13- قال تعالى : أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) البقرة
أيها الإخوة: مهما تعاظم الأعداء ، وتكاثرت عددهم ، واختلفت أساليبهم ، فإن نصر الله قريب آتٍ لا محاله , لا رادَّ لأمره و لا معقب لحكمه سبحانه وتعالى .
لكـنه يبتلي عباده المؤمنين،ولا ينصرهم ويمكنهم حتى تحصل لهم جولات من الإبتلاء والتمحيص بها يزكو إيمانهم ، وتعلو همتهم ، وتستوي نفوسهم ، وتصبح مهيأة للريادة ، والقيادة .
إن النصر و الغلبة ( ثمرة عظيمة ) يطلبها جميع الناس ، ولكنها لا تُجتنى إلا بعد نصبٍ وكد ومقاساة ، ونصر الله لا يؤتى لضعاف الإيمان ، مهين الأنفس والعزائم ، بل لابد من اكتمال الأهلية والترقي في مدارج الإيمان والعلم والصبر والابتلاء ، فحينئذ تستوجب الفئة المؤمنة نصر الله كما أوجبه على نفسه سبحانه و تعالى :
فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين
وقال تعالى : إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم
فتحقيق الإيمان واستقامة المؤمنين وصبرهم على الشدائد طريق إلى انتصارهم وغلبتهم ، والمهم أن لا يدب اليأس والخمول إلى نفوس المؤمنين إذا استبطأ النصر ، وعظمت الأرزاء ، إن تلك سنة الله فى عبادة يبلوهم ويختبرهم ليبين جيدهم من رديئهم ، وصالحهم من فاسقهم ، وصابرهم من جازعهم ، والله المستعان .
وفى الصحيح لما شكا خباب رضى الله تعالى عنه ما لقوا من المشركين من شدة، قال له عليه الصلاة والسلام :
((والله ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حَضرمَوت ، لا يخافُ إلا اللهَ والذئبَ على غنمه ، ولكنكم تستعجلون )) .
فأهل الإيمان منصورون مهما اسودت الحياة وتضخم الباطل ، وتحزب الكفار ، هذا ميثاقٌ مؤكد ، ووعدٌ مبرم ، لا ينحل ولا يتخلف ، فلماذا الخوف ، والإنهزام ، والتقهقر واليأس ؟!!
(( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ))
اللهم انصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا و يسر الهدى لنا ،
وانصرنا على من بغى علينا ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
أرسل القيادي الدكتور محمد البلتاجي الرسالة التالية من داخل محبسه بسجن ليمان طره:
حالة من الطمأنينة عجيبة تتحدث عن نفسها ونراها على وجوه المعتقلين "جميعاً" كما نلحظها - أثناء الزيارة - على أسرهم ،كما نتلمسها كذلك -بالسؤال- على أُسر الشهداء والجرحى والمصابين، هي مزيج من الصبر والشكر والاستبشار والرضا بدرجة لا مثيل لها، تتعجب كيف يعيش هذه الحالة من قُتل أبنائهم وإخوانهم ومن أُصيبوا أو أُصيب ذويهم ومن حُرِقت ونُهِبت (عياداتهم/شركاتهم/صيدلياتهم)، ومن صودرت أموالهم الخاصة وفُصلوا عن وظائفهم - تلك التي لم يكتسبوها بواسطة أو محسوبية وإنما بعرق وجهد وكفاح سنين طويلة -..
إنها السكينة التي لا يمنحها إلا الله "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين".. وحين نتأمل ذكر السكينة في كتاب الله نجد وراءها مباشرةً ذكر النصر والفتح والتغيير والانتقال من حال إلى حالٍ جديدة تحمل الخير والبشر للمؤمنين..
حين ترى الزنازين والحبس الانفرادي والأبواب المغلقة عليك طوال 24 ساعة، ترى الظلم والطغيان والقهر الذي لا مثيل له، ولكنك تُذهل وراء تلك الأبواب ومن خلف تلك القضبان بالرحمات والأنوار والبركات التي تملأ الصدور سعادة بالخلوة مع الله والذكر والدعاء والتلاوة والقيام بين يديه.. "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبَله العذاب".. فتتنزل السكينة وتنشرح بها الصدور وتسعد بها القلوب.
درس في الحرية لا مثيل له، تعيشه حين ترى أن ثبات المؤمنين على مبادئهم ومواقفهم واختياراتهم أقوى من كل التهديدات والتخويفات وكأنهم يقولون للظالمين وفرعون "فاقض ما أنت قاض".. فلن تثنينا عن إيماننا ومواقفنا، فالحق الذي نؤمن به وندافع عنه سيبقى أقوى من كل تهديداتك وتخويفاتك (أقوى من القتل والحرق والسجن ونهب الأموال وفصل الوظائف)، وهذا هو الدرس الذي كتبه آلاف الشهداء بدمائهم وأرواحهم قبل وبعد ما كتبته أستاذتي الشهيدة أسماء البلتاجي على صفحتها الشخصية ومن ثم ترجمته معهم بالدم والروح (أن الشهادة لا تمنع الظالمين من إزهاق أرواحنا ولكن تبقى بقوتها وذكراها وخلودها عبر الأجيال دليلا أنهم لا يستطيعون السيطرة على تلك الأرواح وإخضاعها لما يريده الطغاة)..
رحم الله شهدائنا وثبتنا على طريقهم حتى نُدخل عليهم السرور بتحقيق ما فاضت أرواحهم لأجله أو نلحق بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
14- قال تعالى : وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ابراهيم
أيها الإخوة : لا يزال الكفار والظالمون ، يكيدون للدعوة الإسلامية ، ويخططون لها ، ويسعون في إبادتها ، وتمزيق مبادئها ، فهم لا يكلّون في حربها ، ولا يتعبون في حصارها والتجهيز لها ، فإنهم يبذلون لها الأموال والأوقات و المشاعر ، بل يجعلون أموالهم كلها حرباً لدين الله وصد عن سبيل الله ، ولا يكتفون بالقليل .
ومع ذلك كله ، فإن الله لهم بالمرصاد ، محيط بهم ، مطلع علهم ، لا يخفى عليه حربهم ومكرهم ( وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم ) احصاه وأحاط به عز وجل ، وسيجازيهم سبحانه بمثل صنعهم وقصدهم كما قال تعالى : ( ومكروا مكرا ، ومكرنا مكرا ، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين )) وفي ذلك تسليه من الله لعباده المؤمنين ، ورعاية لهم ، بأنه معهم ، يرعاهم ويمكر لهم ويحفظهم والمقصد أن يعتقد المسلمون عداوة الكافرين لله ولرسله ، وأنهم يكيدون الكيد العظيم ويحملون البطش الشديد لأتباع دينه ومن ضخامة مكرهم أن يضاهي شموخ الجبال وصلابتها ، فيكاد يزيلها ، وليست بزائله لحفظ الله لدينه وأتباع رسله وإحاطته بالكافرين (( والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً))
اللهم انصر دينك و كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
15- قال تعالى : إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
لقد كان ( صلح الحديبية ) مع ما كان فيه من غمٍ على المسلمين ، (فتحاً مبيناً ) كما قال تعالى ، فهو صلح لكنه فتح باعتبار ما حصل فيه من من المصالح العظيمة ، والفوائد المجيدة ، قال ابن مسعود رضي الله عنه
( إنكم تعدون الفتح فتح مكة ، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية ) و يروى نحو ذلك عن جابر والبراء رضي الله عنهما .
فى صلح الحديبية صُدَّ الصحابة رضي الله عنهم عن البيت الحرام ، وظُلموا ، وغُبنوا في شروط الصلح وكان من حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد نظره أن قبل بالصلح بما فيه ، وشق ذلك على صحابته لا سيما عمر رضى الله عنه فراجعه وألح فى المراجعة ، ولم يلتفت له رسول الله بل رضي وصبر وانصرف الناس ، فنزلت هذه السورة المباركة منصرفهم إلى المدينة
ففي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام : ( نزل عليَّ البارحة سورة هي أحب إلى من الدنيا وما فيها (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) .
فقال عمر : أو فتح هو يارسول الله ؟! فقال صلى الله عليه وسلم : ( أي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح ) .
وقد كان صلح الحديبية فتحاً مبيناً أي ظاهراً ، لأنه ترتب عليه خير جزيل ، وآمن الناس ، واجتمع بعضهم ببعض ، وتكلم المؤمن مع الكافر ، وانتشر العلم النافع و الإيمان، و بان للناس غطرسة المشركين وتهيّبهم من المسلمين .
وفي هذه الحادثة للداعية من الفوائد ، ضرورة التحلي بالصبر، وعدم استعجال الأمور والحكمة، والتلاين للمصلحة المهمة ، وتقديم الفاضل على المفضول ، والثقة بموعود الله ونصره .
وكما قال تعالى: ( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) .
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجآءة نقمتك
وجميع سخطك ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وأجمعين 0
16- قال تعالى : فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)
أيها الإخوة : كلما تفاقم الخطب ، واشتد البلاء بالمسلم ، وتعسرت عليه الأمور، فإنَّ تباشير اليسر تحوط به ما دام صابراً محتسباً . كم يضيق الإنسان من ضَلَع الدين ، ومن شدة الغم وعظم المصيبة ، لكن في اشتداد ذلك كله فرج وتيسير بإذن الله تعالى ولا يغلب عسر يسرين والمعنى أن العسر مُعرَّف في الحالين فهو مفرد ، واليسر منّكر فتعدَّد .
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذنَ صُبْحُكِ بالبلَجِ
وفى الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : (( واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا )) .
و مع اشتداد الكرب على المسلمين ، يجب اللجوء إلى الله وحده سبحانه ، وتعليق القلب عليه ، وتفويض الأمر إليه فهو الخالق الصمد ، الذي تحتاج إليه الخلائق جميعا ، وأنه يجيب دعاء المضطرين وينفس كرب المكروبين سبحانه و تعالى ، و مما يُروى عن الشافعى رحمه الله أنه قال :
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقـبَ اللهَ فى الأمور نجــا
من صـدّق الله لم ينله أذى ومن رجـاه يكونُ حيث رجـا
وقد قال تعالى : ( سيجعل الله فعد عسر يسرا ).
اللهم اغفر ذنوبنا ، ويسر أمورنا ، واستر عيوبنا يا ذا الجلال والإكرام
والصلاة والسلام على معلم الأنام وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها الإخوة : إن هذه لمعية خاصة لعباد الله الصابرين ، معية الحفظ والرعاية والنصرة والتأييد ، يحفظهم من الأخطار ، ويثبت نفوسهم ، ويقوى قلوبهم ، وينصرهم على الأعداء .
إن المسلم لا ينفك في حياته عن خلق الصبر ولا يتم له إيمانٌ بدون صبر ولا يؤدّى رسالة الله بلا صبر ، ولايعيش بلا صبر !! إن هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان ، ولا يمكن تجاوز ما فيها ، أو السلامة من شرورها وأحداثها ، ولهذا كان لابد من وقود متين لهذا الطريق ، ألا وهو الصبر ، الذي يبلِّغ المؤمن غايته ، ويهبه سعادته ، إذ إن عاقبته حميدة ، وثماره يانعة .
فيصبر المؤمن على ما يلقاه في حياته من متاعب و أسقام وصعاب ، فإن الله تعالى يذهب مرارة ذلك بحلاوة الصبر وفى الحديث الذي رواه الترمذي في سننه وهو صحيح .
قال صلى الله عليه وسلم:((لا يزال البلاء بالمسلم فى أهله وماله ونفسه ، حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة ))
والمؤمن كثيراً ما يفتقر إلى الأعوان والأنصار إزاء بلاياه ورزاياه ، ولو يالمواساة فقط ، فكيف إذا اعتقد رعاية الله له ، ونصرته له ، ولكن ليصبر صبر الأتقياء ، الذين آمنوا بالله واعتصموا به ، ولم ييئسوا ويحزنوا أو يسخطوا ، بل احتسبوا وتحملوا .
قال تعالى : (( وإن تصبروا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً ))
والصبر سبب للمدد والرزق والنصر ، ولا يتم نصر بلا صبر ، ولا طاعة بلا صبر ، ولا بعد عن معصية بلا صبر.
اللهم ألهمنا الصبر والشكر ، وأعنا على ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك ، يا أكرم الأكرمين ، ويا أرحم الراحمين
وصلى الله وسلم على إمام الصابرين
وعلى آله وصحبه أجمعين
18- قال تعالى : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ( الطلاق 3 )
التوكل هو انقطاع العبد إلى الله تعالى واعتماده عليه ، وتفويض أمره إليه ، فمن حقق التوكل على الله بعدم استشرافه إلى أحد من الخلق ، كفاه الله وأعانه ونصره وحقق له غايته ومقصوده ، والتوكل هو جماع الإيمان كما قال بعضهم ، وقد قال تعالى : فتوكلوا على الله إن كنتم مؤمنين وفى وصية ابن عباس الشهيرة قال صلى الله عليه وسلم (( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ))
ولا ينافى التوكل على الله فعل الأسباب ، من السعي والكدح في طلب الرزق ، و الحماية و الاستعداد للعدو والتزود للسفر والرحيل ، لأن الله قد أمر بذلك كله ، فلا بد في التوكل الصحيح من أمرين:
الأول : الاعتماد على الله وحدة ، والثاني : فعل الأسباب وتعاطيها ولهذا قال تعالى في طلب الرزق ( هو الذى جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) أي سافروا حيث شئتم من أقطارها ، وترددوا فى أقاليمها وأرجائها فى أنواع المكاسب والتجارات .
والخلاصة أن السعي فى السبب لا ينافى التوكل ، ثبت فى الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدوا خِماصاً ، وتروح بطانا ))
رواة الترمذي و النسائي وغيرهما ، وقال الترمذي : حسن صحيح
ومعنى خماصاً : ضامرة البطون من الجوع و بطانا: ممتلئة البطون ، جمع بطين أي شبعان.
وهذا الحديث أثبت للطير رواحاً وغدواً لطلب الرزق ، مع توكلها على الله عز وجل ، وهو المسخِّر المسيِّر المسبِّب سبحانه وتعالى .
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
19- قال تعالى : لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) الأنبياء
يامسلمون: هل عقلنا وأدركنا أن هذا القرآن العزيز ، شرفُ هذه الأمة ، وعزها، وسبب ظهورها وتمكينها ، فالله تبارك و تعالى ينبهنا بهذه الآية مشيراً إلى شرف القرآن وعلوه ومحرضاً لنا على معرفة قدره ، فهو أجلّ كتاب ، وأعظم خطاب ، وأحسن حديث .
فلماذا تغفل الأمة عن هذا الشرف المبين ، يرفعها ويعليها ، ويحمدها ويُجيبها ؟!! لقد خابت وخسرت إن هي ضيعت هذا الكتاب ، ولم تعرف قدره ، ولم تدرك فضله ( أفلا تعقلون )
لقد أخرج هذا القرآن العرب من الظلمة إلى النور ، ومن الممات إلى الحياة ، ومن الشقاء إلى السعادة وجعلها خير الأمم ، وأعاد لسائر المسلمين القيادة والزعامة ، ومكنهم بعد الضياع ، وألّفهم بعد الشتات و أمنّهم بعد المخافة .
لقد أنُزل هذا القرآن لهداية الناس ، ولتشرف به هذه الأمة ولتحيا وتعز وتسعد ، فكم ذاقت من مرارات وويلات وأزمات ، فهو نعمة هي من أصول النعم وأجلها ، وأرفعها وأسماها ..
فمن يعي شرف هذا القرآن ، فيشرف به ويسمو به ؟ ! ومن يعلم فضله وسره ، فيغتني به ويزهد في سواه ؟!!لا يدرك ذلك الإ اصحاب العقول السليمة ، والبصائرُ المستنيرة . (لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم ، أفلا تعقلون ) .
اللهم ارفعنا بالقرآن ، واجعلنا به هداة مهتدين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
20- قال تعالى : وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ (173)
أيها الإخوة : ليوقن الجميع أن العاقبة لجند الله من الرسل وأتباعهم المؤمنين مهما أوذوا وقتلوا وشُرِّدوا ، ورمتهم الدنيا عن قوس واحدة ، فإن الله قد كتب ذلك كتاباً، وسبقت به كلمته ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون )
فالعاقبة للمتقين ، والدائرة على الكافرين والمجرمين ، وهذا الوعد المؤكد ، مدد معنوي للطائفة المؤمنة ، يثبِّت نفوسهم ، ويُعلي همهم ، ويزيدهم صبراً ومضاءً .
وهذا الإسلام لا يزال شامخاً عزيزاً من حين قامت دعوته بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه على دينه يتسع ويزداد ، ويتهيبه الأعداء ، وقد قامت خلال مدته وقبله شعارات وملل ومذاهب ، كلها سقطت وانتهت ، وبقي دين الله ظاهراً مكيناً .
قال صلى الله عليه وسلم : (( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته الى يوم القيامة )) رواه أحمد و ابن ماجة بسند صحيح .
والواجب على أهل الإسلام الاعتزاز بدينهم والدعوة إليه ، فإن الله جعل ظهوره وتمكينه على عواتق أتباعه وحملته ، هكذا سنة الله ، فقد يحصل الضعف والهوان بسبب تقصير أهله وانهزامهم ، كما هو فى حياتنا الراهنة، تسلطت قوى الشر وتزعمت، لضعف الأمة وهوانها في حمل دينها ، ولأنها قصرت فى الاستعصام بدين الله ، فهانت وانهزمت قال تعالى : ( ولينصرنَّ الله من ينصره )
وقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ، و يثبت أقدامكم ) ونصر الله تعالى يكون بإقامة دينه وتوحيده والاعتصام به وحده ، فهو ضمان النصر والتمكين والاستخلاف .
اللهم اجعلنا من أنصار دينك ، وعبادك الصالحين
اللهم أنصر دينك ، واعل كلمتك ، واخذل أعداء الدين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
21- قال تعالى : إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ
أيها الإخوة : هذا ثناء بديع يستوقف المسلم المتأمل لكتاب الله ، مدح الله به بعض أنبيائه من أولي الأيدي والأبصار أى أصحاب القوة في العبادة ، والبصيرة فى الدين .
أخلصهم الله تعالى بحب الآخرة والميل إليها ، والعمل لها ، فأصبحوا لايذكرون إلا الدارة الآخرة ، ولا يعملون إلا لها ، ولايرشدون إلا إليها . ونسُوا الدنيا ومفاتنها وحلاوتها، بل نزع الله زخارف الدنيا من قلوبهم ، فصاروا من طلاب الآخرة ، والعاملين لها .
ما أعظم أن يعرف الإنسان سرَ وجوده وخلقه ، وأن وراءه يوم عسير شديد ، وأنه لم يُخلق لهذه الدنيا ولا لعمارتها والتفاني فى حبها، ولكن جعلت له الدنيا مطية للآخرة، فيها امتحان وابتلاء ، ويتزود فيها ليوم المرجع والمعاد.
فكم غرت الدنيا ، وكم فتنت ، وكم زينت وأعمت !! قال أبو داود صاحب السنن رحمه الله في شيخه الأمام أحمد إمام السنة : ( كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة ، لا يذكر فيها شئ من الدنيا ) .
فاحذروا يا مسلمون الاغترار بالدنيا ، والافتنان بزينتها وعجائبها ، واعملوا للآخرة فهي دار الفلاح الدائم ، والفوز المقيم لمن كان من أهلها وأحبائها .
اللهم أخلصنا بحب الآخرة والعمل لها ، وجنبنا الدنيا ومفاتنها
اللهم احفظنا بحفظك ، وأيدنا بتأييدك،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين .
أيها الإخوة : فى هذه الموعظة يأمر الله تعالى أهل الإيمان بالتوبة ، وهل يحتاج المؤمنون إلى توبة ؟! نعم لا ينفك مؤمن عن التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله .فإن المؤمن مع إيمانه قد يغفل وقد يسرف وقد تصدر منه الخطيئة ، فيحتاج الى توبة صادقة .وأيضاً لا يزكي نفسه ولا يجزم بسلامة أعماله ، فيحتاج إلى التوبة و الاستغفار ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً في كما في الحديث الصحيح .
و الاستغفار هنا يجبر الخلل و النقص الطارئ على العبادة .
أضف إلى أن التوبة عمل صالح ، يزداد بها المؤمن خيراُ وصلاحاً ، وأجراً وثواباً ، وفيها إقرار منه بضعفه وتقصيره وعدم تزكيته لنفسه ، فهي مهمة له في طريقه إلى الله .
( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )
وفى صحيح مسلم قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إنه ليُغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )
وفى الحديث الآخر : (( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم ، فإني أستغفر الله و أتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )) .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق و أخشاهم لله ، ومع ذلك كان يكثر من التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله على كل أحواله .
و التوبة النصوح يا مسلمون : هي التوبة الصادقة الجازمة التي يقُلع العبد منها عن الذنب ويندم على ما سلف، ويعزم على أن لا يعود ، وفى الحديث الصحيح ( الندم توبة ) رواه أحمد وابن ماجة.
اللهم اغفر لنا خطايانا وجهلنا وإسرافنا في أمرنا ، وما أنت أعلم به منا ، اللهم اغفر لنا هَزْلنا وجِدَّنا وخطأنا وعمدنا ، وكل ذلك عندنا .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
23- قال تعالى : فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ ( ص-46)
ياأيها الإخوة فى الله : لقد فاضت هذه الشريعة السمحة بالخيرات، وغزرت بالبركات فأين الذين يسابقون ، و أين الذين يتنافسون؟! .
خيرات مضاعفة ، و حسنات مباركة ، تحقق الرخاء ،وتثمر السعادة ، وتشرح الفؤاد .
لقد سمع السلف الكرام رضي الله عنهم هذه الآية ، فكانوا أسرع الناس الى الخيرات عبادة ، وصلاة وذكراً وتسبيحاً، يسابقون الزمان ، ولا يضيعون الساعات ، فجاء من بعدهم فصار تسابقهم فى الدنيا وحظوظها الفانية ، والله المستعان .
أيها الإخوة : من المسابقة الحرص على الطاعة والجد فيها ، واستغلال أزمانها وأماكنها ومن الخيرات القيام بأداء فرائض الله ، كالصلاة فى أوقاتها مع تحسينها والخشوع فيها ومن الخيرات قراءة القرآن و ذكر الله ، والمحافظة على الأوراد منتظمة فى أوقاتها ومن الخيرات قيام الليل فهو دأب الصالحين ، وطريق الصدق ، والإخلاص .ومنها صلاة الضحى والسنن الرواتب وأشباهها.
ومنها اللهج بذكر الله على كل حال ، وعدم الغفلة والفتور ، سبحان الله وبحمده ، نخلة في الجنة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السموات والأرض .
فلنبادر يا مسلمون إلى استباق الخيرات ، واستغراق الزمان في طاعة الله ، فالوقت سريع الانقضاء ، وما مضى لا يعود ، وهو عمر الإنسان و زواله نقص من العمر ، و الله المستعان.
و الوقتُ أنفسُ ما عُنيت بحفظهِ وأراه أسهلَ ما عليك يضيعُ
اللهم وفقنا لاستباق الخيرات ، وجنبنا الغفلة والحسرات
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها الإخوة : لقد كانت النقمة على قوم لوط المكذبين شديدة ، وكان العذاب مهولاً . أمطر الله عليهم حجارة منضودة معدة لهم . معلمة مختوم عليها أسماء أصحابها ، بعد أن قلبها سبحانه وجعل عاليها سافلها بسبب ظلمهم وجورهم، فلقد كذبوا لوطاً عليه السلام وأتوا بعمل لم يأت به أحد من العالمين وهي الفاحشة، يأتون الذكران من العالمين .
فلما حانت الساعة أرسل الله إليهم رسله من الملائكة ,فأرادوا بهم فتنة ، فكانت اللعنة وما قَصَّ الله علينا خبرهم ، وعذبهم عذاباً شديداً لا نظير له .
فقال تعالى فى صفة هذا العذاب وأنه قد يتكرر ( وما هي من الظالمين ببعيد )
فهذه الحجارة وهذا النكال العظيم ، ليس ببعيد عمن ظلم ، واتصف بحال أولئك من التكذيب والشذوذ وفعل الفواحش و المنكرات .
وقد ثبت في السنة عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل و المفعول به ))
ولهذا كان القول الصحيح قتل اللوطي محصناً أو غيره ، وقد أجمع الصحابة على ذلك وإنما اختلفوا في هيئة القتل ، كما نقله غير واحد من أهل العلم .
فالواجب الحذر من ذلك ، وتربية النشء تربية إسلامية مستقيمة ، تُحاط بالرجولة و الأدب والحياء ، ويجتنبون مجالس اللهو، وأصحاب العبث ، فإن هذه المعصية من كبائر الذنوب وهي انتكاس للفطرة ، قال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي : لو لا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكراً يعلو ذكراً ، وهذا يدل على عفته ونزاهته وتمام خلقه .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأفعال و الأقوال ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت
واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت 0