لم يكد أمجد إبراهيم ينته من رحلة البحث عن شريكة حياته، حتى بدأ رحلة مضنية في حسبة تكاليف المحطة الأخيرة من الرحلة.
فـ “الأحلام الوردية”، بحسب وصف الشاب الثلاثيني، تحطمت على صخرة الواقع فيما بعد، والتي تتجسّد في تكاليف الزواج.
“رغم حالة الركود الاقتصادي التي يمر بها الأردن والعالم، إلا أن تكاليف الزواج لا زالت عالية ” يقول أمجد إبراهيم، ويضيف “الدخول المتدنية لدى الشعب الأردني تلعب دورا كبيرا، حيث لا تساعد على تحمل تكاليف الزواج، نفقات عش الزوجية”.
وتختلف تكاليف الزواج في الأردن حسب الطبقة الاجتماعية، فطبقة أصحاب الدخول المرتفعة جدا، تغالي في الإنفاق حد الترف، حيث يتداول الأردنيون أرقاما تحمل بعض المبالغة لتكاليف زواج هذه الطبقة، لكنها بدون شك أرقام أعلى بكثير من مقدرة السواد الأعظم من الشعب.
أما الطبقة المتوسطة، التي أخذ دخلها يتآكل في السنوات الأخيرة، فتبدأ تكاليف الزواج من 20 ألف دولار، تشمل المهر والخطبة وتجهيز بيت العمر وحفلة العرس، فيما ترتفع التكاليف أكثر من ذلك، في حال قرر العروسان قضاء شهر العسل خارج الأردن.
ويوضح إبراهيم، الموظف في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، أن ارتفاع التكاليف انعكست على عمر الزواج في الأردن.
ويقول أن “أهل الفتاة في غالب الأحيان هم من يتحملون مسؤولية تأخر سن الزواج، فهم أي الأهل يغالون في طموحاتهم عند تزويج بناتهم، حيث يسعون وراء الكماليات مما يؤدي إلى تأخر الشاب في زواج وبالتالي تأخر عمر الفتاة من اجل توفير المتطلبات الزوجية التي ترقى إلى طموحات الأهل لا الفتاة”.
ويؤكد إبراهيم أن “ما يزيد العبء على الشاب تحمّله وحده لتكاليف الزواج، بخلاف بعض العادات المنتشرة في المجتمعات العربية المجاورة، التي يتحمل أهل الفتاة جزءا من التكاليف، فتكون الطلبات في حدود قدرة الشاب وأهل الفتاة دون مغالاة”.
وبدأت ظاهرة ارتفاع عدد الفتيات العازبات تتنامى في المجتمع الأردني في السنوات الأخيرة، واعتبر مراقبون وجود أكثر من 87 ألف فتاة أعمارهن من 30 إلى 49 سنة تخطين سن الزواج بمثابة جرس إنذار يضرب بقوة في المجتمع الأردني.
وتشير إحصائيات جمعية العفاف الخيرية (وهي جمعية تساعد الشباب على الزواج في الأردن) إلى ارتفاع متوسط سن الزواج بالنسبة للذكور من 20 عاما سنة 1961 إلى ما يقارب الثلاثين عاما سنة 2008 ، وإلى ارتفاع متوسط سن الزواج بالنسبة للإناث من 18 عاما تقريبا سنة 1961 إلى ما يزيد عن 29 عاما خلال عام 2008.
ودفعت هذه الإحصائيات إلى دعوات من قبل الجمعية إلى إنشاء مؤسسات إسكانية تعنى بتخصيص مساكن للمقبلين على وبأقساط ميسرة، وأن تساهم الحكومة في إيجاد مثل هذه المؤسسات، إلى جانب ضرورة دعم فكرة الأعراس الجماعية باعتبارها وسيلة عملية للتقليل من تكاليف حفلات الزفاف.
وتقدم جمعية العفاف الخيرية قروضا حسنه بالتعاون مع البنك الإسلامي الأردني، تسدد على أقساط ميسرة، استفادت منها نحو سبعة آلاف حالة فقط، منذ أن نظمت الجمعية أول حفل زفاف جماعي عام 1995 بمشاركة 1018 زوجا، تتكفل فيه بجميع نفقات الحفلات.
وإلى جانب ذلك، يقتصر دور جمعية العفاف في التوعية المجتمعية بأهمية التعاون لتقليل تكاليف الزواج، لتغلب على تأخر سن الزواج لدى كلا الجنسين، والتأكيد إلى أن الإسلام دعا إلى تيسير المهور حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أقلكن مهرا أكثركن بركة”.
وفاقم من مشكلة ارتفاع تكاليف الزواج، المرتفعة أصلا في الأردن، بسبب العادات والتقاليد، ارتفاعات متتالية في أسعار السلع والخدمات التي أثرت على معدلات التضخم ليتآكل دخل المواطن.
ولا تتوفر إحصائيات رسمية حديثة حول معدلات المهور في الأردن، فإحصاءات دائرة قاضي القضاة التي تعود إلى عام 2003 تظهر أن متوسط المهر المعجل وصل في المملكة إلى 2335 دينارا، والمؤجل بلغ 3386 دينارا، أما اليوم فقد ارتفع هذا الرقم بدون شك بحسب مراقبين.
فغرام الذهب، الذي يعتبر أساسيا في تجهيزات العرس الأردني بمختلف طبقاتها، تضاعف من 7 دنانير قبل بضعة سنوات إلى (16-18) دينارا في العامين الأخيرين، أما إيجارات صالات الأفراح فقد زادت بنسبة 30%، ناهيك عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والأثاث بمقدار الضعف.
ويشير الخبير الاقتصادي أحمد النمري إلى ظاهرة ارتفاع تكاليف الزواج في الأردن بالقول أن ما يسمى في علم الاقتصاد “أثر التقليد”، وهو محاولة من لا يملكون الإمكانيات المادية مجاراة الأثرياء في سلوكياتهم المادية حتى ولو عن طريق الاستدانة وإتباع سلوكيات خاطئة كالرشوة.
ويضيف أن ذلك لا يعني أن لا يفرح الأثرياء، بل بالعكس أن يفرحوا ولكن دون إسراف في مظاهر الفرح بدعوى أن ذلك من الكرم، فهناك فرق بين الكرم والبذخ لا بد أن يكون واضحا في الأذهان حتى لا يختلط الأمر عند الكثيرين.
في المحصلة، يبقى ارتفاع تكاليف الزواج في الأردن مرتبطا بعوامل اجتماعية تحكمها العادات والتقاليد، والتي يمكن أن يؤدي التجاوز عنها إلى تخفيض التكاليف، ويلعب كذلك أهل الفتاة دورا إضافيا في هذا المحور، وحتى العوامل الخارجية المتعلقة بزيادة الأسعار، يمكن التحكم بها عن طريق القناعة وعدم المغالاة في الاحتفال.