العشر الأوائل من ذي الحجة . د.أحمد نوفل - العشر الأوائل من ذي الحجة . د.أحمد نوفل - العشر الأوائل من ذي الحجة . د.أحمد نوفل - العشر الأوائل من ذي الحجة . د.أحمد نوفل - العشر الأوائل من ذي الحجة . د.أحمد نوفل
العشر الأوائل من ذي الحجة .
د.أحمد نوفل
1- اصطفاء من الملائكة والرسل
ننطلق في هذا الموضوع من منطلق قوله تعالى: «وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحانه وتعالى عما يشركون»، ومن قوله تعالى: «الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس..».
تشير الآيتان إلى أن الله تعالى يخلق ويختار. خلق الملائكة وخلق من الملائكة من هم بمواصفات متميزة كجبريل أمين الوحي وملك الموت وميكال وحملة العرش: «الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به..» وخلق البشر وخلق فيهم ميزات ثم اختارهم من بين خلق فاختار الأنبياء عليهم السلام، واختار منهم أولي العزم، واختار منهم من ميز كلاً منهم بميزة، فقال: «تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض»، وقال: «وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم..»، وقال: «واتخذ الله إبراهيم خليلاً..»، وقال عن موسى: «وكلم الله موسى تكليماً»، وقال: «إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين»، واختار من آل عمران مريم وابنها عيسى ليكون الرسول المعجزة.
واختار أكمل الخلق محمد ليكون خاتم الرسل وخاتم النبيين، وإمامهم أجمعين ولواء الحمد بيده يوم القيامة وله الشفاعة العظمى، وأنزل عليه الكتاب الخاتم أعظم الكتب السماوية: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..»، وعظم أخلاقه مولانا العظيم فقال في القرآن العظيم: «وإنك لعلى خلق عظيم»، إلى أن قال فيه مولاه: «إن الله وملائكته يصلون على النبي..».
وأعطى داود خصوصية أن الجبال تسبح معه والطير فقال عنه: «ولقد آتينا داود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد..»، وقال عن سليمان: «ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه..»، وقال عن إدريس: «ورفعناه مكاناً علياً..».
وذكر موسى أكثر مما ذكر أي نبي في القرآن، وأعطى يوسف من الجمال ما لم يعط أحداً من العالمين، فهذا اختيار الله الذي يخلق ما يشاء ويختار ممن يخلق ممن أودع فيهم ما يشاء من الخصوصيات والميزات فقد قال عن مريم: «يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين..»، واختار بني إسرائيل في وقت لوقت محدد، واختار العرب ليكونوا على الزمان خير أمة أخرجت للناس ما استقاموا على المنهج. «الله أعلم حيث يجعل رسالته» هذا على صعيد الملائكة والرسل بإيجاز.
2- اصطفاء في المكان
أما على صعيد الأماكن فقد اختار مكة لتكون مكان بيت الله الحرام أول بيت وضع للناس لعباده الله في الأرض، وجعله الله حرماً آمناً، وجعل الثمرات تجبى إليه من كل فج، وجعل الأفئدة تهوي إليه، وجعل القبلة المختارة لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ودين الإسلام.
واختار المدينة لتكون مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ومقر الأنصار الذين اختارهم الله ليكونوا مع المهاجرين أمة الإسلام حملة الرسالة والدعوة وحملة راية الجهاد إلى العالمين.
واختار فلسطين لتكون الأرض المقدسة والمباركة وبوابة السماء في رحلة الإسراء، وأن يجعلها مهاجر إبراهيم عليه السلام، وأرض الرسل والنبوات ومهابط الوحي في كثير من الرسالات، وأن يجعلها قبلة المسلمين الأولى، وأن يجعل فيها ثالث المسجدين، وأن يجعلها متوسطة في الأرض وأوسط الشرق الأوسط كله كما هي مصطلحاتهم. وأن تكون مطمح الحضارات ونقطة الصراع الدائم بين الأقوام والأمم والحضارات. هكذا أراد الله، فما تكاد تهدأ، فما تنتهي موجة غزو حتى تبدأ موجة أخرى. هذه إرادة الله، وما يدريك لعل هذه الحال مهماز القدر لإيقاظ البشر في هذه المنطقة المهمة والرقعة الرائعة والمتوسطة المفصلية المقدسة من الأرض، فكل الديانات تزعم أنها الأحق بها. ولا أحد أحق من الإسلام وأمة الإسلام، هذا هو الحق الذي ستحسمه وتفصله القوة بإذن الله، وأقسم بها إذ قال: «والتين والزيتون..».
واختار من الأماكن طور سيناء فذكره أكثر مما ذكر أي مكان آخر في الأرض. هذا الاهتمام بسيناء في كتاب السماء، وعدم الاهتمام بل الإهمال الشديد من نظام مبارك في تهميش سيناء وتعطيلها من خطط التنمية لغاية في نفس المنحوس غير المبارك، نعرف منها بعضاً ونجهل بعضاً، وعسى أن يعود الاهتمام لها انطلاقاً من الأهمية التي أعطاها هذا الدين لهذا المكان؛ ولأنها خط المواجهة الأول مع العدو الصهيوني، ولأن ما جرى من تهميشها كان عقاباً على موقف أهل سيناء من الاحتلال الإسرائيلي ورفض الذوبان ورفض التبعية ورفض الاندماج في الحياة تبعاً لـ»إسرائيل»، فكان ما كان من مواقف مبارك وسليمان.
واختار من الأماكن كذلك ما أصبح شعائر الحج من عرفة إلى مزدلفة إلى منى، أما عرفة وهي الموقف فمكان الرحمات والتجليات والنفحات والأعطيات والبركات.
واختار المساجد لتكون أحب البقاع إليه من سائر الأرض، وفي طليعتها وغرتها الثلاثة مساجد ثم بقية المساجد، والروضة الشريفة في المسجد النبوي روضة من رياض الجنة.
واختار النوع الإنساني ليكون الخليفة في هذه الأرض، واختاره لحمل الأمانة وهي التكليف أو العبادة بالاختيار لا بالإجبار والاضطرار العبادة بالإرادة هي ميزة هذا النوع المتميز، وإلا فإن كل ذرة في الكون تعبد الخالق العظيم. وميزة الإنسان كما سلف أنه يعبد بالتخيير لا بالتسيير، ومن هنا كان مؤهلاً لحمل الأمانة التي عجزت عنها السموات والأرض والجبال، كما قال الكبير المتعال: «إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان..».
3- اصطفاء في الزمان
واصطفى مولانا العليم الخبير، اصطفى من الزمان أوقاتاً مخصوصة لتكون أولى الأوقات بالنفحات كما في الحديث: «ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها..»، وسمى الله في كتابه بعض الأيام «أيام الله»، إذ قال: «وذكرهم بأيام الله» علماً أن الأيام كلها لله، فلم خص أياماً عن أيام؟ ذلك أن النصرة والمعية والمعونة فيها متجلية أكثر من سائر الأيام، أو الانتقام من أعدائه فيها أوضح من سائر الأيام. واصطفى يوم الجمعة ليكون سيد الأيام، وعيداً أسبوعياً في تمام عبادة أسبوع كامل.
واصطفى من الزمان شهر رمضان ليكون شهر تنزل القرآن وسماه باسمه دون سائر الشهور إذ قال: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن..»، واختار من الشهر العشر الأواخر لتكون مركز الثقل وفيها ليلة القدر التي هي الليلة التي بدأ فيها تنزل القرآن والتي من أجلها كانت العشر مباركة، وأصبح الشهر ظرفاً لركن الصيام العظيم. وقد جعل الله ليلة القدر لا أقول تعدل الدهر والزمان كله، ولكنها تفوق على الزمان كله إذ قال: «ليلة القدر خير من ألف شهر»، والألف للتكثير لا للحصر، والخيرية مطلقة، أعني إلى آخر الدهر. فما الزمان إلا ظروف فارغة كعلب المجوهرات في محلات الصاغة والجواهرجية، وقيمة ما في الزمان من قيمة ما في الظرف الزماني، فليلة نزل فيها القرآن تفوق على كل الزمان؛ لأن الزمان بلا قرآن خسران وأي خسران من هنا قال: «والعصر إن الإنسان لفي خسر».
واعتبر القرآن صلاة الفجر متميزة على سائر الأوقات والصلوات، فقال يمتدحها ويخصها ويميزها: «وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً»، ولم تتكرر كلمة القرآن في آية مرتين في القرآن إلا في هذه الآية. واعتبر وقت السحر أفضل الأوقات للاستغفار والدعوات المستجابات فقال: «والمستغفرين بالأسحار».
واصطفى من الزمان العشر الأوائل من ذي الحجة، وأقسم بها وبالعشر الأواخر من رمضان إذ قال في القرآن: «والفجر وليال عشر»، وهي تشمل العشريتين: الأواخر من رمضان والأوائل من ذي الحجة، ولماذا الأواخر مرة والأوائل مرة؟ لئلا ينحصر الفضل في الأوائل أو الأواخر، فنوّع المولى الكريم وهو الذي يخلق ويودع من الأسرار فيما خلق ما يشاء ويختار مما خلق ما يشاء.
أما العشر الأوائل من ذي الحجة فتكاد تجمع التفاسير على أنها المعنية بقوله تعالى: «وليال عشر»، وإن كنت أرجح ما قلت قبل قليل أنها في الاثنتين. وبوركت نهارات هذه الليالي العشران في رمضان من بركة الليل، وبوركت الليالي في العشر الأوائل من ذي الحجة من بركة النهارات، والله أعلم.
ويكفي أن نستحضر في فضلها حديث المصطفى: «ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله من عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله في سبيل الله فلم يرجع من ذلك بشيء». وسؤالهم رضي الله عنهم عن الجهاد يدل على أنه المقياس للفضائل، والأفق الأعلى، وذروة السنام فانتبه.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «العمل الصالح» عام يشمل كل شيء، والصيام لا شك أنه من العمل الصالح فلا حرج على من صام التسع من ذي الحجة، والتضييق على الناس ليس له أساس، ولو جاء يوم عرفة يوم سبت فلا حرج في صيام السبت، ولو لم يصم قبله ولا بعده. فهذا يوم عرفة الذي يكفر صيامه سنة قبله وسنة بعده. رزقنا الله وإياكم حسن الفهم، وحسن العمل، وفضل العلم والحكمة وفصل الخطاب، واستثمار الأيام العظيمة، وقبول عملنا فيها. آمين.
اللهم تقبل منّا صيامنا وعملنا الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة
اللهم إجعلنا من المصلين القانتين المستغفرين بالأسحار..
مقال رائع جداً
بارك الله في شيخنا الجليل أحمد نوفل
وبارك الله فيك أخي يحيى
اللهم تقبل منّا صيامنا وعملنا الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة
اللهم إجعلنا من المصلين القانتين المستغفرين بالأسحار..
مقال رائع جداً
بارك الله في شيخنا الجليل أحمد نوفل
وبارك الله فيك أخي يحيى
اللهم آمين آمين آمين
الله يبارك فيك أخي الكريم ويجزيك الفردوس الأعلى بمنه وكرمه سبحانه وتعالى