لـ صوت أزرق - لـ صوت أزرق - لـ صوت أزرق - لـ صوت أزرق - لـ صوت أزرق
كان الصوت يرتفع بشكل تدريجي منذ صباح اليوم، وكان الشارع الواجب قطعه بهدف الذهاب لكل أماكن المدينة التي يمكنني وصولها باستخدام قدمين وحذاء فقط، ممتد تحت القشرة ذات اللون الأزرق للسماء، حين كنت أفكر بأنه ما من شيء يفسد اعتيادية هذا اليوم باستثناء الصوت الخافت والبعيد الذي بدى طبيعي في الصباح، وقلت لنفسي وقتها أن الأشخاص الذين يفيقون باكرا، لابد وأن يشغلون أنفسهم بأشياء أكثر نفعا من مجرد إصدار هكذا أصوات.
بقي الصباح طبيعيا حين تسلقت الشمس مساحة واسعة من الأفق، وكنت بدأت أفكر بأن القهوة تبدو تافهة وعديمة النفع في لحظات الحاجة الماسة لها، وأن كل فناجين هذا العالم التي صنعت منذ اكتشاف هذه الثمرة الصغيرة والغبية التي صار اسمها بن، لا يمكنها بأي شكل من الأشكال، أن تخلع هذا الصداع الذي بدأ يغرس نفسه في أذني اليمنى مرورا بجبهتي إلى الأذن اليسرى، من جراء هذا الصوت الذي صار يثير الأزعاج أكثر من الدهشة.
علي الخروج من البيت مسرعا، والركض حتى نهاية الشارع ثم علي أن أقطع المساحة الترابية الفارغة باتجاه الحديقة التي سألتف حولها وصولا للشارع الآخر، وهكذا سوف أبتعد عن مصدر الصوت، قلتها وأنا افتح باب البيت، وهذا ما حدث، وكلما كنت أحاول تركيز الطاقة في قدمي لأسرع في الركض، كلما كان يزداد الصوت حدة، فكرت في أن أوقف سيارة أجرة وتذكرت أن ما بحوزتي من مال لا يكفي حتى لشراء سيجارة للسائق، بدأ الألم يتسرب لبقية رأسي، وأنا ألعن هذا العالم الذي لا يبقى لك حتى ثمن ركوب سيارة أجرة.
الصراخ لا يمكنه ردع هذا الصوت اللعين، ولا حتى الإنصاط لنباح قطيع الكلاب المنتشر في الأرض الفارغة، أحسست بشعري يتحول لأبر مغروسة في الرأس الذي ظننته حينها كتلة من إسمنت، وكنت أشعر بألم هذه الإبر في أذني عبر الصوت الذي أصبح قاتلا، وأنا التف حول الحديقة حاولت أن افكر بأي شيء يصرف تركيزي عن الصوت، فكرت بأصدقائي، بالأشخاص الذين يحيطون بي، بدأت أتذكر أسماء ووجوه بعيدة في الذاكرة، والصوت يتحول لخطوط مستقيمة، وكنت أدرك وقتها أن ذاكرة البشري مليئة بالأشياء المختلفة، العناوين الأسماء الوجوه والأشكال، وقد يكون بعضها قليل الأستخدام، كانت الخطوط قد بدأت بالتحول لأشكال مفهومة أكثر، وبدى الصوت أكثر أنتظاما، وأن هذا البشري الذي أمضى عمره يجمع هذا النوع من الذكريات، معرض في أي لحظة من اللحظات وتحت أي ظرف كان، أن يفقدها دونما سابق إنذار، وحتى دون أن يقول لأحدهم بأنه هو من شغل حيزا كبيرا من هذه الذاكرة، وأنه ببساطة يحبه.
كان الشارع الآخر، خلف الحديقة، فضي اللون، وبدى مستلقيا تحت الشمس التي أحدثت ثقبا كبيرا في قلب السماء، شعرت بالصوت أكثر قربا، وبدأت كل محاولات الهروب منه تتحول إلى دافع لتفسيره، وفي لحظة، أخذت الأشكال المفهومة تتحول لوجه أعرفه، كنت مرهقا، وبدى الوجه أكثر وضوحا، شعرت بقلبي ينبض بتتابع شديد، ثم غرقت بدفئ خبرته سابقا.
وكانت السماء زرقاء، وكان اليوم عادي!