أم الشهداء سعاد جود الله
استشهدت بكمين مسلح ودفنت مبتسمةً رافعةً سبابتها إلى جوار ابنها القسامي
لم تكن الشهيدة سعاد تعلم وهي تودع ابنها الشهيد أحمد أن فراقه لن يدوم طويلا،وبأن ثلاثة أشهر فقط هي مدة الألم ولوعة الفراق…
فقط ثلاثة أشهر وتنتهي قصة من أروع قصص البطولة والفداء في فلسطين، لا بل في تاريخ العرب والمسلمين، فكانت الشهيدة أم محمد سعاد جود الله بطلة هذه القصة وصانعة أحداثها ووقائعها، وكان ابنها الشهيد أحمد فصلا مشرقا من فصول تلك القصة الرائعة.
في يوم من أيام الربيع الفلسطيني وبتاريخ 24/4/1956 ولدت الشهيدة سعاد حسن صنوبر في مدينة نابلس لأسرة عرفت بتدينها والتزامها بأخلاق الدين الحنيف.. فتربت تربية إسلامية كان لها الأثر الأكبر في تفكيرها ونمط حياتها فيما بعد .
أنهت شهيدتنا الدراسة الثانوية في الفرع العلمي ومن ثم حصلت على شهادة الدبلوم في المحاسبة، وقد اشتهرت بين أفراد عائلتها بذكائها الحاد وفطنتها وألمعيتها حتى إن أفراد أسرتها كانوا يلقبونها بالدكتورة .
اقترنت شهيدتنا عام 1978 بالسيد محمود خليل جود الله أبو محمد فكانت مثلا يحتذى به للزوجة الصالحة والمتفانية في رعاية بيتها وشؤون أسرتها الجديدة، وقد تحملت مع زوجها ظروف المعيشة القاسية وضحت بكل ما تملك من جهد ومال وحلي في سبيل بناء بيت مستقل لها ولزوجها ولأبنائها بدلا من البيت الصغير المستأجر، لتوفر لأبنائها حياة أفضل ومستقبلا واعدا.
وقد رزقت الشهيدة بخمسة أبناء هم: محمد وأحمد وعبد الله وأنس وياسر، فحرصت على تربيتهم التربية الصالحة، وأنشأتهم على حب المساجد، وغرست في نفوسهم معاني العزة والكرامة وحب الأوطان، فأنبت جهدها نباتا حسنا، وكان ابنها الشهيد أحمد ذلك الشاب المجاهد الذي أذاق العدو صنوفا من العذاب بعملياته الجريئة والنوعية.
وكانت أم محمد كذلك أما لكل الشهداء والمجاهدين من رفقاء درب ابنها الشهيد أحمد، كانت أما للشهداء أيمن الحناوي وعلاء مفلح وسامح الشنيك وغيرهم الكثير، إذ لم تتوان عن إعداد الطعام وإرساله لهم مع ابنها أحمد، وتقدم لهم كل رعاية وعناية، وتودعهم بالدموع والدعاء والصلاة قبل كل عملية كانوا ينطلقون لتنفيذها ضد الصهاينة المحتلين، ولا يهدأ لها بال حتى يعودوا من مهمتهم بسلام، فاستحقت بذلك لقب أم الشهداء.
استشهاد الحبيب الغالي
كان أحب أبناء الشهيدة سعاد الى قلبها ابنها الشهيد أحمد حيث كان يتودد إليها بالرفق والحنان والملاطفة، وكان يقول لها دائما بأنه لن يمكث في هذه الدنيا طويلا ، فتجيبه الأم المؤمنة المجاهدة: إني قد وهبتك لله تعالى. وكانت توصيه قائلة: بالله عليك يا أحمد لا تمت إلا ميتة مشرفة، لا أريد أن أسمع أنك استشهدت أثناء تحضير عبوة ناسفة أو برصاصة طائشة، أريدك أن تموت وأنت تواجه المحتلين.
وبالفعل كان الشهيد أحمد قناصا بارعا، ومن أبرز عملياته قتل جنديين صهيونيين في عمارة عالول و أبو صالحة وسط مدينة نابلس في 30/9/2003 فضلا عن عشرات العمليات التي شارك فيها وقتل ما مجموعه سبعة صهاينة و إصابة العشرات منهم بجروح.
وكانت عمليات الشهيد أحمد شديدة الوقع على جنود الاحتلال ومستوطنيه فقامت وحدة صهيونية خاصة من جيش الاحتلال بتنفيذ عملية اغتيال مدبرة استهدفته واثنين من رفقاء دربه هما الشهيد علاء مفلح وأيمن الحناوي في منطقة رأس العين بالمدينة بتاريخ 27/10 وأسفرت العملية عن استشهاد أحمد وعلاء فيما تمكن أيمن من الإفلات بعد أن رمى بنفسه في واد قريب وكسر ساعده.
ويروي شهود العيان أنهم شاهدوا أحمد وهو يقاوم أفراد الوحدة الصهيونية، ، إذ أطلق النار باتجاه أحدهم فأصابه إصابة مباشرة في رقبته قبل أن يعاجله باقي أفراد الوحدة بإطلاق النار عليه بشكل كثيف ليرتقي شهيدا الى عليين.
وتسمع الأم بخبر استشهاد رفيق ابنها علاء في عملية اغتيال مدبرة فتدرك على الفور أن ابنها أحمد لابد أن أصيب أو اعتقل، هذا إذا لم يستشهد هو الآخر، وبالفعل وصلت الأخبار تباعا لتؤكد نبأ استشهاد ابنها أحمد. بكت شهيدتنا بكاء شديدا على فراق ابنها الحبيب، وكانت تقول: لقد ذهب الغالي، وقد اشتد ألمها وحزنها لفراقه، وكم كانت متلهفة لرؤيته ولو في المنام، ويروي أبناؤها أنها كانت تقول بعد استشهاد أحمد: إن أحمد مشغول عني، لا يزورني في المنام.
وكان أثر حزنها باديا على وجهها بشكل واصح وجلي، إلا أنها كانت صابرة محتسبة، ترجوا أجرها من الله تعالى، على أمل أن تلقى ابنها عن قريب، فكان لها ما تمنت، وأكرمها الله تعالى بالشهادة، بعد أن قضت حياتها مجاهدة في سبيل الله، وقدمت أعز أبنائها فداء لمسرى نبيه صلى الله عليه وسلم.
موعد مع الشهادة
وتزداد حرقة الأم على ولدها، ويزيد شوقها للقائه، فيكون اللقاء بعد أقل من ثلاثة أشهر حينما كانت الشهيدة سعاد وابنها الآخر عبد الله والشهيد القسامي أيمن الحناوي رفيق درب الشهيد أحمد هدفا لكمين نصبته قوات الاحتلال على مدخل نابلس الغربي.
ويطلق الجنود النار بكثافة على السيارة التي كانوا يستقلونها ، فترتقي سعاد شهيدة وكذلك أيمن ، ويصاب عبد الله بجروح ويقع في قبضة جنود الاحتلال.
لقد أكرم الله سبحانه وتعالى الشهيدة سعاد بلقاء ابنها الذي أحبته ، وكان هذا اللقاء بصحبة الشهيد أيمن صديق ابنها ورفيق دربه في الجهاد والمقاومة.
لقد نجا أيمن من محاولة الاغتيال التي استشهد فيها احمد ، ولكنه لحق به بصحبة أمه المجاهدة .
وإمعانا في الحقد الصهيوني المتجذر في نفوس الصهاينة، يحتجز جنود الاحتلال جثماني الشهيدين لأكثر من ثماني ساعات متواصلة، ولم يفرج عنهما إلا قبيل ساعات الغروب، الأمر الذي أدى الى تضارب الأنباء حول هوية الشهيدين، وسرت شائعات مفادها بأن الشهيدين هما سعاد وابنها عبد الله مما ضاعف من وقع الحدث على الأهل والأقارب والأحباب .
وما أن أفرج عن الجثمانين حتى خرجت مسيرة غاضبة تحمل الشهيدين وتطوف بهما شوارع جبل النار متحدين ظروف حظر التجول المشدد والمفروض على المدينة منذ أسبوع ، وتنطلق الحناجر بالتكبير والهتاف مطالبين القوى المجاهدة بالثأر والانتقام لدماء الشهيدين.
ويسجّى جثمان الأم الى جانب ضريح ابنها الشهيد أحمد ، لتكون الى جانبه جسدا، والى جانبه روحا في جنات النعيم. وقد بدت عليها ابتسامة الفرح بلقائه، وكانت مفتحة العينين ، وترفع أصبعها بعلامة التشهد.
كتائب القسام تنعى الشهيدين
كتائب القسام نعت الشهيدة سعاد والشهيد القسامي أيمن الحناوي، وأوضحت بأن الشهيد أيمن كان في مهمة جهادية قرب مستمرة شافي شمرون الصهيونية وأن الشهيدين وقعا في كمين نصبه لهم جنود الاحتلال.
وتوعدت الكتائب الصهاينة برد قاس وسريع على هذه الجريمة البشعة مؤكدة بأن هذه الجريمة لن تمر بدون عقاب.
وفي حفل التأبين الذي أقامته حركة حماس في البلدة القديمة والذي حضره آلاف المواطنين، وقف الشيخ ماهر الخراز يحيي الشهيدة سعاد ويستعرض بطولاتها، ويعدد تضحياتها ووصفها بخنساء الشعب الفلسطيني وسلية الصحابيات المجاهدات أمثال نسيبة بنت كعب المازنية وخولة بنت الأزور.
أما محمد نجل الشهيدة الأكبر فقد استذكر مناقب أمه المجاهدة ورثاها أروع رثاء، وتعهد بالسير على خطاها.
أما حشود المشاركين فقد وقفت لتردد الأناشيد الحماسية، وحملوا ذوي الشهيدة على الأكتاف وسط الهتافات المؤيدة لكافة الكتائب المجاهدة والمطالبة باستمرار الانتفاضة والمقاومة حتى النصر والشهادة.
يعتبر المهندس إسماعيل أبو شنب القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ، الذي اغتالته الخميس القوات الصهيونية بقصف سيارته بغزة من القلائل الذين جمعوا بين العمل السياسي و النقابي و الأكاديمي ، و تفوّق في هذه المجالات بشكلٍ كان ملفتاً للنظر ، كما كان اجتماعياً محبوباً في أوساط الفلسطينيين الذين بكوه بحرقة بعد إعلان استشهاده رحمه الله .
ميلاده و نشأته :
ولد المهندس إسماعيل حسن محمد أبو شنب "أبو حسن" في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة عام 1950 و ذلك بعد عامين من هجرة عائلته من قرية "الجيّة" و التي تقع جنوب شرق المجدل و عسقلان ، حيث استقرت أسرته في نفس المخيم .
نشأ أبو شنب نشأة السواد الأعظم من أبناء فلسطين الذي هُجّروا من ديارهم في نكبة عام 1948 ، فالمخيم هو عالمهم ، و الفقر هو القاسم المشترك الذي يجمعهم . و كان والده "حسن" أمياً و لكنه كان يستطيع قراءة القرآن الكريم . و كان حريصاً على تعليم أبنائه و خاصة القرآن الكريم ، فما إن فتحت بعض مراكز تعليم القرآن الكريم أبوابها حتى سارع باشراك إسماعيل و هو طفل صغير فيها ، و قد قدّر له أن يحفظ حوالي نصف القرآن الكريم و هو ما يزال في المرحلة الابتدائية من تعليمه .
قضى معظم دراسته الابتدائية في مدرسة وكالة الغوث في النصيرات ، كان ذلك ما بين عامي 1956 و 1961 حيث تأثّر كثيراً حينها بتوجّهات و رعاية الأستاذ حماد الحسنات أحد الدعاة في منطقة النصيرات "و هو من قادة حركة حماس" .
كان والده جاداً مجداً في السعي على عياله يعمل في فلاحة الأرض عند بعض الناس ، حيث أخرج من أرض في "الجيّة" حانوتاً صغيراً يبيع فيه بعض الحاجيات لسكان منطقته من اللاجئين في المخيم و من البدو الذي يقطنون بالقرب منه .
و توفيّ الوالد و الأطفال لا يزالون صغاراً ، أكبرهم كان إسماعيل ، و الذي كان ما يزال في المدرسة الابتدائية ، و تولي رعاية العائلة بعض الأقارب ، الذين رأوا أن تنتقل عائلة إسماعيل إلى مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة ، حيث يقطن العديد من أقاربهم هناك .
و بعد أن أكمل أبو شنب المرحلة الإعدادية من دراسته في مدرسة غزة الجديدة التابعة لوكالة الغوث في عام 1965 انتقل إلى مدرسة فلسطين الثانوية ، و كان دائماً من الطلاب المتفوّقين في صفه .
دراسته :
وضعت حرب عام 1967 أوزارها .. و قد أنهى إسماعيل الصف الثاني الثانوي ، و في أول أعوام الاحتلال تقدّم إسماعيل مع من تقدّم من الطلاب لامتحان الثانوية العامة و ذلك في صيف عام 1967 ، و حصل على شهادة الثانوية العامة ، و التي لم تعترِف بها أيٍ من الدول العربية في ذلك الوقت .
فالتحق بمعهد المعلمين برام الله ليدرس اللغة الإنجليزية و مدة الدراسة في هذا المعهد سنتان ، حيث يتخرّج الطالب و يصبح مؤهلاً ليكون معلماً في مدارس الوكالة. .
و في عام 1969 جرت ترتيبات مع الحكومة المصرية ، عن طريق منظمة اليونسكو و اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإجراء امتحانات الثانوية العامة في قطاع غزة بإشراف وزارة التربية و التعليم المصرية حتى يمكن لطلاب القطاع أن يحصلوا على شهادات مصدقة و موقعة من جهة عربية ، كي يتمكّنوا من إكمال دراستهم العليا .
تقدّم أبو شنب إلى هذا الامتحان إلى جانب دراسته بمعهد المعلمين و نجح فيه ثم تقدّم بطلب لمكتب تنسيق القبول للجامعات المصرية و تم قبوله فعلاً ، ترك إسماعيل الدراسة في المعهد رغم أنه لم يبقَ على تخرجه منه إلا أشهر معدودات ، فقد كان طموحاً أكثر مما يمكن أن تقدّمه له الدراسة في المعهد .
و في شهر شباط عام 1970 وصل طلاب القطاع إلى مصر ، و في تلك الفترة كان من الصعب على الكثير منهم الانتظام في الدراسة ، و قد مضى ثلثا العام الدراسي و أمامهم تقف مشكلات في التأقلم مع ظروف الحياة المصرية في المدن و التي يختلف جوّها كثيراً عن أجواء المخيمات الفلسطينية في ذلك الوقت .
قرّر أبو شنب أن يتقدّم لامتحان الثانوية العامة للمرة الثانية ، و أن يستثمر الأشهر القليلة الباقية في الدراسة علّه يحصل فرصة أفضل تمكّنه من دخول كلية الهندسة ، و فعلاً تم له ذلك أخيراً ، فقد قبل في المعهد العالي الفني "بشبين الكوم" ، و انتقل في السنة التالية إلى المعهد العالي الفني بالمنصورة و الذي تحوّل فيما بعد إلى جامعة المنصورة ، و تخرّج من كلية الهندسة بجامعة المنصورة عام 1975 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف و كان الأول على دفعته .
العودة إلى الوطن :
و قد عرض عليه أحد أساتذته في الجامعة أن يتم تعيينه "معيداً" في الكلية و لكنه فضّل أن يعود إلى قطاع غزة ليعمل هناك ، و فعلاً عاد و اشتغل مهندساً للمشاريع في بلدية غزة لمدة خمس سنوات ، عرفه خلالها زملاؤه ، و من احتك به ، مهندساً متميزاً سواء في الناحية الأخلاقية أو المهنية و يشهد بذلك الكثير ممن عرفه .
و في تلك الفترة اعتزمت جامعة النجاح الوطنية بنابلس أن تفتح كلية الهندسة فيها ، فأعلنت عن توفير بعثات دراسية للمهندسين ، لاستكمال دراستهم العليا ليعودوا ليعملوا مدرسين في كلية الهندسة ، و تقدّم أبو شنب بطلب للانبعاث للدراسة و تم اختياره لهذا الغرض فاستقال من عمله في بلدية غزة و سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث حصل على درجة الماجستير في هندسة الإنشاءات من "جامعة كالورادو" عام 1982 .
و عاد أبو شنب إلى جامعة النجاح ليدرّس فيها ، ثم سنحت له فرصة إكمال دراسته مرة أخرى ، فرجع إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1983 ، حيث بدأ الدراسة للحصول على شهادة الدكتوراه ، و لكن جامعة النجاح استدعته لحاجتها الماسة له و لأمثاله للتدريس في الجامعة ، فقطع دراسته و عاد إلى الجامعة و عيّن قائماً بأعمال رئيس قسم الهندسة المدنية في عام 1983 - 1984 و ظلّ يدرس في الجامعة حتى أغلقتها سلطات الاحتلال مع اشتعال الانتفاضة أواخر عام 1987 .
وضعه الاجتماعي و النقابي :
أبو شنب من القلائل الذين استطاعوا التوفيق و الجمع بين إبداعهم في مجال تخصّصهم و بروزهم و مشاركتهم الواضحة في الحياة العامة و حمل هموم الأهل و الوطن ، حيث كان لا يدع فرصة للخير صغيرة كانت أم كبيرة إلا و يحاول أن يكون له فيها نصيب و كان هذا بالإضافة إلى قدراته الشخصية و مواهبه سبباً في أن يكون أحد الشخصيات الاجتماعية المرموقة في القطاع .
و كان له دور مهم خلال الأحداث المؤسفة التي وقعت بين التنظيمات الفلسطينية في عام 1986 في قطاع غزة حيث تداعت المؤسسات و الهيئات الأهلية في القطاع لوأد الفتنة و تم اختيار المهندس إسماعيل أبو شنب عضواً في لجنة الإصلاح المنبثقة عن هذا التجمّع و قد أدّت اللجنة دوراً طيباً في تصفية الأجواء و تهدئة الخواطر .
و في المجال الاجتماعي الخيري العائلي كان أقرباؤه و جيرانه يلجأون إليه عند الخلاف و النزاع فيبذل جهده لنصحهم و حلّ مشكلاتهم و التوفيق بينهم و كان جيرانه و أهالي الحي الذي يسكن فيه حالياً "حي الشيخ رضوان بمدينة غزة" يعرفونه شخصاً مؤدّياً للواجب بل مبادراً إليه ، و كان أهل الخير في الضفة و غزة يلجأون إلى مكتبه الهندسي لعمل التصميمات الهندسية و أخذ الاستشارة لبناء المشاريع الخيرية و المساجد و غيرها مجاناً و دون أن يتقاضى عليها أجراً .
نقيبا للمهندسين :
أما في مجال العمل النقابي فيعتبر أبو شنب رائداً في هذا المجال فهو من مؤسسي جمعية المهندسين الفلسطينيين في قطاع غزة عام 1976 ، و كان عضواً في مجلس إدارتها من عام 1976 و حتى عام 1980 ثم انتخب رئيساً لمجلس إدارتها و نقيباً للمهندسين في نفس العام ، حيث ترك هذا المنصب لسفره للدراسة في أمريكا و مصر ، و بعد عودته من هناك تم انتخابه عضواً لدورتين متتاليتين و جرى اعتقاله في عام 1989 ، و هو يحمِل هذه الصبغة ، و بعد الإفراج عنه في عام 1997 ، أعيد انتخابه رئيساً لمجلس إدارة الجمعية و نقيباً للمهندسين حتى اللحظة .
و أثناء عمله في التدريس في جامعة النجاح كان له دور بارز في توجيه الحركة الطلابية و النقابية في الجامعة لتكون في موقع الريادة للمجتمع الفلسطيني في مواجهة المحتلين .
و بعد عامٍ تقريباً من إغلاق الجامعة مع بداية الانتفاضة استقال من الجامعة في أواخر عام 1988 و عمل مهندساً في وكالة الغوث حيث مارس عمله النقابي هناك حتى اعتقاله في أيار (مايو) لعام 1989م .
أبو شنب هو عضو مؤسس للجمعية الإسلامية بغزة عام 1976 ، و التي واكبت ظهور المجمع الإسلامي و الذي كان له دور رئيس في استقطاب الشباب الفلسطيني و إنقاذهم من وحل الاحتلال الذي كان يحاول أن يدمّر أخلاقهم الأمر الذي اعتبر رافداً هاماً من روافد اندلاع الانتفاضة المباركة حيث كان للجمعية نشاطات اجتماعية و ثقافية و رياضية ..الخ ، و هو كان حتى استشهاده محاضراً في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية بغزة ، و رئيس كلية العلوم التطبيقية في الجامعة .
عمله الكفاحي :
تأثّر أبو شنب بالشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة "حماس" منذ كان صغيراً ، حيث كان يسكن في نفس مخيم الشاطئ الذي يقطن فيه الشيخ ياسين آنذاك حيث كان الأخير و رغم إعاقته الجسدية دائب الحركة و النشاط و كان له تأثير واضح و كبير في الحياة الاجتماعية و الثقافية للمخيم ، و في نهاية الستينيات تعرّف على العمل الإسلامي من خلال الشيخ ياسين ، حيث قويت هذه الروابط حينما ساهم أبو شنب بتأسيس الجمعية الإسلامية التي كانت امتداداً للمجتمع الإسلامي الذي كان يرأس إدارته الشيخ أحمد ياسين في ذلك الوقت .
و لعب أبو شنب خلال الانتفاضة الأولى دوراً مميزاً في قيادتها منذ الشرارة الأولى لاشتعالها و ظلت بصماته واضحة عليها حيث و منذ اليوم الأول الذي اندلعت فيه الانتفاضة كلّفه الشيخ أحمد ياسين بمسؤولية قطاع غزة في تفعيل أحداث الانتفاضة و كان نائباً للشيخ ياسين ، و قد عمل أبو شنب منذ اليوم الأول في الانتفاضة على متابعة كافة الأحداث التي تقوم بها حماس و عمل على تقوية هذه الثورة من خلال عوامل كثيرة و تطوير أساليبها حتى لا تقتصر على الحجر فحسب ، أيضاً عمل على تنظيم الأجهزة المتعددة للحركة و ترتيبها و تفرّد كلّ جهاز بعمله الخاص حتى اعتقل في إطار الضربة التي وجهتها المخابرات الصهيونية لحركة حماس و كان ذلك بتاريخ 30/5/1989م ، و قد أفرج عنه بتاريخ2/4/1997م .
داخل السجن :
و لم يتوقّف أبو شنب عند اعتقاله عن العمل فهو و منذ اللحظة الأولى لاعتقاله أدرك أنه انتقل إلى مرحلة جديدة في العمل الجهادي و هيّأ نفسه جيدا لهذه المرحلة و كان مدركاً تماماً أن البداية ستكون صعبة جداً و فعلاً أخضع للتحقيق من قبل المخابرات الصهيونية في سجن الرملة و عذّب عذاباً قاسياً لمدة ثلاثة شهور و بعد هذه الفترة من التعذيب تم نقله إلى زنازين العزل في نفس السجن ظلّ فيها مدة 17 شهراً لم يرَ النور فيهم ، و من ثم و في عام 1990 و بعد انتهاء فترة العزل أصبح ممثلاً للمعتقل في الرملة ، و قد شكّل داخل المعتقل قيادة حركة حماس و ذلك بعد اعتقاله من سجن الرملة إلى سجن عسقلان ، حيث أمضى بعد ذلك باقي مدة محكوميته البالغة ثماني سنوات قاد خلال هذه الفترة حركته بصورة رائعة ، حيث لم تشهد الحركة الأسيرة قائداً مثل أبي شنب حيث خاض و إخوانه المعتقلون إضرابين كان لهما أثر بالغ على تحسين حياتهم داخل السجن و حقّقوا من خلالهما إنجازات عظيمة و ذلك في عام 1992 ، و في عام 1995 .
و لعب أبو شنب بعد الإفراج عنه دوراً مهماً كقائد سياسي في الحركة حيث كان يمثل الحركة في الكثير من اللقاءات مع السلطة و الفصائل ، و كان يُعرَف بآرائه المعتدلة ، و هو يرأس مركز المستقبل للدراسات ، و استشهد القائد الفذ يوم الخميس 21-8-2003 في قصف همجي من قوات الاحتلال لسيارته مع اثنين من مرافقيه في مدينة غزة .
يتناقل اليوم سكان بلدة أبو ديس شمال مدينة القدس المحتلة ، روايات عديدة حول مكرمة ربانية منحها الله سبحانه وتعالى لأحد شهداء بلدتهم ، و الذي كان أول شهيد يسقط برصاص الصهيانة في انتفاضة الأقصى التي اندلعت في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر لعام 2000 .
ومن أبرز هذه الروايات، ما قالته لنا والدة الشهيد بلال علي خليل عفانه، 28 عاما ، أن ابنها عندما أصيب برصاصة من نوع دمدم متفجر في رأسه خلال الصدامات التي شهدتها ساحات المسجد الأقصى بعد يوم واحد من زيارة السفاح أريئيل شارون إليه ، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة كتب بدمه لفظ الجلالة على الأرض .
وقالت والدته التي نقل إليها تلك الرواية شاهد عيان كان برفقة ابنها الشهيد لحظة إصابته، وهو من أعز أصدقائه: " أخبرني أنه عندما أصيب بلال برصاصة في رأسة سقط على الأرض ينزف بشدة ، وبعد أن سحبناه مسافة أمتار إلى الخلف ، شاهدنا دمه وقد كُتب به لفظ الجلالة ( الله ) " .
تحدث الشهيد لزوجته عن الشهادة ومنزلة الشهيد عند ربه، ولكنه لم يعرف أن شهادته ستكون مع يوم عيد ميلاد طفلته " بنان " التي لم تتمتع بحنان والدها إلاّ عاماً واحداً ليأخذه القدر منها بعد ذلك، وبعد يوم من حديثه مع زوجته.
ولد الشهيد في مدينة القدس التي أحبها و استشهد من أجلها، وهو السابع من بين تسعة أخوة تربوا ونشاوا في قرية أبو الديس المطلة على المسجد الأقصى.
كان عفانة قد تحدث لزوجته عن رغبته في الشهادة " فأجابته زوجته وأنا ؟ ، فقال لها أنت تحافظين على بيتك ونفسك بعد استشهادي وعلى أولادك كذلك ، ولكنه لم يعرف أنه لن يكون له سوى الطفة التي كان سيحتفل بمرور عام على ميلادها يوم استشهاده ،حيث كان قد أحضر الجبنة ليعمل سدر ( كنافة ) احتفالاً بهذا اليوم، ولكن ما حدث هو احتفال القدس التي أحبها باستشهاده .
وقد روت لنا الحاجة أم أحمد والدة الشهيد عن مواقفه الجادة والحازمة في العديد من الأمور سواءً على مستوى عمل الخير أو على المستوى الوطني والرجولي، وقالت: " تعرض مرة للاعتقال من قبل قوات الاحتلال حيث ضُرب ضرباً مبرحاً، وهددوه بأن يلقوه في بئر حتى يعترف لهم عن أحد أصدقائه بأنه قام بالاعتداء على جيش الاحتلال، لكنه رفض هذا الطلب واحتمل العذاب والضرب على أن يؤذوا صديقه.
وأضافت والدة الشهيد، أن أخاً للشهيد كان قد اعتقل وعندما علم بلال بذلك ذهب إلى حيث اعتقلوا أخاه ، وبدأ بضربهم بالحجارة حتى اضطروا لإطلاق سراحه .
بالرغم من ضراوة الموقف في المسجد الأقصى المبارك في أول أيام الانتفاضة التي اندلعت احتجاجاً على دخول شارون للأقصى، إلاّ أن بلالاً بقي رغم كل المواجهات في ساحات الأقصى يدافع عن مقدساته كغيره من الفلسطينيين المسلمين.
كلماته الأخيرة
روت لنا أم الشهيد أنه كان يتحدث مع زوجته ليلة استشهاده عن الشهادة، والثواب الذي يستحقه الشهيد في الجنة، وفي نفس الليلة كان قد قرأ لزوجته سورة الكهف، وأشارت الحاجة أنّ ابنها كان منزعجاً جداً من دخول السفاح شارون إلى باحات المسجد الأقصى المبارك.
استشهاده
كانت نفوس المسلمين الفلسطينيين في 29 سبتمبر عام 2000 تفيض بالغضب بعد دخول شارون للمسجد الأقصى، الذي يعتبر أكبر سفاح قتل من الفلسطينيين، وبالتالي لا يجوز له دخول الأقصى الذي يعتبر من أطهر بقاع الأرض.
وبعد انتهاء صلاة الجمعة وإذا بجيش الاحتلال يطلق النار على أفواج المصلين أثناء خروجهم من المسجد فاندّلعت المواجهات بين الجيش والمصلّين، وبلال بدأ كغيره من المواطنين بالدفاع عن نفسه بإلقاء الحجارة على جيش الاحتلال.
فازدادت ضراوة المواجهات وصعوبتها ولم يعد يفرق الجيش بين كبير وصغير، عند إذٍ طلب صديق بلال منه الانسحاب وتغيير موقعهم إلى مكان أكثر أمناً، ولم يكد الصديق ينهي حديثه، وإذا بالقول لم ينفع بلالاً.
فسقط بلال ليدون بدمه لفظ الجلالة " الله " على الأرض التي أحبها ، وليتوَّج أولَ شهيد في انتفاضة الأقصى.
صلاح شحادة
إنه الرجل الذي أسس كتائب القسام، وابتكر اقتحام المستوطنات، وطور السلاح، بدءً من الهاون والمضادات للدبابات، ثم القذائف والصواريخ، حتى أصبح المطارَد رقم "1" لجيش الاحتلال، وكان قد أشرف على اغتياله رئيس وزراء الكيان الصهيوني؛ ليكون بحق "رجل تحاربه دولة"
وُلِد شحادة 4-2-1953 في قرية "بيت حانون" شمال قطاع غزة، وكان الابن الأول الذي رُزق به والده "مصطفى شحادة" بعد 8 بنات، 6 منهن توفاهن الله، ونشأ بين والديه يغدقان عليه حنانهما، ويخافان أن تجرح نسمة الهواء خديه، إلا أنهما غرسا الرجولة فيه منذ نعومة أظافره.
بداية الحياة الجهادية
بدات الحياة الجهادية للشيخ صلاح منذ التحاقة بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة الاسكندرية بمصر حيث تعرف في الإسكندرية على مجموعة كبيرة من الشبان الفلسطينيين من حركة "الإخوان المسلمين"، وخاصة الدكتور "أحمد الملح" لتبدأ الحياة الجهادية للقائد شحادة.
وفور عودته من الإسكندرية عمل في مديرية الشئون الاجتماعية.. أعلن المدير الصهيوني أن كل موظف يخرج في جنازة المدير السابق سيعطيه دونمًا من الأرض، لكن شحادة حرّض جميع العاملين على عدم الخروج، وفور علْم المدير بأمره عاقبه.. فما كان من شحادة إلا أن قدم استقالته، وقال: "الرزق على الله، ولن أركع أو أخضع يوما لكم".
تعرض عام 1984 لأول عملية اعتقال على يد المخابرات الإسرائيلية لمدة عامين بتهمة الانضمام لحركة "الإخوان المسلمين"، وما كاد يخرج من المعتقل حتى أعيد إليه عام 1989 بتهمة قيادة العمل العسكري، ولكن لم تستطع كل أساليب التعذيب أن تحصل على اعتراف واحد من القائد صلاح. لذلك حُكم عليه بالاعتقال لمدة عشرة أعوام وغرامة مالية رفض القائد دفعها ليقضي حكما بالسجن الإداري عقب الغرامة ستة أشهر ليصل إجمالي ما قضاه في السجن عشرين شهرا وعشر سنوات.
قالوا عنهـ
ويتذكر د. عبد العزيز الرنتيسي: "قضيت مع شحادة أحلى سنوات عمري داخل السجن عام 1988، ثم التقيت به ثانية في عام 1995، وكان شحادة الخطيب في المعتقل والمسؤول عن تدريب الشبان في طابور الصباح.. كان يمارس معهم رياضة قاسية حتى إن إدارة السجن شكته عدة مرات، وادعت أنه يدربهم تدريبات عسكرية".
وقال عنه القائد والأب أحمد ياسين :"نعم القائد والجندي".. بهذه الجملة وصف الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة
استشهاده
لقى ربه شهيدا في أبشع جرائم جيش الاحتلال الصهيوني في مدينة غزة في مذبحة راح ضحيتها 15 شهيدا، معظمهم من النساء والأطفال بتاريخ 13-7-2002 بعد حياة عسكرية وجهادية استمرت قرابة عشرين عاما.
هو عبد القادر موسى كاظم الحسيني ، ولد في استانبول في 1910م كماورد في مقابلة قناة الجزيرة مع ابنة غازي ، قتل في 8 ابريل 1948 في قرية القسطل القريبة من القدس بعد ان قاد معركة ضد العصابات الصهيونية لمدة ثمانية أيام
[تحرير] عائلته
والده هو شيخ المجاهدين موسى باشا كاظم الحسيني الذي شغل مناصب عديدة في ظل الخلافة العثمانية وكان يشغل منصب رئيس بلدية القدس عندما أحتلها الانجليز،وأمه هي رقية بنت مصطفي هلال الحسيني توفيت بعد عام ونصف من ولادته.
[] تعليمه
درس القرآن الكريم في زاوية من زوايا القدس، ثم أنهى دراسته الأولية في مدرسة (روضة المعارف الابتدائية) بالقدس، بعدها التحق بمدرسة (صهيون) الانجليزية. أتم عبد القادر دراسته الثانوية بتفوق ثم التحق بعدها بكلية الآداب والعلوم في الجامعة الأمريكية في بيروت. أنتقل بعدها إلى القاهرة حيث درس الكيمياء والرياضيات كما أنة نشر العديد من المقلات الصحفية المعارضة للاستعمار الانجليزي والهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
قصة جهاد طويلة لا تنى من أجندة التاريخ الفلسطيني، وهي حياة الشهيد عبد القادر الحسيني الذي كان واحداً من المجاهدين الذين ضحوا بأنفسهم واستشهدوا في أرض المعركة. أستشهد في معركة القسطل عقب إصابته فيها بعدة رصاصات في 8 أبريل عام 1948 أما مسيرة جهاده فكانت على خطى الأب موسى كاظم بن سليم الحسيني الذي فتح بيته في حي الحسينية بالقدس ليكون ملاذاً آمناً للمجاهدين والمفكرين الوطنيين.
[] النشأة
في صيف عام 1908 أشرقت شمس القدس على ميلاد عبد القادر الحسيني، وراح يتلقى علمه في إحدى زواياها إلى أن انتقل إلى مدرسة "صهيون" الإنجليزية تلك المدرسة العصرية الوحيدة آنذاك، منذ طفولته اعتاد على تحمل المصاب الأليم ذلك أنه شب على فقد أمه بعد عامٍ ونصف من ولادته، إلا أنه لم يعان من حرمانه من الحنان والرعاية حيث احتضنته جدته لأمه مع بقية أشقائه السبعة، وهم ثلاث من الأخوات وأربعة صبية وهم فؤاد ويعمل مزارعاً ورفيق مهندساً وسامي مدرساً بالإضافة إلى فريد الذي عمل محامياً.
بعد حصوله على الشهادة الثانوية من مدرسة روضة المعارف التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت، ثم ما لبث أن طُرد منها نظراً لنشاطه الوطني ورفضه لأساليب التبشير التي كانت مستشرية في الجامعة، فما كان منه إلا الالتحاق بجامعة أخرى تسمح له بقدر من الحرية فتوجه إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ودرس في قسم الكيمياء بها، وطيلة فترة دراسته لم يظاهر بنشاطه الوطني أملاً في الحصول على شهادة، وما إن تحقق مأربه حتى أعلن في حفل التخريج أن الجامعة لعنة بكل ما تبثه من أفكار وسموم في عقول الطالب، وطالب الحكومة المصرية أن تغلقها مما حدا بالجامعة الأمريكية في اليوم التالي بسحب شهادته، الأمر الذي أدى إلى تظاهرة عظيمة قام بها رابطة أعضاء الطلبة التي أسسها الحسيني وترأسها أيضاً وانتهى الأمر بقرار من حكومة إسماعيل صدقي بطرده من مصر فعاد أدراجه إلى القدس عام 1932 منتصراً لكرامته وحاملاً لشهادته التي أرادوا حرمانه منها.
[] جهاد في الوطن
لم تكن العودة إلى القدس نهاية الرجل بل إنها كانت بداية رحلة جهاد طويلة منذ العام 1935 وانتهاءً بعام 1948 في معركة القسطل الجهادية.. وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة من جانب الإدارة البريطانية لضمه تحت جناحها من خلال توليته عدداً من المناصب الرفيعة إلا أن إيمانه بالجهاد المسلح من أجل الحرية والاستقلال كان أقوى من جميع إغراءاتهم وخططهم الدنيئة، وتأكد له صواب اعتقاده حينما رحل عز الدين القسام شهيداً مدافعاً عن حرية وطنه وأرضه فخطا على نفس دربه وراح منذ العام 1936 يعمل على تدريب شبان فلسطينيين لينظموا وحدات مسلحة تدافع عن حقها وأرضها إذا ما تعرضتا للهجوم من غزاة طغاة، وبالفعل في ذات العام قام عبد القادر الحسيني بإلقاء قنبلة على منزل سكرتير عام حكومة فلسطين تلتها قنبلة أخرى على المندوب السامي البريطاني وتوج نشاطه الوطني في هذا العام بعملية اغتيال الميجور سيكرست مدير بوليس القدس ومساعده، بالإضافة إلى اشتراكه مع أفراد الوحدات التنظيمية التي أسسها في مهاجمة القطارات الإنجليزية، وظلت هذه المناورات بصورة متفاوتة حتى عام 1939 حيث بلغت المقاومة ضد البريطانيين أشدها في معركة الخضر الشهيرة التي قضت بإصابة عبد القادر الحسيني إصابة بالغة.
[] وفي العراق أيضاً
لم يتمكن عبد القادر الحسيني من المكوث طويلاً في الأرض الفلسطينية خصوصاً بعد معركة الخضر وإصابته فيها مما دعاه إلى الانتقال إلى العراق ليس هرباً أو خوفاً وإنما لمواصلة الكفاح والجهاد في أي مكان ينتقل إليه ويشهد فيه ظلم المحتل الغاصب، ففي عام 1941 شارك الحسيني العراقيين في جهادهم ضد الإنجليز وتمكن برباطة جأشه أن يوقف تقدم القوات البريطانية لمدة عشرة أيام استبسل خلالها ورفاقه في المقاومة إلا أن فارق العتاد والقوة كان الحكم الأخير فاعتقل ورفاقه وقضوا في الأسر العراقي ثلاث سنوات، بعدها انتقل إلى دولة أخرى يكون فيها الظلم أقل والاحتلال متلاشياً فكانت المملكة العربية السعودية، مكث فيها من الزمن عامين فقط في ضيافة الملك عبد العزيز منذ عام 1944 حتى الفاتح من يناير عام 1946 بعدها انتقل إلى مصر..
[] مقاومة فلسطينية في مصر
عاد الحسيني في الفاتح من يناير عام 1946 إلى مصر الدولة التي سبق وأن طرد منها بأمر إسماعيل صدقي، ولكنه هذه المرة عاد للعرض على الأطباء ومداواة جروحه والندوب التي تقرحت في جسده إثر معاركه الكثيرة، وعلى الرغم من ذلك فقد كان الحسيني أكثر إيماناً ويقيناً أن المقاومة هي السبيل الأوحد للحرية والكرامة؛ فأثناء وجوده في مصر عمد إلى وضع خطة لإعداد المقاومة الفلسطينية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي فراح ينظم عمليات التدريب والتسليح للمقاومين وأنشأ معسكراً سرياً بالتعاون مع قوى وطنية مصرية ليبية مشتركة بالقرب من الحدود المصرية الليبية، كما قام بتدريب عناصر مصرية أيضاً للقيام بأعمال فدائية، حيث شاركت عناصره في حملة المتطوعين بحرب فلسطين وكذلك في حرب القناة ضد بريطانيا، كما عمد إلى التواصل والتشابك مع قائد الهيئة العربية العليا ومفتي فلسطين "أمين" الحسيني من أجل تمويل خطته وتسهيل حركة المقاومين على كل جبهات فلسطين، كما عمد أيضاً إلى التنسيق والتواصل مع المشايخ والزعماء والقادة داخل الأراضي الفلسطينية، وأنشأ معملاً لإعداد المتفجرات إضافة إلى إقامته محطة إذاعية في منطقة رام الله درة عن المقاومة الفلسطينية وتشجيع المجاهدين على الجود بأنفسهم وقوتهم في سبيل نصرة الحق والحرية، ناهيك عن إنشائه محطة لاسلكية في مقر القيادة في بيرزيت وعمل شفرة اتصال تضمن لهم سرية المعلومات وعدم انتقالها إلى الأعداء عبر المراسلات العادية، كما قام الحسيني أيضاً بتجنيد فريق مخابرات مهمته فقط جمع المعلومات والبيانات وخفايا وأسرار العدو الإسرائيلي لضربه في عقر داره، ناهيك عن تكوينه لفرق الثأر التي طالما ردعت وأرهبت اليهود وقللت من عمليات القتل الممنهجة التي أذاقوها للفلسطينيين.
[] مجدد الجهاد في فلسطين
للوطن حنين، كيف لا وقد شهده يتجرع الويلات الواحدة تلو الأخرى وعلى الرغم من جهاده لفلسطين عن بعد إلا أن الأمر لم يشف ندوب صدره على الوطن وبخاصة بعد قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 حيث قضى اجتماع الجمعية العامة العادي بالخروج بقرار عن هيئة الأمم المتحدة يقضي بإنهاء الانتداب وتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، فتولى قيادة قطاع القدس وعمل على وقف زحف القوى اليهودية، ومن ثم قام بعمليات هجومية على قطعان المستوطنين المتواجدين في محيط المدينة المقدسة منها على سبيل المثال لا الحصر، معركة مقر القيادة العسكرية اليهودية في حي "سانهدريا"، بالإضافة إلى الهجوم المنظم على عدة مراكز يهودية كانت تعم بالأحياء العربية كـمقر "ميقور حاييم"، وصولاً إلى استبساله في معركة "صوريف" في السادس عشر من يناير عام 1948 والتي زفر فيها برقاب 50 يهودياً كانوا مزودين بأحدث العتاد الحربية الثقيلة فاستولى على 12 مدفع برن والعديد من الذخيرة والبنادق، وأيضاً من معاركه التي لا تنسى معركة بيت سوريك، ومعركة رام الله – اللطرون، بالإضافة إلى معركة النبي صموئيل، وكذلك الهجوم على مستعمرة النيفي يعقوب ومعركة بيت لحم الكبرى.
[] استشهاد الحسيني
ضرب عبد القادر الحسيني خلال معركة القسطل غير المتكافئة مثلاً رائعاً في التضحية والحماسة والاندفاع، وتفاصيل المعركة تدور كما دونها المؤرخون أن الحسيني غادر القدس إلى دمشق في أواخر آذار عام 1948 للاجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية، أملاً في الحصول على السلاح ليشد من عزم المقاومين على الاستمرار والاستبسال في القتال، إلا أنه ما لبث أن عاد إلى القدس مجدداً فور علمه بمعركة القسطل التي بدأت بشائرها وهو خارج القدس، لكنه لم يحمل ما ذهب إليه جميعه فقط نصف كيس من الرصاص، واتجه به مسرعاً إلى القسطل وهناك في السابع من نسيان من ذات العام عمد أولاً إلى إعادة ترتيب صفوف المجاهدين بدقة ونظام وكان هو في موقع القيادة وعلى الرغم من استبسال كل الجهات المقاومة في القتال إلا أن ضعف الذخيرة وقلتها أدت إلى وقوع الكثير من المجاهدين بين مصاب وشهيد، وهنا اندفع عبد القادر الحسيني لتنفيذ الموقف وقام باقتحام قرية القسطل مع عدد من المجاهدين إلا أنه ما لبث أن وقع ومجاهديه في طوق الصهاينة وتحت وطأة نيرانهم فهبت نجدات كبيرة إلى القسطل لإنقاذ الحسيني ورفاقه وكان من بينها حراس الحرم القدسي الشريف، وتمكن رشيد عريقات في ساعات الظهيرة من السيطرة على الموقف وأمر باقتحام القرية وبعد ثلاث ساعات تمكنوا من الهجوم وطرد الصهاينة منها ومن ثم فر من تبقى منهم بسيارات مصفحة إلى طريق يافا، غير أن المقاومين لم يكتفوا بذلك وأرادوا ملاحقة جموع الصهاينة الفارين غير أنهم عندما وجودوا جثمان الشهيد عبد القادر الحسيني ملقى على الأرض الأمر الذي كان له وقع أليم جداً على رفاقه وعلى الأمة جميعها إذ زلزل النبأ قلوب كل من عرفوه وعايشوه فكانت جنازته مهيبة أمها الجميع صغاراً وكباراً مقاومين وأناساً آخرين عرفوه إنساناً وطنياً مخلصاً لدينه ووطنه..
ولما خرج الجميع لتشييع عبد القادر الحسيني أبت قوات الاحتلال الصهيوني إلا أن ترتكب مجزرة أخرى فعمدت إلى مهاجمة قرية دير ياسين وأتت أُكلها فلم يبق فيها شيء ينبض بالحياة فقط ركام المنازل وأشلاء الفلسطينيين!
سيرة الشهيد القائد زياد العامر من شهداء الأقصى واحد ضباط جهاز الأمن الوقائي
مقاتل قضى حياته في السجن وميادين الجهاد
هم قادة يختلفون عن كثير من القادة ، ورجال تميزوا عن باقي الرجال ، قادة قرروا أن
يضربوا للأمة في أوج هزيمتها وانكسارها أن لا مستحيل مع الإرادة ، وفارسنا الذي نحن
بصدده ، قائد من أربعة قادة قادوا معركة مخيم جنين ، إذ كان قائدا لكتائب شهداء
الأقصى فيها ، إنه الشهيد القائد زياد إبراهيم عيد العامر ، من قرية المنسي قرب
حيفا يعود اصل هذه العائلة المهجرة ، ومن نكبة تلو نكبة استقر بها المقام في مخيم
جنين ، وفي هذه الأرض ولد زياد ذو ال37 ربيعا، ودرس في مدرسة الوكالة في المخيم ،
ملتحقا إثر ذلك بمعهد المعلمين في رام الله ،ومن ثم بجامعة القدس المفتوحة في جنين
ليحمل بعد ذلك شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي .
ابتدأ حياته منذ صغره بمقارعة الصهاينة ليقضي نحو عقدين من حياته يلاحق الصهاينة
تارة ويلاحقوه تارة أخرى ، وبين هذه وتلك جولات وصفحات في سجل البطولات والمجد
والصبر التي سجلها المقاومون في مراحل الجهاد الفلسطيني كافة، ففي العام 1984 و
أحداث ذكرى يوم الأرض تعصف بجنين ، أصيب هذا القائد برصاصة في قدمه أثناء تأديته
لواجبه في التصدي للصهاينة ، ومع اندلاع الانتفاضة الأولى .
اعتقل زياد في العام التالي لاندلاعها حيث حكم عليه بالسجن 25 عاما بسبب نشاطه
الواسع في مقاومة الاحتلال وملاحقة العملاء في جنين ، وقد هدمت الجرافات الصهيونية
حينها منزل ذويه المكون من أربعة طوابق ، وتعرض أفراد أسرته للملاحقة الاعتقال
فاعتقل أبوه واثنين من اخوته ، وقد قضى حينها سبعة أعوام ونصف متنقلا بين السجون
الصهيونية ، إلى أن جاء الفرج في العام 1994 ليطلق سراحه مع الأسرى المحررين الذين
خرجوا بفعل اتفاقات أوسلو ، حيث مكث اثر ذلك عامين في مدينة أريحا عمل خلالها مدرسا
للغة الإنجليزية في إحدى مدارسها الخاصة ، ومع دخول السلطة الفلسطينية إلى مدينة
جنين التحق في صفوف الأمن الوقائي في محافظة جنين برتبة نقيب ،ويعرف عنه صلابته في
مواجهة الضيم ، فأثناء اعتقاله في سجن جنيد العسكري تشاجر مع أحد الجنود الصهاينة
داخل المعتقل فما كان منه إلا أن ركله ليسقط على الدرج متدحرجا، ولم يكن لهذا
الفارس أن يترجل مع اندلاع انتفاضة الأقصى ، كيف لا وهو الذي كان يقول دائما
لأقرانه "إن أمنيتي في هذه الحياة أن أقتل صهيونيا وأسفك دمه ولو بمقدار فنجان "
حتى إنه عاتب نفرا من أصحابه عتابا شديدا لأنهم ذهبوا لتنفيذ عملية عسكرية قتل
خلالها مستوطن دون أن يخبروه ليشارك معهم في ذلك الهجوم ،تعرض زياد في هذه
الانتفاضة إلى العديد من محاولات الاغتيال لكنه نجا منها جميعا بسبب يقظته ، ومن
أشهر محاولات الاغتيال التي نجا منها بفضل الله سبحانه وتعالى : حادثة اغتيال
الشهيدين عكرمة استيتي ومجدي جرادات من مخيم جنين حيث كان من المفترض أن يكون معهما
في السيارة ، وكذلك في حادثة اغتيال الشهيد معتصم الصباغ الذي قصفت سيارته بصواريخ
الأباتشي ، أما حكايته مع الاجتياحات المتكررة لمخيم جنين فكانت مفعمة بالبطولة
والشرف ، ففي الاجتياح السابق ، حدث عنه رفاقه أنه حوصر وإياهم في إحدى المرات في
زقاق صغير في ساحة المخيم وكاد العدو أن يتمكن منهم،وعندما نزل الجنود ليفحصوا هل
يوجد أحد في المنطقة أمر زياد رفاقه بأن يختبئوا ويلتزموا الصمت ولا يطلقوا النار
على الجنود فاطمأن الجنود إلى خلو المنطقة من المقاتلين فقاموا بإنزال وحدة مشاة ،
وعندها خرج لهم زياد وقام بقنص قائد الوحدة مما حدا بهم جميعا إلى الهرب فتم فك
الطوق عن المقاتلين الذين نجوا حينها جميعا ، وفي هذه المعركة لم يختلف دوره عن
سابقاتها ، ففي الفترة الممتدة ين الاجتياح السابق والاجتياح الأخير والتي تصل إلى
15 يوما شارك زياد في الاجتماعات الدورية التي كانت تعقد لقيادة كتائب الأقصى
وكتائب القسام وسرايا القدس للتجهيز للمعركة المقبلة ، ومع بدء المعركة التقت تلك
القيادة المشتركة وتعاهدت على الصمود في المخيم فإما النصر أو الشهادة ، حتى إن
زيادا رفض أن يخرج أطفاله من المخيم وأمرهم وزوجته بالبقاء في منزلهم وأن يواجهوا
ذات المصير الذي يواجهه الآخرون ، وقال كلمته المعهودة لرفيق دربه الشهيد شادي
النوباني " اليوم يكشف عن رجال الفتح الحقيقيين " .
لقد أوكلت إلى زياد مهمة قيادية في هذه المعركة فكان مشرفا على الثغور يقوم بتفقدها
متنقلا بين موقع وآخر ، وقد حدث عنه رفاقه أنه كان مهتما جدا بتوفير المؤن الغذائية
للبيوت الواقعة على خط المواجهة فكان يتفقدها بيتا بيتا ، أما عن قصة استشهاده
والذي كان يوم الأربعاء 3/4/2002 فقد حدث رفاقه في السلاح أنه كان يوجد حينها في
منطقة تسمى خلة الصوحة وهي منطقة مشرفة على خط المواجهة الأول مع الجنود الصهاينة ،
حيث توغلت وحدة خاصة من الجيش الصهيوني فأصر زياد على الخروج إليها وقد نصحه رفاقه
حينها ألا يخرج إليهم لأن المنطقة مكشوفة ، إلا أنه كان مصرا على لقاء ربه ، فخرج
إلى الوحدة واشتبك معها وأثناء عودته نالته رصاصة من قناص صهيوني فلقي ربه شهيدا
قابضا على سلاحه ، وقد حدث عنه رفاقه أنه عندما استشهد ظل قابضا على سلاحه ، ولا
عجب فسلاحه كان مميزا ، إذ كان يحمل رشاشا من نوع "ناتو " ثمنه يصل إلى نحو 30 ألف
شيكل ، فقد رفض أن يفرط بسلاحه حتى بعد استشهاده ليلقن المتخاذلين درسا في شرف
الجندية وشرف السلاح الذي يجب ألا يوجه إلا إلى صدور الصهاينة.
تقول والدته " لقد كان زياد زاهدا في هذه الدنيا ، فلا أذكر أنني شاهدته يقف أمام
المرآة ولو مرة واحدة ، وتضيف والدته " … في الاجتياح السابق عاد زياد إلى البيت
بعد اندحار الصهاينة وسُترته مغطاة بالدماء فطلبت منه أن يخلعها لا غسلها له ، فرفض
ذلك وأصر أن تبقى على جسده حتى يزور جميع شهداء الاجتياح والذين بلغ عددهم حينها 22
شهيدا، فابر بقسمه وبقيت على جسده ثلاثة ايام متتالية حتى زارهم جميعا ، وتقول
والدته " لقد عاهدت زياد ألا أخرج من المخيم حتى لو تم هدم منزلنا ، وبالفعل فقد
قدم الصهاينة لهدم المنزل وقاموا بإحراقه ، وبقينا في ذات المكان إلى أن اندحر
الصهاينة عن المخيم ، وتختم كلامها بالقول " ... الجميع في المخيم كان يحب زياد ،
لقد كانت علاقته مميزة مع الجميع ، مع حماس ومع الجهاد ، وكان شعاره أنا اعمل مع كل
من يريد أن يعمل بغض النظر عن اتجاهه السياسي، فنال بذلك احترام الجميع ، وسجل في
سجل المجد شهيدا قائدا لم يرض أن يلتفت إلى قرارات هزيلة تطالبه وغيره بالركون ولم
ينتظر كما فعل الكثيرون أن تأتيه أوامر من هنا أو هناك، فقد عرف واجبه جيدا
أحمد الصفدي
مضى باحثاً عن الشهادة حتى نالها في عملية استشهادية على حاجز طولكرم
على الحاجز العسكري الاحتلالي الذي يفصل مدينة طولكرم عن الداخل الفلسطيني انتهت يوم الخميس 9/10 رحلة الشاب أحمد مصطفى أحمد الصفدي التي بدأها باحثاً عن الشهادة فنالها بعملية استشهادية أوقعت عدداً من جنود الموقع بين قتيلٍ و جريح و ارتقى هو إلى العلياء شهيداً .
كان الشهيد أحمد و هو الابن الأكبر بين الأبناء السبعة للمواطن مصطفى الصفدي ، قد غادر مسقط رأسه في بلدة عوريف قضاء نابلس متّجهاً للدراسة في المدرسة الثانوية الصناعية بمدينة نابلس في مطلع العام الدراسي الحالي ، و هناك استقلّ هو و أحد أقربائه سكناً خاصاً للمبيت فيه تجنّباً للسفر اليومي بين عوريف و نابلس و ما يرافق ذلك من مشاقّ و متاعب على حاجز حوارة العسكري .
و حتى يوم استشهاد أحمد ، لم يكن والده يدرك ما الذي يدور في ذهن نجله عندما قرّر التحوّل للدراسة في الفرع الصناعي بعد أن أتم بنجاح موفق دراسة الصف الحادي عشر في الفرع العلمي بمدرسة عوريف الثانوية و جعله يضحّي بسنة إضافية لدراسة الصف الحادي عشر في الفرع الصناعي .. لكن ، و بعد تلقّيه نبأ استشهاد أحمد في عملية الخميس الماضي تكشّفت له الكثير من الخفايا التي لم يكن يستطيع فهمها قبل ذلك التاريخ ، فلم تكن عملية انتقال أحمد من مدرسة عوريف إلى المدرسة الصناعية بنابلس إلا غطاء بالنسبة له للمكوث في نابلس بعيداً عن أعين الأهل و متابعتهم و من ثم الاتصال بنشطاء المقاومة في المدينة لتجهيزه لتنفيذ عملية استشهادية .
إعداد متقن :
و في إطار استعداداته لتنفيذ عمليته غاب أحمد عن منزل العائلة في عوريف أسبوعين كاملين و تذرّع بضغط الدراسة لعدم زيارته لعائلته خلال تلك المدة ، و يرجّح أفراد أسرته أنه تعمّد ذلك ليتفرّغ للتجهيز للعملية بعد أن نجح بالاتصال بإحدى خلايا المقاومه في نابلس ، و مما يعزّز ذلك الاحتمال أنه كان طوال المدة المذكورة يخرج إلى المدرسة صباحاً و لا يعود إلا في ساعات متأخرة من الليل ، و كان تبريره لتأخره أمام قريبه الذي يشاركه في السكن هو المذاكرة مع زملائه في المدرسة .
و في نهاية الأسبوعين اتصل أحمد بعائلته هاتفياً و أخبرهم أنه يعتزم زيارتهم يوم الخميس 2/10 و طلب من والده الذي يعمل داخل الخط الأخضر أن يبقى في المنزل لرؤيته حيث إنه لم يرَه منذ انتقاله إلى نابلس للدراسة بسبب ظروف عمله ، و بالفعل قام أحمد بالسفر إلى عوريف في ذلك اليوم ، و عندما التقاهم عانق جميع أفراد أسرته بحرارة لم تعهد عنه في الزيارات السابقة ، لكنهم أرجعوا ذلك إلى طول المدة التي غابها عنهم .. أما هو فكان يعانقهم و في ذهنه هدف آخر ، فهذه هي المرة الأخيرة التي يراهم فيها قبل أن ينطلق إلى الدار الآخرة .
و خلال وجوده في بيت العائلة قال أحمد لجدته مازحاً : "إني ذاهب إلى الجنة ، فهل تأتين معي ؟" .. و كان أن ثارت شكوك الجدة فأخبرت والده بما قاله أحمد ، لكن أحمد استطاع أن يقنع والده بأنه لا ينوي فعل شيء ، و أن ما قاله هو من قبيل المزاح .. ليس إلا ، و بعد عودته إلى نابلس كان أحمد كثير التقرّب إلى الله بالدعاء و الصلاة التي داوم عليها منذ صغره حتى أنه كان يطيل سجوده .. باكياً ، خاشعاً لله ، مقبلاً عليه ، مستعداً للقائه .
عرس في الأرض .. و آخر في السماء :
قبل يومٍ من استشهاده ، فاجأ أحمد قريبه الذي يسكن معه بقوله إن يوم غدٍ هو يوم عرسه و أوصاه بأن تقيم له العائلة عرساً يوم الجمعة للاحتفال به ، لكن قريبه أخذ الكلام على سيبل المزاح ، و لم يأخذ كلامه على محمل الجد ، و في صباح يوم الخميس توجّه أحمد كعادته إلى المدرسة و بقي فيها حتى نهاية الدوام لينطلق بعدها إلى لقاء ربه ، فتوجّه إلى مدينة طولكرم و من ثم إلى الحاجز العسكري على الخط الأخضر ليفجّر حزامه الناسف في الجنود الموجودين بالموقع في تمام الساعة الثانية و النصف .
روايات شهود العيان أكّدت فيما بعد أن أحمد ظلّ يسير باتجاه المقصورة التي كان فيها ضابط الموقع و فجّر الحزام الناسف هناك ، و أكّد بعضهم رؤية جنديين على الأقل قتلى على الأرض و عددٍ آخر من الإصابات ، أما جيش الاحتلال فلم يعترف إلا بإصابة عددٍ من جنوده منكراً وقوع قتلى في صفوفه.
و بعد ساعات من وقوع العملية اتصل ضابط الارتباط الصهيوني بمجلس قروي عوريف ليخبرهم بأن منفّذ العملية هو أحمد مصطفى الصفدي استناداً إلى بطاقة الهوية التي عثر عليها في الموقع ، غير أن سكان البلدة لم يتمكّنوا من تحديد منفّذ العملية ، فهذا الاسم يحمله أربعة شبان من سكان البلدة ، و لم يتم معرفة صاحب الاسم إلا بعد أن تلقّى أبو أحمد اتصالاً هاتفياً في الساعة العاشرة و النصف ليلاً من أحد المقاومه الذي هنأه باستشهاد نجله في العملية البطولية قرب طولكرم .