، والحُبِّ في الله والبغض في الله، بل هذه المعاني كادت تندثر.
إن الأمة حين تخالف أمرَ ربِّها, وتنحرف عن طريقِه, فلا بد أن يحلَّ بها سخطُه, وتستوفي أسباب نقمتِه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 57].
وقد أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق الأمة في الولاء والبراء، فقال: «أَوثَقُ عُرَا الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحبُّ في الله، والبغض في الله»(1).
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزَّ وجلَّ: «مَن عادى لي وليًّا فقد آذانته بالحرب»(2).
فإذا كان هذا كله مُسطَّرًا في كتاب ربِّها وسنة نبيها وتخالفه، فلا بد أن تُرى فيها سنة الله التي لا تتغير ولا تتبدل.
فحين تجد أن المعتمد بن عباد يذهب إلى ملك قشتالة ويطلب منه الصلح ويدفع له المال، نراه جاهدًا في حرب أمراء الطوائف واستئصالهم، أمَا كان الأفضل له أن يتحد مع إخوانه أمراء الطوائف؟! وفي ذلك مصلحة له ولهم وللأندلس عامة، وللإسلام وأهله، ولكنَّك لا تجنى من الشوك العنب(3).
بل ضعف مفهومُ الولاء والبراء، حتى إن بعض حُكَّام المسلمين استوزروا وزراء نصارى ويهود يصرفون أمور دولة الإسلام، فهل يؤمن الذئب على الغنم؟!(4).
ثالثًا: الانغماس في الشهوات واللهو:
السبب الثالث الانغماس في الشهوات والركون إلى الدعة والترف وعدم إعداد الأمة للجهاد، إن الأمة التي تركن إلى الدعة والترف واللهو، وهي غالبة قاهرة يجب أن تُعدّ غير مستحقة للريادة والقيادة، فما بالك بأمة تغرق في اللهو والدعة والترف، وهي لا تدري إن كان العدو قد كسر حصنها واجتاحها، أم أنه لا يزال ينتظر تلك اللحظات؟!
يقول المؤرخ النصراني كوندي: "العرب هُزموا عندما نسوا فضائلهم التي جاءوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح، والاسترسال بالشهوات"(5).
إن المؤرخين رأوا: "أن الأَنْدَلُسيين ألقوا بأنفسهم في أحضان النعيم، ناموا في ظل ظليل من الغنى الواسع والحياة العابثة والمجون، وما يرضي الأهواء من ألوان الترف الفاجر، فذهبت أخلاقهم كما ماتت فيهم حمية آبائهم البواسل، وغدا التهتك والخلاعة والإغراق في المجون، واهتمام النساء بمظاهر التبرج والزينة بالذهب واللآلي مِن أبرز المميزات أيام الاضمحلال التي استناموا للشهوات والسهرات الماجنة، والجواري الشاديات، وإن شعبًا يهوى إلى هذا الدرك من الانحلال والميوعة لا يستطيع أن يصمُد رجاله لحرب أو جهاد"(6).
دخل المُسْلِمُون الأندلس وأصبحوا ساداتها عندما كان نشيد طارق في العبور "الله أكبر"، وبقوا فيها زمنًا حين كان يحكمها أمثال عبد الرحمن الداخل عندما قُدم إليه الخمر ليشرب فقال: "إنِّي محتاج لما يزيد في عقلي لا ما ينقصه"(7).
يقول الدكتور عبد الرحمن الحجي عن الفاتحين الأوائل للأندلس: "كانت غيرة هؤلاء المجاهدين شديدة على إسلامهم، فَدَوْه بالنفس وهي عندهم له رخيصة، فهو أغلى من حياتهم, أشربت نفوسهم حُبَّه، غدا تصورهم وفكرهم ونورهم وربيع حياتهم"(8).
وضاعت ممالك الأندلس من يدي المُسْلِمِين عندما كان نشيد أحفاد الفاتحين:
ووزن العود وهات القدحا *** راقت الخمرة والورد صحا
وعندما قصد الإفرنج بلنسية لغزوها عام 456هـ، خرج أهلها للقائهم بثياب الزينة، فكانت وقعة بطرنة التي قال فيها الشاعر أبو إسحاق بن معلي:
لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستـم *** حُلَلَ الحرير عليـكم ألـوانًا
ما كان أقبحهـم وأحسنكـم بها *** لو لم يكن ببطرنة ما كانـا(9)
ضعف المُسْلِمُون في الأندلس وسُلب كثير من ديارهم؛ لما تنافس الولاة والحُكَّام من أجل إسعاد زوجاتهم وجواريهم بالباطل.
وإليك ما فعله المُعْتَمِد مع إحدى زوجاته: اشتهت زوجة المعتمد بن عباد أن تمشي في الطين وتحمل القِرَب، فأمر المُعْتَمِد بن عَبَّاد أن ينشر المسك على الكافور والزعفران، وتحمل قربًا من طيب المسك وتخوض فيها تحقيقًا لشهواتها!!
ولكن الله المعز المذل أراد أن تنقلب الأمور على المُعْتَمِد، فيؤخذ أسيرًا في أغمات وتبقى بناته يغزلن للنَّاس يتكسبن، وفي ذلك يقول المُعْتَمِد وهو شاعر مجيد:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورًا *** فساءك العيد في أغمات مأسورًا
ترى بناتك في الأطمار جائعــة *** يغزلن للناس ما يملكن قطميـرًا
برزن نحـوك للتسليـم خاشعـة *** أبصارهن حسيـرات مكاسيـرا
يطأن في الطين والأقدام حافيـة *** كأنَّها لم تطـأ مسكًا وكافـورًا
مَن بات بعدك في مُلـك يُسَرُّ به *** فإنما بات بالأحلام معـرورًا(10)
وصدق الحبييب صلى الله عليه وسلم, المُؤتَى جوامع الكلم إذ يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذُلاًّ، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم»(11).
رابعًا: إلغاء الخلافة الأموية وبداية عهد الطوائف:
لا شكَّ أن بداية الانهيار الفعلي في الأَنْدَلُس بزوال الخلافة الأموية, ونشأ على إثر ذلك عهد السنوات الصعاب، كانت كلمة الأمة واحدة وخليفتهم واحدًا فأصبحت الأمة كما قال الشاعر:
مما يزهدني فـي أرض أَنْدَلُـس *** أسـماء معتمد فيهـا ومعتضــد
ألقاب مملكة في غيـر موضعهـا *** كالهرَّ يحكي انتفاخًا صولة الأسد(12)
وكما قال الآخر:
وتفرَّقوا شيعًا فكل محلـة *** فيها أمير المؤمنين ومنبـر
ولم يكن حُكَّام الأَنْدَلُس أهلاً لقيادة الأمة في عمومهم، واسمع إلى ابن حزم وهو يقول عن هؤلاء الحُكَّام: "والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنونهم من حرب المُسْلِمِين، لعن الله جميعهم، وسلط عليهم سيفًا من سيوفه"(13).
ويقول الدكتور عبد الرحمن الحجي عن هؤلاء الحُكَّام: "وهكذا وجدت في الأندلس أوضاع يحكمها أمراء اتصف عدد منهم بصفات الأثرة والغدر، هانت لديهم معه مصالح الأمة، وتُركت دون مصالحهم الذاتية، باعوا أمتهم للعدو المتربص ثمنًا لبقائهم في السُّلطة، ولقد أصاب الأمة من الضياع بقدر ما ضيعوا من الحظ الخُلقي المسلم، انحرف هؤلاء المسئولون عن النهج الحنيف، الذي به كانت الأندلس وحضارته".
خامسًا: الاختلاف والتفرق بين المسلمين:
كان الاختلاف والتَّفرُّق سمة من سمات عصر ملوك الطوائف، وكان بعضهم يستعدي النصارى على إخوانه، ويعقدون مع النصارى عهودًا وأحلافًا ضد إخوانهم في العقيدة، ومِن أجل شهوة سلطة تُراق على أرض الأندلس دماء المصلين، حتى قال ابن المرابط واصفًا حال المسلمين:
ما بال شمل المُسْلِمِيـن مبدَّدٌ *** فيها وشمل الضـد غير مبـدد
ماذا اعتذاركم غدًا لنبيكـم *** وطريق هذا الغـدر غيـر مُمهَّد
إنْ قال لِمَ فرَّطتم في أُمَّتـي *** وتركتمـوهم للعـدو المعتـدي
تالله لو إن العقوبة لم تُخَف *** لكفى الحيا من وجه ذاك السيدِ(14)
ولما سقطت طُلَيْطِلَة كان من العجيب أن بعض ملوك الطوائف وقفوا جامدين لا يتحركون لنجدة طليطلة, وكأن الأمر لا يعنيهم، فاغرين أفواههم جبنًا وغفلة وتفاهة! بل إن عددًا منهم كان يرتمي على أعتاب ألفونسو ملك النصارى طالبًا عونه, أو عارضًا له الخضوع، بذلّةٍ تأباها النفوس المُسلِمة، تغافلوا عن أن ألفونسو لا يفرِّق بين طليطلة وغيرها من القواعد الأندلسية! لكن العجب يزول إذا تذكَّرنا نزعتهم الأنانية والعصبية(15).
سادسًا: تخلي بعض العلماء عن القيام بواجبهم:
لا شكَّ أن حياة الأمة في حياة علمائها، فهم تاجها ومنارتها، وهم روحها ومادة حياتها, فكلما كان علماء الأمة ربَّانيين كان أمر الأمة في طريقه نحو العزة والرِّفعة والكرامة، وكلَّما ابتعد العلماء عن الربَّانية وتثاقلت نفوسهم إلى الأرض, وحرصوا على مصالحهم الذاتية, خبا نور الأمة، ودبَّ في الأمة الضعف والجهالة.
"فحين كانت الأمة تغرق في الأندلس بسبب الاجتياح النصرانيِّ المتلاطم، انصرف عدد من العلماء إلى العناية المبالغة بالفقه المذهبي وفروعه، ونسوا وتناسوا واقع الأمة وآلامها"(16).
وبعض هؤلاء هم ممن قال فيهم ابن حزم -رحمه الله-: "ولا يغرَّنك الفُسَّاق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المُزيِّنون لأهل الشرِّ شرهم، الناصرون لهم على فسقهم"(17).
ولا ننسى دور العلماء الربَّانيين الذين قاموا بجمع شتات الأمة الممزق, وبذلوا وسعهم في ذلك، من أمثال أبي الوليد الباجي، وأبى مُحَمَّد بن حزم، وأبى إسحاق الإلبيري وغيرهم، عليهم رحمة الله وبركاته.
سابعًا: عدم سماع ملوك الطوائف لنصح العلماء:
لقد بذل مجموعة من العلماء جهدًا مشكورًا لتوحيد صفوف المسلمين، وتصدَّى أبو الوليد الباجي لهذه المهمة بنفسه بعد عودته من المشرق الإسلامي، "فرفع صوته بالاحتساب، ومشى بين ملوك أهل الجزيرة لصلة ما انبت من تلك الأسباب، فقام مقام مؤمن آل فرعون، ولكنَّه لم يصادف أسماعًا واعية؛ لأنَّه نفخ في عظام نخرة، وعطف على أطلال داثرة، بَيْدَ أنه كُلَّما وفد على ملك منهم في ظاهر أمره لقيه بالترحيب، وأجزل حظه في التنافس والتقريب، وهو في باطن يستجهل نزعته ويستثقل طلعته، وما كان أفطن الفقيه -رحمه الله- بأمورهم، وأعلمه بتدبيرهم، لكنَّه كان يرجو حالاً تثوب، ومذنبًا يتوب"(18).
ولم يكن حُكَّام الأندلس أهلاً لقيادة الأمة، ولم تنفعهم نصائح العلماء حتى حلَّت بهم مصيبة وكارثة، ألا وهي سقوط طليطلة.
ثامنًا: مؤتمرات النصارى ومخططاتهم:
استطاع النصارى أن يضعوا برامج مُحكمة للقضاء على ملوك الطوائف، ومِن ثَمَّ على المسلمين عمومًا، وكان من أكبر المجرمين من ملوك النصارى الذي أشرف على هذه المُخَطَّطَات وسهر على تنفيذها - فرناندو ملك قشتالة.
تاسعًا: وحدة كلمة النصارى:
في الوقت الذي كان المسلمون في الأندلس يعانون من التَّفرُّق والشتات، كان النصارى في وحدة كلمة وتراصي صفٍّ في مواجهة أمة الإسلام في الأندلس.
عاشرًا: غدر النصارى ونقضهم للعهود:
لم يكن النصارى عُبَّاد الصليب محلاًّ للعهود وأهلاً للوفاء إلا في القليل النادر؛ فهم تبع لمصالحهم وأهوائهم, وهي التي تحكم وفاءهم ونقضهم(19).
لقد سطَّر النصارى في الأندلس تاريخًا مليئًا بالدماء، وهتك الأعراض، وقتل النفوس، وسبي النساء.
قال تعالى: {لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 14]، وقال أيضًا: {وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 12].
لقد استمات النصارى في حربهم للمُسْلِمِين، فمارسوا كل الأساليب المعوجَّة من أجل تحقيق أهدافهم الشيطانية.
الحادي عشر: التخاذل عن نصرة من يحتاج إلى نصرة:
لقد كانت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك المرحلة مُعطَّلة، كأنَّهم لم يسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»(20), وقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»(21).
لقد تخاذل ملوك الطوائف عن نصرة مَن يستحق النصرة، وإليك ما حدث في طليطلة، يقول الدكتور عبد الرحمن الحجي عن سقوط طليطلة وموقف حُكَّام الطوائف: "قام حاكم بطليوس عمر بن مُحَمَّد الأفطس الملقب بالمُتَوَكِّل على الله ببعض واجبه تجاه طليطلة في محنتها، التي لو أدَّى بقيَّةُ ملوك الطوائف ما يجب عليهم لما لاقت هذا المصير، ولحَمَوْها وحَموا أنفسهم، كان بعضهم لا همَّ له إلا تحقيق مصلحته وإشباع أنانيته, وكأنّ الأندلس وُجدت لمنفعته وليتربع على كرسي حكم، مهما كان قصير العمر ذليل المكان مهزوز القواعد!!"(22).
فهذه مجموعة من الأسباب التي أدَّت إلى الحالة التعيسة التي آلت إليها الأندلس، وعندي أن من أعظم الأسباب في خذلان الأمة ابتعادها عن منهج ربها وضياع عقيدتها وتربيتها على الترف والدعة، وترك الجهاد في سبيل الله؛ ولذلك عندما تربَّى المرابطون على معاني الجهاد في سبيل الله، ومنهج أهل السُّنَّة, وَفَّقَهم الله لإقامة دينه وإعزاز سُنَّة نبيه ونصرة إخوانهم في الدِّين.
إن الجهاد من أعظم الدروس, فلمّا وُجد في الأندلس بقيت الأمة في عزةٍ ومنعة ومَهَابَة، ولما فُقِد أصبحت الأمة مطمعًا لكل جبار عنيد أو متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأسُ الأمر الإسلام، وعموده الصَّلاة، وذروة سنامه الجهاد»(23)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لغدوةٌ في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها»(24).
المصدر: كتاب (فقه التمكين عند دولة المرابطين).
(1) أخرجه أحمد في مسنده (ج4/286).
(2) البخاري، فتح الباري، كتاب الرقاق، باب (38 رقم 6501).
(3) انظر: تاريخ الأندلس، ص390, د. عبد الرحمن الحجي.
(4) سقوط الأندلس: د. ناصر العمر، ص24.
(5) مصرع غرناطة، ص93.
(6) المصدر السابق، ص120.
(7) سقوط الأندلس، ص27.
(8) انظر: تاريخ الأندلس، ص211.
(9) انظر: النصر والهزيمة، ص122.
(10) نفح الطيب، (ج4/273، 274).
(11) أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، (باب 56، ت/ 54م).
(12) سقوط الأندلس، ص31.
(13) التاريخ الأندلسي، د. عبد الرحمن الحجي، ص325.
(14) سقوط الأندلس، د. ناصر العمر ص33.
(15) المصدر السابق، ص34.
(16) المصدر السابق، ص35.
(17) مجموع رسائل ابن حزم (ج3/173).
(18) الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة, الشنتريني، القسم الثاني، ص95.
(19) سقوط الأندلس، ص40.
(20) أخرجه البخاري، كتاب المظالم، رقم (2442)، مع الفتح (ج5/116).
(21) البخاري مع الفتح كتاب المظالم رقم (2446 ج5/117).
(22) انظر: التاريخ الأندلسي.
(23) الترمذي, باب الإيمان، باب (8) رقم (2616).
(24) البخاري مع الفتح رقم (2792 ج6 / 17).
قرأت الموضوع بتروي ..جزيت خيرا ام يحيى على هذه الاضاءة التاريخية ..
هذه الحقبة ببدايتها كانت بقعة ضوء..ونهايتها كانت نقطة سوداء ووصمة عار..
الحقيقة موضوع يثيربالنفس الحنق ...ويغير وينكأ بالوجدان الجراح ...
بعد ان سدنا الدنيا وبنينا مجد الاسلام في اقاصي الارض ..تشرذمنا وتفرقنا ..وسلمنا رقابنا للحاقدين ..
والادهى من ذلك والامر اننا لم نتعلم ما زلنا نكرر نفس الخطأ ...
على الرغم من انه درس من دروس التاريخ الا انه ايضا اسقاط مطابق على واقعنا المزيف المنسوخ عن تلك التجربة ..
قرأت الموضوع بتروي ..جزيت خيرا ام يحيى على هذه الاضاءة التاريخية ..
هذه الحقبة ببدايتها كانت بقعة ضوء..ونهايتها كانت نقطة سوداء ووصمة عار..
الحقيقة موضوع يثيربالنفس الحنق ...ويغير وينكأ بالوجدان الجراح ...
بعد ان سدنا الدنيا وبنينا مجد الاسلام في اقاصي الارض ..تشرذمنا وتفرقنا ..وسلمنا رقابنا للحاقدين ..
والادهى من ذلك والامر اننا لم نتعلم ما زلنا نكرر نفس الخطأ ...
على الرغم من انه درس من دروس التاريخ الا انه ايضا اسقاط مطابق على واقعنا المزيف المنسوخ عن تلك التجربة ..
موضوع يألم القلب له
هذا النصر العظيم وهذا الفتح
ويضيع هباء منثوراً
وضاعت كرامة العرب بعده
سنعود اذ عدنا الى عروبتنا والى اسلامنا والى عقيدتنا الصحيحة
وسنعود باذن الله وسننتصر وسنعيد فتح الاندلس
تاريخ الأندلس ووقفة معتبر
على طول الدراسة السابقة كان تاريخ الأندلس يحوي أكثر من ثمانمائة عام، الأمر الذي ينبغي على المسلمين أن يقفوا معه وقفات ووقفات، يأخذون منه العبرة والدرس، ويكررون ما حدث فيه من أفعال العظماء، وفي ذات الوقت يتجنبون أفعال الأقزام، تلك التي أدت إلى هذه الحال التي رأيناها آخر عهود الأندلس وفترات السقوط.
بداية لم يكن سقوط الأندلس بالسقوط المفاجئ، فقد كان هذا متوقعا منذ أكثر من مائتي عام، إلا أنها وبمدد من بني مارين مرة، وبخلاف النصارى مرة أخرى مع بعضهم البعض، صمدت وصبرت بعض الشيء، لكن الذي حدث في النهاية هو الذي كان متوقعا.
وهنا لا بد لنا من وقفة على أسباب هذا الانهيار والتي كان من شأنها أنها ما إن تكررت في أيٍ من الأزمان أو الأوقات، وفي أيٍ من البلدان أو القارات، فإنها ولا شك ستعمل عملها، وتكون العاقبة والنتيجة من نفس العاقبة وتلك النتيجة.
كانت عوامل انحدار وسقوط وضياع الأمم قد تشابهت وإلى حد كبير في كل فترات الضعف في تاريخ الأندلس، وهذه العوامل نفسها قد زادت وبشدة في فترة غرناطة؛ ولذلك كان السقوط كاملا وحاسما، وكان من هذه العوامل ما يلي:
العامل الأول:
كان الإغراق في الترف، والركون إلى الدنيا وملذاتها وشهواتها، والخنوع والدعة والميوعة، هي أولى العوامل التي أدت إلى تلك النهاية المؤلمة، وقد ارتبطت كثيرا فترات الهبوط والسقوط بكثرة الأموال والانغماس في الملذات، والميوعة الشديدة في شباب الأمة، والانحطاط الكبير في الأهداف، قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ(11)فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ(12)لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء:11،12،13].
وهكذا يا أهل غرناطة، أين ستذهبون؟ وإلى أين ستركضون؟ ارجعوا إلى قصر الحمراء، وارجعوا إلى مساكنكم وما أترفتم فيه، وسلموا هذه البلاد إلى النصارى، وتذوقوا الذُلّ كما لم تعملوا للعزة وللكرامة.
ولننظر إلى ذاك الرجل الذي كان يرثي سقوط غرناطة، ولنعي ما يقول في شعره الذي كان يعد كما ذكرنا إعلام هذا العصر الذي يُحَفّز الناس على أفكار معينة، يقول يرثي غرناطة:
غرناطة يا أجمل المدن
لن تَسريَ بعد اليوم نغمات العود الناعمة
في شوارعك المُقمرة
ولن تُسمع ألحان العُشّاق
تحت قصورك العالية
وستسكت دقات الصنوج المرحة
التي كانت تتناغم فوق تلالك الخصبة
وستقف الرقصات الجميلة
تحت عرائشك الوريفة
واحسرتاه
لن يستمع عربي بعد اليوم إلى البلابل
تصدح في مروجك الفسيحة
ولن يُستَروح أريج الريحان وأزهار البرتقال
في ربوعك المؤنسة
لأن نور الحمراء أُطفئ إلى الأبد
فحتى بعد هذا السقوط الشنيع لغرناطة يقف هذا الرجل وبهذه الكلمات الفجة يرثيها، هذا ما كان يهمه في هذه البلاد، لا يهمه الثغور التي خرجت منها الجيوش تجاهد في سبيل الله، ولا يهمه المكتبات التي أُحرقت، ولا المساجد التي دُنّست وحُولت إلى كنائس، بل لا يهمه المسلمون الذين قُتلوا بأيدي النصارى.
فلننظر إلى مثل هذا ونقارنه بأحوال الشباب الذين انحطتّ أهدافهم، حتى أصبح حلم حياتهم أن يُحدّث فتاة من الفتيات أو يخرج معها، أو يبادلها حبا غير مشروع لا يرتضيه هو لأخته أو لابنته.
لننظر حين يُصَوّر مثل هذا الشعر هذا الحب على أنه أسمى درجات الحب، فيضحي الرجل من أجله، ويسمو عنده فوق كل حب، حتى يسمو عنده فوق حب الدين وحب الله وحب رسوله وحب الجهاد وحب الوالدين وحب الوطن وحب الفضيلة، بل وقد يضحي بحياته انتحارا إذا فارق محبوبه.
ترك الجهاد في سبيل الله، وهو أمر ملازم لمن أُغرق في الترف؛ فالجهاد سنة ماضية إلى يوم القيامة، وقد شرعه الله ليعيش المسلمون في عزة ويموتون في عزة، ثم يدخلون بعد ذلك الجنّة ويُخلّدون فيها.
وإن الناظر إلى عهد الأندلس ليتساءل: أين أولئك الذين كانوا يجاهدون في حياتهم مرة أو مرتين كل عام، وبصفة مستمرة ودائمة؟! أين يوسف بن تاشفين، وأين أبو بكر بن عمر اللمتوني؟ وأين الحاجب المنصور؟ وأين عبد الرحمن الناصر وغيرهم؟
وإنها لعبرة وعظة حين ننظر إلى ملوك غرناطة، ومن كان على شاكلتهم حين ذُلوا وأُهينو لما تركوا الجهاد في سبيل الله، يقول تعالى:
وقد يظن البعض أنه يجب على الملتزمين بالمنهج الإسلامي أن يضحوا بأرواحهم ويظلوا يعيشون حياة الضنك والتعب والألم في الدنيا؛ وذلك حتى يصلوا إلى الآخرة، وإن حقيقة الأمر على عكس ذلك تماما؛ إذ لو عاش المسلمون الملتزمون بمنهج الإسلام على الجهاد لعاشوا في عزة ومجد، وفي سلطان وملك من الدنيا عريض، ثم لهم في الآخرة الجنّة خالدين فيها بإذن الله.
العامل الثالث:
يتبع العامليْن السابقين عامل الإسراف في المعاصي، فجيش المسلمين لا يُنصَر بالقوة ولا بالعدد والسلاح، لكنه يُنصر بالتقوى، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنكم لا تُنصرون على عدوكم بقوتكم ولا عُدتكم، ولكن تُنصرون عليه بطاعتكم لربكم ومعصيتهم له، فإن تساويتم في المعصية كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العُدّة والعتاد.
فإذا بعُد المسلمون عن دين ربهم، وإذا هجروا نهج رسولهم صلى الله عليه وسلم كُتب عليهم الهلكة والذلّة والصغار، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ».
وإذا كان هذا حال محقّرات الذنوب، تلك التي يستحقرها العبد من فرط هوانها، فما تزال تجتمع عليه حتى تهلكه، فما البال وما الخطب بكبائر الذنوب من ترك الصلاة، والزنا، والتعامل بالربا، وشرب الخمور، والسب واللعن، وأكل المال الحرام، فأي نصر يُرجى ويُتَوقّع بعد هذا.
كانت هذه هي أهم عوامل السقوط في دولة الأندلس، وهناك غيرها الكثير مثل:
وكان ذلك واضحا جدا خاصة في ولاية هشام بن الحكم، وولاية الناصر بعد أبيه يعقوب المنصور الموحدي، وأيضا ولاية جميع أبناء الأحمر في ولاية غرناطة.
- الجهل بالدين
وقد وضح جيدا قيمة العلم والعلماء في زمن عبد الله بن ياسين، وزمن الحَكم بن عبد الرحمن الناصر، وما حدث في عهدهما من قوّة بعد هذا العلم، ووضح أيضا أثر الجهل في نهاية عهد المرابطين، وفي عهد دولة الموحدين، حيث انتشر الجهل بين الناس، وسادت بينهم آراء ومعتقدات غريبة وعجيبة، كان من ذلك أيضا ما حدث من الجهل بأمر الشورى، والذي هو أصل من الأصول التي يجب أن يحكم بها المسلمون، وكيف اعتدوا بآرائهم، وكيف قبل الناس ذلك منهم؟!
ومثل أيضا ما كان من غزو محمد بن الأحمر الأول لإشبيليّلة، وقد تبعه الناس في ذلك ظنا منهم أنهم على صواب، وأنهم أصحاب رسالة وفضيلة، وأيّ جهل بالدين أكثر من هذا؟!
بعد الدرس الأول والوقوف على عوامل وأسباب السقوط كان هذا الدرس الثاني، وهو ما نستقيه من تاريخ الأندلس، حيث إنه لا يغيب الأمل أبدا في نصر الله، فإن الله دائما ما يقيض لهذه الأمة من ينصرها، ومن يجدد لها أمر دينها.
وقد حدث مثل ذلك كثيرا في تاريخ الأنلس، كان منه ما حدث في نهاية عهد الولاة، وذلك بقيام عبد الرحمن الداخل، ثم ما حدث أيضا في نهاية الإمارة الأموية على يد عبد الرحمن الناصر، وهكذا في كل عهد تجد من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، تجد يوسف بن تاشفين، وتجد يعقوب المنصور الموحدي، وتجد يعقوب المنصور الماريني، وغيرهم الكثير.
وقد يتساءل البعض قائلا: لقد انتهى الإسلام من بلاد الأندلس بالكلية، فأين ذاك القيام، الذي من المفترض أن يكون بعد هذا الانتهاء، طالما كانت قد جرت السنة على ذلك؟!
وفي معرض الرد على مثل هذا السؤال نسوق حدثا في غاية الغرابة، فقد حدث قبل سقوط الأندلس الأخير بنحو أربعين سنة حادثا عجيبا، وأعجب منه هذا التزامن الذي فيه، فقد فُتحت القسطنطينية في سنة 857 هـ= 1453 م أي قبل سقوط الأندلس بأربعين عاما، فكان غروب شمس الإسلام على أوروبا من ناحية المغرب يزامنه شروق جديد عليها من ناحية المشرق، واستبدل الله هؤلاء الذين باعوا، وأولئك الذين خانوا من ملوك غرناطة في الأندلس بغيرهم من العثمانيين المجاهدين الفاتحين الأبرار، الذين فتحوا القسطنطينية وما بعدها، وقد بدأ الإسلام ينتشر في شرق أوروبا انتشارا أسرع وأوسع مما كان عليه في بلاد الأندلس وفرنسا.
وإنها وأيم الله لآية من آيات الله سبحانه وتعالى تبعث الأمل وتبثه في نفوس المسلمين في كل وقت وكل حين، مبشرة ولسان حالها: أمة الإسلام أمة لا تموت.
كان الدرس الثالث من تاريخ الأندلس هو الأخطر من نوعه، وتبدو معالمه في سؤال ربما يكون قد شغل أذهان البعض كثيرا، وهو: لماذا انتهى الإسلام بالكليّة من بلاد الأندلس؟!
فبلاد الأندلس (أسبانيا والبرتغال) هي اليوم من أقل بلاد العالم في عدد المسلمين، والذين بلغ عددهم فيها مائة ألف مسلم فقط، أي أقل من عدد المسلمين في مدينة من مدن أمريكا.
ففي مدينة دالاس الأمريكية وحدها يصل عدد المسلمين إلى مائة ألف مسلم، وهي بعد لم تكن قد حكمت بالإسلام، بينما تعداد المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية (أسبانيا والبرتغال) وبعد أن حُكمت ثمانية قرون بالإسلام لا يزيد عن مائة ألف مسلم، وهو أمر في غاية الغرابة.
ومن هنا كان هذا السؤال: لماذا انتهى الإسلام من بلاد الأندلس بالكليّة كأفراد وشعوب ولم ينته من البلاد الأخرى، والتي استُعمرت استعمارا صليبيا، طال أمده في بعض الدول مثل الجزائر التي احتُلت ثلاثين ومائة سنة، ومصر التي احتُلت سبعين سنة، وفلسطين احتُلت مائتي سنة في زمن الصليبيين، وغيرها من الدول الإسلامية التي غُلبت على أمرها، ورغم ذلك لم يندثر المسلمون أيا كانت طريقة اندثارهم ولم يتغيروا، وظلوا مسلمين وإلى الآن؟!
وللإجابة على هذا التساؤل لننظر أولا ما كان يفعله الاستعمار الأسباني في بلاد الأندلس، فقد كان الاستعمار الأسباني استعمارا استيطانيا إحلاليا، ما إن يدخلوا بلدا إلا قتلوا كل من فيه من المسلمين في حرب إبادة جماعية، أو يطردونهم ويهجّرونهم إلى خارج البلد، ثم يُهجّروا إليها من النصارى من أماكن مختلفة من الأندلس وفرنسا من يحل ويعيش في هذه المدن وتلك الأماكن التي خلفها المسلمون، وبذلك لم يعد يبقى في البلاد مسلمون.
وحكم البلاد وعاش فيها بعد ذلك نصارى وأبناء نصارى، على عكس ما كان يحدث في احتلال البلاد الإسلامية الأخرى مثل مصر والجزائر وليبيا وسوريا وغيرها، فإن الاحتلال في هذه البلاد كان بالجيوش لا بالشعوب، واحتلال الجيوش ولا شك مصيره إلى ردة وزوال.
وإن مثل هذا ليضع أيدينا على شيء هو في غاية الأهمية، ذلك أن الاحتلال الاستيطاني هذا الذي حدث في بلاد الأندلس لم يتكرر في أيٍ من بلاد العالم إلا في مكان واحد فقط، وهو أيضا يخص المسلمين، وهو فلسطين.
وإن ما يحدث الآن فيها وعلى أرضها ما هو إلا تكرار لأندلس جديدة، ما يفعله اليهود الآن من تهجير اليهود إلى أرض فلسطين، وإبادة في الشعب الفلسطيني بالقتل والطرد والتشريد، وإصرارهم (اليهود) على عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم، ثم الإكثار من بناء المستعمرات، كل ذلك وغيره ما هو إلا خطوة من خطوات إحلال الشعب اليهودي مكان الفلسطيني.
فقد شُرّد الشعب الفلسطيني وبات مصيره في طي النسيان، بات العالم أجمع ينسى قضيته يوما بعد الآخر، بل بات محتملا أن ينسى هو نفسه (الشعب الفلسطيني) قضيته، وأخشى والله أن ينسى الفلسطينيون المشردون القضية تماما كما نسيها أهل الأندلس الذين هاجروا إلى بلاد المغرب وإلى تونس والجزائر بعد عام أو عامين، أو حتى بعد عشرة أو مائة عام، فقد مر الآن على سقوط الأندلس خمسمائة عام، فمن يفكر في تحريرها؟!
وهكذا وعلى هذا الوضع يسير اليهود ويجمعون ويُهجّرون شتاتهم إلى بلاد فلسطين لإحلال الشعب اليهودي مكان الشعب الفلسطيني.
فكانت قضية فلسطين شديدة الشبه بالأندلس، وتُرى لماذا عُقد اتفاق السلام الأخير بين اليهود وبين الفلسطينيين، ومن بين كل بلاد العالم هناك يعقد في إحدى مدن الأندلس القديمة في مدريد؟!
كانت مفاوضات السلام تدور في أوسلو وترعاها أمريكا وروسيا وغيرها من البلاد، ومع ذلك أُقيمت في "مدريد" وفي إزالة علامات التعجب أن ذلك كان بسبب أن المفاوضات قامت في سنة 1992 م *، وهي ذكرى سقوط الأندلس، حيث كان قد مر على سقوطها خمسمائة عام.
ففي تلك الأثناء كانت شوارع "مدريد" مكتظة بالاحتفالات والمهرجانات، حيث هزيمة المسلمين وانتصار الصليبيين في هذه الموقعة القديمة منذ خمسمائة عام، وكأنهم يبعثون برسالة مفادها: ها هو التاريخ يتكرر، وها هي أحداث الأندلس تتكرر من جديد في فلسطين، وها هي الانتفاضة التي تحدث في فلسطين تُقتَل كما قُتلت من قبل انتفاضة موسى بن أبي غسّان في غرناطة، ها هو التاريخ يتكرر، لا داعي للحرب ولا داعي للجدال والمحاورات الكثيرة؛ فإن مصيركم هو ما حدث في الأندلس من قبل.
وأخيرًا
بعد هذه الدراسة، وبعد تلك الحقبة المهمة من تاريخ المسلمين، نستطيع أن نسطر من جديد: ما كان التاريخ- وتاريخ الأندلس خاصة- يوما ما بُكاء على اللبن المسكوب، ولا عيشا في صفحات الماضي، إنما كان لأخذ الدرس والعبرة، وكما ذكرنا في البداية: {فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176]. وأيضا: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف:111].
والذي يجب أن يشغلنا الآن هو أن نقف مع تاريخ الأندلس وقفة نفهم منها أحداث فلسطين والعراق أحداث الشيشان وكوسوفا والبوسنة والهرسك وكشمير، وغيرها من البلاد، وما هو دور الشعوب والأفراد في قضية فلسطين حتى لا تصبح أندلسا أخرى.
والذي يجب أن يشغلنا هو أن يعرف كل منا دوره في الحياة، ومن ثم يقوم عليه بأحسن ما يكون وأحسن ما يجب أن يكون القيام، وإن معرفة مثل ذلك لتقبع خلف كل صفحة من صفحات تاريخ الأندلس، وخلف كل صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي بصفة عامة.
وليعلم كل منا أنه إنما هو على ثغرة عظيمة من ثغور الإسلام، فليحذر وليحرص كل الحرص على ألا يُؤْتى الإسلام من قِبله، ولا يُلدغ الثانية، وقد قال عز وجل: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [النور:55].