تُعد عكا مدينة كنعانية ثم فينيقية، ومعنى الاسم (الرمل الحارّ)، وجاء في معجم البلدان (4/144) من القبائل الكنعانية التي نزلت بلاد الشام-الجرجاشيون، وكانت منازلهم شرقي بحيرة طبريا - وقد ذكر بعضهم انهم هم الذين أسسوا عكا.
اُطلق عليها زمن الإغريق وفي فترة حكم تلمي الثاني (Ptolemais) نسبة إلى بطليموس. أما في العهد البيزنطي فقد أطلق عليها اسم (سامريتيكا) نسبة إلى السامرة. وزمن الحكم الصليبي سميت (سانت-جون- د إكار) وبقيت كذلك حتى استرجعها المماليك بقيادة الأشرف خليل بن قلاوون سنة 1291م، وعاد إليها اسمها الأصيل عكا.
يعود أصل المدينة إلى موقع تل الفخار الذي يبعد نحو 2 كلم إلى الشرق من المدينة القديمة الحالية. كان ازدهار عكا مرتبطًا دوما بموقعها الجغرافي، فهي مرفأ طبيعي معد بصورة جيدة، وهي أيضا محطة لجميع القوافل الكبيرة الآتية من الشمال ومن الشرق ومن مصر. هذا الأمر الذي كان سبب ازدهار المدينة كان أيضا السبب الذي جعل المدينة محط أنظار الغزاة.
معد بصورة جيدة، وهي أيضا محطة لجميع القوافل الكبيرة الآتية من الشمال ومن الشرق ومن مصر. هذا الأمر الذي كان سبب ازدهار المدينة كان أيضا السبب الذي جعل المدينة محط أنظار الغزاة.
عام 2000 ق.م. تقريبا ذكرت المدينة لأول مرة في نصوص مصرية عدائية (السلالة الحادية عشرة أو الثانية عشرة) ثم ظهرت في كتابات توتوميس الثالث وسيتي الأول ورمسيس الثاني وفي رسائل تل العمارنة. في القرن الخامس عشر ق.م. نعلم من النصوص السابقة الذكر أن المدينة كانت في ذلك الحين مركزا كنعانيا مزدهرا. في القرن الثالث عشر ق.م. وقعت المدينة في أيدي الفينيقيين.
ذكرت عكا في التوراة (سفر القضاة 31،1) وفي أعمال الرسل 27،7: ذهب بولس مع رجاله من صور إلي عكا. خلال القرن الرابع للميلاد غزا الإسكندر المقدوني هذه المدينة. شيد بطالمة مصر مدينة عكا باسم بطولومايس في عهد بطليموس الثاني فيلادلفيوس (308 - 246 ق.م).
كما ذُكرت بين المدن التي استولى عليها تحتمس الثالث. كما جاء في بعض المخطوطات الموجهة من ملك صوراتا (صور) وابنه (زوت – حنه) إلى ملوك مصر أنهما كانا حليفين لملك أورشليم ضد ملك مجدو. كما ذكرت في سجلات سيتي الأول ورعمسيس الثاني.
وفي سنة 701 ق.م. خضعت لسنحاريب، لكنها ثارت ضد آشور بانيبال سنة 650 ق.م. وفي سنة 350 ق.م سُكّت النقود باسمها، وبعد استيلاء الإسكندر المقدوني عليها سنة 332 ق.م تَقوّى مركزها، وصكت النقود الذهبية باسمها. استولى عليها انطيوخوس سنة 312 ق.م. وفي سنة 301 ق.م. استولى عليها تلمي الثاني، ورممها وأطلق عليها اسم (Ptalemais) نسبة إلى جده بطليموس.
في سنة 39 ق.م. احتلها هيرودوس وأقام فيها عدة أبنية ومركزًا رياضيًا في سنة 48 ق.م. زارها يوليوس قيصر، وفي سنة 606 م في أثناء الثورة ضد الرومان قتل فيها حوالي (2000) من اليهود، وطرد الباقي منها. حوّلها نيرون إلى مدينة مستقلة رومانية, وأقام فيها الحمّامات التي حملت اسم (افروديت).
ذكر يوسف فلافيوس أنه قد تم العثور بالقرب من عكا في رمال نهر النعمان على الرمل الزجاجي. أما الفينيقيون فقد تمكنوا من الحصول على الأصباغ الزرقاء والحمراء من أصداف البحر التي كانت تتواجد بالقرب من المدينة.
احتلها الفرس سنة 614 م. ثم استردها منهم البيزنطيون، وانتقموا ممن ساعد الفرس في أثناء دخولهم لها. فتحها العرب سنة 636م. على يد شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان، وأصبحت مركزًا لصناعة السفن الحربية. وذلك في صدر الدولة الأموية. ومن عكا ركب معاوية أساطيله لغزو قبرص. والمعروف ان هشام بن عبد الملك وسّعها وجدد بناءها, وأقام له قصرًا فخمًا فيها.
حصار عكا 1291
كان الصليبيون قد إحتلوا عكا في سنة 1191، ولم يتمكن صلاح الدين الأيوبي من تحريرها منهم، فظلت في أيديهم، وتحولت إلى أهم مراكزهم على ساحل الشام، وصارت تمثل تهديداً كبيراً للمسلمين، حيث إعتبروها نقطة انطلاق لتحقيق حلمهم بالاستيلاء على بيت المقدس. وظل الوضع على هذا النحو قرابة المئة عام، إلى أن قرر سلطان مصر المنصور قلاوون تحريرها مع المدن التي يحتلونها على ساحل الشام، إلا أنه توفى قبل أن يتجه إلى عكا، وترك المهمه لإبنه وخليفته السلطان الأشرف صلاح الدين خليل الذي أخذ على عاتقه مهمة طرد الصليبيين من الشام.
التجهيز لتحرير عكا
في عام 1289 قضى السلطان قلاوون على كونتية طرابلس الصليبية وحرر طرابلس من قبضة الصليبيين ثم قرر في العام التالي تحرير ثغر عكا الذي كان من بقايا مملكة بيت المقدس الصليبية، إلا أنه ولفرحة سكانها الصليبيين توفي في شهر نوفمبر قبل أن يبدأ بالمسير. فلما تولى الأشرف خليل السلطنة قرر المسير إلى عكا لفتحها وإنهاء الاحتلال الصليبي لها، فأرسل إلى "وليام اوف بوجيه". رئيس طائفة فرسان المعبد (الداوية) بعكا يعلمه بأنه قد قرر الهجوم عليها وطلب منه عدم إرسال رسل أو هدايا إليه لأن ذلك لن يثنيه عن مهاجمة عكا.. إلا أن عكا أرسلت إلى القاهرة وفداً محملاً بالهدايا يرأسه فيليب ماينبيف لاسترجاء الأشرف بالعدول عن خطته وضرورة الحفاظ على المعاهدة فرفض الأشرف خليل مقابلتهم وقام بحبسهم
قام الأشرف بتعبئة جيوشه من مصر والشام والتي كانت تضم أعداداً كبيرة من المتطوعين وآلات الحصار التي كانت تشمل اثنين وتسعين منجنيقاً . بعض العرارات الضخمة كانت تحمل أسماءً مثل "المنصوري" و"الغاضبة" وكانت هناك مجانيق أصغر حجماً ولكن ذات قوة تدميرية هائلة اسمها "الثيران السوداء" . احتشدت الجيوش عند قلعة الحصن في جبال الساحل السوري ثم انضم إليها جيش مصر الذي خرج به الأشرف خليل من القاهرة. انضمت أربعة جيوش يقودها نواب السلطان، جيش دمشق يقوده حسام الدين لاجين، وجيش من حماة يقوده المظفر تقى الدين، وجيش من طرابلس يقوده سيف الدين بلبان، أما الجيش الرابع فقد كان من الكرك وكان على رأسه الأمير المؤرخ بيبرس الدوادار . وقد كان في جيش حماة أميراً مؤرخاً آخر هو أبو الفداء
كان الصليبيون في عكا يدركون منذ فترة خطورة موقفهم، وكانوا قد أرسلوا إلى ملوك وأمراء أوروبا يطلبون منهم العون والمساعدة إلا أنهم لم يصلهم من أوروبا دعماً يذكر. قام ملك إنجلترا إدوارد الأول (Edward I) بإرسال بعض الفرسان. الدعم الوحيد الذي كان ذا أهمية جاء من هنري الثاني (Henry II) ملك قبرص الذي قام بتحصين أسوار عكا وأرسل قوة عسكرية على رأسها أخوه "أمالريك" (Amalric). كانت عكا محمية براً عن طريق سورين مزدوجين سميكين واثنا عشر برجاً شيدها الملوك الأوروبيون وبعض أثرياء حجاج بيت المقدس . كانت الأسوار مقسمة على الطوائف والفرق الصليبية بحيث تكون كل طائفة (فرسان المعبد، الاسباتريه، فرسان التيوتون الألمان وغيرهم) مسئولة عن حماية قسمها .
خريطة عكا عام 1291
غادر الأشرف خليل القاهرة في السادس من مارس عام 1291، وبحلول الخامس من إبريل كان جيشه يقف بمواجهة عكا . نصب الأشرف دهليزه الأحمر فوق تلة مواجهة لبرج المندوب البابوي على مسافة غير بعيدة من شاطئ البحر، وانتشر جيش مصر من نهاية سور مونتموسارت حتى خليج عكا، واتخذ جيش حماة مواقعه عند البحر وعلى ساحل عكا . وفي اليوم التالي انطلقت عرارات جيش المسلمين ومناجيقه تلقي بالأحجار الضخمة والنيران على أسوار عكا وراح رماة السهام من المسلمين بإمطار المدافعين من الصليبيين المتمركزين فوق أبهاء الأبراج وأفاريزها بسهامهم . بعد ثمان أيام من الدك والمناوشات والاشتباكات تقدم الفرسان والمهندسون المسلمون وقد تغطوا بالدروع في موجات متلاحقة نحو سور عكا حتى سيطروا على حافته دون أن يتمكن المدافعون الصليبيون من إيقاف موجات زحفهم لكثرة أعدادهم وتلاحق موجاتهم بامتداد الأسوار . استخدم المسلمون سلاحاً يدوياً صغيراً يطلق نيراناً كثيفة وسريعة أطلق عليه الصليبيون اسم "كارابوها" وقد أحدث هذا السلاح أضراراً بالغة بالمقاتلين الصليبيين وصعب عليهم التقدم نحو المهاجمين المسلمين ، وتمكن المسلمون من إحداث أضرار وبعض النقوب في الأجزاء الضعيفة من الأسوار، أخذ الأمير سنجر الشجاعي ومقاتلية على عاتقهم نقب سور برج جديد يسمى برج الملك وكان أمام البرج الملعون، فقام الصليبيون بإشعال النار به وتركوه ينهار
على الرغم من استمرار وصول الإمدادت والتعزيزات العسكرية من قبرص إلى عكا عن طريق البحر إلا أن الصليبيين المحاصرين فيها كانوا يدركون أنهم غير قادرين على التصدي لجيش المسلمين. في الخامس عشر من إبريل، تحت ضوء القمر قامت قوة صليبية من فرسان المعبد بقيادة "جين جريلى" (Jean Grailly) و"أوتو أوف جراندسون" (Otto of Grandson) بغارة مفاجئة على معسكر جيش حماة بهدف إحراق إحدى عرارات المسلمين إلا أنه، ولسوء حظهم، تعثرت أرجل خيولهم في حبال خيام المقاتلين المسلمين مما أدى إلى انكشاف أمرهم ومقتل وأسر العديد منهم . وتمكن عدد منهم من الفرار ببعض طبول ودروع المسلمين . وبعد بضعة أيام شن فرسان الاسباتريه غارة أخرى على معسكر للمسلمين، تلك المرة في الظلام الدامس، ولكن غارتهم انتهت هي الأخرى بالفشل بعد أن انكشف أمرهم وأشعل المسلمون المشاعل وتصدوا لهم فلاذوا بالفرار بجرحاهم .
تصوير تخيلي من القرون الوسطى عن حصار عكا 1291
في الرابع من شهر مايو استرد الصليبيون المحاصرون بعض الثقة والأمل حين وصل الملك هنري الثاني من قبرص . وفي صحبته أربعون سفينة محملة بالمقاتلين والعتاد . تولى هنري قيادة الدفاع ولكن سرعان ما أدرك هنري قلة حيلته في مواجهة الأشرف خليل، فأوفد إليه فارسين من فرسان المعبد هما "وليم اوف كافران" (William of Caffran) و"وليم اوف فيلييه" (William of Villiers) لطلب السلام وإعادة الهدنة، وسألهما الأشرف عما إذا كانا قد أحضرا معهما مفاتيح المدينة، فلما أجابا بالنفى قال لهما أن كل ما يهمه هو امتلاك المدينة وأنه لا يهمه مصير سكانها ولكن تقديراً منه لشجاعة الملك هنري ولصغر سنه وقدومه لتقديم المساعدة وهو مريض، فإنه على استعداد أن يبقى على حياة السكان في حال تسليم المدينة له دون قتال، فأجابا بأنهما لم يأتيا إليه للاستسلام ولكن فقط لطلب رحمته على السكان . وبينما الفارسان يستعطفان الأشرف إذ بعرارة صليبية تلقى من داخل عكا بحجر يسقط بالقرب من دهليز الأشرف فظن أنها مؤامرة صليبية لقتله وأراد قتل الفارسين، إلا أن الأمير سنجر الشجاعي شفع فيهما فسمح الأشرف لهما بالعودة إلى عكا.
فتح عكا
منذ الثامن من شهر مايو بدأت أبراج عكا تصاب بأضرار بالغة نتيجة لدكها المستمر بالمناجيق وتنقيبها عن طريق المهندسين المسلمين. فانهار برج الملك هيو وتبعه البرج الإنجليزي وبرج الكونتيسة دو بلوا، وفي السادس عشر من مايو قام المسلمون بهجوم مركز على باب القديس أنطوان تصدى له فرسان المعبد والاسبتاريه .
في فجر يوم الجمعة 18 مايو (17 جمادى الأولى سنة 690 هـ)سمع صليبيو عكا دقات طبول المسلمين ، وبدء المسلمين بالزحف الشامل على عكا بامتداد الأسوار، تحت هدير دقات الطبول التي حُملت على ثلاثمائة جمل لإنزال الرعب في صدور الصليبيين داخل عكا .
اندفع جنود جيش الأشرف وجيش حماة وهم يكبرون لمهاجمة تحصينات المدينة تحت قيادة الأمراء المماليك الذين ارتدوا عمائم بيضاء. ووصل المقاتلون إلى البرج الملعون وأجبروا حاميته على التراجع إلى جهة باب القديس أنطوان واستمات فرسان المعبد وفرسان الاسبتاريه في الدفاع عن البرج والباب ولكن المقاتلون المسلمون، الذين كانت نار الاغريق من ضمن أسلحتهم ، تمكنوا من الاستيلاء عليهما وراحت قوات جيش المسلمين تتدفق على شوارع المدينة حيث دار قتال عنيف بينهم وبين الصليبيين. وقتل مقدم فرسان المعبد "وليم اوف بوجيه" وتبعه "ماثيو اوف كليرمونت" (Matthew of Clermont) وجرح مقدم الاسبتارية " جون فيلييه " جرحاً بالغاً فحمل إلى سفينته وبقى بها.
رفعت الصناجق الإسلامية على أسوار عكا وأيقن الملك هنري أنه لا طاقة للصليبيين بجيش الأشرف وأن عكا ستسقط في يد الأشرف لا محال فأبحر عائداً إلى قبرص ومعه "جون فيلييه" مقدم الاسبتاريه وقد تعرض الملك هنري فيما بعد للاتهام بالتخاذل والجبن .
سادت عكا حالة من الفوضى العارمة والرعب الهائل، واندفع سكانها المذعورن إلى الشواطئ بحثاٌ عن مراكب تنقلهم بعيداً عنها، ولا يدري أحد بالتحديد كم منهم قتل على الأرض أو كم منهم ابتلعه البحر . وقد تمكن بعض الأثرياء من النبلاء من الفرار من عكا في مراكب الكاتلاني "روجر فلور"، مقدم المرتزقة وفارس المعبد، مقابل أموال دفعوها له وقد تمكن "روجر دو فلور" (Roger de Flor) من استغلال الموقف فابتز الأثرياء والنبيلات وكون ثروة طائلة .
قبل أن يحل الليل كانت مدينة عكا قد صارت في يد المسلمين، فيما عدا حصن فرسان المعبد الذي كان مشيداً على ساحل البحر في الجهة الشمالية الغربية من المدينة. عادت عكا إلى المسلمين بعد حصار دام أربعة وأربعين يوما ، وبعد أن احتلها الصليبيون مائة عام .
بعد أسبوع من فتح عكا تفاوض السلطان خليل مع "بيتر دو سيفري" (Peter de Severy)رئيس حصن فرسان المعبد، وتم الاتفاق على تسليم الحصن مقابل السماح بإبحار كل من في الحصن إلى قبرص. بعد وصول رجال السلطان إلى الحصن للإشراف على تدابير الإخلاء تعرضوا لبعض النسوة في الحصن أو أرادوا أخذهن مما أدى إلى غضب فرسان المعبد فانقضوا عليهم وقتلوهم وأزالوا صنجق المسلمين الذي كان قد رفع على الحصن من قبل، واستعدوا لمواصلة القتال .
في الليل، تحت جنح الظلام، غادر" تيبالد جودين"(Theobald Gaudin) مقدم فرسان المعبد الجديد، الحصن إلى صيدا في صحبة عدد من المقاتلين ومعه أموال الطائفة . وفي اليوم التالي ذهب "بيتر دو سيفري" إلى السلطان خليل ومعه بعض الفرسان للتفاوض من جديد فقبض الأشرف عليهم وأعدمهم انتقاماً لرجاله الذين قتلهم الفرسان في الحصن. فلما رأى بقية الفرسان المحاصرون في الحصن ما حدث لـ"بيتر دو سيفرى" ورفاقة واصلوا القتال. في الثامن والعشرين من مايو، بعد أن حفر المهندسون نقباً تحت الحصن، دفع الأشرف بألفي مقاتل للاستيلاء عليه، وبينما هم يشقون طريقهم داخله انهار البناء وهلك كل من كان بداخل الحصن من مدافعين ومهاجمين .
وصلت أنباء انتصار جيش المسلمون وتحريره عكا إلى دمشق والقاهرة ففرح الناس وزينت المدن. ودخل السلطان خليل دمشق ومعه الأسرى الصليبيين مقيدين بالسلاسل وقوبل جيش المسلمين بالاحتفالات ورفع رايات النصر وزينت دمشق وعمت البهجة بين الناس. وبعد أن دخل القاهرة وتزينت وفرشت فيه الشقق الحرير تحت حافر فرسه. وبعد أن زار قبر أبيه الملك المنصور، صعد إلى قلعة الجبل وخلع على الأمراء . أمر الأشرف بإطلاق سراح "فيليب ماينبيف" وزملائه الصليبيين الذين كان قد قبض عليهم قبل مسيره إلى عكا . وقام الأشرف بنقل بوابة كنيسة القديس أندرياس من عكا إلى القاهرة لاستخدامها في استكمال مسجده .
في عام 1104 غزا الفرنج عكا وكانت المدينة مرسى مهم في هذه المنطقة. وأصبحت الميناء الرئيسي والحصن المنيع لهم, وقسمت إلى أحياء، حيث تركزت كل جالية منهم بحيّ خاص بها، مثل بيزا، جنوه، البندقية، فرسان الهيكل، والاسبتاليين. وقد انتهى عهدها الذهبي بسقوطها سنة 1291م، بيد المملوك الأشرف خليل بن قلاوون. وقد دمّر أسوارها وحصونها خوفًا من عودة الصليبيين إليها, وهكذا فقد سيطر عليها الخراب مدة 400 سنة تقريبًا.وقام سلطان مصر المملولكي الأشرف خليل بتحريرها من الصليبيين وطردهم منها سنة 1291 في ما عرف بـ " فتح عكا ".
مع مطلع هذه الفترة التي انتهى فيها الحكم المملوكي وانضوت فلسطين وكل بلاد الشام في إطار الدولة العثمانية التي دام حكمها قرابة الأربعة قرون. امتد سلطان الدولة العثمانية المتمركزة في إسطنبول على البلقان والأناضول خلال قرنين من الحروب والتوسع.
وفي ظل هذه القوة المركزية والبارزة في المنطقة بدأ تزايد الصراع على النفوذ بين ثلاثة قوى هي الدولة العثمانية والدولة الصفوية الناشئة في تبريز، والمماليك من جهة ثالثة، ففي آب/ أغسطس (1514م) كانت الموقعة الأولى الفاصلة بين الدولة العثمانية بزعامة "سليم الأول" والدولة الصفوية بزعامة "الشاه إسماعيل" في (جالديران) قرب (تبريز) وانتصر فيها العثمانيون بفضل فعالية السلاح الناري الذي كانوا يتفوقون في استخدامه. وبعد عامين هزم العثمانيون المماليك في موقعة حاسمة في (مرج دابق) قرب حلب في (23 آب/ أغسطس 1516م)، وكان ذلك نهاية السلطة المملوكية باحتلال العثمانيين لمصر.
وفي نفس العام دخل سليم الأول بلاد الشام دون أدنى مقاومة وذلك لكره الشاميين للمماليك في ذاك الوقت من جهة، وخوفهم من العثمانيين من جهة أخرى. وبعد موت "سليم" تولى السلطة ابنه "سليمان" (1520 -1566م) والذي لُقب بسليمان القانوني نظراً لكثرة القوانين التي أصدرها في شؤون تنظيم الدولة. وفي عهده بلغت الإمبراطورية العثمانية مبلغها في الاتساع والازدهار، وامتدت على ثلاث قارات، كما ورثت الخلافة العباسية والإمبراطورية البيزنطية وأصبحت اسطنبول مركزاً للعالم الإسلامي وانبعاث الحضارة الإسلامية من جديد. ولكن بعد اكتشاف أمريكا ورأس الرجاء الصالح وبداية النهضة الأوروبية بدأ مركز القوة يتحول إلى الغرب.
ولقد ترك العثمانيون أثرا كبيرا في ازدهار مدينة عكا، حيث إزدادت أهمية الميناء على أيامهم، وانشأوا المدارس والمساجد والكنائس والحمامات والأسواق والسرايا وغيرها من الأبنية الحكومية والخاصة
تعد حملة نابليون على مصر وبلاد الشام بداية الصراع الاستعماري الأوروبي لاحتلال أقطار الوطن العربي في أعقاب الثورة الصناعية في أوروبا. فقد توجه نابليون بونابرت بحملته إلى بلاد الشام بعد انتصاره على المماليك ودخوله القاهرة في (21 تموز/ يوليو 1798).
اقتصرت حملة نابليون بونابرت على فلسطين، ولم تتجاوز الشريط الساحلي منها سوى منطقة الناصرة – طبرية، حيث هزمت الجيش العثماني، وبدأت الحملة باحتلال منطقة قطبة على الحدود مع الشام في 1798م في سيناء ثم قلعة العريش، وبعد ثلاثة شهور أخذت الحملة بالتراجع إلى مصر بعد فشلها في احتلال عكا في 1799م.
وفي 28 شباط/ فبراير سار الجيش الفرنسي وفي طليعته "كليبر" باتجاه أسدود ثم إلى قرية يبنه والرملة ويافا، كما استولوا على حيفا بعد قتال شديد، ومن ثم توجه إلى عكا التي تتمتع بأسوار قوية وحصون متينة فلم يستطع أن يدخلها، ودارت معارك قوية، هاجم أهل عكا فيها الفرنسيون بمشاركة الإنجليز وبعض القوات العثمانية، وحاول نابليون اقتحام أسوار عكا سبع مرات باءت جميعها بالفشل، وسرعان ما دب الطاعون في الجيش الفرنسي بسبب كثرة القتلى من الطرفين.
وفي 10 أيار/ مايو كتب نابليون إلى حكومة الإدارة في باريس بأن احتلال عكا لا يستحق كل هذه الخسائر، فقرر الانسحاب إلى مصر ومواصلة الهجوم عليها، وفي أثناء ذلك وصلت مراسلة من باريس تطلب من نابليون وجوب العودة إلى فرنسا، وكان قد انسحب بعد حصار دام أربعة وستين يوماً في 20آيار/ مايو 1799م
في 4 فبراير 1918 احتلها البريطانيون. وكانت مدينة عكا مركز القضاء الذي يحمل اسمها والذي يقع إلى الشمال الغربي من فلسطين. يحدّه من الشمال الحدود اللبنانية، ومن الشرق قضاء صفد وطبريا، ومن الغرب البحر المتوسط، ومن الجنوب قضاء النّاصرة. ويضمّ القضاء، بالإضافة إلى مدينة عكّا التي تقع على الطّرف الشّمالي من خليج عكا، حوالى 52 قرية و8 عشائر بدوية.
كان لأهالي عكا دَورٌ في كلّ الانتفاضات والمُظاهرات والمؤتمرات والثورات الفلسطينية ضدّ الإنكليز واليهود. وبعد انسحاب القوات البريطانية واشتعال الحرب، دافع العكّاويون عن مدينتهم حتى امتدّ القتال من دارٍ إلى دارٍ ومن شارعٍ إلى شارعٍ، إلى أن سقطت بأيدي المُنظّمات الصّهيونية المُسلّحة وذلك بفضل ما تملكه من أحدث آلات الحرب من المُصفحات والمدافع والزوارق الحربية. وأدّى الاحتلال إلى تشريد بعض أهالي عكا.
تقع عكا في الطرف الشمالي لخليج عكا والبحر المتوسط. أقيمت على شبه جزيرة تدخل في خليج عكا بالقرب من الطرق الرئيسية المؤدية إلى مركز البلاد وشمالها. تبعد عن القدس 181 كم إلى الشمال الغربي، كما تبعد 21 كم عن الحدود اللبنانية جنوبا، و 23 كم عن حيفا شمالاً، و 46 كم إلى الغرب من الناصرة.
يرتبط ميناء عكا بشبكة طرق وسكك حديدية أهمها: طريق السهل الساحلي الذي يربط عكا بحدود فلسطين الشمالية متجهه نحو لبنان عبر رأس الناقورة 17 كم وترتبط بحيفا بواسطة خط سكة حديد يتجه نحو الجنوب ويتصل بخط سكة حديد(القنطرة) في سيناء. أقيمت عكا على موقع يساعد على الدفاع عنها بسهولة فهي تقعجبل الكرمل وتلال الجليل ومستنقعات النعامين، وكانت ميناء لحوران والجليل وغيرها من المدن المجاورة.
تحيط المياه بعكا من الجهتين الغربية والجنوبية. وتتصل باليابسة من الجهتين الشرقية والشمالية. يقع الميناء في الجهة الجنوبية للمدينة لهذا فهو محمي من الرياح الشمالية. تتزود عكا بالمياه من قناة ماء من"نبع الكابري " الواقع شمال شرقي المدينة (نبع عين العسل). بقيت هذه القناة صالحة حتى سنة 1948.
لقد أعطى موقع عكا الاستراتيجي أبعاداً أخرى لا تقل أهمية عن البعد العسكري، فعكا صلة الوصل بين أوروبا وفلسطين، ونقطة تجمع الحجاج المسيحيين إلى الأرض المقدسة، وقد أقيمت فيها في أيام ظاهر العمر والجزار خانات متعددة كان ينزلها المسافرون والتجار والقوافل المتعددة التي تحمل خيرات البلاد لتنقلها السفن إلى دول العالم، ومن أشهر تلك الخانات خان الجزار وخان الشونة، ومن خلال سهل عكا كان أهلها يتمتعون بغلة زراعية وفيرة مثل الحبوب وأشجار الزيتون والخضار والموز والنخيل.
معالم البلدة القديمة
الأسوار
وهي اسوار بناها القائد ظاهر العمر عام 1750 - 1751 م. يبلغ طول السور كان 500 م في الشمال و 300 م في الشرق، وصل علوه إلى ثمانية أمتار تقريباً، وسمكه كان حوالي متراً واحداً، ولم يكن هناك نفق أمامها أو قناة عميقة، ومثل هذا السور استطاع أن يصد هجمات البدو الذين لم يكن لديهم مدافع. كان في السور بوابتان قويتان: بوابة السراي (تحمل اسم قصره المجاور) في شمال غرب السور وبوابة السباع (نسبة إلى صورة السباع المحفورة في حجر فوق هذه البوابة) في الجنوب الشرقي من سور المدينة.
خان العمدان
ويقع قرب مدخل الميناء، تم بناؤه في القرن التاسع عشر على يد أحمد باشا الجزار، وقد جلبت عمدانه من خرائب قيسارية وعتليت، ويطلق عليه اسم (خان الجزار). ويقع فوق مدخله الشمالي برج ساعة بني سنة 1906 تخليدًا لذكرى السلطان عبد الحميد الثاني. كما أن في الطرف الشرقي من المدينة وبالقرب من برج السلطان – وهو أحد الأبراج الباقية من عهد الصليبيين – يوجد (خان الافرنج)، وكان يستعمل مركزًا للتجار الأوروبيين
القلعة
وكانت تُعرف أيضا بـ سجن عكا، ترتفع فوق البناية المجاورة لها. لقد أتم بناءها أحمد باشا الجزار، وقامت على أسسس صليبية. اُستعملت زمن الانتداب البريطاني كسجن مركزي، وكانت تتم فيه أحكام الاعدام، حيث اُعدام فيها 3 من الشباب الفلسطينيين المقاومين للاستعمار البريطاني والهجرة اليهودية إلى فلسطين، وهم: محمد جمجوم، فؤاد حجازي، عطا الزير. وقد اُستغلت القلعة فيما بعد، كمستشفى للأمراض العقلية لعدة سنوات.