إختلف أهل العلم على في هذا الشأن و هذا شرح من موقع العلامة بن باز
الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز
الصلاة على الغائب فيها تفصيل، بعض أهل العلم يرى أنه لا يصلى على غائب، وبعضهم يرى الصلاة عليه لكن إذا كان الغائب له شأن في الإسلام، كالنجاشي، فإن النبي صلى على النجاشي لما مات في بلاده، أخبر به الصحابة وصلى عليه صلاة الغائب، ولم يثبت عنه في الصلاة على الغائب إلا هذا الحديث، فإذا كان الغائب إمام عدل، وإمام خير صلي عليه صلاة الغائب، ولي الأمر يأمر بالصلاة عليه صلاة الغائب، وهكذا علماء الحق ودعاة الهدى إذا صلي عليهم صلاة الغائب فهذا حسن كما صلى النبي على النجاشي عليه الصلاة والسلام، أما أفراد الناس فلا تشرع الصلاة عليهم، لأن الرسول ما صلى على كل غائب، وإنما صلى على شخص واحد، له قدم في الإسلام، لأنه آوى المهاجرين من الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة، أواهم ونصرهم وحماهم وأحسن إليهم وكانت له اليد العظيمة في الإسلام، فلهذا صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- لما مات، وصلى عليه أصحابه معه، فمن كان بهذه المثابة، له قدم في الإسلام مثلما صلى المسلمون في هذه البلاد على ضياء الحق رئيس بلاد الباكستان رحمه الله كانت له مواقف طيبة إسلامية، أمر ولي الأمر أن يصلى عليه في الحرمين فصلي عليه لأنه أهل لذلك لمواقفه الكريمة وعنايته بتحكيم الشريعة وعنايته بها وحرصه على ذلك، نسأل الله لنا وله العفو والمغفرة، فالمقصود أن من كان بهذه المثابة من حكام المسلمين وعلماء المسلمين إذا مات في بلاد أوربا أو في بلاده أيضاً جاز أن يصلي عليه المسلمين.
النبي عليه السلام صلى على النجاشي فقط كونه توفي في بلد غير المسلمين ولم يصلي على غيره ..لكنها اصبحت عادة يعني اذا فلان مات وتم صلاة الجنازة عليه فلماذا يصلى عليه مرة اخرى؟؟!!
يعني فلان تم الصلاة عليه بالسعودية او بمنطقة ثانية وصلوا عليه المسلمين بصير ارجع واصلي عليه...على كل حال الله اعلم
لعمرك ما الرزية فقْد مال ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حر يموت بموته خلق كثير
يوم الجمعة الماضي، فقدت الأمة الإسلامية رجلاً ربانياً، وعالماً محققاً، وداعية موفقاً. فقبل صلاة العصر بساعة، صعدت روح العلامة عمر الأشقر إلى بارئها، وذلك بعد صبر جميل على آلام إصابته بمرض السرطان. فقد كان الشيخ، رحمه الله، هو الذي يُصبر ويُذكر، ويرفع من عزيمة من جاء يعوده، ويشد من أزره في مرضه؛ إذ كان، رحمه الله، راضياً بقضاء الله فرحاً بعطائه!
العلامة الأشقر كان محط قبول الجميع، ونقطة يتلاقى عندها كثير من الفرقاء في حياته وبعد مماته؛ ففي جنازته التي بلغ مشيعوها الآلاف، تجمعت كافة أطياف العمل الإسلامي، وسارت خلف جثمانه مختلف المدارس العقدية والفقهية، لِما كان يتحلى به من ربانية الطاعة ونبوية الأخلاق والمعاشرة. ويُنقل عن الشيخ الألباني أنه قال بحق الشيخ عمر الأشقر: عليه سمت العلماء.
وجنازة الشيخ أكدت دقة حكمة السلف، حين جعلوا يوم الجنازة دليلاً على فضل ومنزلة المتوفى، فقال الإمام أحمد بن حنبل: "قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز"، إذ إن الجماهير لا تخرج لتشييع من لا تثق فيه وتحترمه، خاصة وأنه قد مات وأفل نجمه.
والمكانة التي وصل إليها الشيخ، رحمه الله، هي بتوفيق الله عز وجل له أولاً، ثم بسبب تعلمه وتربيه على يد علماء أعلام كانوا نجوم زمانهم، وكانوا أصحاب نهج مسدد وعلم محكم وخلق عالٍ وتجربة وحكمة راقية. فالشيخ، رحمه الله، في مجالسه وفي ترجمته لنفسه في كتاب "صفحات من حياتي"، كان دائم الذكر لسيرة شيوخه واستفادته منهم، مثل العلاّمة ابن باز، والعلامة الألباني، والعلامة الشنقيطي، والعلامة عبدالرزاق عفيفي، والشيخ محمد البنا، وأخيه الشيخ محمد الأشقر، والشيخ عطية سالم، والشيخ محمد المجذوب، والشيخ مناع القطان رحمهم الله. ويلاحظ أن هؤلاء العلماء من بلاد مختلفة، وتميزوا في أبواب متعددة من العلم الشرعي، وكان لكل واحد منهم دور وتأثير بالغ. فمن كرامة الله عز وجل للشيخ الأشقر أن هيأ له اللقاء بهم والتعلم منهم. وكان الشيخ، رحمه الله، الثمرة الطيبة لهذا المزيج الزكي والفواح لعلماء ربانيين ومجاهدين مخلصين لله.
لقد بدأ لقاء الشيخ الأشقر، رحمه الله، بهؤلاء العلماء منذ كان في الثالثة عشرة من عمره، لأنه سافر من فلسطين إلى الرياض العام 1953، عند أخويه الشيخ محمد الأشقر وعبدالقادر رحمهما الله، وكانا على علاقة بالشيخ ابن باز وغيره من العلماء، فكان يرافقهما في زياراتهما.
وحين قدر الله عز وجل على الشيخ مغادرة السعودية العام 1964 والاستقرار في الكويت، كان رحمه الله قد أصبح طالب علم متمكناً، وداعية له دوره. يقول رحمه الله عن هذه المرحلة: "فقد حططت رحالي بها وأنا في مطلع مرحلة الشباب، وكنت حصلت على بعض العلم والعمل في الفترة التي كنت فيها في المدينة المنورة.. عملت عدة سنوات في الجامعة الإسلامية، صحبت فيها علماء أعلاما، منهم فضيلة شيخنا الشيخ ابن باز، ومنهم الشيخ الألباني والعلامة الشنقيطي.. وقد عملت في مجال الدعوة إلى الله في مساجد المدينة، وكان لي شرف الإشراف، مع إخوة، على الرحلات التي تقوم بها الجامعة إلى المدن ورحلات الحج والعمرة. وسافرت إلى السودان، وتعرفت على عدد كبير من العلماء والدعاة الذين يردون المدينة، أمثال الشيخ أبو الأعلى المودودي، والشيخ الندوي، والشيخ أمين الحسيني. لذا، فإنني لم أبدأ العمل من الصفر عند حلولي في الكويت، بل تابعت مسيرة سابقة حافلة بالعطاء، وكان لي من الخبرة ما يمكنني من الانطلاق بالدعوة" (ص 98).
ولذلك، فالشيخ رحمه الله حين بدأ بالدعوة إلى الله في الكويت، بصحبة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، لم يكن له ارتباط بجهة أو جماعة. يقول رحمه الله: "وانطلقت أنا والشيخ عبدالرحمن عبدالخالق نعمل في مسارين: الأول، في تعليم الناشئة الإسلام في المدارس؛ والثاني، التدريس في المساجد.
"ولم تكن لنا خلفية حزبية تأمرنا وتنهانا.. وأتانا بعض القيادات الإسلامية تناقشنا تجاه ما نقوم به من عمل، وطلبت منا التوقف عن العمل في المساجد" (ص 92).
ولذلك، فإن ارتباط الشيخ، رحمه الله، بجماعة الإخوان المسلمين كان لاحقاً لتكوّن شخصيته العلمية ودوره الدعوي. ولذلك، فإنه يعد ضمن العلماء السلفيين الذين انضموا لجماعة الإخوان المسلمين، مثل العلامة محبّ الدين الخطيب، أو العلماء السلفيين الذين تعاونوا مع جماعة الإخوان المسلمين، مثل العلامة الألباني مدة من الزمن.
والشيخ، يرحمه الله، يعد نموذجا يستحق الدرس والتأمل في هذه العلاقة بين كونه عالماً سلفياً وعضوا في جماعة الإخوان. إذ لم تمنعه عضويته، بل وزعامته في الجماعة، من الثبات على منهجه السلفي، حتى لو تطلب ذلك نقد مؤسس الجماعة الأستاذ حسن البنا رحمه الله، إذ خطّأ الشيخُ الأشقر مذهبَ البنا القائل بالتفويض في باب الأسماء والصفات في كتابه العقيدة في الله. وموقفه المخالف لجماعة الإخوان من ثورة الخميني في مؤتمر طلبة بريطانيا وأميركا العام 1980 معلوم ومشهور. كما أن الشيخ، رحمه الله، اعترض على نص البيعة التي كانت تؤخذ من أفراد جماعة الإخوان في الأردن لمخالفتها للشرع. وقد استجابت القيادة لاعتراضه وتم تصويبها. وله مواقف عديدة مشابهة. ولقد أصاب الشيخ محمد عبدالعزيز -وهو من أخص طلبة الفقيد- الحقيقةَ حين وصف الشيخ رحمه الله بأنه "لم يكن حزبياً بالمعنى المقيت".
ويحدثنا الشيخ عمر عن تطور نشاطه ودعوته مع الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، فيقول: "وتمخض العمل الإسلامي في الكويت إلى التشكل في عدة اتجاهات؛ الأول: العمل الإخواني، وكان أغزره العمل الكويتي، ثم العمل الفلسطيني.. والثاني: العمل السلفي الذي رعاه الشيخ عبدالرحمن حتى تجذر وتأصل.. ولم نكن أنا وعبدالرحمن نريد تكوين عمل خاص بنا" (ص93).
ويدلنا هذا على أن الشيخ عمر تقاسم الأدوار مع الشيخ عبدالرحمن؛ فالشيخ عمر يعمل في الوسط الإخواني الكويتي والفلسطيني، والشيخ عبدالرحمن يعمل في الوسط السلفي الكويتي.
واستطرادا، فقد سألت شيخنا عبدالرحمن عن علاقته بالشيخ عمر بعد أن قرأت كتاب الشيخ عمر، والذي ذكر فيه الشيخ عبدالرحمن كثيراً، فقال لي: لعله لم يتحاب اثنان مثلنا!
ولكن هذا الدور للشيخ عمر في الوسط الفلسطيني تجاوزه الشيخ في كتابه، لأنه حرص على أن يبقى بعيداً عن الأضواء. ولقد رفض الشيخ طلبات متكررة للأستاذ عزام التميمي، مالك قناة الحوار، للخروج في برنامج مراجعات، بسبب إصرار التميمي على الحديث عن دور الأشقر في تأسيس حركة حماس، وهو ما كان الشيخ يرفضه بشدة. ولكن الشيخ كتب عن هذا الدور أوراقاً لم تكتمل ولم تنشر بعد.
ولذلك، فإن الحضور البارز لرئيس وأعضاء المكتب السياسي لحماس لجنازة الشيخ، وتولي خالد مشعل شخصياً إنزال الشيخ في قبره، ثم تصريحات مشعل بحقيقة مكانة ودور الشيخ في حركة حماس، بأن الشيخ رحمه الله من كبار وأوائل المؤسسين والقادة، كان مفاجئا ليس لغير الإسلاميين بل لكثير من قادة وشباب حماس والإخوان أنفسهم، والذين كان بعضهم زاهدين في علم الشيخ واللقاء به!
ولعل في الكشف عن هذا الدور المركزي للشيخ، رحمه الله، في حركة حماس الجواب لتساؤل الكثيرين عن سبب وجود الشيخ في جماعة الإخوان رغم سلفيته، ورغم عدم خضوعه للتوجهات الحزبية للجماعة أو بعض مواقفها الشرعية.
أما استغراب البعض لاهتمام الشيخ، لا بل لمبادرته وتفانيه في الجهاد في سبيل الله عز وجل، برغم أن كتبه وخطبه ودروسه وشخصيته قد لا تدل على هذا الدور المركزي في الجهاد في سبيل الله عز وجل، فإنما هو استغراب في غير محله، لأن العلماء الربانيين كانوا هم طليعة المجاهدين من عهد الصحابة رضوان الله عليهم وإلى عصرنا الحاضر، ومن العلماء المعاصرين الذين قادوا الجهاد: الحاج أمين الحسيني، وعز الدين القسام، وعبدالله عزام، وعمر المختار، وعبدالكريم الخطابي، والشهيد أحمد عرفان.
وهذا الحب للجهاد ورثه الشيخ رحمه الله من شيوخه، انظر إليه يحدّث عن رحلة مع الشيخ ابن باز قبل 40 سنة، فيقول: "وقد حضرت شيخنا الشيخ عبدالعزيز رحمه الله في إحدى رحلاتنا مع الطلبة، فأحضر أحدهم بندقية، فأخذها الشيخ بيديه، وأخذ يتلمسها، ويذكر مقاطعها، ويتغنى بها كأنما هي عروس" (ص 44).
وختاماً، إذا كان الله عز وجل كتب للشيخ الأشقر القبول في الأرض في حياته برواج كتبه والحرص على لقائه وتقديره بين أهل العلم، كما شهدت جنازته زحف الألوف من الناس على اختلاف مشاربهم، فإنني متفائل أن نجمه سيبزغ أكثر، وأن شمسه ستشرق أجمل، بعد موته حين علم الناس حقيقة دوره الجهادي، بحيث أعاد للناس ضرب المثل بكونه العالم العامل المجاهد الرباني الخفي الشهيد، نحسبه كذلك والله حسيبه.
العلماء الراسخون - العلماء الراسخون - العلماء الراسخون - العلماء الراسخون - العلماء الراسخون
العلماء الراسخون
كنت أود في هذه الجمعة الأخيرة من رمضان المعظم، أن أتحدث عن الثبات على المبدأ، حين يتعرف الإنسان على ذاته، وقد أتاح له رمضان هذه الفرصة العظيمة في اكتشاف الذات. فمن أعز الثمار في رمضان بعد التقوى والمغفرة، الثبات على الاستقامة في طريق الله، ولسان الحال يقول للنفس: كفى تيها ولعبا ومغامرة، فالحق أبلج والباطل لجلج، ومن عرف الطريق فلا بد أن يلزم، ومن صعد في الدرج إلى أعلى فارتقى في كيانه فمن المعيب عليه أن يهبط، بل يكمل ارتقاءه الروحي والفكري والقيمي. هكذا شأن العقلاء، ونسأل الله تعالى أن نكون ممن عرفوا والتزموا وصبروا على مشاق الطريق.
ولكنني اليوم أجدني بحاجة إلى الحديث عن عَلَم من أعلام الأردن وفلسطين، ليس لأنه زميل سابق في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية فحسب، ولكن لأنه صاحب خصائص يندر وجودها في غيره رحمه الله؛ إنه الدكتور عمر سليمان الأشقر، الذي جمع سمت العلماء، وصمت الحكماء، وفطنة الفقهاء، وتقوى الأولياء، وجود الأغنياء، وزهد الفقراء.
كان من الموسوعيين النادرين الذين تبحروا في مجالات العلم المختلفة؛ فهو فقيه وأصولي ومفسر ومحدث وصاحب باع طويل في علوم العقيدة، بل إن معظم مؤلفاته التي لقيت رواجا وإعجابا هي تلك السلسلة المتحدثة عن العقيدة، وذلك على منهج السلف، غير متعصب ولا ذام لفرق أهل السنة الأخرى، فهو يعلم أن اللغة التي ينبغي للعلماء إتقانها كل حين هي لغة التجميع لا التفريق، وهي المعبرة عن رسالة الرحمة التي وصفها الله سبحانه لهذا الدين ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ولأتباعه المقتدين به. هكذا كان –رحمه الله- من أهل الغيرة على الدين والمسلمين، عالم عامل، نقي تقي، اختاره الله لجواره يوم جمعة في العشر الأواخر من رمضان، ولعلها في ساعة مباركة من الجمعة.
وحتى لا أكون مبالغًا، ومعرفتي به قاربت العقدين من الزمن، فإنني أركز على جوانب ثلاثة تميز بها رحمه الله: الجرأة والثبات ونبذ التعصب.
وأبدأ بالجرأة. فمعروف عنه أنه لم يهادن أو يجامل في الحق أبدا، يذكر الحكم الشرعي بغض النظر عن نتائجه. وأذكر يوما أنني كنت أجمع توقيعات الزملاء العلماء على فتوى جواز دفع الزكاة لتعليم القرآن في مراكز التحفيظ، وكان الذي صاغ الفتوى قد بناها على مفهوم أحد مصارف الزكاة، وهو "في سبيل الله" من حيث التوسع فيه. وكنت قد جمعت بعض التوقيعات، ولما أردت منه التوقيع قرأ النص وكان مختصرا، فما كان منه إلا أن دفعه مبديا عدم رغبته في التوقيع. ولما ناقشته قلت له لماذا؟ فقال: يا أخي، أنا لا أخالف ما انتهت إليه دراستي، فقد كتبت بحثا حول "في سبيل الله" في القرآن، وتبين لي أن المقصود منها الجهاد في سبيل الله. فقلت فورا: لكن يا أبا سليمان، ألا ترى أن الجهاد أنواع، بالسنان وباللسان، وقد قال الله تعالى عن القرآن: "وجاهدهم به جهادا كبيرا"، وإن هذه المراكز تُعِدُّ الأجيال الصالحة المصلحة، وتهيئهم للدفاع عن هذا الدين والجهاد في سبيل الله؟ عندها قال لي بتواضعه ووقوفه عند الحق: إذن اكتب هذا الكلام. وفعلاً، غيّرنا الصيغة بهذا المفهوم. ولما عرضتها عليه وعلى الدكتور ماجد أبو رخية –حفظه الله- فما كان منهما إلا سرعة التوقيع. وأذكر أن أبا سليمان قال حينها: أما الآن فنعم.
وأذكر أن الإخوان المسلمين كانوا قد عقدوا مناظرة فقهية حول المشاركة السياسية في الحكومة وغيرها من المشاركات، ولم أحضرها مباشرة وإنما تابعتها من خلال فيديو، وكانت المناظرة بينه وبين زميله. وتكلم أبو سليمان كلاما علميا وفق الأدلة الشرعية، واكتفى الآخر بعرض مجمل لبعض الآراء ممزوجة بالتوجه الفكري والسياسي. مال أبو سليمان إلى أن الأصل المشاركة، وعارض الآخر بأن الأصل المنع. وضاع الحكم بين نداءات العواطف والمواقف السياسية، بينما الذي طرحه أبو سليمان كان غاية في التوجيه الفقهي للمسألة، أخذا بعين الاعتبار واقع الحكم. وحين شعر أبو سليمان بهذا القصور من الطرف الآخر قال ما معناه: إنه قضى الليالي والأيام، وتعب وسهر من أجل تجلية الفتوى، وأنت يا أخي لم تتعب نفسك حتى في البحث عن الأدلة. كان بإمكانه أن يسجل موقفا يجلب له شعبية حين يصفق الناس للمتشدد وتحركهم العاطفة، ولا يلتفتون أو ينتبهون إلى الأدلة من مظانها والنظر في مآلاتها. والأمثلة في هذا كثيرة لا يتسع المقام لها.
أما الثبات، فهو في فكره ورأيه ومبدئه؛ فلم يبدل أو يغير، كان صافيا في علاقاته، يحب أهل الدين، وينبذ أولئك المذبذبين وما أكثرهم في هذا الزمان. في منهجه العقدي كان واضحا ثابتا، وفي منهجه الفقهي الموسوعي الذي لا يقف عند اتباع مذهب محدد كان أيضا واضحا ثابتا، وفي أخوته لأفراد جماعته وغيرهم من أفراد الجماعات الأخرى كان ثابتا واضحا، وفي مبدئه السياسي والفكري كان غاية في الثبات، بل زادته دراساته المتأخرة -التي لم يتوان عنها رغم مرضه- رسوخا في ثباته على الموقف من اليهود –مثلاً- ومن حتمية الصراع والمدافعة بين الحق والباطل، خاصة ما ينتظر المنطقة في آخر الزمان، أعني بلاد الشام.
ومن حسن الطالع أنني في برنامج "على بصيرة"، الذي كنت أقدمه على قناة الرسالة في دورته الثانية (2011)، استضفته في حلقتين متتاليتين، وكان الحديث عن الثورات العربية، ولم يُحسم موضوع ليبيا أو مصر بعد. وتحدث الشيخ بنظره الثاقب حول مفهوم الثورة ومبدأ النصح، وأن هؤلاء إنما ينصحون ما داموا لم يشهروا السلاح، واستدل بحديث "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى سلطان جائر فوعظه فقتله". فقال أبو سليمان: هذا مع سيد الشهداء، فكيف إن كانا اثنين؟ أو كانوا ثلاثة أو أكثر؟ فهم من سادة الشهداء، أما الخروج فهو أمر آخر. ودافع عن رأيه رحمه الله. واتصلت به فقال لي: لقد زارني عدد كبير من الإخوة السلفيين وبعضهم عاتبني على رأيي، وحاولت أن أفهمهم الرأي واقتنع بعضهم ولم يقتنع الآخرون. فقلت له: ما رأيك أن أستضيفك مرة أخرى لتوضح وجهة النظر أكثر للأمة، فوافق، وثبت على رأيه، بغض النظر عما سيقوله الناس.
ولا أريد أن يفهم القارئ أن الشيخ من حيث جرأته وثباته كان جامدا متعصبا، لا والله، فقد كان وقافا عند حدود الله، وكان لينا مرنا، يتبع الدليل ومنطق الأشياء، وهذا الذي ميزه عن غيره رحمه الله. وهذا يقودني للحديث عن النقطة الثالثة؛ فقد كان حرا غير متعصب. فبالرغم من كونه من الإخوان المسلمين، إلا أن تلاميذه كانوا متنوعين، بين إخوان وسلفيين وغير منتمين إلى جماعات، وهذه نقطة رئيسة ليت العلماء كلهم يدركونها، أن العالِم هو للأمة كلها، ولا يمنعه انتماؤه الحزبي من حب المسلمين جميعا والتفاني في خدمتهم، وذلك حين نفهم أن الجماعة أو الحزب وسيلة لا غاية، وأن تلك الجماعة هي من المسلمين، وأن الجماعات تكمل بعضها بعضا. بهذا المفهوم عاش رحمه الله، وهكذا ينبغي أن نكون متحابين متآلفين، فالحب هو في الله، والبغض هو أيضا في الله، وكذا الولاء والبراء، فالعبرة هي هذا الدين.
رحم الله الدكتور عمر الأشقر العالم العامل، عضو رابطة علماء الأردن. ورحم علماء الأمة؛ فهم وإن غابت أجسامهم فأرواحهم معنا، وآثارهم بيننا. ومن عاش لمبدأ وضحّى من أجله فلا يمكن أن يغيب أبدا، فكلنا يقول: هنا مرّ وهذا الأثر. وعزاؤنا أن أتباعَك وتلاميذك كثرٌ، هم كلهم عمر الأشقر، يتذكرون سمتك وهيبتك التي كسيتها يا صاحب القلب الكبير والعزم الشديد، لكنه قضاء الله، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون.
د. محمد المجالي
عميد كلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية