هل انتهت الحروب الصليبية ؟؟؟ - هل انتهت الحروب الصليبية ؟؟؟ - هل انتهت الحروب الصليبية ؟؟؟ - هل انتهت الحروب الصليبية ؟؟؟ - هل انتهت الحروب الصليبية ؟؟؟
االدكتور راجح السباتين
هل انتهت الحروب الصليبيّة؟؟؟
لا زال العقل المحايد المتجرّد عن التحيُّز، لا يفهم حتّى هذه اللحظة كيف أخذ البابوات المتعاقبون ومجامعهم المسيحيّة بآراء واجتهادات أوغسطين وتركوا وصايا المسيح الواضحة وضوح الشمس في الأمر بنبذ العنف!! إنّ (محاكم التفتيش) التي شرعتها الكنيسة الغربية (والحروب المقدّسة العادلة) ضدّ العالم الإسلامي لهي وصمةُ عارٍ كانت ولا زالت واضحةً في جبين الكنيسة الغربية التي تصُّر حتى اليوم على عدم الاعتذار عن هاتين الجريمتين مهما كلّفها الأمر، وفي هذا كبير دليلٍ على اعتقادها بصحّة ما فعلته، كما أنّ فيه دليلاً على أنّ الحروب الصليبية لم تنتهِ ولم تتوقف بتوقُّف الحملات العسكرية التي أعلنها أوربان الثاني في مجمع كليرمونت.لم تنتهِ الحروب الصليبيةُ التي تسبّبت بجراحاتٍ وآلامٍ ومساهماتٍ في بُعد الشقّة بين حضارتنا وحضارة الغرب، لم تَمُتْ الروح الصليبيّة ولكنّها اتخذت أشكالاً معاصرةً متعدّدةً في التعبير عن وجودها واستمراريتها وكينونتها.
"إن التحديد الزمني للحركة الصليبية بين سنتي 588 هـ - 690 هـ، هو تحديدٌ خاطئٌ لا يقوم على أساسٍ سليمٍ ولا يعتمد على دراسة الحركة الصليبية دراسةً شاملةً، وإنما يكتفي بعلاجٍ مبتورٍ يشمل جزءاً من تلك الحركة ولا يعبِّرُ عن جذورها وأصولها من ناحيةٍ، ولا عن ذيولها وبقاياها من ناحيةٍ أُخرى"( ).
إن كانت الحروب الصليبية قد انتهت فعلاً فكيف نبرر ما يلي:
لمّا دخل الجنرال اللنبي القدس يوم 9/12/1917م قال قولته المشهورة: [الآن انتهت الحروب الصليبية] ولمّا دخل الجنرال جورو دمشق يوم 21/7/1920م توجّه إلى قبر صلاح الدين الأيوبي ووقف أمامه قائلاً: [ها قد عدنا يا صلاح الدين]. وما قاله اللنبي أو جورو ما هو إلا تعبير عن الموقف السياسي والثقافي الأوروبي في ذلك الوقت، فنشرت الصحف البريطانية صور اللنبي وكتبت تحتها العبارة التي قالها، وهَنَّأَ لويد جورج وزيرُ الخارجية البريطانية في ذلك الوقت الجنرالَ اللنبي في البرلمان البريطاني لإحرازه النصر في آخر حملةٍ صليبيةٍ من الحروب الصليبة التي سمّاها لويد جورج الحملة الصليبية الثامنة.
لم تنتنه الحروب الصليبية، ولا زالت المدارس في بريطانيا والولايات المتّحدة تجمّلُ صورتها القبيحة الدموية في أعين تلاميذ المدارس الصّغار، لينشأوا على الإعجاب بالفرسان الصليبيين البواسل ويحبُّوهم ويتمنّوا عودة أيّامهم. نحن لم ندرس في هذين البلدين الكبيرين، ولم نطّلع على مضمون مناهجهما، ولكننا ننقل في هذا المجال شهادات اثنين من أشهر الكتّاب في تاريخ البلدين، أمّا الشهادة الأولى فهي ما ذكرته الكاتبة البريطانية كارين آرمسترونج، وهي راهبة كاثوليكية سابقة، في مقدّمة كتابها عن الحرب المقدّسة ). "جرت العادة، عندنا في إنكلترا، أن نتعرّف على العصور الوسطى عندما نكون بعد أطفالاً صغاراً، وتبدو لنا تلك العصور كما لو كانت زمناً موغلاً في السِّحر. فهم يُطلعوننا على اللحظات الكبرى في تاريخنا ... فنتعلّمُ أنَّ تلك الأزمنة كانت عصراً عظيماً من الإيمان الدّيني ... وكل ذلك يتراءى فاتناً ساحراً إلى حدٍّ ما، وأبعد ما يكون في روحه عن عصرنا الحاضر، حتى لتبدوَ الأحداثُ والوقائع مُحاطةً بهالةٍ من الأسطورة ذلك هو الزمن الذي نسمع فيه أولَ ما نسمعُ عن الحملات الصليبية، وهو يبدو لنا سحرياً وشاعرياً إلى حدٍّ غير عمليٍ بتاتاً، مثله مثل سائر أجزاء الحقبة المذكورة: فلمدةٍ تربو على مئتي سنة، جعل الصليبيون البواسلُ يخيطون صلباناً حُمراً على أرديتهم ويسيرون إلى أورشليم لإنقاذ قبر السيد المسيح من الأوغاد [قومٌ يعرفون فيما يُشبه الغموض بـ "الكفّار" أو السراسنة]( ).
وأمّا الشهادة الثانية، فهي ما ذكره الكاتب الأمريكي بول فندلي،وهو عضو مجلس شيوخ أمريكي سابق، في مقدمة كتابه لاسكوت بعد اليوم "قالت لنا معلمتنا، وهي متطوعةٌ عطوفةٌ عمِلتْ بإخلاصٍ سنواتٍ طويلةً: إنَّ شعباً أميّاً وبدائيّاً وميّالاً إلى العنف يعيشُ في مناطق صحراوية في الأراضي المقدسة، ويعبدُ "إلهَاً غريباً". وما زلتُ أذكرُ، من طفولتي المبكّرة، أنها كانت تسمّيهم "محمّديين"؛ وتواظبُ على تكرار قولها: "إنهم ليسوا مثلنا". وكُنّا، أثناء حديثها، نلهو في صندوق رملٍ كبيرٍ، نغرس في مواقع مختلفةٍ منه، أشكالاً مصغّرةً لأشجار النخيل والجِمال والخِيم والبدو. لقد انغرزت تعليقاتها في ذاكرتي. وبقيت معظم حياتي أحمل صورة عن المحمّديين كأناسٍ غرباء جهلةٍ، ويضمرون الأذى للآخرين. كانت معلّمتي، مثلها مثل العديد من الأميركيين اليوم، تكرّر ببراءةٍ، الأضاليلَ التي اكتسبَتْها من أُناسٍ آخرين يفتقرون إلى المعرفة الوافية. فقد كانت تردّدُ في صفّنا ما كانتَ تعتقد أنه الحقيقة، بما في ذلك التسمية المغلوطة "المحمديون". لا أظنّهُا تَعَمَّدَتْ تقديم معلوماتٍ مضلّلةٍ، أو الافتراءَ على الإسلام. كانت، بكل بساطةٍ، تفتقر إلى الحقائق، شأنها شأن المعلّمات الأخريات والقس الذي ترأس أبرشيتنا ... وحتى الترتيلة المفضّلة "إلى الفرسان في الأيام الخوالي"، أدامت الصور المزيفة. وما زلت أذكرُ، بعدَ سبعينَ عاماً، أنها تقع في الصفحة 219 من كتاب التراتيل، كما أذكر لحنها وكلماتها، فقد كانت المراسم الافتتاحية تتضمّن، على الدوام، إنشاداً جماعياً. وكنا ننشد الترتيلة 219 بحماسٍ، إذ كانت أنشودةً مرحةً تحتفي بالصليبيين المسيحيين في الأراضي المقدّسة: "إلى الفرسان في الأيام الخوالي الذين يحرسون المرتفعات الجبلية، جاء طيف الكأس المقدّسة، وصوت عبر الليل المنتظر منادياً: اتّبعوا، اتّبعوا الضوء، الرايات المرفوعة في العالم أجمع؛ اتّبعوا، اتّبعوا، وميض كأس القربان، إنه الكأس المقدسة ... تنقلُ هذه الترتيلة نظرةً مشوّهةً إلى الإسلام، ما زال يقبلها كنظرةٍ تتَّسِمُ بالدقّة، العديدُ من المسيحيين، وربّما غالبيتهم، فكلماتُها التي تصوّر الفرسان أبطالاً، لا تلمِّح إلى إقدامهم، في الواقع، على ذبح آلاف المسلمين الأبرياء، واستمتاعهم بارتكاب المجزرة. لقد تجاهل الصليبيون، الذين سمّوا أنفسهم مسيحيين، التزامَ دينهم التسامحَ والرحمةَ والعدل. وسلكوا، بدلاً من ذلك، سلوك المتوحشين التوّاقين إلى الانتقام، والمتعطّشين للدماء"( )...
إن كانت هذه كلمات وتعليقات المسيحيين أنفسهم فماذا عسانا نحن أن نقول؟؟؟ إنّ المرحلة الابتدائية في الدراسة هي مرحلة التأسيس في التعلُّم والتحصيل العلمّي، لا بل هي مرحلةُ الحفر والنّقش على الحجر ... لبئسَ النقشُ وبئس الحجر. لقد لخَّصت الكلماتُ السابقة كلَّ ما سَبقَ ذِكرهُ من صناعة الكنيسة الغربية لصورّةٍ مزيَّفةٍ مقصودةٍ عن الإسلام. لم تَمُتْ هذه الصورةُ، كما أسلفنا، ولم تنتهِ بل على العكس لقد عاشت ونمت وتطوّرت واستفادت من وسائل الإعلام والاتصال المعاصر حتى وصلت إلى أعماق الضمير المسيحي الغربّي المعاصر، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. من المؤسف فعلاً أن نسجِّل هنا أنّه وبالرغم من الفشل المرير الذي مُنيت به الحركة الصليبية فإن المثال الصليبي تحوَّلَ بمرور الوقت، تحت تأثير وسائل الإعلام إلى مثالٍ برّاقٍ يوحي بالشجاعة والتضحية بالنفس في سبيل المثل الأعلى. واستقرَّ في الوجدان الشعبي الأوروبي أنَّ (الحملة الصليبية) لابدَّ من أن تكون بالضرورة حملةً خيرةً، نبيلةَ القصد والهدف، منزَّهةً عن الغرض مثل: رعاية المرضى، ومساعدة المنكوبين، أو جمع التبرعات ... وما إلى ذلك من أهداف. وربما يكون الموروث الشعبيّ الأوروبي المتداوَلُ حول الحروب الصليبية الذي حملته الأغنيات الشعبية الأوروبية وغيرها من عناصر هذا الموروث وراء تلك الصورة الأخّاذة التي ترتسم في أذهان الناس عامةً في أوروبا حين ترنُّ في آذانهم عبارة (الحملة الصليبية). إذ أنَّ الأغنيات والحكايات الشعبية الأوروبية عن الحروب الصليبية تخلّت عن الحقيقة التاريخية لصالح القراءة الشعبية لتاريخ تلك الظاهرة التي كانت في حينها تجسيداً لأحلام الفقراء والمعدمين من أبناء الغرب الأوروبي.
وربما يكون الحادث الوحيد الذي يتذكَّرهُ خِرِّيجُ الجامعة العادي في أوروبا من حوادث تاريخ العصور الوسطى هو الحروب الصليبية التي يتصوَّرُها في صورة فرسانٍ بواسل على جيادهم الفارهة، وقد فارقوا الأهل والوطن تحت راية الصليب ليطاردوا العرب ذوي البشرات الداكنة الذين يفرون أمامهم في جبنٍ وتخاذلٍ.
وعلى الرّغم من أنَّ هذه الصورة غيرُ صحيحةٍ جملةً وتفصيلاً، فإنّ الكثيرين من السياسيين ورجال الدّين المتنفّذين وقادة الرأي في أوروبا لا يعرفون غيرها؛ ولذلك فإن كثيراً من رجال السياسة والدِّين والقلم في الغرب يستخدمون مصطلح العصور الوسطى ومصطلح (الحملة الصليبية) بهذا المعنى الخيِّر والنبيل.
مات أوربان الثاني ولم تتوقف الحملات الصليبية بعده، ولكنّها أخذت تُعبّرُ عن نفسها في قوالب جديدةٍ. ولم تتوقّف الكنيسة الكاثوليكيّة يوماً عن رصد الإسلام وانتشاره، ولم تتوقّف عن التخطيط لكيفيّة مواجهته واحتوائه؛ فهو كان ولا يزال في نظرها، الخطر العظيم القادم من الشرّق، وهو الخطرُ الذي ما فتئ يمثّلُ التحّدي الحضاريّ والعقديّ الأكبر للغرب، منذ بداية انتشاره في القارّة الأوروبيّة، حتى أنّ الخوف والقلق (المجبول بالجهل والكراهية طبعاً) أوصلَ هذه الكنيسة وبابواتها لإصدار أوامر إجباريّة التنفيذ بحقّ رعاياها، تمنعهم من كلِّ أنواع التعامل مع المسلمين، ومن ذلك التعليمات التي أصدرها مجمع لاتيران في كلٍّ من عام (1179م) وعام (1216م). وكانت هذه التعليمات مقصودةً لتحقير كلٍّ من المسلمين واليهود والحطِّ من شأنهم على السّواء "وكانت التعليمات تنصُّ على وجوب اعتزال المسلمين واليهود وتحظر أيَّ اتصالٍ طبيعيٍّ بهم أو تعايشٍ معهم. وتنصُّ على أنّ أيّ مسيحيٍ يخدم في منزل مسلمٍ أو يهوديٍ يُلقى عليه الحرم الكنسي( )؛ كما أن أيّ شخصٍ يعتني بأطفالهم أو يتاجر مع مسلمين، أو يحمل بضاعةً إلى بلاد إسلاميةٍ، أو يُسافر على متن سفنهم "القُرصانية"، يُحرَمُ كنسياً وتُصادر ممتلكاته. وحدهم المبشّرون ورجال الإرساليات، الذين كان يُنظَرُ إلى نشاطاتهم بعين الرِّيبة، كان مسموحاً لهم أن يتناولوا الطعام مع مسلمين أو يهود. وأصدر البابا غريغوري التاسع، الذي ارتقى السدّة البابويّة عام 1227م، عدة مراسيم حبريّةٍ أضافت بعض التحريمات الجديدة وأعادت العمل بتعليمات لاتيران القديمة. فكان على المسلمين واليهود الذين يقيمون في بلادٍ مسيحيةٍ أن يرتدوا ملابس خاصّةً تميِّزهم بوضوحٍ عن السكّان المسيحيين، وقد كانت هذه طريقةً لعزل العدوّ ووسمه"( ).
وقد رصدت الأستاذة زينب عبد العزيز مواقف سبعةٍ وعشرين من أبرز البابوات من الإسلام في دراسة لها بعنوان (البابوات والإسلام)، وكانت هذه الدراسة الهامّة بمثابة التوثيق لمواقف البابوات وسياساتهم الثابتة التي لا تقبل التغيُّر من الإسلام، وما ذلك إلاّ لأنّها سياسةٌ قائمةٌ على أساسٍ عَقَدّيٍ ملخّصه أن الإسلام ليس ديناً سماوّياً موحىً به، بل هو تلفيقاتٌ وهرطقاتٌ مسيحيةٌ جمعها المهرطِق المزيّف محمدٌ، وصاغها على شكل دينٍ جديدٍ. ويفيدُنا في دراستنا هذه أن نقتطف من دراسة الأستاذة زينب ما يلي( ):
1. يوحنا العاشر (914 – 928م): كان أولَ من نادى بطرد المسلمين من الحوض الغربي للبحر المتوسط، من جنوب إيطاليا وجنوب غربي فرنسا، وما بينهما من جُزُرٍ كان التجار المسلمون يسيطرون عليها.
2. إسكندر الثاني (1061 – 1073م): كان أولَ مَن استخدام صكوك الغفران لدفع الأوروبيين لمحاربة المسلمين في إسبانيا، فقام نصارى أوروبا بقيادة رئيس فرسان البابوية بشن حرب على مدينة بربشترو شرق الأندلس (1064م) راح ضحيتها أربعون ألفاً من المسلمين.
3. جريجوار السابع (1073 – 1085م): يُعَدُّ مؤسس فكرة الحروب الصليبية على المسلمين في الشام ومصر.
4. أوربان الثاني (1088 – 1099م): وضع الحملة الصليبية الأولى موضع التنفيذ في مجمع كليرمونت عام 1095 بزعم أن "الرب يريدها"، وأطلق على المشاركين فيها اسم "جنود المسيح"، وطالبهم بحياكة صليبٍ على ثيابهم ورسمه على كل مُعدّاتهم. ولأول مرةٍ في التاريخ، تُعلن حربٌ صليبية بآسم المسيح. كما قدّم الحماية والمغفرة لكل من يساهم فيها، وأطلق على خط سيرها عبارة "الطريق إلى الرب".
5. كالكست الثاني (1119 – 1124م): أنشأ جماعة فرسان المعبد وكانوا من أشدهم تعصباً ضد المسلمين، وتم وضعهم تحت الإشراف المباشر لبابا روما الذي أغدق عليهم الإقطاعات والامتيازات ليتفرّغوا لمحاربة المسلمين.
6. جريجوار الثامن (21/10/1187 – 17/12/1787م): على الرغم من عدم بقائه إلاّ شهرين في منصب البابوية، إلا أنه سعى لإشعال الحرب الصليبية الثالثة على المسلمين وناشد حكَّام أوروبا وفرض عليهم ضريبة 10% على دُخُولِهم عُرف بآسم "ضريبة صلاح الدين".
7. إينوسنت الثالث (1198 – 1216م): يُعَدُّ أكثرَ البابوات محاربةً للمسلمين وشناً للحملات ضدّهم، وقام بتحويل الهجوم من الشام إلى مصر، ونجح في شن الحملة الرابعة.
8. جريجوار التاسع (1227 – 1241م): كان من أكثر البابوات عداوةً ضدَّ المسلمين، وأصدر مرسوماً لحرمان الإمبراطور فريديك الثاني لتردُّده في المشاركة في الحملة الصليبية، وأجبره على الإشراك في الحملة السادسة، واستطاع فريدريك أن يستولي على بيت المقدس بالتفاوض مع محمد الأيوبي ملك مصر، بلا أيِّ معركةٍ حربيّةٍ فما كان من جريجوار التاسع إلاّ أن حرمه وأطلق عليه لقب الزنديق الأكبر، وهو يوبخه قائلاً: "إنَّ الملوك الصليبيين يذهبون لسفك دماء المسلمين وليس للتفاوض معهم"! وبعدها أبادت البابوية أسرة فريدريك الثاني.
9. إينوسنت الرابع (1243 – 1254م): كان أولَ بابا يفكِّرُ في تشكيل حلفٍ مسيحيٍ وثنيٍّ ضد العالم الإسلامي، لمحاربة المسلمين وإبادتهم تماماً. لكنّ تلك الحملة فشلت ثم دعا إلى حملةٍ أخرى بقيادة لويس التاسع (1249م) وأضفى عليه لقب قدّيس.
10. بونيفاس التاسع (1398 – 1404م): قام بتكوين حلفٍ ضمَّ فيه كلَّ الأوروبيين الكاثوليك والأرثوذكس، وكان أكبرَ حلفٍ في القرن الرابع عشر، في تاريخ صراع الكنيسة ضد المسلمين (1396م) ... ولأول مرةٍ يحارب الكاثوليك جنباً إلى جنب مع الأرثوذكس ضد المسلمين. وانتصر بايزيد على هذا الحلف في معركة نيكوبولس.
11. جريجوار الخامس عشر (1621 – 1623م): أسَّسَ لجنة عقيدة الإيمان محاكم التفتيش الدينية، وأنشأ منظمة اليسوعيين وفرض الكاثوليكية على أوروبا وزايد على محاصرة الإسلام.
كانت تلك شواهد قليلةً على ما تحمله المؤسّسةُ البابوية لهذا الدّين منذ أزمانٍ متطاولةٍ غابرةٍ. وقد بقيت هذه المواقفُ البابويّة تجاه الإسلام قائمةً على الأسس القديمة نفسها، دون أن تتغيّر قيدَ أُنملةٍ ... بدأت مهاجمةُ كبار البابوات والقدّيسين والرّهبان للإسلام بالكلمة ثم تحوّلت إلى السِّيف والسلاح ... ودارت الأيام وعادت الكلمةُ من جديد. لم تنقطع آثار البابوات السابقين بموتهم، بل استمّر الكثيرُ منها حتى يومنا هذا، فها هي منظمة (رابطة الرهبان لتنصير الشّعوب) التي أسّسها البابا بيوس بين عامي 1566 – 1572 والتي انبثقت عن رابطة الرُّهبان، لا زالت تحاول نشر المعتقدات المسيحية في العالم وتعملُ بجيشٍ من الأشخاص والرهبان يزيدُ تعداده عن المليون شخص للحدِّ من انتشار الإسلام في العالم. وهذه الرابطة هي المؤسسة الأبرز في العالم التي تتصدى بفاعليةٍ للصراع بين الديانة المسيحية والإسلامية، فهي لا تبحث العلاقة بين المسلمين والمسيحيين باعتبارها مؤسّسةً ثقافيةً أو بحثيةً، بل تعمل بصورةٍ عمليةٍ بجيشٍ يضمُّ أكثر من مليون شخصٍ للحدِّ من انتشار الإسلام في العالم، وعلى تشويه صورة النبي محمد ، ونعته بأبشع الصفات، وتسعى أيضاً لإعادة البشر في كل أنحاء العالم للمسيحية. "وهذا الصراع لا يخلو دون شكٍ من العنصر العسكري، فالكاردينال "كريشينسيو زيبه" رئيس هؤلاء المبشّرين الفاعلين يُسّمي العاملين معه بـ "قوّاتي"، وذلك ليس من قبيل الصدفة، كما أن العدد عنصرٌ مهمٌ في هذه الحرب حول العقيدة على مستوى العالم. ورابطة الرهبان لتنصير العالم موجودة وحدها في 40% من العالم المسيحي، ومُعترَفٌ بها من 1081 أسقفيةٍ من ضمنها المُسمّاة "مناطق الصمت" وهي كل مناطق العالم التي تُحظرُ فيها الكنيسة الكاثوليكية واقعياً كما في الصين والسعودية وفيتنام واليمن وكمبوديا. ورابطة الرهبان تضم جيشاً قوامه 85 ألف قسيس و450 ألف جمعيةٍ دينيةٍ، وقدمت الرابطة أكثرَ من مليون مدرس تعليم مسيحي وتخرجوا في القسم المحارِب للرابطة وهم يجوبون كلَّ مكانٍ في العالم من قريةٍ لقريةٍ، ومن مدينةٍ لمدينةٍ لإقناع المتردّدين في الإيمان بالعقيدة المسيحية. أما عن تمويل هذا الجهاز العملاق فمن الصعب تقديره، فالكاردينال الحالي "زيبه" يرفض ذكر الرقم الصحيح ولكنه يقول [إننا نحتاج الكثير جداً من المال] ولأنه لا توجد شركاتٌ مساهمةٌ في الفاتيكان، فدولةُ الكنيسة ليست مُلزَمةً بنشر الميزانيات فهي تُقَدِّرُ فقط ما يتكلّفه جهاز الرابطة. والرقم الوحيد المؤكَّدُ يظهر في يوم الإرسالية في يوم الأحد قبل الأخير من شهر أكتوبر حيث تصل تكلفتها عالمياً إلى حوالي 200 مليون دولار لعمل "زيبه"، ويُسمَحُ للنفقات أن يصل إجمالها إلى ما يزيد على 500 مليون دولار. وذلك من أجل أن تسعى الرابطة لنشر العقيدة المسيحية حول العالم ولمواجهة الديانات العدوانية"( ).
ويكفينا في نهاية إيرادنا لأبرز عناصر هذه المقالة التي أثارت عاصفةً من الاحتجاج على عمل (رابطة الرّهبان) في العالم الإسلامي، يكفينا الإشارة إلى العبارة الأخيرة في هذه المقالة والتي تدلُّ وبكلِّ وضوحٍ على أن الفاتيكان ينفقُ الملايين من الدّولارات على مؤسسةٍ واحدةٍ فقط وذلك لقيامها بواجبين، الأول: هو نشر العقيدة المسيحية حول العالم، والثاني: مواجهة الديانات العدوانية، والمقصود بهذه الديانات العدوانية هو الإسلام. كلُّ هذه الملايين ينفقها الفاتيكان سنوياً على واحدةٍ من مؤسّساته لتحارب ديانة الإسلام (العدوانية!!). قال تعالى (إنَّ الذين كفروا يُنفقون أموالهم ليصدُّوا عن سبيل الله، فسيُنفقونها ثمَّ تكونُ عليهم حسرةً ثُمَّ يُغلَبون)( ).