وقال الإمام أحمد رحمه الله: (ليس على المسلم نصح الذِّمِّي، وعليه نصح المسلم)
سئل ابن عباس رضي الله عنهما، عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: (إن كنت فاعلًا ولابد، ففيما بينك وبينه)
وقال الحسن: (إنك لن تبلغ حق نصيحتك لأخيك، حتى تأمره بما تعجز عنه)
هذه احاول فهمها ؟!!
وقال عمر بن عبد العزيز: (لو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل الذي خلق له من عبادة ربه، إذن لتواكل الناس الخير، وإذن يرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلَّ الواعظون والساعون لله عزَّ وجلَّ بالنَّصِيحَة في الأرض)
لاحظ هنا فقه عمر بن عبد العزيز ان الناصح لا يشترط فيه ان يكمل ما خلق الله له من عبادة ربه فقد تاتي النصيحه من مسلم عليه بعض الملاحظات فهو ناصح ويستحق النصيحه اياضا فلا يوقفه ذاك عن النصيحه
وقال معمر: (كان يقال أنصح الناس لك من خاف الله فيك. وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرًا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه)
أولًا: اتفق العلماء على أنها واجبة.
ثانيًا: اختلفوا في فرضيتها؛ فذهب بعضهم إلى أنها فرض عين، وذهب البعض الآخر إلى أنها فرض كفاية
والدليل على وجوب النَّصِيحَة قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي سبق ذكره ((الدين النَّصِيحَة...))
قال ابن مفلح: (وظاهر كلام أحمد والأصحاب وجوب النصح للمسلم، وإن لم يسأله ذلك كما هو ظاهر الأخبار
وقال ابن بطال: (والنَّصِيحَة فرض يجزي فيه من قام به ويسقط عن الباقين. قال: والنَّصِيحَة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة)
1- النَّصِيحَة لب الدين وجوهر الإيمان.
2- دليل حب الخير للآخرين، وبغض الشر لهم.
3- تكثير الأصحاب؛ إذ إنه يؤمن منه الجانب، وتقليل الحساد؛ إذ إنه لا يحب لغيره الشر والفساد.
4- صلاح المجتمع؛ إذ تشاع فيه الفضيلة، وتستر فيه الرذيلة.
5- إحلال الرحمة، والوداد مكان القسوة والشقاق.
6- الاشتغال بالنفس لاستكمال الفضائل من تمام النصح.
7- بيان خطأ المخطئ في المسألة والمسائل- وإن كرهه- من النَّصِيحَة الواجبة لا من الغيبة المحرمة.
8- من قام بها على وجهها يستحق الإكرام لا اللوم والتقريع
صور النَّصِيحَة لعامة المسلمين :
يندرج تحت النَّصِيحَة لعامة المسلمين صور كثيرة منها:
1- (الشَّفقة عليهم.
2- السعي فيما يعود نفعه عليهم.
3- تعليمهم ما ينفعهم، وكف وجوه الأذى عنهم.
4- أن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه)
5- (إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم.
6- ستر عوراتهم وسد خلاتهم ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم.
7- أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص.
8- توقير كبيرهم ورحمة صغيرهم.
9- تخولهم بالموعظة الحسنة.
10- ترك غشهم وحسدهم.
11- الذب عن أموالهم وأعراضهم)
1- الإخلاص في النَّصِيحَة:
على الناصح أن يرجو بنصيحته وجه الله تبارك وتعالى فلا يقصد بنصيحته الأغراض الدنيوية من رياء، وسمعة، وحب شهرة وغيرها.
قال تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 3].
وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5]
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))
2- العلم بما ينصح به:
الذي يقوم بالنَّصِيحَة لا ينصح في أمر يجهله، بل لا بد أن يكون عالمًا بما ينصح به، ولديه علم شرعي وأدلة من الكتاب والسُّنَّة في الجانب الذي يتكلم فيه، قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36].
3- أن لا يجهر بنصيحته:
أن يكون مسرًا بنصيحته فلا ينصح أمام الملأ جهرًا:
قال الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النَّصِيحَة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي |
فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
وقال ابن رجب: (وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرًا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه)
وقال ابن حزم: (إذا نصحت فانصح سرًا لا جهرًا أو بتعريض لا بتصريح إلا لمن لا يفهم، فلا بد من التصريح له)
4- أن يراعى الوقت والمكان المناسب:
قال علي رضي الله عنه: (إنَّ هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان: فابتغوا لها طرائف الحكمة)
وقال عبد الله بن مسعود: (إنَّ للقلوب شهوةً وإقبالًا، وفترةً وإدبارًا فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها)
5- اللين والرفق في النَّصِيحَة:
أن تكون النَّصِيحَة بالرفق واللين، والأسلوب الحسن، مع انتقاء الألفاظ المحببة، وعدم استخدام الأساليب المنفرة، قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125].
وقال سبحانه: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53].
فعن ثابت أن صلة بن أشيم وأصحابه أبصروا رجلا قد أسبل إزاره، فأراد أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم، فقال صلة: (دعوني أكفيكموه، فقال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة، قال: فما ذاك يا عم؟ قال: ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمة عين، فقال لأصحابه: هذا كان مثل لو أخذتموه بشدة؟، قال: لا أفعل، وفعل)
6- أن لا تكون النَّصِيحَة على شرط القبول:
قال ابن حزم: (ولا تنصح على شرط القبول منك، فإن تعديت هذه الوجوه، فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة لا مؤدي حق ديانة وأخوة، وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة، ولكن حكم الأمير مع رعيته والسيد مع عبيده)
1. البدء بقضاء حاجته ثمَّ القيام بنصيحته:
ومما يدل على ذلك ما روي عن حكيم بن حزام قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي يا حكيم إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فيأبى أن يقبله، فقال يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي رحمه الله))
2. تقديم الهدية:
الهدية لها أثرها في النفس، وبنفس الوقت يمكن أن تحمل معاني تربوية، ووصايا إيمانية.
3. التواصل بالرسائل:
وهي وسيلة جيِّدة للتناصح، وقد استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الإسلام، وما زال السلف الصالح يقتفون أثره في هذه السنة المباركة.
4. الزيارة للعلماء والدعاة:
أن المنصوح قد يتقبل من شخص دون آخر؛ ولذلك فقد يكون من وسائل قبول بعض الناس للنصيحة زيارة عالم تقي، أو داعية مشهور، يسوق النَّصِيحَة بأسلوبه المؤثر.
5. الصحبة والخلطة:
الصحبة من الوسائل التي توثق الصلة بالأشخاص، وتقرِّب الداعية من المدعو، وكلما كانت العلاقة أعمق كان التناصح أكبر وأسرع، فالعلاقات السطحية بالمدعوين قد لا تمكن الداعية من إيصال نصحه إليهم، ولذلك لا بد من اللقاءات الأخوية، والرحلات التربوية، والمخيمات الدعوية
نماذج من نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناصح صحابته في جميع الأمور، فكان يناصحهم في الأمور التعبدية، والقضايا الدعوية، والشؤون الأسرية وغيرها،
- فعن معاذ رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
((إنك تأتي قوما من أهل الكتاب. فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))
وأيضًا نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا وأبا موسى الأشعري حينما بعثهما إلى اليمن فقال: ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كنت عند النَّبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنَّه تزوَّج امرأة من الأنصار. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا. قال: فاذهب فانظر إليها، فإنَّ في أعين الأنصار شيئًا))
عن علقمة قال: (كنَّا جلوسًا مع ابن مسعود، فجاء خباب فقال: يا أبا عبد الرحمن أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرؤوا كما تقرأ، قال أمَّا إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك، قال أجل: قال اقرأ يا علقمة، فقال زيد بن حدير أخو زياد بن حدير: أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا، قال: أما إنَّك إن شئت أخبرتك بما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه، فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله: كيف ترى؟ قال قد أحسن، قال عبد الله: ما أقرأ شيئًا إلا وهو يقرؤه، ثم التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب فقال: ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى؟ قال: أما إنك لن تراه عليَّ بعد اليوم فألقاه) رواه البخاري )4961(
وعن ابن حرملة، مولى أسامة بن زيد (أنَّ الحجاج بن أيمن ابن أم أيمن - وكان أيمن أخا أسامة لأمه، وهو رجل من الأنصار - فدخل الحجاج فصلى صلاة لا يتم ركوعه ولا سجوده، فرآه ابن عمر، فدعاه حين فرغ، فقال: يا ابن أخي، أتحسب أنك صليت؟ إنك لم تصل، فعد لصلاتك)
وهنا حقيقة لا استطيع التوفيق بين النصح سرا وبين هذا الحديث
- دخل عطاء بن أبي رباح على هشام بن عبد الملك، فقال له هشام: (مرحبًا مرحبًا هاهنا، هاهنا، فرفعه حتى مسَّت ركبته ركبته، وعنده أشراف الناس يتحدَّثون فسكتوا. فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، أهل الحرمين أهل الله، وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم تقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم؛ قال: نعم، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة. ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز وأهل نجد أصل العرب وقادة الإسلام ترد فيهم فضول صدقاتهم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن ترد فيهم صدقاتهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم، ويقاتلون عدوَّكم قد أجريتم لهم أرزاقًا تدرُّها عليهم، فإنهم إن يهلكوا غزيتم، قال: نعم، اكتب بحمل أرزاقهم إليهم يا غلام. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل ذمتكم لا تجبى صغارهم ولا تتعتع كبارهم، ولا يكلفون ما لا يطيقون، فإن ما تجبونه معونة لكم على عدوكم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن لا يحملوا ما لا يطيقون. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتق الله في نفسك، فإنَّك وحدك، وتموت وحدك، وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، لا والله ما معك ممن ترى أحد.
قال: وأكبَّ هشام، وقام عطاء. فلمَّا كنا عند الباب إذا رجل قد تبعه بكيس ما أدري ما فيه أدراهم أم دنانير! وقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا، قال: لا أسألكم عليه أجرًا، إنَّ أجري إلا عند ربِّ العالمين. ثم خرج عطاء، ولا والله ما شرب عندهم حسوة من ماء فما فوقه)
وعن هارون بن عبد الله الحمَّال قالجاءني أحمد بن حنبل بالليل فدق علي الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، فبادرت أن خرجت إليه، فمسَّاني ومسَّيته، قلت: حاجة يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، شغلت اليوم قلبي، قلت: بماذا يا أبا عبد الله؟ قال: جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء، والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس)
المِزَاح نوعان:
النَّوع الأوَّل المِزَاح المذموم:
وقد عرَّفه الإمام النَّوويُّ فقال: (اعلم أنَّ المِزَاح المنهيَّ عنه هو الذي فيه إفراط ويُدَاوَم عليه، فإنَّه يورث الضَّحك وقسوة القلب، ويُشغل عن ذكر الله والفِكْر في مهمَّات الدِّين، ويؤول في كثيرٍ من الأوقات إلى الإيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوَقَار)
النَّوع الثَّاني المِزَاح المحمود:
وهو ما سَلِم من تلك الأمور المذكورة في تعريف المِزَاح المذموم:
قال النَّوويُّ: (فأمَّا ما سَلِم من هذه الأمور، فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله على النُّدرة لمصلحة تَطْيِيب نفس المُخَاطَب ومؤانسته، وهو سنَّة مستحبَّة).اهـ
1- ألَّا يكون فيه استهزاء بشيء من أمور الدِّين:
لأنَّ الاستهزاء بالدِّين يُعتبر ناقض مِن نواقض الإسلام، ومُخْرِج لصاحبه من الملَّة، قال سبحانه وتعالى: ولَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ ونَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وآيَاتِهِ ورَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ [التَّوبة: 65-66].
2- أن لا يتضمَّن المِزَاح سخريةً أو استهزاءً بالآخرين، وما أكثر هذه الآفة في المَزَّاحين، ولا يخفى أنَّ السُّخرية بالآخرين تُعتبر كبيرة من الكبائر، قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُـونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْـقَــــابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ومَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11].
3- أن يكون هذا المِزَاح بصدق، ولا يُدخِل المازح فيه الكذبَ من أجل إضحاك من حوله، فقد جعل النَّبي صلى الله عليه وسلم هذا ضابطاً لمَزْحِه الذي يجب علينا أن نتأسَّى به فيه، عندما قال له الصَّحابة -رضوان الله عليهم-: يا رسول الله، إنَّك تداعبنا! قال: ((إنِّي لا أقول إلَّا حقًّا))
4- أن لا يترتَّب عليه ضرر على الآخرين، كإراعة الشَّخص بقصد المِزَاح معه، فقد نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن أبي ليلى الأنصاري، قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فأخذ بعض أصحابه كِنَانة رجل, فغيَّبوها ليمزحوا معه، فطلبها الرَّجل، ففقدها، فرَاعَه ذلك، فجعلوا يضحكون منه، فخرج النَّبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما أضحككم؟ قالوا: لا، والله إلَّا أنَّا أخذنا كِنَانة فلان لنمزح معه، فرَاعَه ذلك، فذلك الذي أضحكنا، فقال: لا يحلُّ لمسلم أن يروِّع مسلماً))
5- من الضَّوابط: أن لا يتَّخذ المرء المِزَاح دَيْدَنه وعادته، وإنَّما يكون كالملح في الطَّعام، فإنَّ الإكثار من المِزَاح مُذْهِبٌ للمروءة، ويُفقد الشَّخص الهيبة، وقد يؤدِّي إلى أن يجعل الشَّخص مسخرة، كذلك لا يبالغ في المِزَاح ولا يطيل فيه.
6- أن يراعي الشَّخصَ الذي يمزح معه، فما كلُّ شخصٍ يُمْزَح معه، ولا بدَّ من إنزال النَّاس منازلهم في المِزَاح، فقد قيل: (لا تمازح الشَّريف فيحقد عليك، ولا الدَّنيَّ فيجترئ عليك)
7- أن يخلو من المعاصي التي كثيراً ما تصاحب المِزَاح غير المنضبط، كالغيبة والهَمْز واللَّمز.
8- اختيار الوقت المناسب للمزاح، وهذا من الضَّوابط المهمَّة للمَزْح، ليس كلُّ وقت يَصلُح للمِزَاح، ولا كلُّ زمان تليق فيه الدُّعابة.
- كان سماحة الشَّيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- حريصاً على ملاطفة جُلَّاسه، وإدخال السُّرور عليهم، وكان يداعبهم، ويمازحهم مزاحاً لا إسراف فيه ولا إسفاف، فمن ذلك: جاءه -ذات مرَّة- مُطَلِّق، فقال له: ما اسمك؟ قال: ذيب، قال: ما اسم زوجتك؟ قال: ذيبة، فقال سماحته -مداعباً-: أسأل الله العافية! أنت ذيب، وهي ذيبة، كيف يعيش بينكما الأولاد؟!
وهذا الموقف حصل للشَّيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-، يقول راوي القصَّة:
(صلى الشَّيخ في الحرم المكي، وعند خروجه استقلَّ سيَّارة تاكسي، وأراد التَّوجُّه إلى مِنى، وأثناء الطَّريق أراد السَّائق أن يتعرَّف على الرَّاكب، فقال من الشَّيخ؟ فأجابه الشَّيخ: محمد بن عثيمين. فأجابه السَّائق: أنت الشَّيخ ابن عثيمين؟! -ظناً منه أنَّه يمزح معه- فقال: نعم. فقال السَّائق -وهو يهزُّ رأسه متعجبًّا من جرأته في تقمُّص شخصية الشَّيخ ابن عثيمين، فقال الشَّيخ للسَّائق: ومن الأخ؟ فأجاب السَّائق: أنا الشَّيخ عبد العزيز بن باز. وكان ذلك في حياة ابن باز مفتي عام المملكة، فأجابه الشَّيخ: لكن ابن باز ضرير، ولا يمكن أن يسوق سيَّارة! ولما تبيَّن للسَّائق أنَّه الشَّيخ ابن عثيمين، اعتذر منه، وكان في غاية الحرج. وهذا يدلُّنا على تواضع الشَّيخ، ومداعبته لعامة النَّاس)
ركب أحد طلبة العلم مع الشَّيخ الألباني -رحمه الله- في سيَّارته، و كان الشَّيخ يُسرع في السَّير. فقال له الطَّالب: خفِّف يا شيخ! فإنَّ الشَّيخ ابن باز يرى أنَّ تجاوز السُّرعة إلقاء بالنَّفس إلى التَّهلكة. فقال الشَّيخ الألباني -رحمه لله-: هذه فتوى من لم يجرِّب فنَّ القيادة. فقال الطَّالب: هل أُخْبِر الشَّيخ ابن باز؟ قال الألباني: أخبره. فلمَّا حدَّث الطَّالب الشَّيخ ابن باز -رحمه الله- بما قال الشَّيخ الألباني، ضحك؛ وقال: قل له هذه فتوى من لم يجرِّب دفع الدِّيَّات!!