هل يجوز أن يدعو الإنسان : اللهم إن كنت مخلصا في عملي هذا فنجحني ، مثلا ، أو فأتممه لي ؟ أي ربط استجابة الدعاء بالإخلاص في العمل ، أي إن استجاب الله وتم العمل المعين فهذا دليل على أن الله قد قبله ، وأنه مخلص به ، وإن لم يستجب الله فهو دليل على عدم إخلاص الداعي ؛ لأنه ربط الإخلاص في دعائه بحدوث أو تمام العمل ؟
الجواب :
الحمد لله
يجوز أن يدعو الإنسان فيقول في دعائه : اللهم إن كنت مخلصاً في عملي هذا فنجحني فيه ، أو : فأتمه لي .
وقد ورد مثل ذلك في حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار ، فسألوا الله بأعمالهم الصالحة ، فكان كل منهم يقول في دعائه : (اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه) ، فاستجاب الله تعالى دعاءهم . وننقل هنا نص الحديث :
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ ، فَدَخَلُوهُ ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ ، فَقَالُوا : إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ .
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ – الغَبُوق : شرب اللبن آخر النهار - قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا ، فَنَأَى – أي : بَعُدَ - بي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا ، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا ، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا ، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا ، حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا .
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ .
فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا ، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ : لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ . فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا .
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ .
فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي . فَقُلْتُ لَهُ : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ . فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئُ بي . فَقُلْتُ : إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ . فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا .
اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ .
فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ ) رواه البخاري (2272) ، ومسلم ( 2743 ) .
ولكن لا يلزم من ذلك أن الله إذا وفقه في عمله أو أتمه له أن هذا الداعي كان مخلصاً في عمله ذلك ، وأنه إذا لم يوفق لم يكن مخلصاً .
لأنه قد يكون مخلصاً في عمله ولكن الله تعالى منعه الإجابة لسبب آخر ، كعقوبة له على معصية فعلها ، أو أكله الحرام ... ونحو ذلك .
وقد يكون غير مخلص في عمله ولكن الله يتمه له لسبب آخر غير الدعاء ، إما استدراج له ، أو أن هذا الدعاء وافق القدر المكتوب سابقاً ، فحصل ما قدره الله تعالى ، ولكن لا بسبب الدعاء .
وقد يكون ذلك قرينة على إخلاصه في العمل وأن الله تعالى قبل دعاؤه ، ولكننا لا يمكننا الجزم بذلك .
وقال يحكى أن ملك من الملوك أراد أن يبني مسجد في مدينته وأمر أن لا يشارك أحد في بناء هذا المسجد لا با المال ولا بغيره...حيث يريد أن يكون هذا المسجد هو من ماله فقط دون مساعدة من أحد وحذروأنذر من ان يساعد احد في ذلك وفعلاً تم البدء في بناء المسجد ووضع أسمه عليه وفي ليلة من الليالي رأى الملك في المنام كأن ملك من الملائكة نزل من السماء فمسح أسم الملك عن المسجد وكتب أسم أمراة فلما أستيقظ الملك من النوم أستيقظ مفزوع وأرسل جنوده ينظرون هل أسمه مازال على المسجد فذهبوا ورجعوا وقالوا نعم أسمك مازال موجود ومكتوب على المسجد وقالوا له حاشيته هذه أظغاث أحلام وفي الليلة الثانية رأى الملك نفس الرؤيا رأى ملك من الملائكة ينزل من السماء فيمسح أسم الملك عن المسجد ويكتب أسم أمراة على المسجد وفي الصباح أستيقظ الملك وأرسل جنودة يتأكدون هل مازال أسمه موجود على المسجد ذهبوا ورجعوا وأخبروه أن أسمه مازال هو الموجود على المسجد تعجب الملك وغضب فلما كانت الليلة الثالثة تكررت الرؤيا فلما قام الملك من النوم قام وقد حفظ أسم المرأة التي يكتب أسمها على المسجد أمر با أحضار هذه المرأة فحضرت وكانت أمرأة عجوز فقيرة ترتعش فسألها: هل ساعدت في بناء المسجد الذي يبنى قالت : يا أيها الملك أنا أمرأة عجوز وفقيرة وكبيرة في السن وقد سمعتك تنهى عن أن يساعد أحد في بناءه فلا يمكنني أن أعصيك فقال لها: أسألك بالله ماذا صنعت في بناء المسجد قالت: والله ما عملت شيء قط في بناء هذا المسجد إلا قال الملك نعم إلا ماذا? قالت إلا أنني مررت ذات يوم من جانب المسجد فأذا أحد الدواب التي تحمل الأخشاب وأدوات البناء للمسجد مربوط بحبل الى وتد في الأرض وبالقرب منه سطل به ماء وهذا الحيوان يريد ان يقترب من الماء ليشرب فلا يستطيع بسبب الحبل والعطش بلغ منه مبلغ شديد فقمت وقربت سطل الماء منه فشرب من الماء هذا والله الذي صنعت فقال الملك أييييه...عملتي هذا لوجه الله فقبل الله منك وأنا عملت عملي ليقال مسجد الملك فلم يقبل الله مني فأمر الملك أن يكتب أسم المرأة العجوزعلى هذا المسجد
أنتهت القصة *** سبحان الله...سبحان الله...سبحان الله لاتحتقر شيء من الأعمال فما تدري ماهو العمل الذي قد يكون فيه دخولك الجنات و نجاتك من النيران أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس )
وحدث ابو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ( أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار ، يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش ، فنزعت له بموقها ، فغفُر لها ) رواه مسلم..
سبحان الله لاتحتقر شيء من المعروف وصنع الخير وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق))