الدكتور إياد قنيبي
حصل تمييع للدين في حس كثير من المسلمين نتيجة تَسَرُّب مفاهيم علمانية-ليبرالية-حداثية مع أن أحدهم قد لا يفهم معاني هذه المصطلحات أصلا، لكن سهامها تدخل إلى قلبه عبر قنوات الإعلام والتعليم. وساهم في التمييع انتشار مقاطع لـ"شيوخ" أزهريين" و"دعاة" "مودرن" يهدمون الخط الفاصل بين الحلال والحرام تحت عنوان "التنوير" و"تحرير العقل" و"الثورة على القداسة التقليدية"...يتناقل الناس مقاطعهم على سبيل الإعجاب تارة، والتساؤل تارة، والتندر والتنكيت تارة أخرى. والنتيجة واحدة: تمييع المفاهيم الدينية كلها في حس الناس.
من نتائج هذا التمييع ضعف الاعتراف بالذنب، والذي هو مفتاحٌ للانكسار بين يدي الله والتواضع له سبحانه. قال تعالى في سورة التوبة: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) ما نتيجة هذا الاعتراف؟ تتابع الآية: (عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم (102) ). وهؤلاء قوم اعترفوا وأقلعوا عن الذنب فالرحمة مرجوة لهم.
في زماننا، أصبح كثير من الناس يعترف بذنبه لكنه لا يقلع عنه بل يستمر عليه، فإذا ذُكِّر بالله قال: (أعترف بخطئي وأستغفر الله، ادعُ لي بالهداية يا شيخ).
ثم تطورت الأمور وأصبح كثيرون لا يعترفون بذنبهم أصلاً! بل إذا ذُكِّر أحدهم قال: (هذا رأيك، لك حق التعبير عنه، لكن لا تفرضه على الآخرين)، (يا أخي لا تحتكر الحقيقة، لماذا تفترض أن رأيك هو الصواب؟)، (المسألة فيها خلاف)!!
هذا مع أنه قد يكون واقعا في أمرٍ أجمع على حرمته كل من يُعتد بقوله من علماء العصور الفاضلة! ومع ذلك فقد أصبحت هذه الحرمة القطعية مجرد "رأيٍ" لديه، بل وقد يقول "المسألة فيها خلاف" دون أن يكون قد سمع بخلاف فيها أصلا، لكنه أصبح يفترض أن كل مسائل الدين فيها خلاف!
وحتى لو كان فيها خلاف، فليس كل خلاف معتبرا.
وحتى لو كان معتبرا، فليس لأحدنا أن يختار قولاً فيها بهواه وعلى مزاجه.
المهم في الموضوع أن عنصر "الاعتراف بالذنب" ضاع من نفوس كثيرين. ولو كان تهربهم من الاعتراف هو أمام من يعظهم فقط لهان الخطب، لكن اعترافهم بذنبهم ضعف حتى في علاقتهم بالله تعالى!
قربت الآية الرحمة ممن أساء لكنه اعترف وأقلع، ثم إذا بالناس يعترفون ولا يقلعون، ثم إذا بهم لا يعترفون أصلاً! اللهم هدايتك.