إن الله تعالى يُملي للظالمين ويُمهلهم إلى أجل مسمى قال تعالى: (( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)) (إبراهيم:42). قال ميمون بن مهران رحمه الله: هذه الآية وعيدٌ للظالم وتعزيةٌ للمظلوم. فالظالم ينتظر العقوبة والمظلوم ينتظر الفرج. وقد يقول قائل إن كثيراً من الظلمة يستمرون على ظلمهم وعدوانهم ويطول بهم الأمد ولم يلاقوا جزاء أعمالهم مما يدعوهم إلى التمادي في غيهم والاسترسال في بغيهم. والجواب عن هذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذهُ لم يفلته ثم قرأ قوله تعال: ((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)) (هود:102) رواه البخاري. فهذه هي سنةُ الله تعالى فلا يغتر بالإمهال فإنه ليس بإهمال.
ولقد توعد الله تعالى الظالمين بالهلاك قال تعالى: ((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ)) (13:يونس).
قال تعالى: (( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً )) (51: الكهف).
ليتمنون غداً أن يفدوا أنفسهم بكل ما يستطيعون ليسلموا من أهوال يوم القيامة ولكن هيهات قال تعالى: (( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ)) (54:يونس) وقال عز وجل: (( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)) (47:الزمر) .
اتقوا الظلم فإن الظلم ظلماتُ يوم القيامة قال تعالى: (( وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً)) (19-الفرقان) ألا وإن من أعظم الظلم الشرك والكفر قال تعالى: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) (13-: لقمان) وقال سبحانه: ((وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) (254:البقرة) ومن ذلك تولي المشركين الكافرين قال تعالى : ((وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )) (23: التوبة) .
ومن ذلك ظلم العبد نفسه قال تعالى: ((فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ)) (فاطر:32)
ومن ذلك ظلم العبد غيره بسفك دمه أو الاعتداء على عرضه أو ماله أو حق من حقوقه، ويقع هذا غالباً من الأقوياء على الضعفاء حسياً أو معنوياً كبعض الولاة والوجهاء وبعض شيوخ القبائل وبعض رؤساء المراكز الوظيفية من مدنيين وعسكريين يقع الظلم من هؤلاء على من دونهم في المنزلة والجاه والرتبة.
قال بعض السلف: لا تظلم الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء.
ومن ظلم العبد لغيره أكل أموال الناس بالباطل والتعدي على حقوقهم وأراضيهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من ظَلم قيد شبر من الأرض طُوقه من سبعِ أرضين )) .
وفي رواية (( من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خُسف به يوم القيامة إلى سبعِ أرضين )) رواه البخاري ومسلم عليهما رحمة الله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من اقتطع حق امرئٍ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة فقال رجل:وإن كان شيئاً يسيراً، فقال:وإن كان قضيباً من أراك )) رواه مسلم.
أيها المسلمون : ومن المجالات التي يقع فيها الظلم حقوقُ العمال والتعاملُ معهم فبعض الناس يستعبدُ عماله ويأكل حقوقهم أو يعطيهم إياها منقوصةً غير كاملة إضافة إلى سوء المعاملة معهم من إهانة أو ضرب أو شتم.
فاتق الله يا صاحب العمل وأحسن إلى عمالك كما أحسن الله إليك ولا تبغِ الفساد في الأرض. واعلم أن من بُغي عليه لينصرنه الله ولو بعد حين.
اللهم إنا نعوذ بك من الظلم وحال الظالمين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.