كلما اقترب موعد العيد تزداد هواجسه مثل كرة لهب تلتهم من يحاول إيقافها . بات يخشى مجيئه كي لا ينكأ جراحه ويفجع صغاره بحالته المادية المزرية . يراقب خطواتهم وهم يلعبون مثل أفراخ قطاة تتربصها ضباع ٌ جائعة . ينشدون أهازيج العيد بفرح ٍ غامر . يمسك أصغر أطفاله الذي أتم الثالثة قبل أيام بقميص أخيه وهو يغني بحبور ٍ نادر " بكرة العيد وبنعيّد " . يحاول الأب أن يضفي على ابنه سعادة وهو ينتزع ابتسامة مخلوطة بالقهر فيغني معه .
وهل العيد سوى أغاني الطفولة ومرحها , ملابسهم الجديدة وأرجوحة تبقى عصيّة على النسيان مدى العمر ؟
حاول جاهدا ً أن يزرع الفرح في نفوسهم دون جدوى . داهمته أزمة مالية خانقة أرهقته ديونا ً حتى عجز عن سدادها وبات يهرب من دائنيه .
يود لو تكتمل فرحة أطفاله بملابسهم الزاهية وأحذيتهم الجديدة . يتذكر جيدا ً كيف وضع أصغر أطفاله حقيبة الملابس والحذاء داخل فراشه في العيد المنصرم , وكيف أنه ظل يمسكها طيلة الليل كمن وجد كنزا ً .
يغالب دموعه ويحاول أن يتماسك وهو يبحث عن أعذار قد لا يفهمها ابن الأعوام الثلاثة ليمنحه وعدا ً واهيا ً أنه سيشتري في الغد كل ما يريد .
تأتي الليلة الموعودة ويثبت العيد , لكن الملابس الجديدة تظل حبيسة رفوف الباعة جالبة همّا ً كبيرا ً ليس ينتهي .
دوي ٌ هائل تحدثه الألعاب النارية وصيحات الصغار مبتهجين بالعيد . وحده يحتضن أطفاله , يمسح دموعهم , ثم ما يلبث يشاركهم وجبتهم البكائية التي شكلت هلالا ً آخر بعد أن تعذرت رؤية الهلال الحقيقي .