رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس
محمد أمين الحسيني
أمين الحسيني (1895 - 4 يوليو 1974) مفتي فلسطين (1921-1948) ورئيس المجلس الأعلى الإسلامي (1922-1937).
نشأته وتعليمه
وُلِد محمد أمين الحسيني في القدس عام 1895 م[1]، وقيل في 1897[2]. لعائلة ميسورة كان من أفرادها ثلاثة عشر شخصاً تولوا مناصب إدارية وسياسية في القدس[3].
تلقى علوم القرآن واللغة العربية والعلوم الدينية في فترة مبكرة من عمره، أدخله والده "مدرسة الفرير" لمدة عامين لتعلم الفرنسية، ثم أُرسل إلى جامعة الأزهر بالقاهرة ليستكمل دراسته، كما التحق بكلية الآداب في الجامعة المصرية، وكذلك في مدرسة محمد رشيد رضا "دار الدعوة والإرشاد"، نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914، فلم يستطع العودة لاستكمال دراسته، فذهب إلى إستانبول ليلتحق بالكلية العسكرية، وتخرج برتبة ضابط صف في الجيش العثماني، وقد ترك الخدمة لاعتلال صحته بعد ثلاثة أشهر فقط من تخرجه، وعاد إلى القدس، فما لبثت القوات العربية والبريطانية أن سيطرت على القدس سنة 1917 فالتحق بقوات الثورة العربية وجند لها المتطوعين[4]، وكان قد أدى فريضة الحج مع والدته في عام 1913 م، فاكتسب لقب الحاج من حينها[5].
الوظائف والمناصب
أسس ورأس "النادي العربي" 1915 م، وهو أول منظمة سياسية عرفتها فلسطين، وانطلقت منها الحركة الوطنية الفلسطينية، ثم عمل معلما بمدرسة روضة المعارف الوطنية.
انتخب مفتيا للقدس عام 1921م خلفاً لشقيقه كامل الحسيني.
رأس أول مجلس للشؤون الإسلامية والأوقاف والمحاكم الشرعية وهو المجلس الإسلامي الأعلى لفلسطين عام 1922م.
أشرف على إعادة تنظيم المحاكم الشرعية في سائر قطاعات فلسطين (18 محكمة شرعية).
استعاد الإشراف على الأوقاف الإسلامية بعد أن كانت في يد النائب العام (وهو اليهودي الإنجليزي بنتويش).
تأسيس وتقوية المدارس الإسلامية في كل أنحاء فلسطين.
تأسيس الكلية الإسلامية (من 1924 م إلى 1937 م).
تأسيس والإشراف على "دار الأيتام الإسلامية الصناعية" في القدس.
رئاسة لجنة إعادة إعمار وترميم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وهو المشروع الذي تم في عام 1929م.
رئاسة المؤتمر الإسلامي العام - وهو الذي بدأ منذ عام 1931م في القدس من أجل القضية الفلسطينية، وتكرر عقده برئاسته في مكة وبغداد وكراتشي وغيرها.
تكوين جمعيات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" للإصلاح بين المتخاصمين ومقاومة الدعوة الصهيونية للعرب ببيع أرضهم.
تنسيق الجهود والإشراف على إعداد التنظيمات المسلحة في أرض فلسطين، والتي أثمرت "جيش الجهاد المقدس" في أطواره المختلفة.
تأسيس ورئاسة اللجنة العربية العليا لفلسطين.
المشاركة في ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الإنجليز عام 1941م.
إنشاء مكاتب للحركة العربية والقضية الفلسطينية في برلين وروما، ثم في أماكن مختلفة من أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
رئاسة الهيئة العربية العليا لفلسطين والتي تشكلت بموجب قرار من جامعة الدول العربية عام 1946م.
رئاسة وفد فلسطين في مؤتمر باندونغ عام 1955م، وقد حضر الوفد بصفة مراقب.
تنسيق جهود الأعمال الفدائية بعد حرب 1948م.
رئاسة "المؤتمر الوطني الفلسطيني" عام 1948، والذي أعلن حكومة عموم فلسطين ووضع دستورها، وبرنامج الحكومة.
جهاده للقضية الفلسطينية
شارك أمين الحسيني في العمل الوطني الفلسطيني منذ نهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1918م، وشارك في عقد المؤتمر العربي الفلسطيني" الأول عام 18 - 1919م، والمظاهرات الفلسطينية في عام 1920م، وقد اتهمته السلطات البريطانية بأنه وراء هذه المظاهرات، وهاجم شباب القدس القافلة البريطانية المشرفة على ترحيله للسجن، وهرب إلى سوريا، وحكم عليه غيابيًّا بالسجن 15 سنة، وتحت ضغط الغضب الفلسطيني تم العفو عنه، وبعد عودته بأشهر يُتَوفَّى شقيقه مفتي القدس، ويرشِّحه رجال فلسطين لخلافه شقيقه وهو ابن خمسة وعشرين عامًا، ويفوز الشاب بالمنصب، ولكنه لا يكتفي بهذا، فيطالب بتشكيل هيئة إسلامية تشرف على كافة الشئون الإسلامية في فلسطين، وينجح في حمل السلطة البريطانية على الموافقة، ويفوز في انتخابات رئاسة هذه الهيئة، ويعمد من خلال هذه الهيئة إلى تنظيم الشعب الفلسطيني، فينظم الجمعيات الكشفية، وفرق الجوالة، وإعدادها إعدادًا جهاديًّا، ويتصل بكافة المخلصين والمناضلين في العالمين العربي والإسلامي من أمثال عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني.
وقد توجهت الدعاية المعارضة لأمين الحسيني لتظهره وكأنه الرجل المسالم للإنجليز، وفي لقاء بينه وبين بعض قادة العمل الوطني على رأسهم عبد القادر الحسيني يدور الحديث عن موقفه من مقاومة الإنجليز، فيرد الرجل قائلاً: ما رأيكم أن تقاوموا أنتم الإنجليز وتتركوني لمقاومة اليهود؟
وأحسَّ القوم أن الرجل له علم ونظرة أعمق من مجرد دفع عدو ظاهر، وأن الأمر أخطر من مجرد السيطرة الإنجليزية، وأن هذه السيطرة ستار لمؤامرة استيطانية شيطانية، وتتوحد الجهود، ويكون عبد القادر الحسيني قائداً للأعمال العسكرية، والمفتي أمين الحسيني هو الواجهة السياسية، والمنسق (من خلال منصبه واتصالاته) للجهود العسكرية، وتوفير التمويل اللازم لكافة الجهود لنصرة القضية الفلسطينية، وتتحرك الثورة عام 1929م، ثم في عام 1933م، ثم تكون الثورة الكبرى عام 36 - 1939م، ويتولى أمين الحسيني مسئولية اللجنة العربية العليا لفلسطين"، وهي لجنة سرية لتنسيق الجهود على مستوى الدول العربية لنصرة القضية الفلسطينية، وتتعقب بريطانيا المفتي في كل مكان، ويلجأ الرجل للمسجد الأقصى يدير الثورة من داخله، ويصدر قرار بإقالة المفتي من جميع مناصبه من السلطة الإنجليزية.
ويضطر الفتى إلى الخروج من فلسطين إلى لبنان، وقد وقع في قبضة السلطة الفرنسية بها، وترفض فرنسا تسليمه للسلطة البريطانية، وتسمح له بالعمل في الفترة من 37 إلى 1939م، ومع بشائر الحرب العالمية الثانية، تقرر السلطة الفرنسية القبض عليه ونقله للسجن، فيهرب إلى العراق، وهناك يشجع الضباط العراقيين على الثورة، وتقوم ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م، ويناصر المفتي الثورة، ويشترك معه مجموعات فلسطينية على رأسها عبد القادر الحسيني الذي يشترك في مقاومة التقدم الإنجليزي في العراق، ومع بشائر الفشل للثورة ينتقل إلى طهران، ثم انتقل سرًّا بين عدة عواصم أوروبية حتى انتهى به الأمر إلى برلين، وقد التقى في هذه المرحلة مع قادة دول المحور سواء في إيطاليا أو ألمانيا، ولم يكن الأمر مفاجئاً، فقد أجرى المفتي اتصالات سابقة مع القيادة الألمانية في بداية الحرب، وهذا أمر طبيعي، فالدول العربية كلها تقريبًا ليس بينها وبين ألمانيا عداوة، ثانيًا ألمانيا صارت العدو القوي المواجه لكل من إنجلترا وفرنسا "وهما الدولتان اللتان يحتلان أغلب الدول العربية".
لقاؤه مع الزعيم الألماني أدولف هتلر.وكانت رسالة المفتي السابقة على وصوله لألمانيا تتضمن المطالب الآتية:
الاعتراف الرسمي من جانب دول المحور باستقلال كل من: مصر، السعودية، العراق، اليمن.
الاعتراف بحق البلدان العربية الخاضعة للانتداب: سورية، لبنان، فلسطين والأردن بالاستقلال.
الاعتراف بحق البلدان الخاضعة للاحتلال الإنجليزي بالاستقلال: السودان، البحرين، الكويت، عمان، قطر، حضرموت، إمارات الخليج العربي.
إعادة عدن وبقية الأجزاء المنفصلة عن اليمن، والتي يستعمرها الإنجليز.
الإعلان من قبل دول المحور أنها لا تطمع في مصر والسودان.
الاعتراف بحق العرب في إلغاء الوطن القومي اليهودي وعدم الاعتراف به.
وفي لقاء مع هتلر في عام 1941م، رد هتلر أن هذه المطالب سابقة لأوانها، وأنه عند هزيمته لقوات الحلفاء في هذه المناطق يأتي وقت مثل هذا الإعلان، ثم كانت المفأجاة عندما عرض أمين الحسيني في لقائه الثاني تكوين جيش عربي إسلامي من المتطوعين في الشمال الأفريقي وشرق المتوسط لمقاومة الحلفاء، فكان رد هتلر "إنني لا أخشى الشيوعية الدولية، ولا أخشى الإمبريالية الأمريكية البريطانية الصهيونية، ولكن أخشى أكثر من ذلك كله هذا الإسلام السياسي الدولي، ومن ثَم بدأ الرجل يضع قواعد للاستفادة من الوضع الراهن، فبدأ يستفيد من وجوده بالأوجه الآتية.
فتح أبواب الكليات العسكرية الألمانية لتدريب الشباب العربي والفلسطيني بما يُعَدُّ نواه لجيش الجهاد المقدس في طوره الثاني.
العمل على استصدار بيان من قيادة المحور يضمن الاستقلال لأكبر عدد من الدول العربية بعد انتصار المحور على الحلفاء في هذه البلاد.
العمل على الحصول على أكبر كمية من الأسلحة وتخزينها، استعداداً لمرحلة قادمة، وقد قام بالفعل بتخزين السلاح في مصر وليبيا وجزيرة رودس. نجح في تكوين معهد لإعداد الدعاة في ألمانيا، وقام بإقناع القيادة الألمانية في وضع داعية في كل الفرق العسكرية التي بها مسلمون، وفي نفس الوقت دفع بعض الشباب المسلم العربي بها على الاشتراك في الجيش لتدريب على كافة الأعمال القتالية.
نجح في وقف الأعمال الإرهابية ضد البوسنة (البوشناق) من جانب الصرب، ونجح في إقناع القيادة الألمانية بتشكيل جيش بوسني لمنع تكرار هذه المذابح، وتم بالفعل تكوين جيش من 100 ألف بوسني، ولكن تم تسريحه بعد انتهاء الحرب.
مطاردة من جديد
استطاع المفتي الهروب من ألمانيا في اللحظات الخيرة قبل سقوط برلين، وتم القبض عليه في فرنسا، وقضى يومين في زنزانة مظلمة، ولكنه تقدم للضابط المسئول وعرَّفه بنفسه ومكانته، وطالب أن يعامل بالشكل اللائق، وبالفعل انتقل لمنزل جنوب باريس، وعندما أعلن عن وجوده في فرنسا، بدأت المطاردة له من السلطات البريطانية والأمريكية، والصهيونية داخل فرنسا، ورفضت فرنسا أن تسلِّمه بسبب خلافها مع المصالح البريطانية والأمريكية، وحرصًا على عدم استثارة المشاعر الإسلامية، وتدخل ملك المغرب ورئيس تونس أثناء وجودهما في باريس، وطالَبَا باصطحاب المفتي معهما، وتدخلت الجامعة العربية، ورئيس باكستان محمد علي جناح، من أجل سلامة المفتي، ورفضت فرنسا، وبدأت المقايضة الأمريكية مع مشروعات إعادة إعمار فرنسا بتمويل أمريكي، وقبل أن تقرر فرنسا تسليمه لأمريكا استطاع أن يهرب المفتي من فرنسا عن طريق استخدام جواز سفر لأحد أنصاره في أوروبا، وهو الدكتور معروف الدواليبي بعد استبدال الصورة. ونجح المفتي في الوصول إلى القاهرة عام 1947م، ويظل متخفيًا بها عدة أسابيع حتى استطاع أن يحصل على ضيافة رسمية من القصر الملكي تحميه من المطاردة الدولية لشخصه.
ويبدأ الحاج أمين الحسيني في تنظيم صفوف المجاهدين من القاهرة، وتدخل القضية الفلسطينية طورها الحرج، وتعلن الأمم المتحدة مشروع تقسيم فلسطين، وتعلن دولة إسرائيل، ويرأس المفتي الهيئة العربية العليا لفلسطين، وتبدأ الحرب، وتبدأ المؤامرات والخيانات، وتقوم بعض الدول العربية بمنع المجاهدين من الاستمرار في مقاومة العصابات الصهيونية، وذلك بحجة أن جيوشهم سوف تقوم بهذه المهمة، ثم يبدأ مسلسل الخيانات لاستكمال المؤامرة، وتنتهي الحرب بهزيمة الجيوش الدول العربية، ويتم حمل المفتي من خلال موقعه كرئيس للهيئة العربية العليا على أن يصدر أمرًا للمجاهدين الفلسطينيين بوضع السلاح، وما إن يتخلص المفتي من بعض القيود حتى يسرع لعقد المؤتمر الفلسطيني في القدس ليعلن استقلال فلسطين وقيام حكومتها، ولكن مصر تعتقل المفتي وحكومة عموم فلسطين وتحدد إقامتهم في القاهرة، ومع قيام الثورة، يبدأ المفتي في تنظيم الأعمال الفدائية على كافة الجبهات، وتستمر العمليات حتى عام 1957م. وفي نفس الوقت ينشط في الجانب السياسي على مستوى الدول العربية والإسلامية، وبعض من الدول الآسيوية؛ وذلك لتأييد الحق الفلسطيني في وطنه، ودعم الجهاد المسلح في مواجهة العدو الإسرائيلي، ويمثل فلسطين في تأسيس حركة عدم الانحياز عام 1955م في مؤتمر باندونج، ولكن تدريجيًّا يتم تقييد حركته السياسية ووقف العمل الفدائي من عام 1957م على معظم الجبهات، وتظهر بشائر مؤامرة جديدة، ومحاولة لإنهاء القضية في خطوات سلمية، وتظهر خطة التسوية مع أعوام 1959م، 1960م والمعروفة بخطة همر شولد، وهي الخطة التي وافقت عليها دولة المواجهة العربية مقابل ثلاثة مليارات من الدولارات، وينتقل الحاج أمين الحسيني إلى بيروت عام 1961م، وينقل إليها مقر الهيئة العربية العليا، ويفضح الرجل خطوط المؤامرة، وتفشل الخطة.
وتبدأ خطة عربية بإنشاء كيان بديل للهيئة العربية العليا، وتبدأ بإصدار قرار من جامعة الدول العربية بإنشاء كيان فلسطيني عام 1963م، وينشأ الكيان تحت رعاية مصر باسم منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م، ويعين رئيساً له أحمد الشقيري الذي يخضع للتوجهات العربية، وبعد نكسة عام 1967م، يبدأ الرجل من جديد نشاطه من أجل القضية، موضحاً موقفه الثابت أن القضية لن يتم حلها إلا بالجهاد المسلح، ويستمر الرجل في نضاله حتى تُفضي روحه إلى بارئها عام 1974م شاهدة على عصر الخيانات الكثيرة والتضحيات الكبيرة، ولم يجرؤ أحد من القادة الفلسطينيين أن يدعو إلى حل سياسي إلا بعد اختفاء روح المقاتل محمد أمين الحسيني من ساحة القضية الفلسطينية.
مراجع
1.^ Mattar, Philip (2003). "al-Husayni, Amin". in Mattar, Philip. Encyclopedia of the Palestinians (Revised Edition ed.). New York: Facts On File. ISBN 978-0816057641.
2.^ Henry Laurens, La Question de Palestine, Fayard, Paris, vol. 2, 2002 p. 624 n. 5, explaining that al-Husayni had obvious reasons for passing himself off as older than he was. In the 1st volume of his trilogy (1999 p.425) Laurens had used Mattar's dating
3.^ Henry Laurens, La Question de Palestine, Fayard, Paris, vol. 1 1999 p. 425
4.^ Huneidi A Broken Trust, Herbert Samuel, Zionism and the Palestinians. 2001 p. 35
5.^ Weldon C. Matthews Confronting an Empire, Constructing a Nation: : Arab Nationalists and Popular Politics in Mandate Palestine, I.B. Tauris, 2006 p. 31
هو عبد القادر موسى كاظم الحسيني، ولد في استانبول في 8/4/1908م، توفيت والدته بعد مولده بعام ونصف فكفلته جدته لأمه، وما لبثت هي الأخرى أن فارقت الحياة ، فنشأ في كنف والده.
والده شيخ المجاهدين في فلسطين موسى كاظم الحسيني، شغل بعض المناصب العالية في الدولة العثمانية متنقلاً في عمله بين أرجاء الدولة العثمانية، فعمل في اليمن والعراق ونجد واستانبول ذاتها بالإضافة إلى فلسطين.
ونظراً لخدماته الجليلة للدولة العثمانية، أنعمت عليه الحكومة بلقب (باشا)، وعندما انهارت الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى، ووقعت فلسطين في قبضة بريطانيا كان موسى كاظم (باشا) الحسيني يشغل منصب رئاسة بلدية القدس، كما تم انتخابه رئيساً للجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الفلسطيني.
كان الأب موسى أول من رفع صوته في وجه الانتداب البريطاني، وأول من دعا أهل فلسطين إلى الاحتجاج والتظاهر وإعلان السخط والغضب ضد وعد بلفور، فتولى قيادة أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين عام 1920م، وبسبب ذلك عزلته سلطات الانتداب البريطاني عن رئاسة بلدية القدس، فلم يكترث واستمر في نضاله الدؤوب، واشترك في الكثير من المظاهرات، كانت آخرها المظاهرة الكبيرة في يافا في 27/10/1933، حيث أصيب فيها بضربات هراوات قاسية من قبل الجنود الإنجليز ظل بعدها طريح الفراش أياماً، حتى فارق الحياة سنة 1934م.
تربى الابن عبد القادر منذ نعومة أظفاره في بيت علم وجهاد، حيث كان هذا البيت بمثابة الحضن الأول له والذي كان يجتمع فيه رجالات العرب الذين يفدون إلى القدس، لأن والده موسى الحسيني كان رئيساً لبلديتها.
تعلم عبد القادر القرآن الكريم في زاوية من زوايا القدس، ثم أنهى دراسته الأولية في مدرسة (روضة المعارف الابتدائية) بالقدس، بعدها التحق بمدرسة (صهيون) الانجليزية، والتي كانت تعتبر المدرسة الوحيدة في القدس التي من الممكن أن يتناول منها العربي زاده الحقيقي من المعرفة، وأثناء فترة دراسته عكف على قراءة كتب التاريخ، وسير الأبطال والفاتحين.
أتم عبد القادر دراسته الثانوية بتفوق، التحق بعدها بكلية العلوم في الجامعة الأمريكية في مصر، وهناك التقى بالعديد من الشباب العربي وتوثقت صلته بهم، وتحول بيته إلى ناد نضالي، يناقش فيه مختلف القضايا القومية والدينية، وأثناء سنوات دراسته التي قضاها في الجامعة، استطاع عبد القادر أن يكشف الدور المريب الذي تقوم به الجامعة الأمريكية في مصر، ذلك الدور المقنع بالعلم والمعرفة، والذي يحمل وراءه بعض أوبئة الاستعمار الخبيثة.
بعد عودته للقدس، تلقفته السلطات البريطانية حين وصوله، ووضعت بين يديه عدة وظائف رفيعة المستوى وعليه انتقاء ما يلائمه منها ـ محاولة بذلك أن تضمه تحت جناحهاـ إلا أنه آثر العمل في مجال أكثر رحابة يستطيع به ومن خلاله أن يعبر عن آرائه، فالتحق بسلك الصحافة محرراً في جريدة (الجامعة الإسلامية)، وكان الاتجاه الوطني الذي نهجته الجريدة من أهم العوامل التي دفعته للعمل بها.
انضم عبد القادر إلى (الحزب العربي الفلسطيني) بالقدس، وتولى فيما بعد منصب السكرتير في هذا الحزب، وبدأت نشاطاته تبرز في الأفق الفلسطيني، مما أثار عليه حفيظة سلطات الانتداب، فأعادت عليه عرضها لشغل وظيفة (مأمور لتسوية الأراضي) بهدف اشغاله في شؤون الأرض والزراعة، وإبعاده عن مجال السياسة.
ارتضى عبد القادر هذه الوظيفة بعد أن أيقن بأهميتها، حيث استطاع تحت ستارها أن يتصل بإخوانه المواطنين في القرى الفلسطينية المختلفة، الذين يمثلون القاعدة الارتكازية للثورة، فتعرف عليهم وانتقى منهم خيرهم فاستقطبهم، وشكل منهم خلايا سرية، وبث فيهم روح الحمية والجهاد، وجمع الأموال من موسريهم، واشترى أسلحة ومعدات، وخزنها في أماكن أمينة، وتدرب بعض الشباب على استعمالها.
بعد أن تمادت بريطانيا في معاداتها للعرب، واستفحل الخطر اليهودي على فلسطين، وتنادى الشعب الفلسطيني بضرورة مواجهة المخططات الاستعمارية بصورة فعلية وعلنية... استقال عبد القادر من وظيفته الحكومية، ووهب الثورة جهده وشبابه.
بأمر من سماحة الحاج محمد أمين الحسيني تشكلت منظمة واحدة من معظم التنظيمات السرية الفلسطينية، أُطلق عليها (منظمة الجهاد الإسلامي) كي يتسنى للمجاهدين تنظيم شؤونهم النضالية، ومواجهة المستعمر بصورة أكثر دقة وشمولاً، واختير عبد القادر الحسيني قائداً لهذه المنظمة.
قرر عبد القادر ولأسباب عديدة أن يتخذ بلدة (بير زيت) مقراً لقيادة الجهاد المقدس، كما قسم فلسطين إلى مناطق قتالية، وولى على كل منطقة منها قائداً من قادته، أما الخلايا السرية وقياداتها فظلت تابعة له مباشرة.
كان عبد القادر أول من أطلق النار إيذاناً ببدء الثورة على بطش المستعمر في 6 أيار 1936، حين هاجم ثكنة بريطانية (ببيت سوريك) شمالي غربي القدس، ثم انتقل من هناك إلى منطقة القسطل، بينما تحركت خلايا الثورة في كل مكان من فلسطين... وبلغت الثورة الفلسطينية أوج قوتها في تموز عام 1936، حيث انضم إليها من بقي من رفاق الشهيد عز الدين القسام، وبلغت أنباؤها العالم العربي كله، فالتحق بها المجاهدون العرب أفواجاً، وخاض الثوار العرب معارك بطولية ضد المستعمرين البريطانيين والصهاينة، ولعل أهم هذه المعارك كانت (معركة الخضر) الشهيرة في قضاء بيت لحم، وقد استشهد في هذه المعركة المجاهد العربي السوري سعيد العاص وجرح عبد القادر جرحاً بليغاً، وتمكنت القوات البريطانية من أسره، لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في القدس، بعد مغامرة رائعة قام بها المجاهدون من رفاقه فهاجموا القوة البريطانية التي تحرس المستشفى وأنقذوه وحملوه إلى دمشق حيث أكمل علاجه.عاد عبد القادر إلى فلسطين مع بداية عام 1938، وتولى قيادة الثوار في منطقة القدس، وقاد هجومات عديدة ناجحة ضد البريطانيين والصهاينة، ونجح في القضاء على فتنة دينية كان الانتداب البريطاني يسعى إلى تحقيقها ليوقع بين مسلمي فلسطين ومسيحيها.
وفي خريف عام 1938، جُرح عبد القادر ثانية في إحدى المعارك، فأسعفه رفاقه في المستشفى الإنجليزي في الخليل، ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان. ومن هناك نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي يحمل اسم محمد عبد اللطيف.
وفي بغداد عمل عبد القادر مدرساً للرياضيات في المدرسة العسكرية في معسكر الرشيد، وفي إحدى المدارس المتوسطة، ثم التحق بدورة لضباط الاحتياط في الكلية العسكرية.
أيد عبد القادر ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، وشارك مع رفاقه في قتال القوات البريطانية، لكنه بعد فشل الثورة أُلقي القبض عليه مع رفاقه من قبل السلطات العراقية، وصدر عليهم الحكم بالسجن، وتحت ضغط الرأي العام العراقي والرموز الوطنية العراقية، استُبدل السجن بالنفي عشرين شهراً إلى بلدة زاخو في أقصى شمال العراق.
كما مثُلت أمام المحكمة السيدة (وجيهة الحسيني) زوجة عبد القادر بحجة مساعدتها وإيوائها للثوار، وتحريضهم على القتال، وحكم عليها بالإقامة الجبرية في بيتها ببغداد مدة عشرين شهراً.
وعلى أثر اغتيال فخري النشاشيبي في شارع الرشيد ببغداد، اتُهم عبد القادر بتدبير خطة الاغتيال هذه، فبقي موقوفاً في بغداد قرابة السنة بهذه التهمة .. ثم نقل إلى معتقل العمارة، وهناك أمضى ما يقرب من سنة أخرى، حيث أفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر سنة 1943، بعد أن تدخل الملك عبد العزيز آل سعود ملك العربية السعودية. فتوجه إلى السعودية وأمضى فيها عامين بمرافقة أسرته.
وفي مطلع عام 1944 تسلل عبد القادر من السعودية إلى ألمانيا، حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات وتركيبها، ثم انتقل وأسرته إلى القاهرة وهناك وبسبب نشاطه السياسي وصلاته بعناصر من حزب مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين، وتجميعه الأسلحة، وتدريبه الفلسطينيين والمصريين على صنع المتفجرات، أمرت حكومة السعديين المصرية بإبعاده.. لكن الضغوط التي مارستها القوى الإسلامية المصرية حالت دون تنفيذ ذلك الإبعاد.
عندما علمت الهيئة العربية العليا نية الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، سارعت الهيئة برئاسة المفتي أمين الحسيني إلى الانعقاد، وقررت مواجهة الخطط الاستعمارية الصهيونية بالقوة المسلحة، وتقرر إنشاء جيش فلسطين لممارسة الجهاد الفعلي، واختير المفتي قائداً أعلى لهذا الجيش وأعاد تموين منظمة الجهاد المقدس، ثم حولها إلى جيش الجهاد المقدس الفلسطيني. وأسند قيادته العامة إلى عبد القادر الحسيني، بالإضافة لمهمة الدفاع عن القدس ورام الله وباب الواد.
وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين عام 1947، تسلل عبد القادر إلى فلسطين سراً مع بعض رفاقه، وفي نفس الوقت اجتاز الحدود الفلسطينية عدد من المجاهدين القادمين من سورية ولبنان، والتقوا جميعاً بعبد القادر ، وأخذوا يرسمون خطة جديدة للبدء في المرحلة القادمة من الجهاد. فأعادوا تشكيل قوات الجهاد المقدس، واتخذت بلدة (بير زيت) مقراً رئيسياً لتلك القوات، وتألفت في حيفا والناصرة وجنين وغزة قوات أخرى تابعة لها.
تعتبر هذه القوات طليعة العمل النضالي العربي التي انبثقت تنظيماتها من صميم الشعب الفلسطيني، وكانت في الحقيقة أول مظهر من مظاهر القوات الشعبية التي تحمل في جوهرها صفة الجيش الشعبي في بلد كان يرزح تحت نير الاستعمار البريطاني.
قامت هذه القوات بتنفيذ جزء كبير من واجباتها، فقد تمكنت من إجبار (115) ألف يهودي على الاستسلام في مدينة القدس نتيجة حصارهم باحتلال مضيق باب الواد وإقفاله، وقاموا بعدة معارك محلية، ونصبوا مئات الكمائن للقوافل اليهودية والإنجليزية، كما قامت فرق التدمير بنسف العديد من المنشآت والمباني مثل معمل الجير، عمارة المطاحن بحيفا، وعمارة شركة سولل بونيه اليهودية.
كما خاضت هذه القوات بقيادة عبد القادر أروع ملاحم البطولة والفداء مثل معركة بيت سوريك، ونسف شارع ابن يهوذا، ونسف مقر الوكالة اليهودية، ومعركة الدهيشة... وقد تكبد اليهود في هذه المعارك الخسائر الفادحة في الممتلكات، وقتل العدد الكبير منهم، وغنم المجاهدون الكثير من الأسلحة والعتاد والتي ساعدتهم على الاستمرار في نضالهم.
تكللت جميع معاركهم التي خاضوها ضد العدو الصهيوني والبريطاني بالنجاح، إلى أن كانت معركة القسطل التي دامت أربعة أيام بكاملها من 4ـ8 نيسان 1948، وانتهت بأن تمكن المجاهدون من انتزاع البلدة العربية من أيدي الصهاينة، إلا أنهم لم يمكثوا فيها سوى بضع ساعات، تمكن الصهاينة بعدها في خضم ذهول المجاهدين وتضعضعهم بسبب استشهاد قائدهم عبد القادر، من شن هجوم معاكس واحتلال البلدة من جديد.
استشهد عبد القادر صبيحة 8/4/1948، حيث وجدت جثته قرب بيت من بيوت القرية فنقل في اليوم التالي إلى القدس، ودفن بجانب ضريح والده في باب الحديد... وسمي بطل القسطل، وقد استشهد رحمه الله وهو في الأربعين من عمره، أي في أوج عطائه الجهادي.
المراجع:
ـ (موسوعة رجالات من بلاد العرب)، د. صالح زهر الدين، المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت، طبعة أولى 2001، ص (445ـ452).
ـ (قضية فلسطين في سيرة بطل/ الشهيد الحي عبد القادر الحسيني) نبيل خالد الآغا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1982.
كُتب الكثير عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقيل فيه الكثير. ولكن تبقى حقيقته البسيطة واضحة لأبناء شعبه وللعالم أجمع: فلقد ظل عرفات وفياً للثوابت التي أمن بها، كقضايا القدس واللاجئين والدولة، وكان مرناً الى أقصى درجات المرونة في كل شيء إلا في تلك الثوابت.
محمد عبد الرحمن عبد الرءوف القدوة الحسيني، هو الاسم الحقيقي لياسر عرفات، الذي اتخذ اسم "ياسر" وكنية "أبو عمار"، أثناء دراسته في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، إحياءً لذكرى مناضل فلسطيني قتل وهو يكافح الانتداب البريطاني.
مكان ولادة عرفات ما زال محل خلاف، فهو يقول انه من مواليد القدس في أغسطس/ آب 1929، أما جميع من تتبعوا سيرة حياته، فيعتقدون انه من مواليد مدينة القاهرة يوم 24 أغسطس/ آب 1929.
وباستثناء الخلاف حول مكان ولادته، لا يختلف احد من المؤرخين على التاريخ النضالي المشرف لهذا الفلسطيني الذي حمل الهم الفلسطيني في قلبه وعلى كاهله، طوال اكثر من اربعة عقود.
بدأ عرفات حياته السياسية في مطلع حقبة الخمسينيات من القرن الماضي حينما شارك في عام 1952 عندما كان طالبا في كلية الهندسة بجامعة القاهرة في تأسيس اتحاد طلبة فلسطين في مصر. وقد تولى رئاسة رابطة الخريجين الفلسطينيين بعد نجاح ثورة يوليو/ تموز بقيادة جمال عبد الناصر في الاستيلاء على السلطة.
ظهرت مواهبه منذ سنوات شبابه المبكر كناشط وزعيم سياسي. وقد انجذب في البداية لجماعة الأخوان المسلمين، لكنه سرعان ما اعتنق فكر الكفاح المسلح ضد إسرائيل عقب "نكبة" عام 1948 وقيام دولة إسرائيل فوق ما يزيد عن 70 بالمئة من مساحة فلسطين التي كانت خاضعة للحكم البريطاني.
بعد انتصار ثورة الضباط الاحرار في مصر في 23 يوليو/ تموز 1952، بعث عرفات، عام 1953، خطاباً الى اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر، حمل ثلاث كلمات فقط هي: "لا تنس فلسطين". وقيل إن عرفات سطر الكلمات الثلاث بدمائه.
تأسيس "فتح"
التحق بالخدمة العسكرية في الجيش المصري وشارك في التصدي للعدوان الثلاثي الإسرائيلي الفرنسي البريطاني على مصر في حرب السويس. وفي عام 1956 مُنح عرفات رتبة ملازم في الجيش المصري.
وفي 1958 شكل عرفات الذي كان وقتها يعمل مهندسا في الكويت مع مجموعة صغيرة من المغتربين الفلسطينيين الخلية الأولى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي تبنت الكفاح المسلح وسيلة لتحرير فلسطين. ومن ابرز الذين شاركوه تأسيس فتح: صلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير (أبو جهاد) .
وكشف عرفات في ما بعد عن قيامه في ذلك الوقت بجمع بنادق من مخلفات الحرب العالمية الثانية من الصحارى المصرية لتسليح حركته.
وفي 31 كانون الأول 1964 نفذت حركة فتح أول عملية مسلحة في الاراضي الاسرائيلية عبر محاولة نسف محطة مائية وقام عرفات شخصيا بتسليم بيان تبني العملية إلى صحيفة "النهار" اللبنانية.
وفي 28 أيار 1964 تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية تحت رعاية مصر، وترأسها احمد الشقيري. واعتمدت المنظمة ميثاقا وطنيا يطالب بحق تقرير المصير للفلسطينيين ويرفض قيام دولة اسرائيل.
وفي حزيران 1967: انتقل عرفات الى العمل السري، تحت اسمه الحركي "أبو عمار". وفي تموز توجه سراً إلى الضفة الغربية المحتلة حيث أمضى أربعة أشهر قام خلالها بتنظيم خلايا حركة فتح.
وفي 4 شباط 1969 انتخب عرفات رئيسا للمنظمة التي أصبحت ممثلا للشعب الفلسطيني. 1959: أسس عرفات في الكويت مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح".
اكتسب عرفات أثناء خدمته بالجيش المصري خبرة في العمليات العسكرية واستخدام المتفجرات أهلته لقيادة الجناح العسكري لحركة فتح الذي عرف باسم "العاصفة"، وبدأ عملياته عام 1965.
معركة الكرامة ورئاسة منظمة التحرير
وفي تلك المرحلة، بدأ نجم عرفات في البزوغ كزعيم سياسي فلسطيني ثائر، غير أن نجمه لمع أكثر في الأردن حيث كانت توجد أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948 و1967، فتوفر المناخ لعرفات كي يقوم بتدريب أفراد من قوات فتح التي عرفت باسم "العاصفة"؛ وهو ما شجعه في الأمد القريب على تنفيذ عمليات فدائية ضد أهداف إسرائيلية من خلال التسلل عبر الحدود الأردنية إلى الأراضي المحتلة، أو من خلال استهداف الدوريات الإسرائيلية العاملة على الشريط الحدودي.
وقامت عناصر العاصفة بشن هجمات على إسرائيل من الأردن ولبنان وقطاع غزة الذي كان يخضع للحكم المصري.
وبعد حرب عام 1967 التي ألحقت فيها إسرائيل الهزيمة بالجيوش العربية، واستولت على القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجولان، قامت جماعات المقاومة الفلسطينية بتكثيف أنشطتها ضد الاحتلال الاسرائيلي. ولم يبق في ساحة القتال ضد إسرائيل سوى حركة فتح.
وقد اكتسب عرفات المزيد من الشهرة كقائد عسكري ميداني في عام 1968 عندما قاد قواته في القتال دفاعاً عن بلدة "الكرامة" الأردنية أمام قوات إسرائيلية أكثر عدداً وأقوى تسلحاً.
وزرعت معركة الكرامة الإحساس بالتفاؤل بين الفلسطينيين، كما أدت لارتفاع راية قوى التحرر الوطني الفلسطينية بعد فشل الأنظمة العربية في التصدي لإسرائيل.
وبعد مضي عام على معركة الكرامة اختير عرفات رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أسستها
جامعة الدول العربية عام 1965
حطام احدى الطائرات التي اختطفت الى الاردن قبل ايلول الاسود
ايلول الأسود والانتقال الى لبنان
في العام 1970 هاجم الجيش الأردني القوات الفلسطينية في الأردن بعد أن خطف رجال المقاومة أربع طائرات ركاب إلى مطار في صحراء المملكة، ووقعت اشتباكات بين الطرفين أسفرت عن سقوط ضحايا من كلا الجانبين وعرفت بأحداث "أيلول الأسود"، وبعد وساطات عربية قررت المقاومة الفلسطينية في العام التالي الخروج من الأردن والانتقال إلى لبنان بعد أن نجحت مصر في إنقاذ عرفات من الموت المحقق في عمان وتهريبه سرا إلى القاهرة حيث حضر القمة العربية في سبتمبر 1970، فكانت أول قمة عربية تسلط فيها بقوة أضواء وفلاشات الكاميرات عليه.
ومع انتقال المنظمة إلى لبنان، واصل "الثائر" أبو عمار رحلة الكفاح المسلح، فشرع في ترتيب صفوف المقاومة معتمدا على مخيمات اللاجئين. وفي السنوات التي أعقبت انتقال عرفات إلى بيروت نفذ مسلحون فلسطينيون ينتمون لفصائل مختلفة عمليات تفجير وخطف طائرات واغتيالات، من أشهرها عملية خطف وقتل 11 رياضياً إسرائيلياً أثناء دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في ميونخ عام 1972.
في 13 نيسان 1973 حاولت اسرائيل اغتيال ياسر عرفات، في بيروت، حيث قامت مجموعة اسرائيلية ضمت بين افرادها من اصبح لاحقا رئيسا لوزراء اسرائيل ايهود باراك. وقد تمكنت المجموعة من اغتيال ثلاثة من مساعدي عرفات ولكنها لم تعثر عليه. واكد مقربون منه ان "معجزة سمحت له بالبقاء بعيدا". وفي الواقع لم يكن عرفات يمضي اكثر من بضع ساعات تحت سقف واحد وقد لف تحركاته بتكتم مطلق.
غصن زيتون وبندقية ثائر
وفي 29تشرين الأول 1974 اعلنت القمة العربية في الرباط منظمة التحرير "الممثل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني.
وفي 13 تشرين الثاني 1974، تحدث عرفات للمرة الاولى امام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك قائلا "أتيت إلى هنا حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية المقاتل من اجل الحرية في الاخرى. فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي". ومُنحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في المنظمة الدولية.
وفي نيسان 1975، مع اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، وقف عرفات في صف القوى التقدمية اللبنانية.
وفي حزيران 1980: أصدرت السوق الاوروبية المشتركة "اعلان البندقية" الذي يطالب بمشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في اي مفاوضات لاحلال السلام.
وخاضت المقاومة الفلسطينية الكفاح من لبنان ضد الكيان الاسرائيلي، ونتيجة لنجاح المقاومة الفلسطينية في حقبة السبعينيات في تسديد ضربات موجعة للاحتلال، قررت إسرائيل شن هجوم على قواعد المقاومة والقضاء عليها وهو ما توج بغزو بيروت عام 1982.
من لبنان إلى تونس
بعد اجتياح بيروت وفرض إسرائيل حصارا لمدة 10 أسابيع على المقاومة الفلسطينية، اكتسب خلالها عرفات احترام شعبه بصموده وشجاعته، وافق في 30 آب 1982على الخروج من لبنان تحت الحماية الدولية ومن ثم الانتقال إلى تونس التي شكلت المعقل الأخير لمنظمة التحرير الفلسطينية حتى عام 1994.
وحاولت اسرائيل اغتيال عرفات ثانية بعد انتقاله الى تونس. وقد تعرض مقره هناك، في الأول من تشرين الأول 1985 لقصف الطيران الاسرائيلي، ودمر بشكل شبه كامل في غارة ادت الى مقتل 17 شخصا. وكان عرفات في طريقه الى مكتبه وولكنه عاد ادراجه مع بداية الغارة.
وتعرض عرفات طوال مسيرة قيادته لحركة فتح والمنظمة للكثير من حركات التمرد ضده وكان أبرزها خلال فترة تواجد المنظمة في لبنان، حيث انشق عنه عدد من قادة الحركة ومن أبرزهم أبو موسى وأبو نضال، إلا أن دهاءه السياسي مكنه من تجاوز كل هذه الانشقاقات فظل متماسكا ومسيطرا على المنظمة وعلى فتح.
وفي تونس، واصل ياسر عرفات تكوين شخصية الزعيم السياسي الذي يتبنى الحل السلمي. وكانت ارهاصات هذا التوجه قد تجلت، عمليا، في الخطاب الذي القاه عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 13 نوفمبر 1974، والذي قال فيه: "إنني جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين".
________________________________________
الجزائر.. نقطة تحول
وكان لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ضد الاحتلال الإسرائيلي وتعرض الفلسطينيين فيها للقمع والقتل، أثره في حصول القضية الفلسطينية على تعاطف دولي، استثمره عرفات بحنكته السياسية لتحريك عملية السلام حيث دفع المجلس الوطني الفلسطيني بدورته المنعقدة في الجزائر في 15 تشرين الثاني 1988 الى تبني قرار مجلس الامن الدولي 242 معترفا بذلك ضمناً باسرائيل وفي الوقت ذاته، اعلن المجلس قرار اقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة وغزة. وتلا عرفات اعلان استقلال الدولة الفلسطينية.
وفي إبريل 1989 كلف المجلس المركزي الفلسطيني عرفات برئاسة الدولة الفلسطينية. وفي 2 أيار 1989، خلال زيارة رسمية الى باريس كانت اول تكريس لعلاقات دبلوماسية مع دولة غربية، اعلن عرفات ان الميثاق الوطني الفلسطيني اصبح "لاغيا".
في عام 1990 وبعد اجتياح القوات العراقية للكويت اتخذ عرفات موقفا فُسِّر بأنه مؤيد لخطوة الرئيس العراقي، آنذاك، صدام حسين ، مما انعكس سلبياً على القضية الفلسطينية، وتوقف دعم دول الخليج للقضية الفلسطينية.
وفي 1991 في أوج أزمة الخليج، انقلبت سيارة عرفات عدة مرات على الطريق بين عمان وبغداد. وبعدها، في كانون الثاني 1992، تزوج عرفات من مساعدته سهى الطويل (28 عاماً). وبعد شهرين، في نيسان 1992، تحطمت طائرته في الصحراء الليبية. وقيل حينذاك انه قتل في الحادث ولكنه ظهر من جديد بعد ساعات من الحادث.
أوسلو.. غزة واريحا
وبعد انتهاء حرب الخليج كان هناك إجماع دولي على ضرورة العمل من أجل تسوية القضية الفلسطينية دعماً للاستقرار في الشرق الأوسط.
ولدفع عملية السلام أعلن عرفات أوائل عام 1990 أنه يجري اتصالات سرية مع القادة الإسرائيليين بهذا الخصوص. وفي عام 1991عقد مؤتمر السلام في مدريد تحت رعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.
وفي 13 أيلول 1993 بعد ستة أشهر من المفاوضات السرية في اوسلو، وقّع عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين، في واشنطن، اتفاق أوسلو الذي جعل أضواء الإعلام الغربي تسلط عليه بكثافة، كما كان نقطة تحول بارزة في القضية الفلسطينية. وقد وقع الطرفان على "إعلان مبادئ"، هو عبارة عن اتفاق سمح للفلسطينيين بممارسة الحكم الذاتي في قطاع غزة ومدينة أريحا بالضفة الغربية مقابل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل.
لكن لم تحسم عدة قضايا شائكة وأبرزها مستقبل المستوطنات المقامة على أراض محتلة، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك مدنهم وقراهم بعد حرب عام 1948، والوضع النهائي لمدينة القدس.
وفي 1 تموز 1994 خرجت غزة عن بكرة ابيها لاستقبال عرفات والعائدين معه من "ثوار فتح" بحفاوة كبرى، بعد 27 عاماً قضاها في المنفى. واتخذ عرفات من غزة مقراً لقيادته.
وقد بدأ عرفات فور عودته الى غزة، مسيرة سلام مرت بصعوبات بالغة. وفي نفس السنة فاز بجائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين وشمعون بيريز.
وفي عام 1995 وقع عرفات ورابين بواشنطن على اتفاقية الوضع المؤقت التي مهدت الطريق لإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقد اغتيل رابين اثر ذلك، في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1995، بايدي متطرف اسرائيلي، وهو ما شكّل انتكاسة لعملية السلام. وواجه عرفات تحدياً ضخماً تمثل في السعي للحفاظ على التزام الفلسطينيين والإسرائيليين بما أطلق عليه "سلام الشجعان".
شرع عرفات لدى وصوله الى غزة، في تأسيس السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية المختلفة، وعمل على إعادة تأهيل بعض المؤسسات وتدريب أفراد من الشرطة والجيش للحفاظ على الأمن، مبشرا شعبه بقرب تحقيق حلم التحرير والصلاة في المسجد الأقصى.
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية
وفي 20 يناير 1996 انتخب عرفات رئيسا للسلطة الفلسطينية في انتخابات ظل يفتخر دوما بأنها كانت حرة وشفافة في منطقة نادرا ما تشهد مثلها.
في عام 1997 وقع الفلسطينيون برئاسة عرفات اتفاقية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لتسلم معظم مدينة الخليل والذي تعطل كثيرا، بعد ذلك أصيبت عملية السلام بالجمود.
وفي عام 1998 وقع عرفات ونتانياهو على اتفاقية واي ريفر لانسحاب إسرائيلي تدريجي من الضفة الغربية، والتي جمدها نتانياهو بعد شهرين زاعما ان عرفات لم ينفذ شروطا أمنية.
في 5 أيلول 1999 وقع عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في شرم الشيخ في مصر اتفاقا يفتح الطريق امام مفاوضات حول تسوية سلمية نهائية بين اسرائيل والفلسطينيين. ويحدد الاتفاق شهر سبتمبر/ أيلول عام 2000 موعدا لتوقيع معاهدة سلام دائمة.
فشل كامب ديفيد.. الانتفاضة
وشهد منتجع كامب ديفيد في 25 تموز / يوليو 2000 حيث شارك عرفات في قمة ثلاثية جمعته ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وصول عملية السلام إلى طريقها المسدود، إلا أن رفض أبو عمار تقديم تنازلات لإسرائيل في قضايا تتعلق بالوضع النهائي للأراضي الفلسطينية ومن بينها القدس، أعاد إليه مرة أخرى قدرا من شعبيته بين الفلسطينيين.
غير أن اصطدام السلطة بالمواقف الإسرائيلية المتعنتة أدى إلى انحسار التأييد الشعبي لمشروع السلطة الفلسطينية وقيادتها الممثلة في شخص عرفات. وساهم في ذلك الانحسار قيام السلطة الفلسطينية بملاحقة نشطاء فصائل المقاومة خاصة الإسلامية منها تنفيذا لاستحقاقات الاتفاقيات التي وقعتها مع إسرائيل، فتوالت على عرفات الاتهامات بأنه أصبح أداة في يد الاحتلال لقمع المقاومة الفلسطينية كما تزامن مع ذلك بداية الحديث المتصاعد عن فساد السلطة وتراخي رئيسها في مواجهته.
وبحلول عام ألفين توقفت تماماً عملية السلام، واشتعلت انتفاضة الأقصى في 29 أيلول، بعد الزيارة الاستفزازية التي قام بها زعيم المعارضة في ذلك الحين أرييل شارون الحرم القدسي.
اثر ذلك استقالت حكومة براك في اسرائيل، وتولى السلطة اريئيل شارون، زعيم اليمين المتطرف الذي عمل منذ توليه لمنصبه على تنفيذ مخططه الهادف الى تدمير السلطة الفلسطي
حرب شارون
وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول 2001، قامت الحكومة الإسرائيلية بقيادة شارون، خصم عرفات القديم واللدود، بفرض حصار عسكري عليه داخل مقره بمدينة رام الله بالضفة الغربية. بمساندة أمريكية، فكان أن حظي عرفات مرة أخرى بتعاطف كبير من جانب الشارع الفلسطيني في مواجهة الأصوات الإسرائيلية المتعالية والمطالبة بطرده أو تصفيته، فعاد الرمز الفلسطيني مرة أخرى للواجهة بقوة.
وفي 29 آذار 2002: غداة عملية استشهادية نفذتها المقاومة الفلسطينية، وختام القمة العربية في بيروت التي حُرم عرفات من حضورها، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي أوسع هجوم له في الضفة الغربية منذ حزيران 1967 ودمر الجزء الاكبر من مقر عرفات الذي بقي في المبنى الذي يضم مكاتبه تطوقه الدبابات الاسرائيلية.
وقد بقي على هذا الحال حتى ليلة الثاني من أيار حين رفع جيش الاحتلال الإسرائيلي الحصار عنه.
وفيما يلي أبرز احداث الحصار
عام 2001
8 كانون الأول: إسرائيل تعلن انها تحتفظ لنفسها بحق منع عرفات من مغادرة رام الله للتوجه الى الخارج.
13 كانون الأول: إسرائيل تمنع الرئيس الفلسطيني من مغادرة رام الله وتنشر دبابات على بعد 200 متر من مقره العام. دمرت الطائرات الاسرائيلية محطة البث التلفزيوني والاذاعة الفلسطينية القريبة من مكاتب عرفات.
24 كانون الأول: إسرائيل تمنع عرفات من التوجه الى بيت لحم لحضور القداس بمناسبة عيد الميلاد.
عام 2002
2 كانون الثاني: رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون يعلن ان عرفات سيبقى في رام الله ما لم يوقف الذين قتلوا وزير السياحة الاسرائيلي رحبعام زئيفي في تشرين الأول من العام الماضي.
5 كانون الثاني: إسرائيل تؤكد مجددا معارضتها لزيارة عرفات الى بيت لحم للمشاركة في عيد الميلاد الارثوذكسي.
3 شباط: 300 من الاسرائيليين اليهود والعرب يلتقون الرئيس الفلسطيني في رام الله لادانة الاحتلال الاسرائيلي.
14 شباط: وزير الخارجية البريطاني جاك سترو يدعو عرفات في لقاء طويل في رام الله، الى وقف "العنف".
16 شباط: وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر يجري محادثات مع عرفات.
19 شباط: لقاء بين عرفات ووزير الخارجية الاردني مروان المعشر.
25 شباط: الدبابات الاسرائيلية تنسحب من القطاع المحيط بمكاتب عرفات طبقا لقرار اتخذته الحكومة الاسرائيلية.
9 آذار: وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني يقوم بزيارة "تضامنية" مع عرفات.
15 آذار: المبعوث الأمريكي أنطوني زيني يجري محادثات مع عرفات في رام الله التي انسحبت منها القوات الاسرائيلية بعد ان اعادت احتلالها لساعات.
19 آذار: شارون يصرح ان عرفات يستطيع ان يغادر الاراضي الفلسطينية "فور تطبيق خطة تينيت" لوقف اطلاق النار.
26 آذار: إسرائيل تمنع عرفات من التوجه الى بيروت للمشاركة في القمة العربية.
29 آذار: بدء العملية العسكرية الاسرائيلية "السور الواقي" في الضفة الغربية. جيش الاحتلال الإسرائيلي يدخل رام الله ويطوق مقر عرفات ويدمر كل المباني باستثناء مكاتبه.
31 آذار: حوالي اربعين من دعاة السلام الغربيين يشكلون "درعاً بشرية" حماية عرفات. اسرائيل تعلن رام الله "منطقة عسكرية مغلقة".
2 نيسان: جيش الاحتلال الإسرائيلي يستولي على مقر جهاز الامن الوقائي الفلسطيني في رام الله وشارون يقترح على عرفات "رحلة ذهاب" فقط الى الخارج. عرفات يرفض الاقتراح.
4 نيسان: شارون يعارض لقاء بعثة اوروبية مع عرفات.
13 نيسان: عرفات يدين باسمه وباسم القيادة الفلسطينية "كل الاعمال الارهابية التي تستهدف مدنيين سواء كانوا اسرائيليين او فلسطينيين، والارهاب سواء مارسته دولة او مجموعات او افراد".
14 نيسان: وزير الخارجية الأمريكي كولن باول يجري محادثات في رام الله مع عرفات ثم مع شارون.
17 نيسان: لقاء ثان بين عرفات وباول.
21 نيسان: آرييل شارون يعلن انتهاء المرحلة الاولى من عملية "السور الواقي" بانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من نابلس والجزء الاكبر من رام الله.
25 نيسان: محكمة عسكرية تعقد جلسة في مقر عرفات وتصدر احكاما بالسجن لمدد تتراوح بين عام و18 عاما على المتهمين باغتيال وزير السياحة الاسرائيلي. شارون يطالب بتسليمهم لاسرائيل.
28 نيسان: وفد أمريكي يقوده قنصل الولايات المتحدة في القدس رونالد شلايكر يلتقي عرفات في رام الله. الإسرائيليون والفلسطينيون يوافقون على اقتراح أمريكي يقضي بان يرفع جيش الاحتلال الإسرائيلي الحصار المفروض على عرفات شرط سجن المتهمين باغتيال زئيفي واثنين آخرين من الفلسطينيين تطالب بهما اسرائيل تحت حراسة أمريكيين وبريطانيين في سجن اريحا.
30 نيسان: الخبراء الأمريكيون والبريطانيون يقومون مع السلطات الفلسطينية بتسوية التفاصيل التقنية لرفع الحصار عن مقر الرئيس الفلسطيني "خلال 24 ساعة".
1 أيار: قنصلا بريطانيا والولايات المتحدة يباشران ممحادثات مع عرفات حول طرق نقل الفلسطينيين الستة. في اليوم نفسه، تم نقل هؤلاء الفلسطينيين الى سجن فلسطيني في اريحا باشراف أمريكي وبريطاني.
2 أيار: جيش الاحتلال الإسرائيلي يغادر موقع مقر الرئيس الفلسطيني.
________________________________________
انهيار السلطة.. تدهور حالة الرئيس
خلال فترة الحصار تلك، أعادت إسرائيل احتلال أغلب مدن وقرى الضفة الغربية، وبعد ضغوط دولية، تعهد شارون بعدم استهداف عرفات أثناء تنفيذ العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التي زعمت حكومة شارون إنها تهدف للقضاء على ما اسمته " البنية التحتية للإرهاب"، بينما وصفها الفلسطينيون بأنها "جرائم حرب" و"إرهاب دولة".
لكن التهديدات استمرت من قبل بعض المسؤولين الإسرائيليين بإبعاده وحتى بقتله.
و في 11/9/2003 اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً أطلقت عليه صفة " مبدأي " ، بإبعاد الرئيس ياسر عرفات عن أرض الوطن. ولم تنفذ اسرائيل هذا القرارفعليا، الا انها لوحت به بعد كل عملية استشهادية.
وكان رد فعل عرفات للحصار الإسرائيلي إعلانه أنه "يتوق للشهادة التي سبقته إليها أعداد كبيرة من أبناء شعبه".
وخلال هذه الفترة اتفقت اسرائيل والولايات المتحدة على عزل الرئيس عرفات واعتباره "غير ذي صلة"، وسعت واشنطن الى فرض تعيين رئيس وزراء فلسطيني على امل ان تتعامل معه في القضايا الفلسطينية، وتجاوز عرفات. وفي عام 2003 عين عرفات أمين سر منظمة التحرير محمود عباس رئيسا للوزراء تحت ضغوط دولية للتنازل عن بعض سلطاته، لكنه رفض التخلي عن سيطرته على القوات الأمنية فاستقال عباس وتم تعيين احمد قريع، خلفا له.
وفي عام 2003، ايضا، صادق الفلسطينيون على خطة خارطة الطريق المدعومة من الولايات المتحدة. الا ان اسرائيل رفضت تطبيق الخارطة رغم زعم تبنيها لها. ورفضت اسرائيل اجراء اي مفاوضات مع عرفات او مواصلة الاتصالات بينها وبين القيادة الفلسطينية، بل سعت الى فرض المقاطعة الدولية على عرفات، بحيث اعلنت رفضها استقبال اي مسؤول دولي يقوم بجولة في المنطقة، ويزور عرفات.
وبعد انتخاب شارون لرئاسة الحكومة، في دورة ثانية، بدأ تكثيف العمل في اقامة جدار الفصل العنصري على اراضي الضفة الغربية، رافضا الانصياع الى مقررات الامم المتحدة التي اعتبرت الجدار عملا غير مشروع ومخالفا للقانون الدولي. وبدأ شارون، في العام 2003، التحدث عن خطة الفصل الاحادي الجانب، المعروفة باسم "فك الارتباط" مع قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، والتي اصر على تنفيذها من جانب واحد دون اي اتفاق مع الفلسطينيين. وقد صادق الكنيست الاسرائيلي على هذه الخطة، قبل يوم واحد من تدهور صحة الرئيس الفلسطيني عرفات، ونقله، بعد يومين، تقريبا، الى باريس حيث حاول الاطباء تحسين وضعه الصحي وانقاذ حياته في مستشفى بيرسي العسكري..
في الساعة الرابعة والنصف من فجر الخميس الحادي عشر من تشرين الثاني نوفمبر 2004 .اعلن المستشفى الفرنسي وفاة الرئيس ياسر عرفات، عن عمر يناهز 75 عاما
في 11/9/2003 اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بإبعاد الرئيس ياسر عرفات عن أرض الوطن
وفيما يلي أقوال الرئيس رداً على هذا القرار
- قال الرئيس ياسر عرفات، مخاطباً الجماهير الحاشدة التي أمت مقر الرئاسة في رام الله، دعماً وتأييداً، رداً على قرار الحكومة الإسرائيلية بإبعاده: "يا أخوتي يا أحبتي، إن هذا الشعب شعب الجبارين، شعب الشهيد فارس عودة، شعب الجبارين لا ينحني، لا ينحني إلا لله".
وتابع: "عندما هددوا بتفجير هذا المقر في الحصار السابق، وأجرينا اتصالات هنا وهناك لم يفعلوا شيئاً، وإنما خرجت النساء وخرج الشيوخ والأطفال والرجال من رفحغراد إلى جنينغراد، وقرعوا الطناجر محتجين على الحصار، والآن أقول للحكومة الإسرائيلية هذا هو الرد على قراركم، المسيرات التي انطلقت من جنينغراد إلى رفحغراد وغزة وخانيونس وبيت حانون ونابلس وطولكرم وقلقيلية والخليل "يا جبل ما يهزك ريح".
( الأيام 12/9/2003 )
- قال الرئيس ياسر عرفات، للصحافيين أمام مقره في رام الله: إن أحداً لن يستطيع إخراجه من بلاده، وإن إسرائيل يمكنها قتله بما لديها من قنابل ولكنه لن يرحل. ودعا الرئيس، لجنة الوساطة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى سرعة التحرك لحماية السلام وخطة السلام المعروفة باسم خارطة الطريق.
( الأيام 12/9/2003 )
- وجه الرئيس ياسر عرفات، التحية لأنصار السلام والاسرائيليين المدافعين عن السلام، الذين ارتفعت أصواتهم بقوة وصلابة معنا.
( الأيام 13/9/2003 )
- قال الرئيس ياسر عرفات، خلال كلمة وجهها عبر الهاتف إلى الجماهير المحتشدة في مخيم الرشيدية في جنوب لبنان، من القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية:
يا أخوتي يا أحبتي في لبنان وشعب لبنان، وأخوتي الأحبة الفلسطينيين في لبنان، أحييكم تحية من عند الله مباركة وأشد على أياديكم وأقول لكم وأقول للعالم أجمع من خلالكم، إن هذا الشعب اللبناني البطل والشعب الفلسطيني البطل من الذين تصدوا ولا زالوا يتصدون لهذا العدو الذي يريد أن يسطر بدمائنا أحلامه الصهيونية. ولكننا نقول له وللعالم أجمع يا جبل ما يهزل ريح.
وقال سيادته: نعم يا أخوتي يا أحبتي، إنني من هذا الحصار لشعبنا ولي شخصياً وهذه المحاولات الإسرائيلية التي تحاول أن تركع شعبنا فإنني أقول، باسمكم لبنانيين وفلسطينيين وعرب إننا لن نركع إلا لله تعالى.
( الأيام 15/9/2003 )
- قال الرئيس ياسر عرفات، في كلمة له عبر "راديو الأحلام" مخاطباً أهالي جنين الذين جددوا بيعتهم وثقتهم بقيادته:
"أحبتي وأهلي المرابطين في جنيغراد، في جنين القسام، يا رجالنا ونساءنا وأشبالنا وزهراتنا في مخيم جنين، قلعة البطولة والصمود والتحدي، ليس أحب إلى عقلي وقلبي من التحدث إليكم في هذا المعترك المصيري الذي يخوضه كل الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال، ومن أجل حماية المقدسات المسيحية والاسلامية في أرض الرباط الأرض المباركة، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد صلوات الله عليه وسلم، ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام".
وقال: "إن حياتنا أيها الأحبة الأطفال ليست أعز علينا من حياة أي طفل أو شاب أو رجل أو إمرأة، وليست أحب ولا أعز من حياة فارس عودة، الذي رفع علم فلسطين عالياً، ثم سقط شهيد الوطن والحرية والاستقلال، قدرنا أن نضحي في سبيل فلسطين ومقدساتها وكرامتها وقدسها الشريف ومستقبل الأجيال، ونضحي اليوم من أجل وطن حر عزيز مستقل".
( الأيام 16/9/2003 )
- قال الرئيس ياسر عرفات، في كلمة وجهها لاجتماع عقده المجلس الوطني الفلسطيني في مقره بنابلس في 16/9/2003، رداً على القرار الإسرائيلي القاضي بإبعاده والدعوات المطالبة بتصفيته: إن حياتي ليست هي القضية، بل حياة الوطن والقدس مسرى الرسول ومهد المسيح… هذه هي القضية الكبرى التي قدم الشعب الفلسطيني من أجلها التضحيات.. قدم التضحيات من أجل عودة الأرض والمقدسات.
( الأيام 17/9/2003 )
- قال الرئيس ياسر عرفات، في مقابلة مع إذاعة رويترز، وهو يشير إلى سلاحه داخل مكتبه في رام الله: "أنا جندي فلسطيني وقبلها كنت ضابط احتياط في الجيش المصري وأنا لا أدافع عن نفسي فقط، بل وأيضاً عن كل شبل وطفل وإمرأة ورجل فلسطيني وعن القرار الفلسطيني".
وقال: "هل هناك أحد في فلسطين لا يتمنى الشهادة، كلنا مشاريع شهادة، فالقصف الإسرائيلي متواصل من الطائرات والمدفعيات والصواريخ، ويومياً يسقط شهداء كل يوم نسمع عن شهيد".
( القدس 18/9/2003 )
- وحول الفيتو التي استخدمته الولايات المتحدة ضد قرار تقدمت به دول عربية، تطالب بمنع إسرائيل من ابعاد الرئيس عرفات. قال الرئيس عرفات: "هذا ليس أول فيتو ولن يكون الأخير، أهم شيء هو موقف هذه الجماهير الفلسطينية والعربية والدولية".
وتابع: "أولاً هذا التحدي ليس لي، إنما لأمتنا العربية والاسلامية وتحدي للقمة الأفريقية ولدول عدم الانحياز وتحد لأمريكا لأنه بوش الأب-الرئيس الأمريكي السابق – هو من عمل على اتفاق الأرض مقابل السلام".
( القدس 18/9/2003 )
- قال الرئيس ياسر عرفات، في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت في 17/11/2003:
"شارون يريد قتلي؟ مسدسي جاهز".
"لا ريب أن قرار الحكومة الإسرائيلية كان بلا أي منطق أو عقل".
"فقد اعترف شارون نفسه أنه حاول قتلي 17 مرة في بيروت. ولكن ها أنا هنا. أجلس والمسدس إلى جانبي. متى لم أكن جاهزاً؟ أنتم لا تعرفونني؟؟
"تفضلوا، تطبيق الخطة نحن وأنتم، نجلب إلى المنطقة مراقبين أو قوة دولية. هكذا اتفق في خارطة الطريق. هكذا نوقف الدم".
".. ساعدونا على تحقيق الهدنة"… "كفوا عن الاجتياحات، التصفيات، وهدم المنازل".
( المصدر السياسي 18/9/2003 )
- قال الرئيس ياسر عرفات، في كلمة عبر الهاتف لأعضاء المهرجان الذي يمثل الكونغرس الفلسطيني الأمريكي المنعقد في الولايات المتحدة:
"إن الشعب الفلسطيني الذي يواجه هذا العدوان الإسرائيلي اليومي ضد مقدساته الاسلامية والمسيحية، وضد مدنه وقراه ومخيماته وبنيته التحتية واقتصاده ومدارسه ومستشفياته، صامد ومرابط حتى تحقيق الأهداف الوطنية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف"… نحن متمسكون بسلام الشجعان الذي وقعته مع شريكي الراحل اسحق رابين الذي دفع حياته عندما اغتالته العناصر المتطرفة التي تحكم الآن إسرائيل..".
( الأيام 20/9/2003 )
- تحدث الرئيس ياسر عرفات، عبر الهاتف مخاطباً الجماهير المحتشدة أمام الكنيسة في بيت ساحور قائلاً:
"أحييكم على هذه الهبة الجماهيرية في وجه ما يحاك ضد شعبنا ومقدساتنا ووطنا، ونرفض هذه الهجمة الإسرائيلية التي لا مثيل لها… مدعومة من دولة عظمى، مما يؤكد أنهم لا يريدون سلاماً وإنما استسلاماً.
ونحن نقول لهم، إن شعب الجبارين لن يركع إلا لله تعالى ولن يستسلم أبداً، بل إننا صامدون وسنمضي قدماً للدفاع عن وجودنا ومقدساتنا وأرضنا وحقوق شعبنا، حتى نقيم دولتنا الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
( القدس 21/9/2003 )
- وصف الرئيس ياسر عرفات، قرار الأمم المتحدة الذي يطالب إسرائيل بسحب تهديدها بإبعاد سيادته أو إيذائه بأنه "بمنتهى الأهمية".
وشكر الرئيس في تصريحات للصحفيين عقب انتهاء مسيرة جماهيرية حاشدة أمام مقر الرئاسة في رام الله للتضامن مع سيادته، جميع الدول التي صوتت لصالح القرار، معتبراً ذلك دلالة على الموقف الدولي الصديق والشقيق الذي يقفونه مع الشعب الفلسطيني، الذي يرزح تحت الاحتلال العنصري الذي لا يحترم الانسانية والديانات المسيحية والاسلامية.
وأضاف الرئيس، أن هذا التصويت بالأغلبية "133" دولة، يعني أنهم يقولون لمن يحتلون هذه الأرض المقدسة إنها أرض فلسطينية، مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام.
وأكد الرئيس، أنه لا يخيفنا قرار ولا حصار وقتال، لأننا ندافع عن ما هو أغلى من أنفسنا وهو التراث التاريخي والحضاري لشعب الجبارين، ونقول للعالم أجمع معاً وسوياً وجنباً إلى جنب حتى القدس الشريف.
( القدس 21/9/2003 )
- قال الرئيس ياسر عرفات، مخاطباً أعضاء المجلس الوطني في قطاع غزة:
"إن القضية ليست قضية "أبو عمار" إنما قضية حياة الوطن واستقلاله وكرامة هذا الشعب وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف". "لن ننحني إلا لله سبحانه وتعالى، كما لن ننحني أمام التهديد والوعيد، فحياتي ليست أغلى من حياة أي طفل فلسطيني، وهي ليست أغلى من حياة الشهيد الطفل فارس عودة، فكلنا فداءً للوطن الغالي فلسطين الأرض المباركة"
رحمك الله يا ابا عمار عشت قائدا ومت قائدا
لم تنتهي الحكاية بعد
وستسمر الحكاية
في الساعة الرابعة والنصف من فجر الخميس الحادي عشر من تشرين الثاني نوفمبر 2004 .اعلن المستشفى الفرنسي وفاة الرئيس ياسر عرفات، عن عمر يناهز 75 عاما.
في رثاء القائد الرمز والأسطورة الخالدة الرئيس الشهيد ياسر عرفات
ملحمة الشهيد
على كفيَّ نقشتك رمزيَ الأبديَّ ...،
تسكن في حنايانا ..،
على كفي رسمتك يا أبا عمار ..،
إكليلاً من الوردِ ..،
من المجد ..،
من العز ..،
لتبقى في ثنايانا ..،
شعاعاً بدد الظلمات ..،
في أعماقنا العطشى إلى نور السنا
العلوي في أرض القداسات ..،
التي كانت ولا زالت تعشش
في خبايانا ..،
وأنت الرمز والأمل ..،
وأنت القلب والوطن ..،
وأنت الراية الخضراء تسمو
في معاليها ..،
تداعب نسمة الأيام في ذكرى ..،
رحيل المارد المخبوء في أعماق دنيانا .
* * *
على كفي نقشتك يا أبا عمار
طيفاً صادق الوعد ..،
وبين ضلوعي اللاتي تمزقها جراحاتي ..،
حفرت العهد والميثاق أغنية ..،
هزيجاً من شذا السمار والركبان
تحدوها نجوم الليل للأشجار وارفة ً
لتسكن في حشاشاتي ..,
وفي عين الزمان تحطُ ركابكَ المجدولَ
من رمشي ..,
ومن شريان أبنائي وأحفادي . . حفيداتي ..,
وكلِّ الصامدين هناك ..,
فوق الأرض .. فوق القدس ..,
فوق ربوعنا اللاتي ..،
سباها الغاصب المحتل يمعن في عداواتي ..,
* * *
أيا زمني ..,
أيا وطني ..,
أيا أبناء هذا الرمزِ ..,
يا أحفاد هذا المجدْ ..,
سيبقى الغصن مخضراً ..,
ويورق مع سنين العمر ملحمة ..,
بناها المارد الجبار في أعماقنا العطشى ..,
سلاماً وانتصارات .
سيبقى في زمان الصمت ألحاناً ..,
ترددها شفاه الثُكل والجرحى ..,
ومن ماتوا ..,
ومن سحلوا ..,
وأطفالُ الحجاراتِ ..,
* * *
هنا ... نحن أبا عمارِ ..,
نبني الصرح مزهواً بذكرى سنينك
الحبلى بمجد ما نسيناه .,
هنا في عمق شرياني ..,
وفي صفحات تاريخي ..,
خططُ حروفك العطرهْ ...,
وسجَّلَ فجرك النشوان في خلجات
أنفسنا كفاحاً قد عشقناهُ ..,
وبدد ليلنَا المحزونَ صوتُ نشيدك العذريِّ ..,
كي يشدوا بها الركبانْ ..,
وتعزفها أغاريداً مدوية ..,
نساء الحي ، والسمار رجعاً وارف الألحانْ .
* * *
على كفيّ نقشتك يا أبا الأبطال ..,
والشهداء والثوارْ ..,
رسمتك صورة العملاقِ ..,
في وجداني المحروق في نار العذاباتِ ..,
وفوق جبين أيامي ..,
نحت لعرشك الباقي خلوداً ..,
في جبين الشمس والبارود ..,
في أرض القداسات ..,
هنا في أرض أجدادي ..,
هنا في الشام .. في اليمن
هنا في مصر .. في عدن ..,
هنا في القدس في حيفا ..,
وفي عمان ..
هنا في اللد .. في اليرموك .. في الجولانْ ..,
هنا في وجد أطفالي ..,
وعمق نسائي اللاتي لدى القضبانْ ..,
هنا في عين جداتي ..,
وكل جوانح الشرفاء عبر محيط أنّاتي ..,
هناك .. هنا
سنبقى يا عفيف الطبعِ ..,
رغم البؤس والحرمانْ ...
ورغم قساوة السجانْ ..,
سنبقى الصخرة الصوانِ ..,
رمزاً للشهادات .
* * *
أبا عمار ..,
أيا مَن عشتَ في دنياك تعشق أرضنا الخضراء ..,
فُتِنتِ بها ..,
وعشت لها ..,
وذقت حلاوة الإيمانْ ..,
وكنت الفارس المغوارَ ..,
تعلو هامة الجوزاءْ ..,
وكنت الصانع الثورات ..,
ما زالت مدويةً ..,
تزمجر في ثنايا الأرضِ ..,
تحملها يد الشرفاءْ ..,
وكنت الوالد الحاني ..,
على الجرحى ..,
ومن نسجت أناملهم .. بنادقهم ..،
رموش عيونهم زمناً ..
شعاع النصر ملحمةً ..,
وكنت الرمز للشهداءْ ..
* * *
أبا عمار ..!!
على كفيّ .. وفوق جبين أمتنا
سنحفر عهدنا الباقي .. مدى الأزمانْ ..،
على شجر من الزيتون والأعنابِ ..,
في كرمي .. على جذع من الرمانْ .,
على نخلات أجدادي ..,
التي بسقت مع الأحزانْ ..,
على شريان أولادي .., وأحفادي ..,
وأطفالي ... يصفّد قيدهم سجانْ ,
على وهج الشموس نقشت أغنيتي ..,
أبا عمار ..,
وفوق جذوع أشجاري ..,
وبعضاً من بقايانا ..,
رسمتك يا أبا الأحزان ..!!
طفلاً يحمل الرشاش عملاقاً ..,
ليُسقى من دموع الوجدِ ..,
مزنا طاهر القطرات فياضاً ... مع الأيام .,
لينمو في ثرى وطني ..,
ويمحو القيد .. ما ناءت به الأبدان ..,
* * *
أبا عمار ..,
إليك نقدم الأبناء ... والأزهارَ ..,
قرباناً من الوجدانْ ..,
وفي عمقي جراحات ..,
تعذبني ..,
تكبلني ..,
تحطم صحوة الإنسان ..,
وفي كفيّ بقايا من رصاصات ..,
ستبقى الرمز والعنوان .,
وتبقى الفارس المخبوء في وطني ..,
وفي جفني ..,
وحتى يرحل السجانْ
________________________________________
السلامـ عليكمـ
خص الشاعر الفلسطيني محمود درويش وداع الرئيس ياسر عرفات بمقال
فاجَأَنا ياسر عرفات بأنه لم يفاجئنا. كأنّ تطابقاً بين الشخص المريض والنص المريض قد حدَّد مسبقاً صورة النهاية, وحرم البطل التراجيدي من اضفاء خصوصيته على القَدَر. فلا معجزة هذه المرة, ولا مفاجأة, منذ أصبحت التراجيديا, المصورة في مسلسل تلفزيوني طويل, يومية ومألوفة وعادية!
لقد أعدَّنا ياسر عرفات, تدريجياً, لوداعه المتواصل أكثر من مرة, وعوَّدنا على موت غير عادي وغير معلن, بغارة من طائرة حربية, أو بسقوط طائرة مدنيّة في صحراء. لكنه - والأقدار تُضفي عليه سحر الاعجوبة - كان يسبق الموت الى الحياة, فنحيا معه في رحلة أدمَنَّا خلالها الرحيل الى هدف يتلألأ بجماليات المستحيل, وبشاعرية رعوية تُعيننا على طول الطريق.
من منفى الى آخر, كان الموضوع ينأى عن أرض الموضوع... ويدنو, في بلاغةٍ ترسم اللافتات بدمٍ قلنا انه يخصب الفكرة وينعش الذاكرة, ويرفع الحدود عن العلاقة بين الواقعي والأسطوري. كنا في حاجة الى اسطورة أنجزنا بعض فصولها. لكن الاسطورة في حاجة الى واقع, فهل سينجح الاسطوري في امتحان العمل على أرض الواقع؟ انه سؤال مُؤجَّل!
هو, ياسر عرفات, من استطاع أن يروِّض التناقض في المنافي, بمزيج من البراغماتية والدين والغيبيات. وتحوَّل, بديناميكيته الخارقة وتماهيه الكامل بين الشخصي والعام وعبادة العمل, من قائد الى رمز شديد اللمعان.
لم يزاول مهنة الهندسة لتعبيد الطرق, بل لشقّها في حقول الألغام. قد يحتاج التاريخ الى وقت طويل لترتيب أوراق هذا الرجل - الظاهرة. لكنه سيمنحه رتبة الشرف في علم القدرة على البقاء منذ الآن, ومنذ الآن سيتوقف طويلاً عند مغامرته - المعجزة: إشعال النار في الجليد: فقد قاد ثورة معاكسة لأي حساب, لأنها ربما جاءت قبل أوانها, أو بعد أوانها ربما. أو ربما لأن موازين القوى الاقليمية لا تأذن لأحد بإشعال عود كبريت قرب حقول النفط... وعلى مقربة من الأمن الاسرائيلي!
لم ينتصر في المعارك العسكرية, لا في الوطن ولا في الشتات. لكنه انتصر في معركة الدفاع عن الوجود الوطني, ووضع المسألة الفلسطينية على الخارطة السياسية, الاقليمية والدولية, وفي بلورة الهوية الوطنية للفلسطيني اللاجئ المنسيّ عند أطراف الغياب, وفي تثبيت الحقيقة الفلسطينية في الوعي الانساني, ونجح في اقناع العالم بأن الحرب تبدأ من فلسطين, وبأن السلم يبدأ من فلسطين.
وصارت كوفية ياسر عرفات, المعقودة بعناية رمزية وفولكلورية معاً, هي الدليل المعنوي والسياسي الى فلسطين.
لكنه, وقد اختزل الموضوعات كلها في شخصه, صار ضرورياً لحياتنا الى درجة الخطر... كرَبِّ أسرة لا يريد لأولاده أن يكبروا لئلا يعتمدوا على أنفسهم. لذلك أعدَّنا, أكثر من مرة, للتعوُّد على الخوف من فكرة اليُتم, وعلى الخوف من احتضار الفكرة في حال غيابه الجسدي. ومن فرط ما ناوش الموت ونجا, امتلأ لاوعيٌ فلسطيني خرافي بشعور ما بأن عرفات قد لا يموت! وهكذا لامَسَت اسطورته حدود الميتافيزيقيا.
لكن المفاجآت كانت تعمل في مكان آخر. فهذا الكائن الرمزي العائد من تأويلات اغريقية, كان في حاجة الى التخفيف من عبء اسطورته, لأن البلد في حاجة الى بناء وادارة, والى التخلّص من الاحتلال بوسائل جديدة. وهو الآن مكشوف امام الجميع, عرضة للمس والهمس والمساءلة. ومن سوء حظ البطل أن عليه أن ينتصر على الاعداء في معارك غير متكافئة, من جهة... وأن يصون صورته في المخيلة العامة من نتوءاتها الداخلية.
لكن, وهو المشبع بثقافة صلاح الدين التفاوضية, وبتسامح عُمَر, لم يأت على حصان أبيض, ولا ماشياً أمام جَمَل... فلا مكان للخيل والإبل في بلاغة الأزمنة الحديثة. بل جاء الى واقعه الجديد محمولاً على اتفاق أوسلو, ذي الجوهر الأمني الخالي من الإفراط في التفاؤل, والمفتوح على غموض النيات. لكنه عاد, وفي ذهنه خاطرة مرِحة: حتى النبي موسى لم يعد الى "أرض الميعاد"!
هي خطوة أولى نحو الدولة, يقول, ويعلم ان فلسطين ما زالت هناك: في القضايا المعلّقة على مفاوضات الوضع النهائي, حول القدس وحق العودة وغيرها من القضايا الشائكة. والطريق الى هناك لا يمر من أوسلو, بل من مرجعيات الشرعية الدولية.
وكان يعلم أن تلك المرجعيات لم تعد صالحة تماماً في عالم القطب الواحد, الذي رفع الدولة الاسرائيلية الى مرتبة المقدس الذي يُلهم "البيت الأبيض" بتعاليمه السماوية! ويعرف أيضاً ان المراسم الرئاسية وبطاقات الهوية وجوازات السفر لا تعني, بالنسبة الى المسؤولين الاسرائيليين, إلا ضرورة إلهاء المحرومين من الاستقلال بوجبات رمزية سريعة لا تشبع الهوية الجائعة. ويعرف أيضاً وأيضاً انه قد انتقل من المنفى الى سجن مؤثَّث بصور الأشياء لا بحقيقتها, وانه في حاجة الى إذن بالانتقال من سجن في رام الله الى سجن في غزة. ولا بأس من سجاد أحمر... ونشيد.
من هنا, بدأت محنة الرئيس, وداؤه السياسي والمعنوي. فهذا الأسير العظيم, المحكوم بالشروط الاسرائيلية القاسية, لا يستطيع التقدم نحو الفهم الاسرائيلي لعملية السلام, ولا يستطيع التراجع الى أبجديات الصراع التقليدية. ولا يعزِّيه أن من ندم على أوسلو وخان تداعياتها هو "الشريك الاسرائيلي" الذي لم يعد شريكاً. فما العمل؟
لم يختلف أحد على حق الفلسطينيين في المقاومة, فكانت الانتفاضة الثانية تعبيراً طبيعياً عن ارادتهم الوطنية واصرارهم على اعادة الحياة الى الأمل بسلام حقيقي يحقق لهم الحرية والاستقلال. لكن أسئلة كثيرة طرحت حول الوسائل التي ينبغي أن تخدم هذا الهدف, وتجنِّب الفلسطينيين خطر استدراجهم الى الحلبة العسكرية التي تَشَهّاها شارون, ليدرج حربه على الكيانية الفلسطينية الوليدة في سياق الحرب العالمية على الارهاب. منذ أضاعت أميركا الحدود بين مفهوم المقاومة ومفهوم الارهاب!
لم يعد أمام ياسر عرفات إلا الرهان على قَدَرٍ لا يستجيب, وعلى معجزة لا تُطيع هذا الزمن. المقاطعة, مقره ومنزله الوحيد, تنهار عليه غرفة غرفة. وهو يردِّد في نبرة نبوية: "شهيداً شهيداً شهيدا", فيثير في النخوة العربية قشعريرة كهربائية عابرة. لكن تكرار أخبار المأساة يجعلها عادية. وهكذا صار حصار عرفات أمراً مألوفاً... ثلاث سنوات من تسميم الحياة, ثلاث سنوات من استنشاق الهواء الفاسد, ثلاث سنوات من الهجاء الأميركي "لم يعد ذا صلة", ثلاث سنوات من الكدِّ الاسرائيلي لتجريد عرفات من صلاحيته وصلاحية رمزيته. بيد أن الفلسطينيين قادرون دائماً على الترميز: حصار الرئيس رمز لحصارنا, ومعاناته رمز لمعاناتنا. فهو معنا, وفينا, ومثلنا, نحبُّه لأننا نحبه. ونحبّه لأننا لا نحبّ أعداءه.
لم يفاجئنا هذه المرة. فقد أعدَّنا لوداع لا لقاء بعده. خرج المحاصر من حصاره ليزور الموت في المنفى, وليزوِّد الاسطورة بما تحتاجه من مكر النهاية. لقد منحنا الوقت ليتدرب الحزن فينا على أدوات التعبير اللائقة, ولنبلغ سن الفطام التدريجي. في كل واحد منا شيء منه. هو الأب والابن: أبو مرحلة كاملة من تاريخ الفلسطينيين, وابنهم الذي أسهموا في صوغ خطابه وصورته.
لا نودِّع الماضي معه... ولكننا ندخل, منذ الآن, في تاريخ جديد مفتوح على ما لا نعرف. فهل نعثر على الحاضر, قبل أن نخاف الغد؟
حائط البُراق و الفهم الكامل للتاريخ ..بواسطة شهد نابلس
حائط البُراق و الفهم الكامل للتاريخ ..بواسطة شهد نابلس - حائط البُراق و الفهم الكامل للتاريخ ..بواسطة شهد نابلس - حائط البُراق و الفهم الكامل للتاريخ ..بواسطة شهد نابلس - حائط البُراق و الفهم الكامل للتاريخ ..بواسطة شهد نابلس - حائط البُراق و الفهم الكامل للتاريخ ..بواسطة شهد نابلس
تتسارع هذه الأيام إجراءات الاحتلال ضد الأرض الفلسطينية والمقدسات، وخاصة ضد الحرم القدسي الشريف، وبالذات حائط البراق، الذي هو الجدار الغربي للمسجد الأقصى، والذي يدعي الاحتلال الإسرائيلي، زوراً وبهتاناً، ملكيته لهذا الحائط الذي يسميه بـ "حائط المبكى" أو "الكوتيل".
ونعرض هنا هذه الدراسة التي أعددناها، والتي توضح بشكل علميٍ وموضوعي ونزيه، أحقية المسلمين بهذا الحائط، الذي سيبقى حائط البراق، والذي لا يحق لأحد أن يتماهى مع الصهيونية في ادعائها بملكيته، أو أن يتنازل عنه تحت أي ذريعة أو دعوى.
نظم اليهود مظاهرة في تل أبيب لمناسبة ما يسمى ذكرى تدمير الهيكل في 14 آب (أغسطس) 1929، وأتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل، حتى وصلوا قرب حائط البراق، وهناك رفعوا العلم الإسرائيلي، وأخذوا ينشدون النشيد الصهيوني "هاتكفا" (الأمل)، وشتموا المسلمين، وأطلقوا صيحات التحدي والاستفزاز، وقالوا "هكوتيل كوتلينو"، أي "الحائط حائطنا"، وطالبوا باستعادته، زاعمين أنه الجدار الباقي من هيكل سليمان.
وفي اليوم التالي، الذي كان ذكرى المولد النبوي الشريف، توجه أهالي القدس والقرى المحيطة بها على عادتهم لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وبعد الصلاة خرج المصلون في مظاهرة ضمت الآلاف من المسلمين، واتجهوا نحو حائط البراق، وحطموا منضدة لليهود كانت موضوعة على الرصيف، وأحرقوا بعض الأوراق التي تحتوي على نصوص الأدعية اليهودية الموضوعة في ثقوب الحائط.
وبعد عدة أيام تواترت الأخبار عن نية الصهيونيين شن هجوم على حائط البراق واحتلاله لتثبيت حقهم في ملكيته، فتدفق مسلمو فلسطين إلى القدس لأداء صلاة الجمعة في 23 من الشهر نفسه، وهم يحملون العصي والهراوات، وحين خرج المصلون وجدوا تجمعاً صهيونياً يتحداهم، فوقعت صدامات ومواجهات عنيفة بين الطرفين، وفتحت الشرطة البريطانية النار على الجمهور العربي، ودخلت المصفحات البريطانية القدس، وفي الأيام التالية اتسعت المواجهات الدامية فشملت مختلف المدن الفلسطينية، وكانت حصيلة ما عرف باسم "ثورة البراق" مقتل 133 يهودياً وجرح 239 منهم، واستشهاد 116 مسلماً وجرح 232 شخصاً، وإلحاق أضرار كبيرة بالقرى والممتلكات.. وفي 17 حزيران من العام 1930 أعدمت سلطات الانتداب البريطاني، في سجن عكا، قادة ثورة البراق: عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي، الذين خلّدهم الشاعر الشعبي نوح إبراهيم بقصيدته ذائعة الصيت "من سجن عكا طلعت جنازة ..." وهي ذاتها الأغنية التي قدمتها فرقة العاشقين الفلسطينية وانتشرت في أصقاع الدنيا. كما قام الشاعر الفلسطيني المعروف إبراهيم طوقان برثاء الشهداء الثلاثة بقصيدته المميزة "الثلاثاء الحمراء"، والتي ألقاها في حفل تأبين الشهداء في ساحة مدرسة النجاح الوطنية (جامعة النجاح) العام 1930 بمدينة نابلس، خرج على أثرها الفلسطينيون في المدينة بتظاهرة عارمة، جددت روح التحدي وبعثت الأصرار من جديد.
وأسفرت تلك المظاهرات أو ما عُرف بثورة البراق عن إنشاء جمعية "حراسة المسجد الأقصى"، التي انتشرت فروعها في معظم المدن الفلسطينية، واشترك المسيحيون مع قادة الحركة الوطنية للدفاع عن الأراضي الفلسطينية، فانتخبت في تلك الفترة اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي المسيحي التي قامت بعدة زيارات خارجية للدول العربية وبعض العواصم الأوروبية تحذر من الخطر المحدق بالمسجد الأقصى، ومحاولات اليهود بناء هيكل لهم على أنقاضه.
وعلى إثر الاضطرابات وثورة البراق، أرسلت الحكومة البريطانية لجنة للتحقيق عرفت باسم "لجنة شو"، نسبة إلى رئيسها، وبين جملة توصياته، أوصى شو بإرسال لجنة دولية للتحقيق في موضوع حقوق العرب واليهود في البراق. وفي 15 أيار من العام 1930، وافق مجلس عصبة الأمم على الأشخاص الذين تم ترشيحهم من قبل بريطانيا لعضوية اللجنة.
وصلت لجنة التحقيق الدولية إلى القدس في 19 حزيران من العام نفسه، وأقامت فيها شهراً بكامله، عقدت خلاله 23 جلسة، اتبعت خلالها الأصول القضائية المعهودة في المحاكم البريطانية، واستمعت إلى ممثلي الطرفين العربي واليهودي، وإلى 52 شاهداً (30 استدعاهم العرب و22 استدعاهم اليهود)، وأبرز الطرفان أثناء الجلسات 61 وثيقة (26 وثيقة قدمها العرب و35 وثيقة قدمها اليهود)، وكان دفاع الفريق العربي عن حقه في القدس يثير الإعجاب، واشترك في هذا الدفاع نخبة من رجالات البلاد من ذوي الاطلاع الواسع على الوضع الراهن للأماكن المقدسة.
كانت المشكلة الرئيسة التي واجهت اللجنة يومذاك تتمثل في محاولة الجماعات الصهيونية قلب "الوضع الراهن" بالنسبة للأماكن المقدسة، إذ ركزت جهودها منذ البداية على حائط البراق، متبعة أساليب تدريجية تصاعدية تنتهي بها إلى ادعاء حق اليهود في ملكية "حائط المبكى"، وقد تمثلت المرحلة الأولى من تلك الخطة بجلب اليهود الكراسي والمصابيح والستائر على غير عادتهم السابقة، ووضع هذه الأدوات أمام الحائط ليحدثوا سابقة تمكنهم من ادعاء حق ملكية التي يضعون عليها هذه الأدوات، ومن ثم ملكية الحائط.
ومن الوثائق التي قدمها الحاج أمين الحسيني إلى اللجنة الدولية، وثيقة ترجع إلى زمن الحكومة المصرية، مؤرخة في 24 رمضان 1256 للهجرة (1840 ميلادية)، موجهة من رئيس المجلس الاستشاري محمد شريف إلى أحمد آغا الدزدار، متسلم القدس، وتمنع اليهود من تبليط الرصيف المجاور لحائط، وتحذرهم من رفع أصواتهم وإظهار المقالات عنده، وقد شكك بعض اليهود في صحة هذه الوثيقة، بيد أن د. أسد رستم، أستاذ التاريخ الشرقي في جامعة بيروت الأميركية، عضو المجمع العلمي اللبناني، درس هذه الوثيقة، مستخدماً خبرة غنية ومنهجية بحثية أصيلة، وأرسل نتيجة دراسته مزودة بالوثائق المقارنة إلى الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين العام 1930، أكد له في نهايتها ما نصه: "بناء على ما نعرفه من نوع ورقها وقاعدة خطها وأسلوب إنشائها وطريقة تنميرها وتاريخها، وبناء على موافقة النصوص التاريخية لها ولاهتمام اليهود بأخربة الهيكل، نرانا مضطرين أن نرجح أصليتها ترجيحاً علمياً تاماً".
ويشكل حائط البراق الجزء الجنوبي من السور الغربي للحرم القدسي الشريف، بطول حوالي (47 متراً، وارتفاع حوالي 17 متراً)، ولم يتخذه اليهود مكاناً للعبادة في أي وقت من الأوقات إلا بعد صدور وعد بلفور العام 1917.. ولم يكن هذا الحائط جزءاً من ما يُسمى بـ الهيكل اليهودي، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكّن اليهود من الوقوف أمامه، والبكاء على زواله، وزوال الدولة اليهودية المدّعاة قصيرة الأجل في العصور الغابرة.
وجاء في الموسوعة اليهودية، الصادرة العام 1917، أن الحائط الغربي أصبح جزءاً من التقاليد الدينية اليهودية حوالي العام 1520 للميلاد، نتيجة للهجرة اليهودية من أسبانيا، وبعد الفتح العثماني العام 1517.
وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين زادت زيارات اليهود لهذا الحائط، حتى شعر المسلمون بخطرهم، ووقعت ثورة البراق بتاريخ 23/8/1929 م، والتي استشهد فيها العشرات من المسلمين، وقتل فيها عدد كبير من اليهود، واتسعت حتى شاركت فيها عدد من المدن الفلسطينية، وتمخضت الأحداث عن تشكليل لجنة دولية لتحديد حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق، وكانت اللجنة برئاسة وزير خارجية السويد الاسبق "أليل لوفغرن"، وعضوية نائب رئيس محكمة العدل الدولية الأسبق السويسري " تشارلز بارد"، وبعد تحقيق قامت به هذه اللجنة واستماعها إلى وجهتي النظر العربية الاسلامية واليهودية، وضعت تقريراً في العام 1930، قدمته إلى عصبة الامم المتحدة أبدت فيه حق المسلمين الذي لا شبهة فيه بملكية حائط البراق.
ومن اليهود الذين استمعت إليهم اللجنة الدولية الدكتور مردخاي الياش وديفيد يلين والحاخام موشي بلاو، وقدم الدكتور كورش ادلر وبعض كبار رجال اليهود في القدس مذكرة خطية تشرح وجهة النظر اليهودية بشأن حائط البراق. ومن العرب الذين استمعت إليهم اللجنة عوني عبد الهادي، وأحمد زكي باشا، ومحمد علي باشا، والشيخ اسماعيل الحافظ، وأبرزوا للجنة وثائق ومستندات عدة، وقد كانت حجج اليهود أن حائط البراق هو من بقايا الهيكل، وأن "الكوتل معرافي" لا يمكن هدمه على الإطلاق، لأن الحضور الإلهي "شكينة" مستمر على الدوام، ولذلك فإن اليهود يرغبون في الصلاة أمام هذا الحائط، وينوحون على خراب الهيكل الذي كان في (9 آب عبري). وقال اليهود ان استعمال أدوات كالمقاعد، وستار لفصل الرجال عن النساء، وخزانة تتضمن أسفار التوراة، وقناديل للطقوس، وطشت للغسيل، كان شائعاً عند الحائط، ومسموحاً به من الحكومة العثمانية قبل نشوب الحرب العالمية الأولى بمدة طويلة، ووفقاً لهذه الحجة يجب اعتبار هذه الحالة بأنها هي الحالة الراهنة. وقالوا إن المادة (15) من صك الانتداب البريطاني تقضي على الدولة المنتدبة بأن تضمن لليهود حرية العبادة عند الحائط حسب الطريقة المفروضة في شعائرهم وطقوسهم الدينية من دون أدنى تدخل من العرب، ويجب أن يمنع العرب من إزعاج اليهود أثناء صلواتهم، سواء بالمرور عند الحائط، أو بصوت الأذان، أو إقامة الذكر قرب الحائط. وعلى رغم كل هذه المطالب لم يدع اليهود ملكية الحائط، ولكنه من صنف الأملاك المقدسة التي لا يمكن الاتّجار بها.
وقال اليهود إن قصة البراق يرجع عهدها إلى عدة أجيال بعد زمن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وإن البراق لم يأت ذكره في القرآن، ولا توجد قدسية للرصيف الكائن أمام الحائط لكون النبي – عليه السلام- مرّ به ليلة الاسراء، لأنه لم يرد ذكره في الكتب المقدسة، وإن المسلمين لم يطلقوا اسم البراق على الحائط إلا في السنوات الاخيرة، كما أن الدليل الرسمي للحرم القدسي الشريف الذي صدر عن المجلس الإسلامي العام 1924 لم يشر إلى قدسية خاصة للحائط، وقالوا إن وقفية حارة المغاربة لا تؤثر في قيام اليهود بفروض العبادة عند الحائط.
وعلى أساس هذه الادعاءات طلب اليهود من اللجنة أن تعترف بأن حائط المبكى (كما سموه) مكان مقدس ليهود العالم قاطبة، وأن تقرر أن لليهود الحق في التوجه الى الحائط للصلاة وفقاً لطقوسهم الدينية دون ممانعة من أحد، واتخاذ كافة التدابير الضرورية لاخلاء أملاك وقف المغاربة على أن تقبل دائرة الاوقاف الإسلامية بدلاً منها مباني جديدة في موقع لائق في القدس.
أما ملخص تصريحات أحمد زكي باشا ومحمد علي باشا التي أدليا بها نيابة عن المسلمين، فهو أن الأمة الإسلامية أعلنت رسمياً، وفي كل الظروف، عدم اعترافها بالانتداب البريطاني على فلسطين. وعليه فهي لا تريد أن تتقيد بأي نظام مستمد من هذا الانتداب، ولا الإقرار بأية نتيجة ترجع إلى ما يسمى بـ "وطن قومي لليهود"، كما قرر المسلمون أن النزاع على ملكية أماكن العبادة، أو على حقوق مدعى بها على هذه الأماكن، يجب أن يرفع إلى الهيئة المختصة دون غيرها للفصل في أمر الوقف والأماكن الإسلامية المقدسة.
أما الحجج التي أبداها الفريق الإسلامي فكانت أن الرومان طردوا اليهود من فلسطين على إثر تدمير الامبراطور "تيطس" الهيكل سنة 70 للميلاد، وإزالة آثاره من قبل الامبراطور "هدريان" سنة 135 للميلاد، ثم حكم البيزنطيون البلاد لغاية الفتح الإسلامي في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، واستمرت البلاد في حوزة العرب والمسلمين جيلاً بعد جيل باستثناء تسعين سنة حكم فيها الصليبيون، ولم تكن فلسطين في القرن السابع للميلاد عندما فتحها المسلمون يهودية، ولم يكن في القدس أي يهودي، ولم يتعرض المسلمون لليهود بأي أذى، بل أكرموهم، ولم يدّع اليهود في يوم أن لهم الحق في حائط البراق، وأن وعد بلفور العام 1917 هو السبب في وقوع الخلاف وتحريض اليهود على المطالبة بحق الصلاة أمام الحائط.
كما أن حائط البراق جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف، وهو وقْف إسلامي لعائلة "بومدين" الجزائرية المغاربية المسلمة، وليس فيه حجر واحد يعود إلى عهد الملك سليمان، والممر الكائن عند الحائط ليس طريقاً عاماً، بل أنشئ فقط لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين في ذهابهم إلى مسجد البراق، ومن ثم الى الحرم الشريف، وقد كان السماح لليهود بالسلوك إلى الحائط من قبيل التسامح في المرسوم الصادر عن إبراهيم باشا في العام 1840، وليس لأداء الصلوات.
وإن تطبيق الحالة الراهنة في الأماكن المقدسة ليست له علاقة بحائط البراق، لأن الحق في ملكيته أو الإنتفاع به عائد للمسلمين، وأما مدى التسامح فهو الذي يستطيع أصحاب البراق إبداءه، ولا يمكن أن يتجاوز الحدود التي يعينونها. وقد كان الكولونيل "سايمس" قد اعترف بهذا الأمر عندما مثل الدولة المنتدبة أمام لجنة الانتداب الدائمة في دورتها التاسعة لسنة 1926 م، حيث قال: "جرت عادة اليهود بالتوجه إلى الحائط الغربي للبكاء على عظمة إسرائيل، على أن الموقع الذي يحصل في البكاء عائد للوقف الإسلامي.. وإذا كان يسمح لليهود بالتوجه إلى هذا المكان، فلا يترتب على ذلك أن الموقع هو ملكهم". وأشار المسلمون إلى أن الدولة المنتدبة في كتابها الأبيض الذي أصدرته في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1928 اعترفت صراحة بأن الحائط الغربي والمنطقة المجاورة له ملك المسلمين خاصة.
هكذا، فإن اليهود حاولوا العام 1929 أن يؤيدوا مزاعمهم بالقوة، حتى ينفذوا نواياهم الحقيقية ووضع يدهم على جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف، ورغم أنهم قالوا أمام اللجنة الدولية إنهم لا يدعون بحق الملكية في الحائط، فإنهم كانوا يرمون في الحقيقة إلى تحقيق هذه الغاية، ويؤكد ذلك ما جاء في دائرة المعارف الريطانية، والذي يقول: "أو من أكبر النتائج التي تلفت النظر والعناية التي تولدت من العداء نحو الساميين ظهور حركة اليقظة القومية في اليهود بمظهر سياسي، وهي الحركة التي عرفت بالصهيونية.. إن اليهود يتطلعون إلى افتداء اسرائيل، واجتماع الشعب اليهودي في فلسطين، واستعادة الدولة اليهودية، وإعاة بناء الهيكل، وإقامة العرف الداودي في القدس ثانية، وعليه أمير من نسل داود".
وقد اختممت اللجنة الدولية تقريرها بالنتيجة التالية: "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف، التي هي من أملاك الوقف الإسلامي. وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة، لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي".
ولكن سلطات الاحتلال، وبعد حرب 1967، واستيلائها على القدس القديمة، هدمت حارة المغاربة، واستولت على حائط البراق مباشرة، وأنشأت ساحة كبيرة مبلطة أمام الحائط لتستوعب اليهود الذين يحضرون للصلاة أمام الحائط، وفي هذه الساحة اليوم يوجد الباب الأول للنفق الشهير الذي حفرته سلطات الاحتلال موازياً للسور الغربي للحرم الشريف بطول حوالي 488 متراً، وأوصلوه بقناة رومانية قديمة طولها 80 متراً، وفتحوا باباً ثانياً في نهاية النفق عند مدرسة الروضة الإسلامية العام 1996.
حتى بين اليهود أنفسهم، تظهر أحياناً أصوات تخلع القدسية اليهودية عن "حائط المبكى"، وتعتبر أن لا علاقة للدين اليهودي بهذا الموقع، نظراً لعدم وجود أية صلة بينه وبين شريعة النبي موسى، وفي أيامنا هذه، لجأ بعض اليهود المستنيرين إلى التذكير بانتفاء تلك القدسية. وعلى سبيل المثال، نشرت تصريحات للحاخام يهورام مزور، أمين سر مجلس اليهودية التقدمية، في العدد الأول من مجلة "بتلم" اليهودية الصادرة عن هذا المجلس، صيف 1999، تحت عنوان "هل من المهم تأدية الصلاة على وجه التحديد عند حائط المبكى ؟!". ومما ذكره الحاخام مزور في هذا المقال أنه لا توجد قدسية لحائط المبكى في الديانة اليهودية، وأنه يرفض إقامة حفلات البلوغ أو أي شعائر أخرى هناك، وقال الحاخام مزور: "إننا نلتقي طوال ساعات اليوم أشخاصاً في هذا المكان يؤدون الصلاة في موقع هم الذين قدسوه". وأضاف: "إن ذلك يشبه عبادة الأوثان، وإن على مجلس الحاخامات التقدميين في إسرائيل اختيار موقع آخر لصلاة اليهود".
وكثيرة هي الدراسات التي نشرها متخصصون يهود، وتؤكد أن الرواية التوراتية تفتقر إلى أي دليل أثري، ومنها دراسات البروفسور اليهودي إسرائيل فنكلشتاين، رئيس قسم الآثار في جامعة تل أبيب، وزميله دافيد أو سسيشكين، اللذين أكدا أن بيت المقدس لم يشيد في عهد سليمان وإنما قبله بمائة عام، وأن هذا العهد غامض جداً، وليس هناك أي سند لما ورد في "العهد القديم" بشأنه.
ومما سبق، يمكن استخلاص موقف واحد لا تشوبه شائبة، وليس له بديل وهو أن حائط البراق حائط اسلامي وجزء لا يتجزء من المسجد الأقصى . ولا يحق لأيٍ كان أن يدعي ملكيته، أو يجري عليه تغييرات تبدّل معالمه، أو أن يضفي عليه ملامح جديدة تنسف شخصيته الأصيلة.
كما لا يحق لأي أحد أن يوافق دولة الاحتلال على اجراءتها العنصرية والظالمة وفظاعاتها ضد التاريخ والمقدسات، أو أن يبارك هذه المجازر ضد حائط البراق والمقدسات الإسلامية والمسيحية. كما لا يحق لأي مسلم أو عربي أو فلسطيني، ولأي سبب كان، أن يتنازل عن حجر واحد أو ذرة تراب من حائط البراق أو غيره من المقدسات، لأن ذلك سيكون تنازلاً عن الحرم القدسي والقدس والمقدسات.
ونقدر عالياً الموقف الثابت الفلسطيني والعربي والإسلامي، الذي يدافع عن البراق والأقصى وعن كل المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، ما يجعلنا نؤكد على هذا الموقف، ونطالب بكل عوامل تعميقه وديمومته.
عيوننا ترحل اليك كل يوم
ان شاء الله عائدون
ليرفع شبلا من اشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين على مآذن القدس وكنائس القدس
أن شاء اللع عائدون مسلون ومسيحيون
تتسارع هذه الأيام إجراءات الاحتلال ضد الأرض الفلسطينية والمقدسات، وخاصة ضد الحرم القدسي الشريف، وبالذات حائط البراق، الذي هو الجدار الغربي للمسجد الأقصى، والذي يدعي الاحتلال الإسرائيلي، زوراً وبهتاناً، ملكيته لهذا الحائط الذي يسميه بـ "حائط المبكى" أو "الكوتيل".
ونعرض هنا هذه الدراسة التي أعددناها، والتي توضح بشكل علميٍ وموضوعي ونزيه، أحقية المسلمين بهذا الحائط، الذي سيبقى حائط البراق، والذي لا يحق لأحد أن يتماهى مع الصهيونية في ادعائها بملكيته، أو أن يتنازل عنه تحت أي ذريعة أو دعوى.
نظم اليهود مظاهرة في تل أبيب لمناسبة ما يسمى ذكرى تدمير الهيكل في 14 آب (أغسطس) 1929، وأتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل، حتى وصلوا قرب حائط البراق، وهناك رفعوا العلم الإسرائيلي، وأخذوا ينشدون النشيد الصهيوني "هاتكفا" (الأمل)، وشتموا المسلمين، وأطلقوا صيحات التحدي والاستفزاز، وقالوا "هكوتيل كوتلينو"، أي "الحائط حائطنا"، وطالبوا باستعادته، زاعمين أنه الجدار الباقي من هيكل سليمان.
وفي اليوم التالي، الذي كان ذكرى المولد النبوي الشريف، توجه أهالي القدس والقرى المحيطة بها على عادتهم لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وبعد الصلاة خرج المصلون في مظاهرة ضمت الآلاف من المسلمين، واتجهوا نحو حائط البراق، وحطموا منضدة لليهود كانت موضوعة على الرصيف، وأحرقوا بعض الأوراق التي تحتوي على نصوص الأدعية اليهودية الموضوعة في ثقوب الحائط.
وبعد عدة أيام تواترت الأخبار عن نية الصهيونيين شن هجوم على حائط البراق واحتلاله لتثبيت حقهم في ملكيته، فتدفق مسلمو فلسطين إلى القدس لأداء صلاة الجمعة في 23 من الشهر نفسه، وهم يحملون العصي والهراوات، وحين خرج المصلون وجدوا تجمعاً صهيونياً يتحداهم، فوقعت صدامات ومواجهات عنيفة بين الطرفين، وفتحت الشرطة البريطانية النار على الجمهور العربي، ودخلت المصفحات البريطانية القدس، وفي الأيام التالية اتسعت المواجهات الدامية فشملت مختلف المدن الفلسطينية، وكانت حصيلة ما عرف باسم "ثورة البراق" مقتل 133 يهودياً وجرح 239 منهم، واستشهاد 116 مسلماً وجرح 232 شخصاً، وإلحاق أضرار كبيرة بالقرى والممتلكات.. وفي 17 حزيران من العام 1930 أعدمت سلطات الانتداب البريطاني، في سجن عكا، قادة ثورة البراق: عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي، الذين خلّدهم الشاعر الشعبي نوح إبراهيم بقصيدته ذائعة الصيت "من سجن عكا طلعت جنازة ..." وهي ذاتها الأغنية التي قدمتها فرقة العاشقين الفلسطينية وانتشرت في أصقاع الدنيا. كما قام الشاعر الفلسطيني المعروف إبراهيم طوقان برثاء الشهداء الثلاثة بقصيدته المميزة "الثلاثاء الحمراء"، والتي ألقاها في حفل تأبين الشهداء في ساحة مدرسة النجاح الوطنية (جامعة النجاح) العام 1930 بمدينة نابلس، خرج على أثرها الفلسطينيون في المدينة بتظاهرة عارمة، جددت روح التحدي وبعثت الأصرار من جديد.
وأسفرت تلك المظاهرات أو ما عُرف بثورة البراق عن إنشاء جمعية "حراسة المسجد الأقصى"، التي انتشرت فروعها في معظم المدن الفلسطينية، واشترك المسيحيون مع قادة الحركة الوطنية للدفاع عن الأراضي الفلسطينية، فانتخبت في تلك الفترة اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي المسيحي التي قامت بعدة زيارات خارجية للدول العربية وبعض العواصم الأوروبية تحذر من الخطر المحدق بالمسجد الأقصى، ومحاولات اليهود بناء هيكل لهم على أنقاضه.
وعلى إثر الاضطرابات وثورة البراق، أرسلت الحكومة البريطانية لجنة للتحقيق عرفت باسم "لجنة شو"، نسبة إلى رئيسها، وبين جملة توصياته، أوصى شو بإرسال لجنة دولية للتحقيق في موضوع حقوق العرب واليهود في البراق. وفي 15 أيار من العام 1930، وافق مجلس عصبة الأمم على الأشخاص الذين تم ترشيحهم من قبل بريطانيا لعضوية اللجنة.
وصلت لجنة التحقيق الدولية إلى القدس في 19 حزيران من العام نفسه، وأقامت فيها شهراً بكامله، عقدت خلاله 23 جلسة، اتبعت خلالها الأصول القضائية المعهودة في المحاكم البريطانية، واستمعت إلى ممثلي الطرفين العربي واليهودي، وإلى 52 شاهداً (30 استدعاهم العرب و22 استدعاهم اليهود)، وأبرز الطرفان أثناء الجلسات 61 وثيقة (26 وثيقة قدمها العرب و35 وثيقة قدمها اليهود)، وكان دفاع الفريق العربي عن حقه في القدس يثير الإعجاب، واشترك في هذا الدفاع نخبة من رجالات البلاد من ذوي الاطلاع الواسع على الوضع الراهن للأماكن المقدسة.
كانت المشكلة الرئيسة التي واجهت اللجنة يومذاك تتمثل في محاولة الجماعات الصهيونية قلب "الوضع الراهن" بالنسبة للأماكن المقدسة، إذ ركزت جهودها منذ البداية على حائط البراق، متبعة أساليب تدريجية تصاعدية تنتهي بها إلى ادعاء حق اليهود في ملكية "حائط المبكى"، وقد تمثلت المرحلة الأولى من تلك الخطة بجلب اليهود الكراسي والمصابيح والستائر على غير عادتهم السابقة، ووضع هذه الأدوات أمام الحائط ليحدثوا سابقة تمكنهم من ادعاء حق ملكية التي يضعون عليها هذه الأدوات، ومن ثم ملكية الحائط.
ومن الوثائق التي قدمها الحاج أمين الحسيني إلى اللجنة الدولية، وثيقة ترجع إلى زمن الحكومة المصرية، مؤرخة في 24 رمضان 1256 للهجرة (1840 ميلادية)، موجهة من رئيس المجلس الاستشاري محمد شريف إلى أحمد آغا الدزدار، متسلم القدس، وتمنع اليهود من تبليط الرصيف المجاور لحائط، وتحذرهم من رفع أصواتهم وإظهار المقالات عنده، وقد شكك بعض اليهود في صحة هذه الوثيقة، بيد أن د. أسد رستم، أستاذ التاريخ الشرقي في جامعة بيروت الأميركية، عضو المجمع العلمي اللبناني، درس هذه الوثيقة، مستخدماً خبرة غنية ومنهجية بحثية أصيلة، وأرسل نتيجة دراسته مزودة بالوثائق المقارنة إلى الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين العام 1930، أكد له في نهايتها ما نصه: "بناء على ما نعرفه من نوع ورقها وقاعدة خطها وأسلوب إنشائها وطريقة تنميرها وتاريخها، وبناء على موافقة النصوص التاريخية لها ولاهتمام اليهود بأخربة الهيكل، نرانا مضطرين أن نرجح أصليتها ترجيحاً علمياً تاماً".
ويشكل حائط البراق الجزء الجنوبي من السور الغربي للحرم القدسي الشريف، بطول حوالي (47 متراً، وارتفاع حوالي 17 متراً)، ولم يتخذه اليهود مكاناً للعبادة في أي وقت من الأوقات إلا بعد صدور وعد بلفور العام 1917.. ولم يكن هذا الحائط جزءاً من ما يُسمى بـ الهيكل اليهودي، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكّن اليهود من الوقوف أمامه، والبكاء على زواله، وزوال الدولة اليهودية المدّعاة قصيرة الأجل في العصور الغابرة.
وجاء في الموسوعة اليهودية، الصادرة العام 1917، أن الحائط الغربي أصبح جزءاً من التقاليد الدينية اليهودية حوالي العام 1520 للميلاد، نتيجة للهجرة اليهودية من أسبانيا، وبعد الفتح العثماني العام 1517.
وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين زادت زيارات اليهود لهذا الحائط، حتى شعر المسلمون بخطرهم، ووقعت ثورة البراق بتاريخ 23/8/1929 م، والتي استشهد فيها العشرات من المسلمين، وقتل فيها عدد كبير من اليهود، واتسعت حتى شاركت فيها عدد من المدن الفلسطينية، وتمخضت الأحداث عن تشكليل لجنة دولية لتحديد حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق، وكانت اللجنة برئاسة وزير خارجية السويد الاسبق "أليل لوفغرن"، وعضوية نائب رئيس محكمة العدل الدولية الأسبق السويسري " تشارلز بارد"، وبعد تحقيق قامت به هذه اللجنة واستماعها إلى وجهتي النظر العربية الاسلامية واليهودية، وضعت تقريراً في العام 1930، قدمته إلى عصبة الامم المتحدة أبدت فيه حق المسلمين الذي لا شبهة فيه بملكية حائط البراق.
ومن اليهود الذين استمعت إليهم اللجنة الدولية الدكتور مردخاي الياش وديفيد يلين والحاخام موشي بلاو، وقدم الدكتور كورش ادلر وبعض كبار رجال اليهود في القدس مذكرة خطية تشرح وجهة النظر اليهودية بشأن حائط البراق. ومن العرب الذين استمعت إليهم اللجنة عوني عبد الهادي، وأحمد زكي باشا، ومحمد علي باشا، والشيخ اسماعيل الحافظ، وأبرزوا للجنة وثائق ومستندات عدة، وقد كانت حجج اليهود أن حائط البراق هو من بقايا الهيكل، وأن "الكوتل معرافي" لا يمكن هدمه على الإطلاق، لأن الحضور الإلهي "شكينة" مستمر على الدوام، ولذلك فإن اليهود يرغبون في الصلاة أمام هذا الحائط، وينوحون على خراب الهيكل الذي كان في (9 آب عبري). وقال اليهود ان استعمال أدوات كالمقاعد، وستار لفصل الرجال عن النساء، وخزانة تتضمن أسفار التوراة، وقناديل للطقوس، وطشت للغسيل، كان شائعاً عند الحائط، ومسموحاً به من الحكومة العثمانية قبل نشوب الحرب العالمية الأولى بمدة طويلة، ووفقاً لهذه الحجة يجب اعتبار هذه الحالة بأنها هي الحالة الراهنة. وقالوا إن المادة (15) من صك الانتداب البريطاني تقضي على الدولة المنتدبة بأن تضمن لليهود حرية العبادة عند الحائط حسب الطريقة المفروضة في شعائرهم وطقوسهم الدينية من دون أدنى تدخل من العرب، ويجب أن يمنع العرب من إزعاج اليهود أثناء صلواتهم، سواء بالمرور عند الحائط، أو بصوت الأذان، أو إقامة الذكر قرب الحائط. وعلى رغم كل هذه المطالب لم يدع اليهود ملكية الحائط، ولكنه من صنف الأملاك المقدسة التي لا يمكن الاتّجار بها.
وقال اليهود إن قصة البراق يرجع عهدها إلى عدة أجيال بعد زمن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وإن البراق لم يأت ذكره في القرآن، ولا توجد قدسية للرصيف الكائن أمام الحائط لكون النبي – عليه السلام- مرّ به ليلة الاسراء، لأنه لم يرد ذكره في الكتب المقدسة، وإن المسلمين لم يطلقوا اسم البراق على الحائط إلا في السنوات الاخيرة، كما أن الدليل الرسمي للحرم القدسي الشريف الذي صدر عن المجلس الإسلامي العام 1924 لم يشر إلى قدسية خاصة للحائط، وقالوا إن وقفية حارة المغاربة لا تؤثر في قيام اليهود بفروض العبادة عند الحائط.
وعلى أساس هذه الادعاءات طلب اليهود من اللجنة أن تعترف بأن حائط المبكى (كما سموه) مكان مقدس ليهود العالم قاطبة، وأن تقرر أن لليهود الحق في التوجه الى الحائط للصلاة وفقاً لطقوسهم الدينية دون ممانعة من أحد، واتخاذ كافة التدابير الضرورية لاخلاء أملاك وقف المغاربة على أن تقبل دائرة الاوقاف الإسلامية بدلاً منها مباني جديدة في موقع لائق في القدس.
أما ملخص تصريحات أحمد زكي باشا ومحمد علي باشا التي أدليا بها نيابة عن المسلمين، فهو أن الأمة الإسلامية أعلنت رسمياً، وفي كل الظروف، عدم اعترافها بالانتداب البريطاني على فلسطين. وعليه فهي لا تريد أن تتقيد بأي نظام مستمد من هذا الانتداب، ولا الإقرار بأية نتيجة ترجع إلى ما يسمى بـ "وطن قومي لليهود"، كما قرر المسلمون أن النزاع على ملكية أماكن العبادة، أو على حقوق مدعى بها على هذه الأماكن، يجب أن يرفع إلى الهيئة المختصة دون غيرها للفصل في أمر الوقف والأماكن الإسلامية المقدسة.
أما الحجج التي أبداها الفريق الإسلامي فكانت أن الرومان طردوا اليهود من فلسطين على إثر تدمير الامبراطور "تيطس" الهيكل سنة 70 للميلاد، وإزالة آثاره من قبل الامبراطور "هدريان" سنة 135 للميلاد، ثم حكم البيزنطيون البلاد لغاية الفتح الإسلامي في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، واستمرت البلاد في حوزة العرب والمسلمين جيلاً بعد جيل باستثناء تسعين سنة حكم فيها الصليبيون، ولم تكن فلسطين في القرن السابع للميلاد عندما فتحها المسلمون يهودية، ولم يكن في القدس أي يهودي، ولم يتعرض المسلمون لليهود بأي أذى، بل أكرموهم، ولم يدّع اليهود في يوم أن لهم الحق في حائط البراق، وأن وعد بلفور العام 1917 هو السبب في وقوع الخلاف وتحريض اليهود على المطالبة بحق الصلاة أمام الحائط.
كما أن حائط البراق جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف، وهو وقْف إسلامي لعائلة "بومدين" الجزائرية المغاربية المسلمة، وليس فيه حجر واحد يعود إلى عهد الملك سليمان، والممر الكائن عند الحائط ليس طريقاً عاماً، بل أنشئ فقط لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين في ذهابهم إلى مسجد البراق، ومن ثم الى الحرم الشريف، وقد كان السماح لليهود بالسلوك إلى الحائط من قبيل التسامح في المرسوم الصادر عن إبراهيم باشا في العام 1840، وليس لأداء الصلوات.
وإن تطبيق الحالة الراهنة في الأماكن المقدسة ليست له علاقة بحائط البراق، لأن الحق في ملكيته أو الإنتفاع به عائد للمسلمين، وأما مدى التسامح فهو الذي يستطيع أصحاب البراق إبداءه، ولا يمكن أن يتجاوز الحدود التي يعينونها. وقد كان الكولونيل "سايمس" قد اعترف بهذا الأمر عندما مثل الدولة المنتدبة أمام لجنة الانتداب الدائمة في دورتها التاسعة لسنة 1926 م، حيث قال: "جرت عادة اليهود بالتوجه إلى الحائط الغربي للبكاء على عظمة إسرائيل، على أن الموقع الذي يحصل في البكاء عائد للوقف الإسلامي.. وإذا كان يسمح لليهود بالتوجه إلى هذا المكان، فلا يترتب على ذلك أن الموقع هو ملكهم". وأشار المسلمون إلى أن الدولة المنتدبة في كتابها الأبيض الذي أصدرته في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1928 اعترفت صراحة بأن الحائط الغربي والمنطقة المجاورة له ملك المسلمين خاصة.
هكذا، فإن اليهود حاولوا العام 1929 أن يؤيدوا مزاعمهم بالقوة، حتى ينفذوا نواياهم الحقيقية ووضع يدهم على جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف، ورغم أنهم قالوا أمام اللجنة الدولية إنهم لا يدعون بحق الملكية في الحائط، فإنهم كانوا يرمون في الحقيقة إلى تحقيق هذه الغاية، ويؤكد ذلك ما جاء في دائرة المعارف الريطانية، والذي يقول: "أو من أكبر النتائج التي تلفت النظر والعناية التي تولدت من العداء نحو الساميين ظهور حركة اليقظة القومية في اليهود بمظهر سياسي، وهي الحركة التي عرفت بالصهيونية.. إن اليهود يتطلعون إلى افتداء اسرائيل، واجتماع الشعب اليهودي في فلسطين، واستعادة الدولة اليهودية، وإعاة بناء الهيكل، وإقامة العرف الداودي في القدس ثانية، وعليه أمير من نسل داود".
وقد اختممت اللجنة الدولية تقريرها بالنتيجة التالية: "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف، التي هي من أملاك الوقف الإسلامي. وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة، لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي".
ولكن سلطات الاحتلال، وبعد حرب 1967، واستيلائها على القدس القديمة، هدمت حارة المغاربة، واستولت على حائط البراق مباشرة، وأنشأت ساحة كبيرة مبلطة أمام الحائط لتستوعب اليهود الذين يحضرون للصلاة أمام الحائط، وفي هذه الساحة اليوم يوجد الباب الأول للنفق الشهير الذي حفرته سلطات الاحتلال موازياً للسور الغربي للحرم الشريف بطول حوالي 488 متراً، وأوصلوه بقناة رومانية قديمة طولها 80 متراً، وفتحوا باباً ثانياً في نهاية النفق عند مدرسة الروضة الإسلامية العام 1996.
حتى بين اليهود أنفسهم، تظهر أحياناً أصوات تخلع القدسية اليهودية عن "حائط المبكى"، وتعتبر أن لا علاقة للدين اليهودي بهذا الموقع، نظراً لعدم وجود أية صلة بينه وبين شريعة النبي موسى، وفي أيامنا هذه، لجأ بعض اليهود المستنيرين إلى التذكير بانتفاء تلك القدسية. وعلى سبيل المثال، نشرت تصريحات للحاخام يهورام مزور، أمين سر مجلس اليهودية التقدمية، في العدد الأول من مجلة "بتلم" اليهودية الصادرة عن هذا المجلس، صيف 1999، تحت عنوان "هل من المهم تأدية الصلاة على وجه التحديد عند حائط المبكى ؟!". ومما ذكره الحاخام مزور في هذا المقال أنه لا توجد قدسية لحائط المبكى في الديانة اليهودية، وأنه يرفض إقامة حفلات البلوغ أو أي شعائر أخرى هناك، وقال الحاخام مزور: "إننا نلتقي طوال ساعات اليوم أشخاصاً في هذا المكان يؤدون الصلاة في موقع هم الذين قدسوه". وأضاف: "إن ذلك يشبه عبادة الأوثان، وإن على مجلس الحاخامات التقدميين في إسرائيل اختيار موقع آخر لصلاة اليهود".
وكثيرة هي الدراسات التي نشرها متخصصون يهود، وتؤكد أن الرواية التوراتية تفتقر إلى أي دليل أثري، ومنها دراسات البروفسور اليهودي إسرائيل فنكلشتاين، رئيس قسم الآثار في جامعة تل أبيب، وزميله دافيد أو سسيشكين، اللذين أكدا أن بيت المقدس لم يشيد في عهد سليمان وإنما قبله بمائة عام، وأن هذا العهد غامض جداً، وليس هناك أي سند لما ورد في "العهد القديم" بشأنه.
ومما سبق، يمكن استخلاص موقف واحد لا تشوبه شائبة، وليس له بديل وهو أن حائط البراق حائط اسلامي وجزء لا يتجزء من المسجد الأقصى . ولا يحق لأيٍ كان أن يدعي ملكيته، أو يجري عليه تغييرات تبدّل معالمه، أو أن يضفي عليه ملامح جديدة تنسف شخصيته الأصيلة.
كما لا يحق لأي أحد أن يوافق دولة الاحتلال على اجراءتها العنصرية والظالمة وفظاعاتها ضد التاريخ والمقدسات، أو أن يبارك هذه المجازر ضد حائط البراق والمقدسات الإسلامية والمسيحية. كما لا يحق لأي مسلم أو عربي أو فلسطيني، ولأي سبب كان، أن يتنازل عن حجر واحد أو ذرة تراب من حائط البراق أو غيره من المقدسات، لأن ذلك سيكون تنازلاً عن الحرم القدسي والقدس والمقدسات.
ونقدر عالياً الموقف الثابت الفلسطيني والعربي والإسلامي، الذي يدافع عن البراق والأقصى وعن كل المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، ما يجعلنا نؤكد على هذا الموقف، ونطالب بكل عوامل تعميقه وديمومته.
رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس
فيصل عبد القادر الحسيني
(17 يوليو 1940-31 مايو 2001 م) هو سياسي فلسطيني من عائلة الحسيني الفلسطينية - القدس.
نشأته
ولد فيصل في بغداد. والده هو عبد القادر الحسيني قائد القوات الفلسطينية (جيش الجهاد المقدس) في معركة القسطل وقد استشهد فيها. عندما ولد فيصل كان والده مسجوناً من قبل السلطات العراقية. انتقل مع والده إلى المملكة العربية السعودية حيث طلب اللجوء السياسي إليها حيث سمحت السلطات العراقية بالإفراج عنه إن استعدت أن تستقبله أي دولة كانت.
انتقل بعدها إلى القاهرة واستشهد والده وهو هناك وهو ذو ثمان سنوات. درس في القاهرة وحلب. تعرف على ياسر عرفات إبان دراسته الجامعية في القاهرة. اشترك في حركة القوميين العرب عام 1957 م. كذلك شارك في إنشاء وتأسيس المنظمة الطلابية الفلسطينية عام 1959 م، والتي أصبحت فيما بعد نواة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
عمل في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في القدس عام 1966 في قسم التوجيه الشعبي. درس الهندسة في الأكاديمية العسكرية في حلب وتخرج منها في عام 1966 م ثم انضم إلى قوات جيش التحرير الفلسطيني المرابط في سوريا أوائل عام 1967 م.
بعد حرب 1967
بعد حرب يونيو/حزيران 67 توجه إلى القدس وقاد العمل السياسي لمنظمة التحرير فيها واعتقل في أكتوبر 1967 م وحكم عليه بالسجن مدة عام بتهمة امتلاك أسلحة. بعد خروجه عمل فني أشعة.
أسس عام 1979 جمعية الدراسات العربية (بيت الشرق) في مدينة القدس. أطلق عليه رحبعام زئيفي وزير الدولة الإسرائيلي اسم الإرهابي ابن الإرهابي. قاد النضال الفلسطيني في الانتفاضة الأولى وسجن فيها عامين كاملين.
قام بإجراء مباحثات مبكرة مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية. رأس الوفد الفلسطيني المفاوض المجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر. رئس الفريق الفلسطيني للمفاوضات وشكل الوفد الفلسطيني المفاوض المتجه إلى مدريد والذي رئسه الدكتور حيدر عبد الشافي، لم يراس الوفد حينه وذلك لاعتراض إسرائيل كونه من القدس، عاد وتراس الوفدالمفاوض في محدثات واشنطن عام 1993م. بعد اتفاقات أوسلو رفضت إسرائيل أن ينضم إلى زعامة السلطة الفلسطينية، بحجة أنه يعيش في القدس [1].
ملف القدس
عين مسؤولا عن ملف القدس وانتخب من المجلس الوطني الفلسطيني عضوا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1996 م. بصفته مسؤولا عن ملف القدس كان يحضر اجتماعات مجلس الوزراء الفلسطيني. شهدت علاقته مع ياسر عرفات خلافات وتوترات عديدة. قام عرفات بتجميد تمويل مكتب الحسيني في بيت الشرق وعين وزيرا لشؤون القدس هو زياد أبو زياد.
تعرض لمحاولتي اغتيال وقاد العديد من المظاهرات المطالبة بإزالة الاستيطان في القدس. كان يجيد العبرية، ويظهر في التلفاز والإذاعة الإسرائيلية مبينا وجهة النظر الفلسطينية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفاته
توفي في الكويت حيث كان يقوم بمحادثات لإنهاء الخصومة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الكويتية، الخصومة التي تلت احتلال العراق للكويت. وحمل جثمانه من موقع هبوط الطائرة في مقر الرئيس عرفات في رام الله إلى القدس في جنازة لم يكن لها مثيل في فلسطين حيث حررت القدس خلال هذه الجنازة لعدة ساعات دخل فيها الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى القدس بمرافقة الجثمان واختفى الاحتلال حينها من الشوارع. دفن في باحة الحرم القدسي بجوار أبيه وجده. وهذه هي المرة الأولى التي يدفن فيها فلسطيني في هذا المكان منذ احتلال إسرائيل للقدس عام 1967.
رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس
صلاح الدين الحسيني
صلاح الدين الحسيني, المعروف أيضا بأبي الصادق, هو شاعر فلسطيني ولد بغزة عام 1935. إاتحق بصفوف حركة فتح عام 1967 وكتب أول نشيد للثورة الفلسطينية أصبح يعرف بنشيد العاصفة والذي مطلعه هو:
بسم الله بسم الفتح بسم الثورة الشعبية بسم الدم بسم الجرح إلي بينزف حرية باسمك باسمك يافلسطين أعلناها للملايين عاصفة .. عاصفة .. عاصفة
ساهم بإنشاء الإعلام العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح عام 1969 واستلم مهمة الناطق العسكري لجميع فصائل قوات الثورة الفلسطينية عام 1971.
أنشأ مؤسسة المسرح والفنون الشعبية الفلسطينية ببيروت عام 1975
شكل فرقة فنية مؤلفة من بنات وأبناء شهداء فلسطين وطاف بهم العالم لنشر ثقافة المقاومة الفلسطينية
بعد مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية بيروت إثر الإجتياح الإسرائيلي سنة 1982 أسس لمسرح الطفل الفلسطيني في العاصمة المصرية القاهرة بدعم من دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية وقدم خلالها الأعمال التالية:
مغناة الإنتفاضة الأولى
مغناة الإنتفاضة الثانية
أغاني للشهيد المجاهد عز الدين القسام
مسرحية حارسة النبع
مسرحية طاق طاق طاقية
واصدر ديوان ثوريات
كما ساهم في كتابة نصوص العديد من أناشيد الثورة الفلسطينية مثل:
نشيد العاصفة
اللوز الأخضر
المد المد
جابوا الشهيد
جر المدفع فدائي
البروقي
طل سلاحي
غلابة يا فتح
فوق التل
ما بنتحول
مدي يا ثورتنا
يا شعب كبرت ثورتي
وقد لحن له بعضها الملحن مهدي سردانة. عمل مديراً عاماً لمسرح الطفل الفلسطيني بمدينة غزه حتى وفاته.
توفي صلاح الدين الحسيني (أبو الصادق) شاعر الثورة الفلسطينية بتاريخ 11\1\2011 في منزله بالقاهرة عن عمر يناهز 76 عاما، بعد رحلة طويلة العطاء أثرت المسيرة الثقافية والأدبية الفلسطينية.
رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس - رجال من القدس
إسعاف النشاشيبي
ولد إسعاف النشاشيبي في القدس سنة 1885، درج في بيت جليل بعلمه وثرائه وحسبه ومكانته، قيل إن جده الأكبر قدم إلى بيت المقدس في عهد الملك الظاهر بيبرس، ونسبت الأسرة إلى صناعة النشاب التي كانت تمتهنها. أما والده السيد عثمان بن سليمان النشاشيبي فمن أبرز رجالات عصره ذكاءً وعلماً وبسطة حال، تقلب في مناصب الدولة العثمانية حتى أصبح عضواً في مجلس المبعوثان في الأستانة، ووالدته ابنة الحاج مصطفى أبو غوش الملقب بـ(ملك البر) في جبل القدس وابنة عمة أبيه عثمان.
نشأ إسعاف في بيت حصنه العلم والمال، فكانت تنعقد حلقات الدرس في بيت والده، وتضم عدداً كبيراً من أعيان العلماء المقادسة والوافدين أمثال: أسعد الإمام وراغب الخالدي ومحمد جار الله وغيرهم، وكان هؤلاء يتقارضون الشعر ويتذاكرون الأدب ومسائل الفقه، ولعل النشاشيبي ارتاد الحلقة مراراً، وسمع نوادر اللغة والأدب، ورأى الكتب النفيسة في خزائن والده وخزائن الشيوخ.
التحق إسعاف بكتاتيب القدس، وأخذ عن شيوخها وحفظ بعض القرآن الكريم، بعدها التحق بمدرسة دار الحكمة في بيروت وتتلمذ على يد كبار الأساتذة خاصة الشيخ عبد الله البستاني الذي تأثر به وطبع بطابعه اللغوي، ويتجلى ذلك في أسلوبه الأدبي.
وقد أتيح لإسعاف في بيروت وبيت المقدس أن يزامل ثلة من أعلام اللغة والأدب والفكر أمثال شكيب أرسلان وأحمد شوقي والسكاكيني وحنا العيسى وعبد العزيز شاويش، كما ألم بالفرنسية إلماماً حسناً أعانه على قراءة بعض الكتب العلمية والصحف.
اشتهر النشاشيبي بكنيتين ولقبين، فهو أولاً أبو الفضل، وهي كنية بديع الزمان الهمداني، وإنما تكنى بها إسعاف لتعلقه به ونسجه على منواله في مقاماته، وهو ثانياً أبو عبيدة، ولعلها اقتداء بأبي عبيدة معمر بن المثنى اللغوي الأخباري المشهور، وإسعاف أديب العربية وخطيب فلسطين، لأنه أخذ على نفسه عهداً بالدفاع عن العربية بأسلوب حماسي يعتمد الخطبة.
عين النشاشيبي في المدرسة أو الكلية الصلاحية أستاذاً للغة العربية ـ وهي مدرسة أسسها السلطان صلاح الدين الأيوبي في القرن السادس الهجري، وجددها القائد التركي أحمد جمال باشا، وجعلها معهداً علمياً دينياً تدرس فيه العلوم الإسلامية والحديثة ولغتا التدريس فيه العربية والتركية، كذلك كانت تدرس فيه اللغات الأجنبية كالفارسية والإنجليزية والفرنسية والألمانية، والهدف من إنشاء هذه المدرسة إعداد جيل من المبشرين والدعاة لإرسالهم فيما بعد إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي لتحريض شعوبه على الثورة على الاستعمار الأوروبي، لكن لم يطل عمرها أكثر من سنتين ـ كما وعين إسعاف مديراً للمدرسة الرشيدية ـ التي تأسست عام 1906 في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى أحمد رشيد بك متصرف القدس، وتعتبر من أحسن المدارس الحكومية في فلسطين، وكانت أولية وفيها قسم ثانوي، ثم زاد التعليم فيها عن الثانوي إذ صارت تؤهل خريجيها الحاصلين على شهادة الثانوية العامة لدراسة الطب والهندسة بدراسة مواد خاصة تحضيرية قبل الالتحاق بالجامعات، وما لبث حيناً فيها حتى صار مفتشاً للغة العربية في فلسطين حتى عام 1929، حيث انقطع للقراءة والكتابة والرحلات إلى مصر والشام.
كان إسعاف مربياً ناجحاً في المدارس، ويركز على الحماسة في إلقاء الدروس ويرى فيه وسيلة من شأنها إنجاح العملية التربوية،" فإن أردت غرس الأخلاق والقيم العليا في نفوس التلاميذ، فعليك اختيار النصوص الجميلة من قرآن وحديث ومَثَل سائر وخطبة بليغة وشعر فصيح، ثم اقرأ لهم هذه النصوص بفهم ومتعة وشخصية قوية، اقرأ لهم كي يستشعروا حبك لها وحماستك، ثم عد إلى كل نص من هذه النصوص وعلّق على مفرداتها التعليق الذي يكشف أسرار الألفاظ ودلالاتها المعجمية الدقيقة ". هذه كانت طريقة إسعاف في التعليم: اختيار النص والتعليق عليه ثم الطلب من التلاميذ حفظه، وعليه كانت القراءة وكان السماع وسيلتين من الوسائل الأساسية في تعليم النشء وتثقيفه، وهذه هي طريقة السلف الصالح في دروس العلم، إنها طريقة تقوم على دعامتين: الكتاب والأستاذ.
كان إسعاف يشترك في أكثر الحفلات التي تقام بفلسطين، خاصة تلك التي تقام لمناسبات وطنية وقومية أو أدبية واتسمت خطبه بالثورية والتحريضية التي تدعو الشعب للتحرك من أجل تحقيق الأهداف وحفظ الأوطان، كما كان واعظاً ومرشداً في المساجد. كتب إسعاف الكثير من الشعر والمقالات الأدبية نادباً ما أصاب الأمة العربية من ضعف وفرقة وتمزيق بين المستعمرين، ودعا الأمة العربية إلى وحدتها وجمع كلمتها، وإلى حمل السلاح لدفع العدوان وتحقيق الاستقلال لها، وإنقاذ فلسطين التي يخطط لها المستعمرون كي تصبح وطناً قومياً لليهود.
كان إسعاف شديد الغيرة على القرآن الكريم واللغة العربية والحضارة الإسلامية، ولعل حدة المزاج التي كان يتصف بها ناتجة مما كان يلمسه من انقباض الناس عن هذه الأركان وإقبالهم على نمط الحياة الغربية وتعلقهم بالدعوات الهدامة التي راح دعاة السوء من الغربيين وأتباعهم من المسلمين والعرب يروجونها في أسواق الشرق.
وتبدو غيرته هذه في كل مصنفاته، ولاسيّما كلمته المطولة بعنوان "البطل الخالد صلاح الدين والشاعر الخالد أحمد شوقي". عاش إسعاف في زمن شهد صراعاً عنيفاً بين دعاة التجديد والمحافظين على دور القديم في اللغة والحياة، ولماّ كان إسعاف من مؤيدي القديم وكان يعي تقدم الغرب على الشرق في مضمار العلم، فقد دعا إلى الانتفاع بالجديد مع حماية للقديم ليقوم الجديد على قاعدة صلبة، كما دعا إلى التجديد في اللغة والأدب، لكن التجديد الذي يحفظ اللغة من كل ما يؤدي إلى فسادها واضمحلالها، التجديد الذي يطور وينمي ويزيد في صرح الحضارة من الجانب الأدبي واللغوي، لا التجديد الذي يقضي على اللغة العربية ويعتمد اللهجات العامية أو الذي يلغي القافية بدعوة حرية الشعر وتجديده.
وكان النشاشيبي يصر على اعتبار اللغة هي الأمة، والأمة هي اللغة وضعف الأولى ضعف الثانية، وهلاك الثانية هلاك الأولى، وما الأمة إلاّ لغتها وأدبها وخلقها، حسب ما جاء في مقالته " العربية المصرية ".
كان النشاشيبي عضواً نشيطاً من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق ، انفرد بأسلوب من البيان، وبقدر متميز من الحماسة للغة العربية. توفي ـ رحمه الله ـ في القاهرة عام 1948م، وقد لحده في قبره بيده الحاج أمين الحسيني.
ولا نجد خيراً من قول صديقه أحمد حسن الزيات فيه غداة وفاته: "إن النشاشيبي كان خاتم طبقة من الأدباء واللغويين المحققين، لا يستطيع الزمن الحاضر بطبيعته وثقافته أن يجود بمثله، فمن حق المحافظين على التراث الكريم، والمعتزين بالماضي العظيم، أن يطيلوا البكاء على فقده وأن يرثوا لحال العروبة والعربية من بعده".
نذكر من المصنفات اللغوية التي تركها لنا ـ رحمه الله ـ :
العربية المصرية، وفيه دفاع عن العربية وذكر لخصائصها، وتأكيد لدور مصر في المحافظة على العرب والعربية.
العربية وشاعرها الأكبر شوقي، ويدور حول شوقي في خدمة الأدب ولغته، ويعكس تحمس المؤلف وغيرته على اللسان العربي.
اللغة العربية والأستاذ الريحاني، وهو مقالة رد فيه على الأستاذ الريحاني الذي انتقد خطبته في الدفاع عن العربية، واتهمه بتكلف الغريب والوحشي.
العربية في المدرسة، وهي خطبة كان إسعاف قد ألقاها عندما كان يعمل مفتشاً في معارف فلسطين، حيث ركز فيها على العروة الوثقى بين القرآن واللغة.
حماسة النشاشيبي، وهي نصوص مختارة قرآنية وأدبية، جزلة الألفاظ سامية المعاني، تنم عن سعة إطلاع واهتمام بمصادر اللغة.
كلمة في اللغة العربية، تعد أوضح مصنفات النشاشيبي دلالة على اهتمامه باللغة، وتبياناً لجهوده وفكره في مجالها.
البستان وهو كتاب مدرسي لُغَوي.
الإسلام الصحيح، أبحاث إسلامية دعا فيها إلى تصفية الإسلام من البدع.
نقل الأديب، مختارات من عيون الأدب العربي وطرائفه.
أمثال أبي تمام.
قلب عربي وعقل أوروبي.
التفاؤل والأثرية في كلام أبي العلاء المعري.
مقام إبراهيم، وهي كلمة تأبين للبطل إبراهيم هنانو (شهيد الثورة السورية ضد الفرنسيين).
البطل الخالد صلاح الدين والشاعر الخالد أحمد شوقي.
بيروت والغلاييني.
المراجع:
ـ (أعلام فلسطين)، محمد عمر حمادة، دار قتيبة، دمشق 1985، الجزء الأول، ص(298ـ 315) ).
ـ (الأعلام)، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة العاشرة 1992، الجزء السادس، ص(30،31) ).
ـ (إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية)، الموسوعة الفلسطينية دمشق، الطبعة الأولى1984، مجلد 3، ص (659،660)، مجلد 4، ص (171) ).
ـ (محمد إسعاف النشاشيبي) أ.د. يحيى جبر، مكتبة الجمعية العلمية، نابلس،1994).