إلى والدي الحبيب يرحمه الله تعالى
غاب الجسد ، ولكنك بقيت فينا حاضراً ...
رحلت من ضيق دنيانا إلى سعة رحمة رب العالمين بإذنه
فيا رب ارزقه لذة النظر إلى وجهك الكريم،
وشفاعة رسولك المصطفى صلى الله عليه وسلم
اللهم وأكرم نزله ووسع مدخله وألحقه بالصالحين
واجعله من ورثة جنّة النّعيم
آميــــــن
تقديم
بعد غربة طويلة أملتها عصور التخلف والضياع، ها هي الأمة تعود شيئاً فشيئاً إلى ذاتها الحضاريّة. نعم، تعود ولديها شعور دائم بقصور هذه العودة، ولكن الآمال عريضة، وإرهاصات النهوض العزيز تلوح في الآفاق، ونذر تهاوي الباطل تجلجل في كل واد. أمةٌ محفوظة بحفظ الكتاب ولبنة أكملت البناء، وأمم أشقاها ضلال الطريق باتت تدرك أهمية هذه اللبنة في بناء الأمم.
عائشة بنت أبي بكر، وشامية أمة الحق، وأم هانئ الأصفهانيّة، والتنوخيّة .... وغيرهنّ الكثير الكثير من العالمات المسلمات، في عصور ازدهار المعرفة القائمة على أساس من الحقيقة القرآنية، تعود روحهنّ العلميّة المشرقة بالحق لتكون الحادي لمسيرة المرأة المسلمة في زمن الشعور بأناقة الفكرة الإسلاميّة وتفوقها.
ويبقى للشيطان صيحة تستفز أتباعه للقعود في كل طريق ومفرق، وتبقى المرأة وقضاياها على رأس أولويات جنود إبليس، وتبقى المرأة المسلمة الواعية الواثقة هي القدوة لكل نساء البشر في سبيل تحقيق الخلاص.
ولفلسطين أن تفخر بأنّ الإناث يشكِّلن أكثر من ستين بالمائة من طلبة الجامعات. وهذا إرهاص بمستقبل واعد، وحصانة ومناعة مانعة من كل ما يمكن أن يصيب فكر الأمة من سهام الطاغوت، وملوثات الأفكار التي تنتشر في الأجواء.
أين كان الناس وأين صاروا !! كانوا قبل عقود يُكثرون من السؤال في الشبهات وفي مداخل الضلالات، حتى ظنّ من لا حكمة له بأنّ الأمة قد تُودّع منها. أما اليوم فهموم الناس تنبئك الخبر، لتقول إنها ضَحوة الصحوة. ومما يُؤثر من الحكمة:"من ثمارهم تعرفونهم"، واليوم نقول: "من سؤالهم تعرفونهم".
كم ضاق صدري بكثرة سؤال النساء حول أحكام الحيض والنفاس، حتى وجدت الحل بتحويل المكالمات الخاصة بذلك إلى زوجتي أم عمرو، وهي المختصة بالدراسات الشرعيّة، والأقدر على تفهّم أسئلة النساء وحاجاتهنّ، والأقدر على مصارحتهن واستخراج مكنوناتهن، لتعطي جواب من أحاط بالواقع، فقد قالوا: " الحُكمُ على الشيء فَرعٌ عن تصوّره".
ليس كل النساء تحسن السؤال، وليس كلهنّ يصل إلى الجواب السليم. أما وقد بات واضحاً مدار أسئلتهنّ وأساس استشكالاتهنّ في مسائل الحيض والنفاس، فقد وجب أن يُكتب لهنّ بأسلوب ميسّر يقرّب البعيد، بعيداً عن التشديد، عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسِّروا ولا تُعسّروا، وبشروا ولا تنفِّروا"، فكان هذا العمل من قبل أم عمرو قياماً بالواجب وإدراكاً منها لحاجة النساء، وسداً لثغرة أوجدها تضارب الأقوال في عالم الرجال.
بسّام جرّار
مركز نون للدراسات القرآنية
البيرة-فلسطين
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
جاء هذا الكتاب ثمرة رغبةٍ في إلقاء الضوء على مسائل في الحيض والنفاس لا تزال مشكلة على الكثيرين، لتضارب الآراء والأقوال والفتاوى فيها.
وقد قمت - قدر المستطاع- بجمع آراء الفقهاء والعلماء وأقوال الأطباء، واستقصاء أحوال النساء، قبل الشروع في الكتابة، لأتمكن من بلورة تصوّر واضح ومقبول عند أهل الفقه والطب في المسائل التي بحثتُ فيها.
وسيلاحظ القارئ الكريم أني لم أعتمد مذهباً فقهياً واحداً في المسائل التي تطرقت لها، ولكنّي اعتمدت مبدأ التسهيل والتيسير القائم على الدليل، من غير إفراط ولا تفريط، فليس من التقوى التشديد على الناس، وما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
وفي اختلاف الفتوى توسعة على الناس، ما لم تخالف كتاب الله تعالى، وسنّة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وإجماع العلماء.
يقول الإمام النووي: " ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه، إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً ".
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء، لم يُنكر عليه ولم يُهجَر ".
ويقول سفيان الثوري: " إذا رأيتَ الرجل يعمل بعملٍ قد اختلف فيه، وأنت ترى غيره فلا تنهه ".
ويقول يحيى بن سعيد: " ما برح أولو الفتوى يفتون، فيُحِلُّ هذا ويُحرِّم هذا، فلا يرى المُحِل أنّ المُحرِّم هلك لتحريمه، ولا يرى المُحرِّم أنّ المحِلّ هلك لتحليله".
ويقول أحمد بن حنبل:" لا ينبغي أن يُحمَلَ الناسُ على مذهب ولا أن يشدد عليهم".
أرجو أن يُسهم هذا الكتاب في إزالة كثير من اللبس والغموض والتضارب، سائلة الله عز وجل أن يتقبّله مني، وأن يجعله في ميزان والديَّ وميزاني، إنه سميعٌ مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
البيرة – فلسطين
1 رمضان 1432 هـ
الموافق 1 آب 2011 م
مدخل
لعل هذا الموضوع من أكثر المواضيع بُعداً عن أن أفكر في الكتابة فيه، ولكنّي وجدت نفسي ملجأة لطرقه بعد أن لاحظتُ أنه يُسبب مشكلة كبيرة عند النساء. وكنت كلما سُئلتُ سؤالاً، توجهتُ إلى زوجي أسأله وأتساءل معه عن الإجابة. وكان كثيراً ما يقول لي: إن هذا الموضوع هو الموضوع الوحيد الذي يخُص النساء، فادرسيه جيداً وتخصصي في الإجابة عنه. وكنت بعدها كلما سُئلت سؤالاً أقول للسائلة ارجعي اليّ بعد ساعة، أو ساعتين، أو غداً، حتى أدرس الموضوع دراسة وافية عميقة، لشعوري أني بالإجابة أتحمل المسؤولية أمام الله تعالى .
وقد جمعتُ ما استطعت أن أجمع من الكتب بهذا الخصوص، وأخذت أقرأ جديد الفتاوى وقديمها، وأذهلني - ولطالما أذهلني - ما رأيت وما قرأت من الجُرأة الأدبية للصحابيات رضي الله عنهنّ ... لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين !
أكبرتُ الصحابيات رضي الله عنهنّ، وأكبرت فيهن حرصهنّ على العبادة، وحرصهنّ الشديد على فقه الطهارة، والتي هي شرط من شروط صحة العبادة.
نعم، استغربتُ الجرأة الأدبية الرائعة وذلك الحرص الهائل، حتى إنّ إحداهنّ تأتي السيدة عائشة رضي الله عنها بالكُرْسُف - قطع القطن-تسألها عن اللون فيها، لتطمئن على عبادتها وطاعتها.
وأذهلني كذلك سعة صدر عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، وهي تتلقى الأسئلة وتجيب: " لا تَعْجلن حتى تَرين القَصَّة البيضاء"البخاري تعليقا
ولعل مرد دهشتي هذه إلى واقعنا المعاصر، حيث تتحرج النساء من السؤال في أمورٍ لا بد منها للقيام بأمر الشرع الحنيف. وما كان للصحابيات، رضي الله عنهنّ أن يتحرّجن من السؤال، كيف لا، وأمر الطهارة من الحيض والنفاس واشتراطه لصحة العبادة من صلاة وصيام، أو حتى علاقة زوجية، جديد عليهن مُحْدَثٌ لديهن، فما كان أهل الجاهلية يكترثون بحيض ولا نفاس. من هنا نجد أنّ الصحابة، رضي الله عنهم، كانوا دوماً مبادرين إلى سؤال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى في شؤون نسائهم، ومن ذلك:"يسألونك عن المحيض ...". وهذه صحابية جليلة تقف، لا لتسأل عائشة رضي الله عنها، بل لتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قالت: "يا رسول الله إني أستحاض فلا ينقطع عني الدم. فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإن قطر الدم على الحصير قطرا".
إنه الحرص على العبادة، والحرص على صحتها. فرحم الله أمهات المؤمنين، ورحم الله الصحابيات اللواتي جَليّن لنا أمور ديننا، وكنّ يمتلكن من حُسن الخُلُق وحُسن السؤال ما يَسَّر لنا الاستفادة القصوى من أسئلتهن وما قابلها من أجوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
إنّ اختلاف الفتاوى في مسائل الحيض والنفاس لا يرجع فقط إلى اختلاف الأفهام للنصوص الواردة وإنما يرجع أيضاً إلى اختلاف أحوال النساء في حالات الصحة وفي حالات المرض. وقد استشعر العلماء دقة مسائل الحيض والنفاس والتباسها؛ يقول النووي في كتاب المجموع:
" اعلم أنّ باب الحيض من عويص الأبواب، ومما غلط فيه كثير من الكبار لدقة مسائله، واعتنى به المحققون وأفردوه بالتصنيف في كتب مستقلة". ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " كان كثير من السلف إذا سُئلوا عن الحيض قالوا: سلوا النساء فإنهنّ أعلم بذلك". ويقول الشيخ ابن عثيمين:" وفتاوى الحيض والنفاس بحر لا ساحل له، والفتوى فيها تحتاج إلى خبرة واستقصاء واستشارة طبيّة".
الحيـض
الحيض لغة:" الحيض:مصدر بمعنى الفيض والسيلان الخفيف من داخل شيء، كفيضان الصمغ من الشجرة وفيضان الدم من رحم المرأة، ثم غلب استعمالها في المعنى الثاني".
الحيض عند الفقهاء :
1- "سيلان دم مخصوص من موضع مخصوص في وقت معلوم" ، أي: إنما يثبت الحيض بخروج الدم إلى خارج قُبل المرأة.
2- هو الدم الخارج من قُبل المرأة في حال صحتها من غير سبب ولادة.
الحيض في الطب: هو التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في بطانة الرحم عند المرأة وتؤدّي إلى نزول الطمث .
الحيض هو نتيجة طبيعية للبلوغ، ويترتب عليه خروج البويضة من المبيض سالكة الطريق نحو الرحم حتى تصله وتستقر فيه إن كانت قد أخصبت، وإن لم يُقدّر لها أن تخصب فإنّ بطانة الرحم التي تكون قد تهَيأت لاستقبالها تنسلخ وتخرج على شكل دم الحيض.
إنّ الحيض غالباً ما ينتظم وفق وتيرة معينة تعتادها النساء، فيأتي كل شهر أياماً معدودة ومحددة تطهر المرأة بعدها. ولأنّ الحيض ينتظم في الظروف الطبيعية، فيأتي مرة كل مدة شهر، فإنه يُسمى عادة شهرية لأنه أمر معتاد.
وقد يُسمى دورة شهرية، لأنه غالباً ما يدور في مدة تقارب الشهر، مع اختلاف دورات النساء طولاً وقصراً، من حيث الفرق بين بداية الدورة وبداية الدورة التي تليها : "تحسب الدورة من بداية الحيضة إلى بداية الحيضة التي تليها، ومدّتها في غالب النساء 28 يوماً قد تزيد أو تنقص يوماً أو يومين"
"إن الطول الطبيعي للدورة يترواح بين 21-35 يوماً، متوسطها 28 يوماً، باعتبار أنّ أول يوم هو أول يوم لنزول الطمث وآخر يوم هو ما قبل نزول الطمث بيوم في الدورة التالية"
العوامل التي قد تؤثر في طول
مدة الحيض
غالباً ما تكون أيام الحيض أو أيام العادة الشهريّة، منتظمة عند معظم النساء، ولكن قد يحدث أن تتغير أيام الحيض من شهر إلى شهر أو من سنة إلى أخرى تبعاً للعديد من العوامل. معلوم مثلاً أنّ الفتاة في بداية بلوغها، وفي أول مرّات حدوث الحيض، تعاني من عدم انتظام في عدد أيام الحيض، أو في الفترة بين الدورة الشهريّة والدورة التي تليها، ثم ما تلبث أن تنتظم بعد انتظام الهرمونات وتخطّي مرحلة البلوغ.
ومن العوامل التي قد تؤثر في طول مدة الحيض الآتي:
الضغوط والانفعالات النفسيّة، الرضاعة، اللولب، حبوب منع الحمل، بعض الأشربة والسوائل، الإرهاق الجسدي.
هذه العوامل وغيرها قد تسبب طولاً في الدورة الشهرية وفي أيام الحيض لدى بعض النساء، وقد لا تؤثر في دورة البعض الآخر. ونظراً لتاثيرها الملموس لدى النساء في دورتهن الشهرية نجد من المناسب أن نعرّف بها عاملاً عاملاً:
1- الانفعال النفسي: يؤثر الانفعال النفسي في الدورة الشهريّة طولاً وقصراً؛ فكم من سيدة طالت دورتها الشهريّة لمرورها بظروف محزنة أو مفرحة؛ كموت عزيز، أو عودة غائب، وما يصاحب هذا الانفعال النفسي من تغيّرات هرمونيّة تؤثر في الدورة الشهريّة وفي غيرها من العمليات في الجسم.
2- الرضاعة: إنّ المرضع قد تأتيها الدورة الشهرية منتظمة، وقد لا تأتيها في أول أشهر الرضاعة ثم تأتيها بعد أشهر حين يقل اعتماد صغيرها على الرضاعة، وقد لا تأتيها طوال فترة الرضاعة.
3- حبوب منع الحمل أو الحيض: يساعد استعمال هذه الحبوب على تنظيم الدورة الشهريّة وجعلها تسير وفق وتيرة ثابتة. إلا أنّ هذه الحبوب في بعض الأحيان توقع من تستعملها في دوامة التساؤل عن إفرازات ناتجة عن الخطأ في استخدامها، أو نسيانها أو ضعف الجرعة المستخدمة أو عدم ملاءمتها لجسم المرأة، وغيرها من العوارض التي يكون الحل فيها مراجعة الطبيبة المختصة لتنظم لها الجرعة أو تحدد نوع الحبوب المستعملة.
4- اللولب: لن نخوض فيما كُتب في اللولب وفي حكمه، لأنّ الرأي الراجح هو جواز استخدام اللولب كوسيلة لتنظيم الحمل. وقد ذكر الدكتور حسان حتحوت: " أنّ منظمة الصحة العالمية، في أكتوبر 1987م، أصدرت تصريحاً بأنّ اللولب يعمل مانعاً للحمل وليس مجهضاً كما كان يُظنّ في السابق ".
ويبدو أنّ الجدل قد طال حول اللولب، لما يُسببه من طول في أيام الدورة أو زيادة الإفرازات التي تسبق الحيض عند بعض النساء. ولكن هذا غير مطّرد، إذ إنّ كثيرات من النساء نظّم لهن اللولب دورتهن واختصر عدد أيامها.
" في الشهور الأولى لاستخدام اللولب قد يحدث بعض النزيف لكنه يصبح نادراً بعد ذلك ...، وعلى الرغم من هذا فإنّ بعض أنواع اللوالب تُستخدم كعلاج لنزف الحيض الشديد أو آلامه إذ إنها معروفة بفائدتها لتقليل نزف الدورة وانتظامها "
5- بعض أنواع الأشربة والسوائل: ورد أنّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يصف شُربَ منقوع عود الأراك (السواك) للنساء اللواتي كنّ يرغبن في تأخير مجيء الحيض أو تقليل عدد أيامه، حيث أنّ شربه يقلل ويقطع تدفق الدم. وقد ذكرت لي بعض النسوة استخدامهنّ عود الأراك لتأخير الحيض في رحلاتهن للحج أو العمرة ونجاعة ذلك.
" قال أحمد رحمه الله: لا بأس أن تشرب المرأة دواء يقطع عنها الحيض إذا كان دواءً معروفاً ".
وكذلك تلجأ الأمهات إلى إعطاء بناتهنّ بعض المشروبات الساخنة، كالقرفة والحلبة، والتي تزيد من تقلصات الرحم وتُيسّر خروج الدم وتزيد من تدفقه. ومعلوم لدى النساء أنّ هناك بعض الأدوية التي تصفها الطبيبة لجلب الحيض إذا تأخر عن موعده، وفي مثل هذه الحالة يُعتبر عند مجيئه حيضاً وإن لم يوافق عادتها السابقة موعداً ومقداراً.
6- الإرهاق الجسدي وممارسة الرياضة: إنّ ممارسة الرياضة والقيام بالأعمال المرهقة ــ حتى الأعمال المنزلية ــ قد يُنتج آلاماً في الظهر وزيادة في إفراز الدم أو زيادة في أيام الحيض.
وعليه فإننا نلفت الانتباه إلى الآتي:
1- أنّ الدورة الشهريّة تدور مع أسبابها وجوداً وعدماً، وإنها تتأثر بعدة عوامل قد تتعرض لها المرأة.
2- أنّ هذه العوامل وغيرها قد تُسبب طولاً في دورة بعض النساء وقد لا تؤثر في دورة البعض الآخر.
3- أن هذه العوامل وإن زادت في طول أيام الحيض إلا أنها لا تُخرج دم الحيض عن طبيعته، بل تُبقي له الصفات نفسها التي تعرفها النساء، يقول الشيخ ابن عثيمين:" متى وجد دم الحيض ثبت حكمه، حتى لو زاد عن العادة فإنّ حكمه باق"، ويقول: " المهم أنّ المرأة متى كان الحيض معها موجوداً فإنها لا تصلي ولا تصوم سواء كان الحيض موافقاً للعادة السابقة أو زائداً عنها أو ناقصاً، وإذا طهرت تصلي"، ويقول:"الأصل في الدم الخارج من المرأة أنه دم حيض حتى تتبيّن أنه دم استحاضة "
4- أنّ مدة الحيض لو طالت لأي سبب من هذه الأسباب أو غيرها – باستثناء الأسباب المرضيّة – فإنّ على المرأة أن تنتظر حتى انقطاع الدم أو رؤية القصّة البيضاء، على أن لا تتجاوز مدة الحيض عشرة أيام كما سنبيّن لاحقاً.
5- أنّ كل واحدة من النساء تحتاج إلى فتوى خاصّة بحالتها أو سؤالها. ولكننا، بملاحظاتنا هذه، نهدف إلى وضع خطوطٍ عريضة تساعد كل واحدة على أن تُجيبَ نفسها حين يعرضُ لها إشكال أو سؤال.
مـدّة الحيـض
وأقل الطهر بين حيضتين
اختلف الفقهاء في طول مدة الحيض على أقوال:
أولاً : أقل الحيض: منهم من قال :
1- لاحدّ لأقلّه، وهو قول المالكية، فقد ذهبوا إلى أنه لا حد لأقله بالزمان، ولذلك بينوا أقله في المقدار، وهو دفعة، وهذا ما نرجِّحه.
2- أقلّه يوم وليلة ، وهو قول الحنابلة والشافعية.
3- أقلّه ثلاثة أيام بلياليها، وهو قول الأحناف.
ثانياً: أكثر الحيض: منهم من قال :
1 - لا حد لأكثر الحيض، فمتى وجد الدم فهو حيض. قاله ابن تيمية.
2- أكثره خمسة عشر يوماً، وهو قول الجمهور.
3- أكثره عشرة أيام بلياليها. وهذا هو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه.
من أقوال العلماء في طول مدة الحيض:
1- يقول ابن تيمية رحمه الله : " لا حد لأقلّه ولا حد لأكثره، بل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض ".
2- يقول ابن قدامة رحمه الله: " إذا ثبت أنّ الحيض في الشرع وفي اللغة من غير تحديد، فإنه يجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة ".
3- يقول سيد سابق رحمه الله: " لا يتقدر أقل الحيض ولا أكثره، ولم يأت في تقدير مدة الحيض ما تقوم به الحجة ". .
وقد اشتهر في كتب الفتاوى المعاصرة أنّ أطول مدة للحيض هي عشرة أيام. وقد "احتجّ السادة الحنفية بعدة أحاديث وصفها العلماء بالضعف، لكن الكمال بن الهُمام في كتابه شرح فتح القدير ذكر هذه الأحاديث واعترف بضعفها ثم قال: "هذه عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متعددة الطرق، وذلك يرفع الضعيف إلى الحسن.... هذه الأحاديث وآثار كثيرة مروية عن الصحابة والتابعين تدل على أنّ هذا التقدير له أصلٌ في الشرع".
مدة الحيض في كتب الطب:
1- الطول الطبيعي للحيض في الطب هو 2-7 أيام .
2- استمرار نزول الدم إثر الحيض لأكثر من ثمانية أيام يعتبر مرضياً يتطلب مراجعة الطبيب.
3- أغلب الحيض الطبيعي من 3-7 أيام، وإذا زاد عن عشرة أيام اعتبره أغلب الأطباء مرضياً يحتاج إلى علاج.
ترجيح مذهب أبي حنيفة في أطول مدة حيض:
مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه هو أنّ أطول مدّة للحيض عشرة أيام. أما في الطب فأطول مدة للحيض ثمانية أيام وما زاد يحتاج إلى متابعة طبيّة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه في حال وجود مشحات دم أو إفرازات فيها صفرة وكدرة من مخلفات الحيض يُطلب من النساء ألا يعجلن حتى يرين القَصَّة البيضاء – وهو إفراز أبيض تعرفه النساء - والصفرة والكدرة قد تستمر يوماً أو يومين أو أكثر. من هنا فإنّ ما ورد في الطب يجعل مذهب أبي حنيفة القائل بأنّ أكثر الحيض عشرة أيام – وهو المذهب المستند إلى نصوص متظافرة يعضد بعضها بعضاً- هو أكثر الأقوال قبولاً، لموافقته العلم القائم على التجربة الواقعيّة والدراسات والأبحاث الطبيّة. وعليه: فما زاد بعد اليوم العاشر يُعتبر استحاضة.
أقل الطهر بين حيضتين:
نقول: بما أنّ أقل دورة شهريّة طبيعيّة هي 21 يوماً، وبما أننا نرجّح أنّ أكثر الحيض 10 أيام، فإننا نرى أنّ أقل مدة طهر بين حيضتين هو 11 يوماً. فمن رأت دم الحيض بعد طهرها من الحيض السابق فإنها تعتبره استحاضة طالما أن مدّة الطهر بين الحيضتين لم تبلغ 11 يوما.
بماذا يُعرف الحيض؟
يعرف الحيض بالعلامات الآتية:
1- اللون: فهو أسود، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي حُبيش رضي الله عنها :" إذا كان دم الحيض فإنه أسود يُعْرَف"، أي تعرفه النساء. رواه ابو داود و النسائي. ويحتمل أن تكون (يُعْرِف)، أي له رائحة.
ويقول الدكتور (دوجالد بيرد) في كتابه المرجع في أمراض النساء والولادة:" أما لون الحيض فهو أسود... والدم الأحمر المشرق لا يكون حيضاً" وهو أحمر قاتم، أو مائل للصفرة والكدرة.
2- الرائحة: فالحيض له رائحة خاصة تميّزها النساء.
3- غير قابل للتخثر أو التجلُّط .
4- ثخينٌ وكثيف ومخاطيّ" .
5- له وقت معتادٌ عند النساء، يقول النووي: " الحيض دم يخرج في أوقاته بعد البلوغ ".
الصفرة والكدرة
والقَصَّة البيضاء (الطهر)
في آخر أيام الحيض يصبح دم الحيض مخاطياً بنياً ثم تخف درجة اللون حتى يصبح مخاطياً لا لون له، وهو ما يُسمى القصّة البيضاء.
وفي الحديث: " أنّ النساء كن يُرسِلن الدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض إلى عائشة فتقول:" لا تعجلن حتى ترين القصّة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيض". رواه البخاري
أما الصفرة فلون كالصديد معروف لدى النساء. وأما الكدرة فلون متكدر كالماء الوسخ، أو غسالة القهوة، أو كغسالة اللحم، وهو أيضاً معروف لدى النساء.
أما القصّة البيضاء فمخاط لا لون له يأتي بعد الصفرة والكدرة ويُعدّ علامة للطهر، إذ تعرف النساء الطهر من الحيض، إما بانقطاع الدم (الجفاف) أو بالقصّة البيضاء التي لا تراها كل النساء.
وقد ترى بعض النساء علامة الطهر مائلة قليلاً للصفرة ولا تراها قَصّة بيضاء، فإذا كان هذا هو اللون الطبيعي المعتاد عندها فإنه علامة للطهر. أما الصفرة والكدرة المتصلة بالحيض فهي من الحيض: يقول ابن قدامه رحمه الله:"الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، يعني إذا رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة فهو حيض، وإن رأته بعد أيام حيضها لم يعتد به"
وجاء في الاختيار: "ما تراه المرأة من الألوان في مدة حيضها حيض حتى ترى البياض الخالص".
وخلاصة القول: إنّ وجود الصفرة والكدرة في غير وقت الحيض لا يعتبر حيضاً، لما ورد عن الصحابية أم عطية: " كنا لا نعُدّ الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً "،رواه البخاري وأبو داود. ولم يذكر البخاري عبارة (بعد الطهر).
أما إذا كانت هذه الإفرازات متصلة بدم الحيض، قبله أو في نهايته، وتتوافق مع موعد الحيض– وقد ترافقها آلام الحيض عند بعض النساء- فإنها تعتبر من أيام الحيض.
إنّ وجود هذه الإفرازات (الصفرة والكدرة) في نهاية أيام الحيض يجعل حُكمها حكم الحيض، وهو وجوب الانتظار حتى انقطاع الدم وحصول الجفاف أوانقطاع هذه الإفرازات ورؤية القَصَّة البيضاء، فلا تجد المرأة أثراً للدم أو الكدرة والصفرة، للحديث :"لا تَعْجَلن حتى ترين القَصَّة البيضاء". رواه مالك
الإفرزات المهبليّة
الإفرازات المهبليّة: هي إفرازات طبيعيّة خلقها الله تعالى عند النساء لتحقق هدفاً وظيفياً، وغيابها يسبب مشكلة وجفافاً تلجأ معه النساء إلى الطبيبة لتصف لهن بعض الأدوية المرطّبة .
إذا كانت هذه الإفرازات لا لون متغيراً لها، ولا رائحة كريهة لها، فهي إفراز ات طبيعية طاهرة غير ناقضة للوضوء. يقول الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله:" إنّ هذا السائل اللزج الذي يخرج من المرأة في الحالات العادية، لا في الحالات المرضية، ويسميه الناس – الطهر – ليس بنجس شرعاً، ولا ينقض وضوء المرأة،.... ، هذا الطهر الأبيض اللزج الذي يخرج من المرأة دائما في حال الصحة هو إفراز طبيعي يفرزه المهبل ويخرج منه ولذلك كان طاهراً....، لأنها كرطوبة الفم والأنف والعرق".
ويقول الشيخ محمد عبد المقصود : " وأما الإفرازات التي تخرج من المرأة عادة فهذه الإفرازات في أصح قولي أهل العلم ليست نجسة، بل هي طاهرة. وهذا الذي رجّحه ابن قدامة وأكده أبو محمد ابن حزم رحمه الله" ثم يُصرّح الشيخ عبد المقصود بأنّ هذه الإفرازات غير ناقضة للوضوء، ومن زعم أنها تنقض الوضوء فعليه أن يأتي بالدليل.
أما إذا تغيّرت هذه الإفرازات بتغيّر لونها أو طبيعتها أو رائحتها، فإن هذا تغيّر مرضيّ ناتج عن التهابات أو مشاكل نسائيّة تحتاج إلى مراجعة طبيّة. وفي هذه الحالة تكون الإفرازات نجسة ناقضة للوضوء، تتوضأ من تعاني منها في حال وجودها لكل وقت صلاة، لأنها تكون في هذه الحالة من أصحاب الأعذار، الذين يتوضّؤون لكل وقت صلاة ويُصلّون الفريضة وما شاءوا من النوافل، فلا ينتقض وضوؤهم إلا بخروج الوقت أو ناقض آخر ليس عذراً.
النفـاس
تعريف النفاس عند الفقهاء :
1. هو الدم الخارج من المرأة بسبب الولادة و إن كان المولود سقطاً.
2. هو الدم الخارج عقب الولادة أو خروج أكثر الولد.
تعريف النفاس في الطب :
1- يعرف الأطباء النفاس بأنه الفترة التي تأتي بعد الولادة، والتي يعود فيها الرحم وجهاز المرأة التناسلي إلى حالته الطبيعية قبل الولادة.
2- النفاس: هو الفترة اللازمة لعودة الأعضاء التناسلية والوظائف الفسيولوجية لطبيعتها قبل الحمل. وتعرف بالأسابيع الستة اللاحقة لولادة الطفل.
ويبين د. البار سبب اختلاف تعريف النفاس بين الفقهاء والأطباء فيقول:
"وسبب الاختلاف أنّ الطب ينظر إلى الناحية الصحيّة والفسيولوجية لجهاز المرأة التناسلي، وللرحم على وجه الخصوص، إذ إنّ ذلك متعلق بصحة المرأة وجهازها التناسلي ... وعودة الرحم إلى حالته الطبيعية، ... بينما اهتمام الفقيه بالدم والإفرازات التي تمنع الصلاة والصيام ومس المصحف والمباشرة". وعليه: فالفقيه معني بوجود الدم أو عدمه ليرتب عليه الأحكام الشرعيّة المتعلقة بالنفاس، كوجوب ترك الصلاة والصيام وحرمة الجماع. أما الطبيب فمعني بصحة الجهاز التناسلي للمرأة. وهذا يفيد في عدم الخلط بين ما أباحه الشرع من صلاة وصيام وقراءة للقرآن وجماع... وما تقتضيه المصلحة من الاحتياط في العلاقة الزوجية أثناء فترة النفاس، وعلى وجه الخصوص عندما ينقطع الدم باكراً أو في وقت الطهر المتخلل للنفاس.
السقط أو الإجهاض:
السقط : خروج الجنين ميتاً من بطن أمه.
أقوال الفقهاء في السقط :
1- الشافعية: " قرر فقهاء الشافعية أنه يستوي في حكم النفاس خروج الولد كامل الخلقة، أو ناقصها، وخروجه حياً أو ميتاً، وخروجه متخلقاً أو غير متخلِّق، بأن تلقيه نطفة، أو علقة، إذا قال القوابل إنه خلق آدمي".
2- الحنابلة: لا يكون نفاساً إلا إذا كان السقط متخلِّقاً.
3- الحنفية: لا يكون نفاساً إلا إذا كان فيه بعض الخلقة.
وقد عرف الشيخ ابن عابدين السقط فقال:" الولد يسقط من بطن أمه ميتاً مستبين الخلقة وتصير المرأة به نفساء، وإن لم يستبن شيء من خلقه فليس بسقط ولا تكون المرأة به نفساء، ولكن الدم الخارج بعده يعتبر حيضاً".
يقول الدكتور محمد علي البار في الإجهاض: " إنّ ما يقرب من خمسين بالمائة من حالات الحمل تجهض قبل أن تعلم المرأة أنها حامل، إذ يقذف الرحم بالنطفة بعد تلقيحها وبعد علوقها مباشرة، وفي بعض الأحيان لا يتم علوقها أصلاً، ويقذفها الرحم عند موعد الحيضة فلا تفطن الأم أنها حملت". ، ويقول:"يسمى الغشاء المخاطي المبطن للرحم بالغشاء الساقط، لأنه يسقط ويخرج مع دم الحيض أو مع دم النفاس ".
ويُسمى دم الإجهاض في بعض كتب الطب الحيضة الكبرى. وعليه، ولعدم ثبوت الدليل الشرعي على حكم الدم الخارج بعد السقط، ولاختلاف الفقهاء في حكمه ــ فقد اعتبره البعض نفاساً واعتبره البعض حيضاً ويعتبره آخرون استحاضة ــ فإن العلم واستقراء أحوال النساء يُسهّل علينا الحكم في المسألة.
وقد أسند الشافعية رضي الله عنهم الأمر إلى رأي القوابل في إثبات الحمل ـــ أي أهل الخبرة ـــ، والطب اليوم أقدر من القابلة قديماً على إثبات الحمل والإجهاض عند حصولهما.
وعليه، فخلاصة القول: إننا نرجِّح ما ذهب إليه الشافعية من اعتبار دم السقط نفاساً، بغض النظر عن عمر الجنين المُسقط، أي أنّ الدم الناتج عن الإجهاض هو دم نفاس، مانع للصلاة و الصوم.... والعلاقة الزوجية الكاملة.
أكثر النفاس و أقله
أكثر النفاس عند الفقهاء:
1- قال الترمذي رحمه الله: " قد أجمع أهل العلم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن التابعين ومن بعدهم أنّ النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي "
2- " وأكثر أهل العلم من الصحابة على أنّ أكثره أربعون يوماً، وقال به أبو حنيفة، رضي الله عنه....، وقال ابن المنذر: وزعم ابن القاسم أن مالكاً رجع عن التحديد بستين يوماً، وقال: يُسأل النساء عن ذلك".
روى أبو داود والترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها : " كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً". وهو حسن صحيح كما ورد في الدرر.
3- وجاء في نيل الأوطار: ".. فذهب علي وعمر وعثمان وعائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والشعبي والمزني وأحمد .... إلى أن أكثر النفاس أربعون يوماً".
أكثر النفاس في الطب :
عرّف الأطباء النفاس، كما رأينا سابقاً، بأنه: "الفترة اللازمة لعودة الأعضاء التناسليّة والوظائف الفسيولوجية لطبيعتها قبل الحمل، وتعرف بالأسابيع الستة اللاحقة لولادة الطفل". وعليه فالأسابيع الستة هي: 6×7 أيام = 42 يوماً.
أقل النفاس في الفقه:
1- قال النووي في المجموع: "أقل النفاس عند الشافعية مجّة. قال القاضي أبو الطيب: " وبه قال جمهور العلماء ، وهو مذهب مالك والأوزاعي وأحمد وإسحق".
2- أكدت الدراسات العلمية صحة مذهب الذين حددوا لأقصى مدة النفاس أربعين يوماً، وصحة مذهَب الذين قالوا ليس لأقل النفاس حد ".
وخلاصة القول: لا حد لأقل النفاس، وأما أكثره فأربعون يوماً.
التقاء الحيض والنفاس
رجعة الأربعين
قد يصدف عند بعض النساء أن يأتي الحيض مباشرة بعد انتهاء نفاسها البالغ أربعين يوماً، وحينها تنتظر المرأة انقطاع دم الحيض الذي أصابها بعد النفاس.
جاء في المغني لابن قدامة:
" ما زاد عن النفاس إن صادف الحيض فهو حيض ، .... إن زاد دم النفساء على أربعين يوماً فصادف عادة الحيض فهو حيض، وإن لم يصادف عادة الحيض فهو استحاضة، .... أفتى بذلك الإمام أحمد رضي الله عنه"
وجاء في كتاب الحيض والنفاس والحمل:
" يقرر الأطباء أنّ الحيض قد يعود للظهور في نهاية الأسبوع السادس بعد الولادة ثم ينتظم كما كان قبل الحمل، أو يغيب خلال أشهر الرضاعة عند بعض النساء"
وعليه: إن النفساء إذا أتمت أربعين يوماً، وجاءها دم الحيض متصلاً به، وميّزته بعلامات الحيض المعروفة، فإنها تنتظر انقطاع الحيض أو بلوغه أكثر مدته- أي عشرة أيام - وما زاد فهو استحاضة.
حكم العبادة والعلاقة الزوجية
في أيام الطهر المتخلل الحيض والنفاس
يحصل أحياناً أن تطهر المرأة من حيضها أو نفاسها ثم لا تلبث أن ترى دم الحيض أو النفاس وقد يتكرر ذلك؛ تحيض وتطهر، تحيض وتطهر...ألخ.
فما حكم هذا الطهر الذي يتخلل مدة الحيض أو النفاس؟
1- " الطهر المتخلل في المدة حيض".
وهذا هو مذهب أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة يرحمهما الله.
2- :
3- " إذا استمر دم الحيض ثلاثة أيام فأكثر وانقطع قبل عادتها، ففي مثل هذه الحالة تأخذ بالأحوط؛ فبالنسبة للصلاة والصوم تؤديهما... أي تجب عليها الصلاة والصوم..... وأما بالنسبة للوطء فلا يجوز حتى تمضي عادتها، وإن اغتسلت قبل ذلك، لأنّ عود الدم في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب، كما نقل الشيخ ابن عابدين عن كتاب الهداية".
4- " إذا انقطع الدم قبل الأربعين ورأت النفساء الطهر اغتسلت وتصوم وتصلي..، وهو أمر لا خلاف عليه. أما فيما يتعلق بالوطء فقد استحب الأمام أحمد رضي الله عنه ألا يأتيها زوجها".
والذي نطمئن إليه في هذه المسألة الآتي:
1- في أيام الطهر المتخلل الحيض والنفاس تغتسل المرأة وتصوم وتصلي، لأننا نعتبر أيام الطهر من أيام الحيض عدداً لا حكماً، إذ أن الصلاة والصوم والعلاقة الزوجية... مرتبطة بوجود الدم أو عدمه. وأما أكثر مدة الحيض والنفاس فتكون من أول يوم لرؤية الدم إلى آخر انقطاع له متضمناً أيام الطهر المتخلل للحيض أو النفاس. أما المرأة التي لها في الحيض عادة معلومة وتعلم أنّ الدم يعود بعد انقطاعه، فانقطاع الدم المعتاد لا يعتبر طهراً.
2- هذا يقتضي جواز المعاشرة الزوجيّة خلال أيام الطهر المتخلل للحيض أو للنفاس، ولكن اجتنابها أولى احتياطاً. أما المرأة التي اعتادت أن ينقطع حيضها ثم يعود فهي في حالة حيض حتى تطهر. أما النفساء ففي حقها انقطاع الدم طهر لصعوبة التحقق من عودته.
الأخطار الناتجة عن العلاقة الزوجية خلال أيام الحيض والنفاس:
يقول الله سبحانه تعالى:" ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يَطْهُرن، فإذا تَطهّرن فأتوهنَّ من حيث أمركم الله، إنّ الله يحبُّ التوابين ويحبُّ المتطهرين". البقرة: 222
ومن الأضرار الناتجة عن العلاقة الزوجية في أيام الحيض والنفاس:
1- التغيرات الهرمونيّة التي تسبب جفاف المهبل فتزيد صعوبة الجماع، وما يترتب على ذلك من اشتداد النزف الطمثي والتهابات العضو الذكري.
2- التهابات وأمراض الرحم، حيث إنه لم يعد بعد لوضعه الطبيعي، وقد تمتد تلك الالتهابات إلى قناتي الرحم فتسدها... وذلك يؤدي إلى العقم أو إلى الحمل خارج الرحم، وهو أخطر أنواع الحمل على الإطلاق.
3- الاشمئزاز والأذى النفسي لدى الزوج والزوجة على السواء، بسبب وجود الدم ورائحته، مما قد يؤثر على الزوج فيصاب بالبرود الجنسي، وجماع النفساء له أضرار جماع الحائض نفسها.
4- "ظهر بحث حديث، قدّمه البرفسور عبد الله با سلامة إلى المؤتمر الطبي السعودي السادس، جاء فيه أنّ الجماع أثناء الحيض قد يكون أحد أسباب سرطان عنق الرحم".
5- يكون الرحم متقرحاً متسلخاً ويكون معرضاً بسهولة لعدوان البكتيريا. والدم أنسب بيئة تنشط وتتكاثر فيها الميكروبات ونحوها
الاستحاضة
تعريف الاستحاضة :
"استمرار نزول الدم وجريانه في غير أوانه".
"الحيض دم يخرج في أوقاته بعد البلوغ، والاستحاضة دم يخرج في غير أوقاته" أي سيلان الدم من المرأة في غير وقت الحيض والنفاس.
العلامات التي يعرف بها دم الاستحاضة:
1- دم الاستحاضة ليس له وقت معلوم معتاد؛ فهو دم خارج من المرأة في غير أيام حيضها أو نفاسها.
ومثال ذلك الدم الناتج عن الأورام الليفيّة في الرحم أو التهابات عنق الرحم أو الالتهابات المهبليّة أو الأورام الخبيثة أو الحميدة أو النزيف الذي يسبق الإجهاض أو الدم المصاحب للمشيمة السابقة.
2- لونه أحمر مشرق: " الدم الأحمر المشرق لا يكون حيضاً ".
3- ليس له رائحة تميزه، وهو قابل للتجلط والتخثر.
4- رقيق، ليس ثخيناً ولا كثيفاً.
مدة حيض المستحاضة:
1- جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إني امرأة أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا، إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي...... ثم توضّئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت" أخرجه البخاري. فهذه الصحابية يلازمها الدم فلا تطهر، فكيف تميِّز بين دم الحيض ودم الاستحاضة؟ الجواب نجده في الرواية التي أخرجها أبو داود والنسائي وصححها الحاكم:" إذا كان دم الحيض فإنه أسود يُعْرَف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنّه دم عرق"؛ أي أنّ المرأة إذا ميّزت دم الحيض عن دم الاستحاضة وجب أن تعمل بتمييزها.
2- وورد في البخاري أنّ النبي عليه السلام قال لفاطمة بنت أبي حبيش:" إنما ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي"، وعليه، إذا كان للمرأة المستحاضة عادة معلومة في الحيض، فما زاد عن عادتها المعلومة فهو استحاضة.
3- أما التي لا عادة لها ولا تستطيع أن تميّز بين دم الحيض ودم الاستحاضه فعليها أن تتحيّض ستة أو سبعة أيام – كما هو غالب عادة النساء – ثم تغتسل ويكون لها أحكام المستحاضة؛ وذلك لحديث حمنة بنت جحش أخت زينب، والذي أخرجه البخاري:" قال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"..... فتَحيَّضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن....".
ويستفاد من هذا الحديث أيضاً أنه في حال استمرار نزول الدم إذا اعتبرت حيضها ستة أيام أو سبعة أيام تعتبر طهرها بقية الأيام المتممة لمقدار أيام الشهر.
أحكام تترتب على الاستحاضة
المستحاضة تتوضأ لكل وقت صلاة، أي بعد الأذان وذلك:
لحديث فاطمة بنت أبي حُبيْش رضي الله عنها أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا كان دم الحيض فإنه أسود يُعْرَف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنّه دم عرق". وفي رواية البخاري: " ثم توضئي لكل صلاة ".
والجمهور على أنها لا تتوضأ إلا بعد دخول وقت الصلاة.
حكم المستحاضة هو حكم أصحاب الأعذار؛ أي أنها تتوضأ بعد دخول الوقت (الأذان) ثم تصلي الفريضة وما شاءت من نوافل. ونزول الدم عندها لا يكون ناقضاً للوضوء، وإنما ينتقض الوضوء بأحد النواقض الأخرى وبخروج وقت الصلاة التي توضأت من أجلها.
1- الاستحاضة لا تمنع العلاقة الزوجية الكاملة، لأنها تصوم وتصلي.
2- للمستحاضة حكم الطاهرات، تصلي وتصوم وتقرأ القرآن وتمس المصحف وتعتكف وهذا مجمع عليه ".
3- الاستحاضة لا توجب الاغتسال، للحديث الشريف: " المستحاضة تغتسل من قُرء إلى قرء ". صححه الألباني؛ أي غسل الفريضة بعد الطهر من الحيض، ولا يفرض عليها الغسل بسبب الاستحاضة. قال في نيل الأوطار:"...الغُسل لا يجب إلا مرّة واحدة عند انقضاء الحيض ".
4- تقوم المستحاضة باستخدام الوسائل المناسبة لمنع تعدِّي دم الحيض والنفاس موضعه. واليوم تستخدم النساء خرق قطنيّة مُصَنَّعة خصيصاً لمنع تفشّي دم الحيض والنفاس.
سن اليأس وانقطاع الحيض
في الظروف الطبيعية تبقى الدورة الشهريّة منتظمة لسنين طويلة بعد تخطّي مرحلة البلوغ، وحين تقارب المرأة سن اليأس (وهو سن انقطاع الحيض) تواجه المرأة حيضاً متقطعاً غير منتظم، كما كان عهدها به في بداية البلوغ، وذلك لضعف الهرمونات المؤثرة في انتظام الدورة الشهريّة.
يقول د. عمر الأشقر:"ويرى الأطباء أنّ المرأة تبلغ سن اليأس غالباً ما بين سن الخامسة والأربعين وسن الخامسة والخمسين، وربما حدث قبل سن الخامسة والأربعين، وربما تأخر عن الخامسة والخمسين، ولكن تأخره عن هذه السن يكون نادراً". ويقول: "فإذا استمر الحيض بعد سن الخامسة والخمسين وكان منتظماً فهو حيض، ولا إشكال في استمراره بعد هذه السن. فإذا حدث تغيّر في كمية الدم وأصبح غير منتظم، فلا بد من البحث عن سبب... لنزول الدم بعد هذه السن، وخاصّة إذا انقطع بعد مدة طويلة ثم عاد ".
" أما رؤية الدم بعد انقطاعه لأكثر من سنة في سن اليأس فيستدعي فحوصات طبية هامة، لاستبعاد أمراض خطيرة مثل سرطان عنق الرحم أو بطانة الرحم".
"ينظر الأطباء بقلق بالغ إلى خروج الدم في غير وقت الحيض، لأنه يدل على وجود مرض... مما يستدعي إجراء الفحوصات الدقيقة ".
يقول الشيخ سيد سابق رحمه الله في كتابه فقه السنة: " وقد يمتد الحيض إلى آخر العمر، ولم يأت دليل على أنّ له غاية ينتهي إليها، فمتى رأت العجوز المُسنّة الدم فهو دم حيض".
الحيض أمر طبيعي ومعروف لدى عامة النساء، إلا ما ندر، وهذه الندرة شذوذ عن القاعدة، وتعتبر أمراً مرضياً يحتاج إلى متابعة طبيّة. وانقطاع الحيض عند كبيرات السّن هو أمر معهود ومعروف عند عامة النساء إلا ما ندر، فإذا لم ينقطع عند امرأة كبيرة السن، فهو شذوذ عن القاعدة أيضاً، ويحتاج إلى متابعة طبية كذلك.
يقول الفقيه المعاصر مصطفى الزرقا رحمه الله: " إنّ الدم الذي تراه المرأة بعد وصولها إلى سنّ اليأس إن كان يأتي على حساب عادتها الشهريّة موعداً ومدة فإنه يعتبر حيضاً تترتب عليه أحكام الحيض. أما إن كان دماً مستمراً أو متقطعاً على غير عادتها في الموعد واللون فهو نزف استحاضة".
وعليه فخلاصة القول: إنّ المرأة المسنّة إذا رأت الدم بعد طول انقطاع فإنّ هذا الدم هو دم علّةٍ وفساد. والمرأة في هذه الحالة لها أحكام المستحاضة. أما إن كانت تراه وفق عادتها الشهرية، موعداً ومدة، فهو دم حيض له أحكام الحيض المعروفة.
نماذج من أسئلة النساء
في الحيض والنفاس
سؤال 1: ما حكم قراءة القرآن الكريم للحائض والنفساء؟
جـواب: مذهب مالك رضي الله عنه جواز قراءة القرآن الكريم للحائض والنفساء من غير أن تمس المصحف - ولها أن تمسّه بحائل - وهو قول لأحمد رضي الله عنه واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
سؤال 2: ما حكم دخول المسجد للحائض والنفساء؟
جواب: يجوز للحائض والنفساء دخول المسجد والمكوث فيه.
من أدلة المجيزين:
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن لا ينجس". رواه البخاري
2- قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة في الحج حين جاءها الحيض:
"افعلي ما يفعل الحاج إلا أن تطوفي بالبيت ". متفق عليه، والحاج يدخل المسجد ويمكث فيه يدعو ويستغفر. ولو كان دخول المسجد والمكث فيه غير جائز لبيّنه الرسول عليه السلام، لأنّ السكوت في معرض الحاجة إلى بيان هو بيان. أما حديث:" لا أحلُّ المسجد لحائض ولا جنب"، فإنه حديث ضعيف. وعليه، فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص. ولم يصح نص في نهي المرأة الحائض عن دخول المسجد، بل وصحّت أحاديث تجيز للحائض دخول المسجد.
سؤال 3: ما حكم العلامات التي تراها النفساء قبل الولادة بأيام من إفرازات أو دم؟
جواب: "يرى الحنابلة أنّ الدم الذي ينزل قبل الولادة بيوم أو يومين أو ثلاثة مصحوباً بآلام الطلق هو دم نفاس.
وقال أحمد: " إنما يَعرف النساء الحمل بانقطاع الدم"، وقال:"الحامل لا تحيض، إلا أنّ ما تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة يكون نفاساً ".
ويقول ابن تيمية رحمه الله: "وما تراه من حين تشرع في الطلق فهو نفاس، وحكم دم النفاس حكم دم الحيض".
" أما إذا رأت الدم من غير علامة على قرب الوضع لم تترك العبادة لأنّ الظاهر أنه دم فساد "، أي دم استحاضة.
ويرى الأحناف أن ما تراه الحامل من دم هو استحاضة.
والذي نرجّحه هنا أنّ ما تراه المرأة من دمٍ قبل الولادة بيوم أو يومين أو ثلاثة مصحوباً بآلام الطلق فهو دم نفاس.
بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى نزول الدم عند الحامل:
1- " الحمل العنقودي.
2- النزيف المنذر بالإجهاض.
3- أسـباب تعـود إلى أمراض في الجهاز التناسلي مثل وجود دوالي في المهبل وعنق الرحم والالتهابات فيهما ".
سؤال 4 : ما حكم رؤية قطرات من الدم أو بعض الإفرازات بعد أسبوعين من نزول دم الحيض؟
جواب: هذه القطرات ليست حيضاً، وهي غير مانعة للصلاة ولا للصيام، ولا للعلاقة الزوجية الكاملة، وإنما هي كالصفرة والكدرة التي ترى بعد الطهر أحياناً، وذلك للحديث: " كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطُّهر شيئاً ".
وقد ترى بعض النساء هذه النقاط أو بعض الإفرازات في اليوم 14 من مجيء الحيض أو 15 يوماً قبل بداية الحيض المقبل، وهو موعد إفراز البويضة الجديدة.
" وهي إفرازات متعلقة بتغيّرات هرمونيّة، يمر خلالها الجهاز التناسلي الأنثوي خلال الدورة الكاملة التي تتضمن عملية الإباضة وزيادة سمك الرحم وإعادة بنائه".
سؤال5: ما حكم نقض الشعر عند الاغتسال من الحيض والجنابة؟
جواب: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:" قلت يا رسول الله: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: لا"، وفي رواية:"أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ فقال: لا ". رواه مسلم
إلا أنه يجب غسل فروة الرأس جميعها و إرواؤها بالماء. أما الشعر المنسدل فلا يشترط نقضه.
ففي رواية للبخاري:" ثم يخلل بيديه شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات".
سؤال6: ما حكم الدم الذي لا يُرى إلا إذا أدخلت المرأة قطعة من القطن أو الورق في القُبل قبل يوم أو يومين من نزول دم الحيض؟
جواب : هذا الدم ليس دم حيض حتى يخرج إلى ظاهر القُبل ويسيل. فالحيض هو سيلان الدم إلى الخارج. وعند الأحناف فإنّه لا يكون دم حيض حتى يخرج إلى ظاهر قُبل المرأة، وإنما يثبت الحيض بخروج الدم إلى خارج قُبل المرأة. أما إذا كانت المرأة في حالة حيض فإنّ ما تراه من أثر الدم دليل على وجود الحيض حتى يحصل الجفاف أو ترى القصة البيضاء أو تمضي عشرة أيام على بداية الحيض.
سؤال 7: هل يجوز لي زيارة القبور و أنا حائض؟
جواب: يجوز ذلك.
سؤال 8 : عمري ستون سنة، لم تأتني الدورة الشهريّة منذ عشر سنوات، واليوم دخلت لأتوضأ فوجدت دماً على ملابسي واستمر لمدة يومين، فما الحكم؟
جواب : هذا الدم ليس دم حيض إنما هو دم استحاضة لا يمنع الصوم ولا الصلاة، وتتوضئين في حال استمرار وجوده لكل صلاة.
سؤال 9: ذهبت إلى الطبيبة بعد أن اغتسلت من الحيض لأركِّب لولباً، وكنت قد طهرت يومها، وبعد أن ركّبت اللولب بقيت لمدة ثلاثة أيام أرى دماً، ما الحكم؟
جواب: هذا الدم ليس دم حيض، إنما هو دم استحاضة ناتج عن ملامسة الطبيبة للغشاء المبطن للرحم وإدخال اللولب، وهو لا يمنع صوماً ولا صلاة، ولكنه مبطل للوضوء.
سؤال 10: شربت حبوب منع الحمل في رمضان لمنع نزول دم الحيض، ولكني بقيت طوال الشهر أرى نقاطاً بنية، ما حكم الصوم والصلاة في هذه الحالة؟.
جواب: هذه النقاط لا تمنع صوماً ولا صلاة. هي ليست حيضاً.
سؤال 11: توضأت لصلاة العصر في نهار رمضان وصليت، ثم بعد الإفطار بقليل ذهبت لأتوضأ لصلاة المغرب فوجدت أنّ الدورة الشهرية قد جاءتني. ما حكم صيام ذلك اليوم؟
جواب: صومك صحيح ولا قضاء عليك، لأنّه لم يثبت لديك وجود الحيض قبل أذان المغرب.
سؤال 12: ذهبت لأتوضأ لصلاة المغرب، قبل موعد الأذان بخمس دقائق، فوجدت دم الحيض في ملابسي وجاءتني الدورة الشهريّة. ما حكم صيامي؟
جواب: يبطل الصوم بنزول دم الحيض قبل أذان المغرب حتى لو بدقيقة واحدة، لذا يجب عليك قضاء هذا اليوم وسائر أيام حيضك في رمضان.
سؤال 13: أنا نفساء انقطع عني دم النفاس بعد عشرة أيام من الولادة ولكني ما زلت أرى إفرازات صفراء وكدرة. ما حكم الصلاة ؟
جواب: هذه الإفرازات جزء من النفاس. ويجب عليك الانتظار حتى رؤية القصّة البيضاء، أو انقطاع الدم، أو مضي اليوم الأربعين على بدء النفاس.
سؤال 14: وَلدت منذ 25 يوماً، وانقطع دم النفاس ورأيت القصّة البيضاء، وصُمت، والحمدلله، خمسة أيام إذ نحن في رمضان، إلا أنني لاحظت أنّ طفلتي دائمة البكاء وكمية الحليب لا تكفيها، فهل يجوز لي الإفطار؟ ومتى أقضي إن أفطرت؟
جواب: يجوز لك، والحال هذه، الإفطار، إذ إنه رُخِّص بالإفطار للمرضع، ولكن يشترط أن تتحققي من أنّ سبب بكاء طفلك هو نقص حليبك فعلاً، وليس لعارضٍ آخر. أما القضاء، فيكون بعد انقضاء رمضان، ويُفضّل أن يكون قبل قدوم رمضان التالي، خاصّة أنه يمكنك الصيام في أيام الشتاء، فنهارها قصير. وفي الحديث الشريف: "الشتاء ربيع المؤمن طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه" .
سؤال 15: منذ أسبوعين وأنا أرى دماً غزيراً كأنه نزيف، وحين ذهبت إلى طبيبتي تبيّن أني كنت حاملاً وأجهضت، وهذا الدم ناتج عن الإجهاض فهل أنا نفساء ؟
جواب: بناء على ما تقدّم ذكره في هذا الكتاب فإنّ الرأي الذي اعتمدناه هو أنّ الدم الناتج عن السقط هو دم نفاس بصرف النظر عن عمر الجنين المُسقَط. وهذا الدم مانع للصلاة والصوم والعلاقة الزوجيّة الكاملة.
سؤال 16: أذِّن للفجر في رمضان وأنا لا زلت أرى إفرازات صفرة وكدرة، ثم انقطعت ورأيتُ القصة البيضاء قبل طلوع الشمس. ما حكم صومي هذا اليوم؟
جواب: يشترط لصحة الصيام انقطاع دم الحيض، أو رؤية القصّة البيضاء قبل أذان الفجر. لذا عليك أن تفطري هذا اليوم وتقضيه لاحقاً. ويجب عليك الاغتسال من أجل الصلاة.
سؤال 17: أنا سيدة تأتيني نقاط من الدم يومياً لمدة خمسة أيام متتالية في كل شهر، واعتدت ذلك. ما حكم ذلك؟
جواب: هذه النقاط تعتبر حيضاً مانعة للصوم والصلاة والجماع... استناداً إلى الراجح عندنا من فقه المالكيّة من أنّ أقل الحيض دفقة أو دفعة في لحظة.
سؤال18 : وضعتُ طفلي بعمليّة قيصريّة صاحبتها عمليّة تنظيفات ولم أر دم النفاس، ولكني أرى دماً ينزف من جرح العملية القيصريّة، فما الحكم؟
جواب: الدم الخارج من الجرح ليس دم نفاس، لأنّه لم يخرج من المخرج الطبيعي لدم النفاس، وإنّما هو دم جرح لا يمنع الصلاة والصيام... وما يخرج من دم من موضع الولادة الطبيعي، خلال الأربعين يوماً بعد الولادة، فهو دم نفاس.
سؤال19 : أحسست بانتقال دم الحيض قبل غروب الشمس، ولكنه لم يخرج إلا بعد الغروب، فما حكم صيامي ذلك اليوم؟
جواب: صيامكِ صحيح ولا شيء عليكِ.
أسئلة تُكثر النساء من الاستفسار حولها
لا علاقة لها بالحيض ولا بالنفاس
سؤال 1: هل يجوز لي إفراد يوم الجمعه بالصيام بنيّة القضاء، لأني أعمل عملاً مرهقاً ولا استطيع الصوم إلا في أيام الإجازة ؟
جواب: نعم ، بإمكانك ذلك .
سؤال 2: ألمس الأعضاء التناسلية لطفلي عندما أغسله وأنا على وضوء، فهل هذا أمر ناقض للوضوء ؟
جواب: لمس الأعضاء التناسلية لطفلك عند الغسل أو تبديل الثياب لا ينقض الوضوء. ولمس النجاسات لا ينقض الوضوء، ولكن ينبغي غسلها.
سؤال 3: هل الفحص الداخلي واستخدام التحاميل المهبليّة مبطل للصيام ؟
جواب: الفحص الداخلي غير مبطل للصيام وغير موجب للاغتسال، ولكنه ناقض للوضوء، وكذلك الحكم عند استخدام التحاميل المهبليّة.
سؤال 4: ما حكم شرب حبوب لمنع الحيض ، أو تأخيره، في رمضان أو في الحج أو في العمرة ؟
جواب: يجوز شرب حبوب تمنع الحيض من أجل الصيام في رمضان، أو لإتمام مناسك الحج والعمرة. ويُنصح باستشارة الطبيب.
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: " لا بأس أن تشرب المرأة دواءً يقطع عنها الحيض إذا كان دواءً معروفاً "
سؤال 5 – أحياناً ينتقض وضوئي وأنا في العمل بسبب خروج الريح، وأجد مشقة في دخول المرحاض للاستنجاء كي أتوضأ ، ما العمل ؟
جواب: لا يشترط الاستنجاء لمن أراد الوضوء، لأن الاستنجاء يكون لإزالة النجاسة إن وجدت، والريح غير نجسة.
سؤال 6: ما حكم الريح التي تخرج من قُبل بعض النساء أحياناً ؟
جواب: هذه الريح غير ناقضة للوضوء.
سؤال 7: ما حكم المسح على غطاء الرأس وخمار المرأة، إذا لبستهُ على وضوء؟.
جواب: يجوز المسح على الغطاء الثابت على الرأس، وذلك لما ورد في الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار. يقول صاحب فقه السنة: "الخمار: هو الثوب الذي يوضع على الرأس كالعمامة ونحوها" .
سؤال 8: ما الحكم في الوضوء مع وجود طلاء الأظافر (المناكير) على الأظافر؟
جواب: تشكِّل المناكير طبقة عازلة تمنع وصول الماء الى الظفر وبالتالي لا يصح الوضوء مع وجودها. وإذا أرادت المرأة أن تتوضأ فعليها إزالة المناكير ومن ثم الوضوء، وإذا وضعتها يجب عليها إزالتها كلما انتقض وضوؤها وأرادت أن تجدده .
سؤال 9: ما حكم الوضوء مع وجود الحناء ؟
جواب: لا تشكل الحناء طبقة عازلة على اليدين والأظافر كالمناكير، وبالتالي لا تمنع وصول الماء فيجوز الوضوء مع وجودها، لكونها مجرد لون .
سؤال 10: أحياناً أسلِّم على الرجال مصافحة وأنا على وضوء ثم أصلي، ما الحكم ؟
جواب: مصافحة المرأة للرجال الأجانب – غير المحارم - غير جائزة شرعاً، وأكثر العلماء على تحريم مصافحة المرأة للرجل الأجنبي عنها، ولكنها على الرغم من ذلك لا تنقض الوضوء؛ لأنّه ليس من نواقض الوضوء فعل المحرّم.
سؤال 11:أنا سيدة عندي ارتخاء في عضلة المثانة يؤدي باستمرار إلى سلسٍ في البول. فما الحكم الشرعي في الوضوء والصلاة؟
جواب: أنت والحالة هذه من أصحاب الأعذار، أي تتوضئين لوقت كل صلاة، وتصلين حتى لو استمر سيلان البول أثناء الصلاة. وهذا مثله كمثل المستحاضة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن:"تغتسل وتتوضأ لكل صلاة، وتصلي وإنْ قطر الدّم على الحصير قطراً". أما نجاسة الملابس، فإن كان لا يمكن التحرز عنها وتجدين مشقة في استبدالها، فبإمكانك الصلاة بملابسك.
سؤال 12- هل يجوز المسح على الجورب الرقيق؟
جواب: يقول الدكتور حسام الدين عفانة في كتابه يسألونك :
" المسح على الجورب الرقيق من مسائل الخلاف المعتبر، وقد بيّنت أدلة من أجاز المسح على الجورب دون اعتبار لما شرطه بعض الفقهاء من شروط للجوربين اللذين يمسح عليهما بأن يكونا منعلين أو مجلدين أو ثخينين ... ، فإنه لم يقم دليل على صحة اعتبار هذه الشروط .... وخلاصة الأمر: إنّ القول بجواز المسح على الجورب الرقيق قولٌ معتبر عند أهل العلم، لا عند المتسورين على العلم الشرعي، ولا يُنكر على من أخذ به "
سؤال 13: ما حكم قراءة القرآن الكريم للجنب ؟
جواب: يحرم على الجنب قراءة شيء من القرآن عند الجمهور للحديث:" أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة "
سؤال 14: أنا طبيبة توفي زوجي رحمه الله، ولا أزال في العدّة. هل يجوز لي الذهاب إلى عيادتي وممارسة عملي؟
جواب: على المعتدة من وفاة أن تلتزم المبيت في بيت الزوجيّة طوال فترة العدة، ما لم تطرأ ظروف تجبرها على ترك المبيت في بيت الزوجيّة، كأن يكون البيت في مكان بعيد وغير آمن بالنسبة لها كامرأة، ولا يتيسر من يبيت معها من أهلها.
والمعتدة من وفاة تخرج في حوائجها ولا حرج، كذهابك إلى العيادة أو إيصال الأطفال إلى المدرسة، أو شراء ما يلزم من حاجات البيت. ولا مانع من استقبال ضيوفك في بيتك. وعليكِ تجنُّب كل ما يسمّى زينة. وغني عن البيان أنّ المعتدة من وفاة لا يجوز لها الحديث ـ ولا الحديث معها ـ صراحة حول زواج يخصها مستقبلاً. ولا يجوز لها السفر الذي يترتب عليه المبيت خارج بيت الزوجيّة، فقد أرجع عمر بن الخطاب المعتدة التي كانت في طريقها إلى الحج. أما اليوم فيجوز على ضوء واقعنا في فلسطين أن تخرج المعتدة من وفاة إلى أداء فريضة الحج، وذلك لأنّ فرص الذهاب إلى الحج مرهونة بظروف خارجة عن إرادتنا.
المراجـع
1- فتاوى الشيخ مصطفى الزرقا – ط – 1999 – دار القلم دمشق .
2- نيل الأوطار – الشوكاني – ط 2 1983 – دار الفكر – بيروت .
3- مجموعة الفتاوى – شيخ الاسلام ابن تيمية – ط 1 – 1997 – مكتبة العبيكان – الرياض .
4- إرشاد الناس إلى احكام الحيض والنفاس – عبدالحميد طهماز – تحقيق الشيح محمد الحامد – ط 2 – مكتبة الدعوة – حماة .
5- فتاوى مهمة لنساء الأمة – مجموعة من العلماء ( ابن تيمية – ابن باز – ابن عثيمين وآخرون ) – ط 1 2008 م – دار ابن حزم / القاهرة .
6- حكم اللولب في الشريعة الاسلامية – عمار بدوي – ط 1 – 2006 م .
7- الاحكام الشرعية للدماء الطبيعية – د. عبدالله محمد أحمد الطيار – ط 1 – 1998 – دار الوطن للنشر – الرياض .
8- الحيض والنفاس والحمل بين الفقه والطب – د. عمر سليمان الأشقر – ط1 – 1993م – دار النفائس للنشر والتوزيع – عمان – الاردن .
9- المجموع للامام النووي – دار الفكر – بيروت – 2005 م – تحقيق د.محمود المطرجي .
10- خلق الانسان بين الطب والقرآن – د. محمد علي البار – ط5 – 1984م – الدار السعودية للنشر والتوزيع .
11- التحقيق – المصطفوي – ط3 – 2009م - دار الكتب العلمية – لبنان.
12- المغني – ابن قدامة المقدسي – ط 1 – 1984 – دار الفكر – بيروت .
13- فقه السنة – سيد سابق – دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان .
14- كفاية الاخيار في حل غاية الاختصار – تقي الدين الحصني أبي بكر الشافعي – ج1 – ط 2 – دار المعرفة – بيروت .
15- الطهارة عند المرأة – الحيض - الاستحاضة – النفاس – جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين – ط 7 – 1991 – دار الدعوة – الكويت .
16- سبل السلام – الصنعاني – المكتبة التجارية الكبرى بمصر .
17- الاختيار لتعليل المختار – عبدالله بن محمود الموصلي الحنفي – ط 3 – 1975 – دار المعرفة – بيروت .
18- يسألونك – د. حسام الدين عفانة – ط 1 – 2007 – المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر – القدس .
19- الفقه الإسلامي وأدلته – د. وهبة الزحيلي– ط4 - 1997– دار الفكر – دمشق.
20- الدرر السنيّة – موسوعة حديثية إلكترونيّة.
21- الموسوعة الفقهية الكويتية – ط2 – 1990 – مطبعة ذات السلاسل.
22- Hacker and Moore’s Essentials of Obstetrics and Gynecology, fifth Edition
23- Obstetrics and Gynecology, second Edition, Emlarp, Sakala
24- The Evolution of Endometrial cycles and menstruation. Strassmann B 1 . 1996
إهداء 2
تقديم بسام جرار 4
المقدمة 7
مدخل 10
الحيض 14
العوامل المؤثرة في طول مدة الحيض 17
مدة الحيض وأقل الطهر بين حيضتين 23
بماذا يُعرف الحيض 27
الصفرة والكدرة والقَصّة البيضاء 29
الإفرازات المهبليّة ـ الطهر 32
النفاس – ويتبعه السقط والإجهاض 34
أكثر النفاس وأقله 39
التقاء الحيض والنفاس - رجعة الأربعين 42
العبادة والعلاقة الزوجيّة في أيام الطهر المتخلل للحيض والنفاس 44
الاستحاضة 48
أحكام تترتب على الاستحاضة 52
سن اليأس وانقطاع الحيض 54
نماذج من أسئلة النساء في الحيض والنفاس 57
أسئلة تكثر النساء من الاستفسار حولها 67
المراجع 74
الفهرست 77
مركز نون للدراسات والأبحاث القرآنية
البيرة – فلسطين
ص.ب: 3763
هاتف: 2402088
فاكس: 2401346 noon@p-ol.com البريد الإلكتروني: www.islamnoon.com الصفحة الإلكترونية:
________________________________________
الطبعة الثانية
1433 هـ - 2012م