حكاية "درويش العربي" و حرب الأحلام الممنوعة - حكاية "درويش العربي" و حرب الأحلام الممنوعة - حكاية "درويش العربي" و حرب الأحلام الممنوعة - حكاية "درويش العربي" و حرب الأحلام الممنوعة - حكاية "درويش العربي" و حرب الأحلام الممنوعة
جاء من بين أكوام حلوم الأطفال الفقراء في حيّ نزال. وكان منذ بواكير طفولته يبحث عن قلبٍ دافئٍ يُعينه على السكون والاستقرار بعيداً عن هذا الاضطراب والترحال الذي يشغل حياتنا المعاصرة كلها.
وُلِدَ لأسرةٍ فقيرةٍ مكافحةٍ، ثمّ ورث عن أبيه المتوفّى حملاً عائلياً زائداً مما أوجب عليه الرجولة قبل أوانها. وزاده ألماً أنه وُلَدِ في مجتمع الكراهية وعصر الأنانية المُفرطة. كان يستهويه الجلوس على ظهر الصخرة العتيقة في جانب الجبل الأخضر فيبقى هنالك يتأمّل مأذنة المسجد القريبة تاركاً روحه تغرق في بحور جمال ذلك المنظر الأخّاذ دون أن يُعيرَ للساعات والدقائق أيَّ اهتمامٍ يُذكر.
هناك كان صاحبنا يجلس ليريح نفسه من عناء الحياة والمشكلات والهموم، كان يهرب من ضغط الحياة التي لا يهمّها أَعاشَ هذا الطفل أم مات!!.
لطالما حَدَّثني عن رغبته في أن يرى الناس كلّ الناس متحابيّن تجمعهم المحبّة الصادقة والأمنيات الحلوة بدلاً من هذه الفرقة والألم وهذه الكراهية التي لم تبق رياحها أنفاً إلا دخلته ولا قلباً إلا ونالته بدرنها القدْرَ الذي نالت.
كان صاحبنا، وهو طفلٌ صغيرٌ، يظنّ أنّ العالم جميل كما هي بلدته الصغيرة "كُفر عقب" على مشارف "مخيم قلنديا". وكان يظنّ أنّ الناس في "العالم الخارجي" طيِّبون متعاونون كما كان حال الناس في "مخيم قلنديا". لم يكن درويش في طفولته يحمل من الهموم سوى الإمساك بإحدى الطائرات الورقيّة ذوات الخيطان الطويلة الممتدّة من أرض "كفر عقب" إلى السماء الفلسطينية البعيدة التي نالها الألم هي الأخرى ...
سألتُه ذات يوم: ما قصّتكَ وهذه الطائرات الورقيّة يا صاح؟ وما سرّ تمسّكك بها وقد جاوزت من عمرك السابعة والعشرين؟؟ فقال: هذه الطائرات تحملُ على أجنحة أوراقها أحلى ذكريات طفولتي يا صديقي؛ فعندما كنت طفلاً صغيراً في "كفر عقب" كنت أجلس على صخورها أتأمل جمال الغروب وأديم التأمل في تلك الظلال السوداء البعيدة التي كانت لا تكفّ تتراءى لي من غير وضوحٍ في آفاق السماء البعيدة على امتداد لحظات الغروب. لم أكن أعرف حينها كيف يصنع الأولاد الطائرات لكنني كنتُ مغرماً بها وكنت أتمنى لو أمسكُ بخيطان إحداها وأطيّرها عالياً كما يفعل بقية الأولاد. وذات يومٍ عندما كنتُ أنظر، كعادتي، إلى الأولاد الذين يرسلون طائراتهم صوب السماء، لاحظ أحدهم، وقد كان سميناً وكبيراً، رغبتي والحزن الذي يملأ عينّي فعرض عليّ أن أمسك بخيوط طائرته بشرط أن أحافظ على توازنها في الهواء ... أحسستُ حينها أنها فرصة عمري، فقفزتُ من مكاني وركضتُ وركضتُ إلى الخيط وأمسكته بشغفٍ وكُلّي تصميمٌ على ألاّ أتركه مهما كان الثمن ... وسكت درويش قليلاً ثم قال: كلما أرى هذه الطائرات تتّجه إلى الأعلى، إلى السماء أستشعرُ الأمل يندفع في عروقي من جديدٍ، وأحسُّ أن آمالي ستكبر وتحقق تماماً كما كبرت هذه الطائرات الورقية وتحقّقتْ بعد أن كانت مجرد مجموعةٍ من الأوراق والصمغ والأخشاب والخيطان ....
كانت هذه البراءة والجماليّات والآمال من نصيب الماضي والتاريخ، أمّا الآن فقد انقلبت أحوال درويش رأساً على عقب واعتصرته الحياةُ بألوانٍ شتّى من القسوة والعذاب حتى أضحى واقعه مُرّاً صعباً لا يُحتَمل؛ فقد مكث صاحبنا بعد تخرّجه من الجامعة سنوات عديدة بلا عمل، وحاول أن يجد لنفسه عملاً، أيَّ عملٍ حتى ولو لم يكن لشهادته الجامعيّة صلّةٌ به من قريبٍ أو بعيدٍ، إلا أنّه لم يفلح ولم يستطع الاستمرار في واقعنا المعاصر، واقع المصالح والتآمر والنفاق الاجتماعيّ النامي مع نموّنا والمزداد مع ازديادنا ... متطلبّاتُ الأهل وحاجاتهم في ازديادٍ، وإمكانياته الماليّة لا تنفك عن الالتصاق بالصفر. أثمانُ الملابس والمشارب والمآكل في نموٍ متواصلٍ متسارعٍ وصاحبنا لا يجد من فتات الخير شيئاً يستر به عورة حاجته.
ها هو ذا لم يتواصل مع عمل ولم يحقق دخلاً ماديّاً يُذكر، ولم يحقِّقْ أيّاً من أحلامه ولم يفِ بوعده لعائلته بحياةٍ أفضل بعد التخرّج من الجامعة. لم يمتلك سيارةً ولا مالاً ولا بيتاً!! وكيف السبيل إلى ذلك وقد رفض صاحبنا أن يبقى يعمل عند أخٍ يتآمر على أخيه، ولم يستطع أن يستمر في العمل عند مديرٍ يظلم موظّفيه ويختلس أموال شركته، أو عند خازنٍ يبيع للناس بضاعةً مغشوشةً تالفةً لم تعُدْ صالحة لاستعمال البشر؟؟؟
كيف السبيل لأن يحقّق درويش أحلامَه وهو لم يكن بالذي يقتات على حساب أرزاق الناس؟ فشريعته ما كانت لتسمح له أن يكون عميلاً للدوائر صغرت أو كبرت؟؟ كيف السبيل لتحقيق أحلامه وقد رفض الانضمام لطابور المعلمين الخامس أصحاب الدروس الخصوصية، ورفض الانضمام إلى أصحاب الأحزاب التي "تمثّل" دور المعارضة ببراعةٍ فائقةٍ ثم تجلس على طاولةٍ واحدةٍ مع السادة الكبار لتقتسم وإياهم قُوتَ الشعب صباح مساء؟؟ كيف السبيل لتحقيق أحلامه وقد كان شاباً شريفاً ذا مبادئ لم تسمح له يوماً بأن يكون عضواً من أولئك الكثيرين الذين ينتفعون من جماعاتٍ تحمل اسم الله وتختفي وراء تعاليمه ثم تقوم بتوزيع الأرباح بينها على نحو ما يسمح به "الفقهُ الحزبيُّ" من "نصابٍ" أو "نسبةٍ" أو "أسهُمٍ" أو "درجةِ قرابة"؟؟؟
لقد حارب أعرابُ المدنيّة المزيفون درويش، حاربوه في أحلامه وواقعه ومنعوه من تذوّق طعم النجاح حتى ولو كان هذا النجاح في لحظات غفوته. لقد طاردوه حيثما حطّ أو ارتحل، وما كان لهم همٌّ سوى ازهاق هذه الأحلام البرئية التي تتفتّح على أنوار المحبّة وتذوّق الأمرّيْن قبل أن تتنفّس هواء الأمل!! لقد منعوا أحلامه وأعدموها مع أنها لم تَعْدُ في خطورتها أحلامَ طفلٍ صغيرٍ يعبث بالمراكب الورقيّة ولا يكفّ عن إلقائها على ظهر مستنقعات الماء في أزقّة الشوارع والمخيّمات!!!.
لقد كُنا معكَ يا درويش، وكنّا خلفك بكل ما نملك من كلماتٍ ومشاعر ولكن معذرة يا درويشُ معذرةً؛ فكلماتنا لم تقو على الوقوف في وجه مدافعهم، ومشاعرنا لم تقدر على التجمّع لمواجهة نفوذهم ومصالحهم، معذرةً أيها الحلم البديع لأنك تبَّددتَ وما كنا لك بمستنقذين.
كانت هذه حروفاً وكلماتٍ ونقاطاً تجمَّعتْ كما هي عادتها كلَّ يوم لتقصّ علينا حكايةً مؤلمةً عن إنسانٍ آخر انكسر في شارعنا العربيّ دون أن يعينه أحدٌ منّا. وكانت تلك صورةً من حرب الأحلام الممنوعة في الوطن العربيّ، هذا الوطن الذي كان عربيّاً في يومٍ من الأيام لكنّ سادته أبوا إلا أن يبيعوه للغرباء وللأعاجم ولكَلّ من اغترف من شرفهم قدراً وافياً من المستشرقين والمستغربين حتى أضحوا سادةً بلا أوطان، وباتت شعوبهم شعوباً بدويةً راحلةً تغترف الماء وتلتقط الكلأ في بلادٍ ليست تملكها ...
كم أنت صعبُ يا زمن المعادن!! وكم أنتِ مؤلمةٌ يا ديموقراطية الوجوه!! كم أنت بعيدة عن واقعنا أيتها الأحاسيس!!!.
أيها الشباب العربيّ، إلى متى سيدوم الهروب إلى متى؟؟؟ أيتها الأمّة العربيّة لماذا لم تصغي إلى درويش؟؟ لماذا لم تستمعي لهمومه وآلامه عندما حَدَّثكِ عنها؟؟ الأنّه كان مخلصاً معطاءً أحبّكِ بكل ما في الكون من محبةٍ؟؟؟ أم لأنه كان ينبض بالأمل على نارٍ هادئةٍ تماماً كقلب العذراء في عهد حبّها الأول؟؟؟ أم لأنه لم يكن واحداً من الأثرياء السماسرة وأصحاب "المحسوبية" الذين يتكلّمون عن العزّة والكرامة والشرف وهم عنه أبعد ما يكون؟؟
أيها الشباب العربيّ، تمَّردْ على هذا الواقع المرير وعُدْ منتصبَ القامة رغم أنف أمواج الانكسار التي تُغرِقُ شارعنا بالهزائم تلو الهزائم.
أيها الشباب العربيّ، اعمل على إحياء أحلام درويش الممنوعة المقتولة، فجّرها وفجّر كل ما أحاطوها به من جدرانٍ وحواجز، وأنا واثقٌ أنّ أحلامك ستموج رغم أنوفهم كما القمح الأخضر في طريقه إلى الاستواء والاصفرار ولو بعد حين.
أيها الشباب العربي، اصبرْ فإنّ أنهاركَ، بإذن الله، في طريقها لترى نور الشمس وتفتِّتَ كلَّ ما القوا به عليها من صخورٍ وترابٍ. اصبر فإنّ الله مع الصابرين، وبشرّ الصابرين ولو بعد حين.
أيها الشباب العربيّ، إلى متى سيدوم الهروب إلى متى؟؟؟ أيتها الأمّة العربيّة لماذا لم تصغي إلى درويش؟؟ لماذا لم تستمعي لهمومه وآلامه عندما حَدَّثكِ عنها؟؟ الأنّه كان مخلصاً معطاءً أحبّكِ بكل ما في الكون من محبةٍ؟؟؟ أم لأنه كان ينبض بالأمل على نارٍ هادئةٍ تماماً كقلب العذراء في عهد حبّها الأول؟؟؟ أم لأنه لم يكن واحداً من الأثرياء السماسرة وأصحاب "المحسوبية" الؤين يتكلّمون عن العزّة والكرامة والشرف وهم عنه أبعد ما يكون؟؟
أيها الشباب العربيّ، تمَّردْ على هذا الواقع المرير وعُدْ منتصبَ القامة رغم أنف أمواج الانكسار التي تُغرِقُ شارعنا بالهزائم تلو الهزائم.
أيها الشباب العربيّ، اعمل على إحياء أحلام درويش الممنوعة المقتولة، فجّرها وفجّر كل ما أحاطوها به من جدرانٍ وحواجز، وأنا واثقٌ أنّ أحلامك ستموج رغم أنوفهم كما القمح الأخضر في طريقه إلى الاستواء والاصفرار ولو بعد حين.
أيها الشباب العربي، اصبرْ فإنّ أنهاركَ، بإذن الله، في طريقها لترى نور الشمس وتفتِّتَ كلَّ ما القوا به عليها من صخورٍ وترابٍ. اصبر فإنّ الله مع الصابرين، وبشرّ الصابرين ولو بعد حين.
بتمنى أن تكون لرسالتك هناك أذاناً صاغية ..ان شاء الله تصل الرسالة
أيها الشباب العربي، اصبرْ فإنّ أنهاركَ، بإذن الله، في طريقها لترى نور الشمس وتفتِّتَ كلَّ ما القوا به عليها من صخورٍ وترابٍ. اصبر فإنّ الله مع الصابرين، وبشرّ الصابرين ولو بعد حين.
انا على ثقة بذلك اليوم
هي مسالة وقت ومسالة الرجوع الى الدين مرة اخرى
فقط لا غير